بعد 10 سنوات على الثورة... ليبيا لا تزال ضحية انقسام سياسي

عانت من تحكم الميليشيات والمرتزقة وانتشار الفساد وبنى تحتية مدمرة

TT

بعد 10 سنوات على الثورة... ليبيا لا تزال ضحية انقسام سياسي

بعد عشرة أعوام على الثورة التي أطاحت بحكم معمر القذافي، لا تزال ليبيا غارقة في فوضى سياسية وأمنية، تفاقمها التدخلات الخارجية، وحرمان الليبيين المنهكين من ثروات بلادهم الهائلة.
وبعد سنوات من الحروب والأزمات، تحقّق في الأشهر الماضية تقدم سياسي «ملموس»، وفق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، تمثل في حوار ليبي - ليبي في سويسرا، والمغرب، وتونس ومصر، أثمر الأسبوع الماضي عن اختيار رئيس حكومة ومجلس رئاسي جديد، وترافق مع انتعاش إنتاج قطاع النفط الحيوي للاقتصاد الليبي.
ومع ذلك، لا تزال ليبيا تواجه تحديات كبيرة بعد 42 عاماً من حكم القذافي، أبرزها انتشار بنى تحتية مدمرة، وتحكم الميليشيات وانتشار المرتزقة والفساد.
يقول الخبير في منظمة «المبادرة العالمة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية»، عماد الدين بادي، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، «بعد عشر سنوات على الثورة، ليبيا دولة مشوهة أكثر مما كانت في عهد القذافي».
ويوجد في البلاد اليوم آلاف النازحين، بينما غادر البلاد مجدداً عدد كبير من المهاجرين، الذين عادوا إليها للمشاركة في إعادة الإعمار. ويعيش نحو سبعة ملايين شخص في هذا البلد الشاسع، الذي يشهد بعد عشرة أعوام من انطلاق انتفاضته من بنغازي في سياق ثورات «الربيع العربي» تنافساً بين معسكرين: حكومة الوفاق الوطني، التي تشكلت إثر حوار رعته الأمم المتحدة عام 2016 وتتخذ من طرابلس مقراً، وسلطة في شرق البلاد يجسدها خصوصاً المشير خليفة حفتر.
ومنذ فشل الهجوم على طرابلس العام الماضي، تسارعت مبادرات الوساطة لتسوية النزاع، فوُقّع اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية الأمم المتحدة في الخريف الماضي، وهو لا يزال سارياً على عكس اتفاقات سابقة اُنتهكت سريعاً. لكن لا يزال آلاف المرتزقة والمقاتلين الأجانب متواجدين في البلاد، رغم أن الاتفاق نصّ على ضرورة مغادرتهم بحلول 23 من يناير (كانون الثاني) الماضي. كما طالبت الإدارة الأميركية الجديدة بمغادرة القوات الروسية والتركية ليبيا فوراً. وعُيّن مؤخراً يان كوبيش مبعوثاً جديدا للأمم المتحدة إلى ليبيا. وفي غضون ذلك، أثمرت المحادثات بين الليبيين اتفاقاً حول تنظيم الانتخابات في ديسمبر (كانون الأول) المقبل. ويفترض أن تشرف الهيئة التنفيذية، التي انتخبت أخيراً، وأبرز أركانها رئيس الحكومة المكلف عبد الحميد محمد دبيبة، ومحمد يونس المنفي رئيساً للمجلس الرئاسي، على المرحلة الانتقالية التي يفترض أن تقود إلى انتخابات ديمقراطية.
لكن رغم ذلك، ترى «مجموعة الأزمات الدولية» أن ما تحقق لا يعدو أن يكون «مكاسب هشّة»؛ لأنه «لا يزال هناك العديد من الخطوات التي يتعين اتخاذها قبل تشكيل حكومة الوحدة المؤقتة». وفي هذا السياق، يؤكد الباحث جلال حرشاوي، أن الوضع يبقى هشّاً، ويضيف متسائلاً «لقد تراجع عدد القتلى الليبيين بالفعل، لكن هل تحقق تقدم على المستوى السياسي؟ هل زال الخطر؟ على الإطلاق».
ففي طرابلس مثلاً، لا يزال الليبيون يعانون من نقص السيولة النقدية، وضعف الإمداد بالوقود والكهرباء والتضخم المالي. وفي هذا الصدد، يعتبر عماد الدين بادي أن الليبيين «يفقّرون تدريجياً».
أما العاصمة طرابلس، فقد كانت حتى وقت قريب تحت هيمنة عشرات المجموعات المسلحة المحلية، التي تغيّر ولاءها باستمرار. لكنها صارت أقل بروزاً مع تزايد حضور قوات الأمن. كما كانت المجموعات المتطرفة حاضرة أيضاً في المشهد لبعض الوقت، وساهمت في دوامة الفوضى، خاصة بعد أن سيطر تنظيم «داعش» على سرت، التي صارت نقطة انطلاق لشن معارك وهجمات طالت تونس ما بين عامي 2015 و2016.
أما في المجال الاقتصادي، فقد طال العنف قطاع النفط في بلد يحوي أكبر احتياطي من الذهب الأسود في أفريقيا، ووصل الأمر إلى استعماله كورقة مقايضة، حيث عطّل مسلحون العام الماضي الموانئ النفطية الأساسية وسط البلاد، وطالبوا بتوزيع أكثر عدلاً لموارد المحروقات، التي يديرها خصومهم في طرابلس. لكنهم تراجعوا أخيراً عن استعمال النفط كورقة سياسية.
يقول جلال حرشاوي، إن ما جرى أشبه بوضع «ضمادات» على الجراح بدلاً من علاجها؛ إذ تعاني البنى التحتية في قطاع الطاقة من ضعف الصيانة.
وعلاوة على هذه المعضلات، تحولت ليبيا إلى مركز لتجارة البشر في القارة، وصار عشرات آلاف المهاجرين تحت رحمة المهربين المحليين، يعيشون مأساة إنسانية رهيبة، ويتعرضون إلى انتهاكات جسيمة، بينما يموت عدد كبير منهم أثناء محاولتهم العبور نحو الضفة الشمالية للمتوسط، رغم جهود المنظمات غير الحكومية.



السيسي: الربط الكهربائي مع السعودية نموذج للتعاون الإقليمي

اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول (الرئاسة المصرية)
اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول (الرئاسة المصرية)
TT

السيسي: الربط الكهربائي مع السعودية نموذج للتعاون الإقليمي

اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول (الرئاسة المصرية)
اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول (الرئاسة المصرية)

أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن مشروع الربط الكهربائي مع المملكة العربية السعودية نموذج لتكامل التعاون في مجال الطاقة على المستوى الإقليمي، وبين مصر والمملكة خصيصاً. وأضاف: «كما يعد المشروع نموذجاً يحتذى به في تنفيذ مشروعات مماثلة مستقبلاً للربط الكهربائي»، موجهاً بإجراء متابعة دقيقة لكافة تفاصيل مشروع الربط الكهربائي مع السعودية.

جاءت تأكيدات السيسي خلال اجتماع مع رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، ووزيري الكهرباء والطاقة المتجددة، محمود عصمت، والبترول والثروة المعدنية، كريم بدوي. وحسب إفادة لـ«الرئاسة المصرية»، الأحد، تناول الاجتماع الموقف الخاص بمشروعات الربط الكهربائي بين مصر والسعودية، في ظل ما تكتسبه مثل تلك المشروعات من أهمية لتعزيز فاعلية الشبكات الكهربائية ودعم استقرارها، والاستفادة من قدرات التوليد المتاحة خلال فترات ذروة الأحمال الكهربائية.

وكانت مصر والسعودية قد وقعتا اتفاق تعاون لإنشاء مشروع الربط الكهربائي في عام 2012، بتكلفة مليار و800 مليون دولار، يخصّ الجانب المصري منها 600 مليون دولار (الدولار يساوي 49.65 جنيه في البنوك المصرية). وقال رئيس مجلس الوزراء المصري، خلال اجتماع للحكومة، منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إن خط الربط الكهربائي بين مصر والسعودية سيدخل الخدمة في مايو (أيار) أو يونيو (حزيران) المقبلين. وأضاف أنه من المقرر أن تكون قدرة المرحلة الأولى 1500 ميغاواط.

ويعد المشروع الأول من نوعه لتبادل تيار الجهد العالي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من مدينة بدر في مصر إلى المدينة المنورة مروراً بمدينة تبوك في السعودية. كما أكد مدبولي، في تصريحات، نهاية الشهر الماضي، أن مشروع الربط الكهربائي مع السعودية، الذي يستهدف إنتاج 3000 ميغاواط من الكهرباء على مرحلتين، يعد أبرز ما توصلت إليه بلاده في مجال الطاقة.

وزير الطاقة السعودي يتوسط وزيري الكهرباء والبترول المصريين في الرياض يوليو الماضي (الشرق الأوسط)

فريق عمل

وفي يوليو (تموز) الماضي، قال وزير الكهرباء والطاقة المتجددة المصري، خلال لقائه وزير الطاقة السعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان، في الرياض، إن «هناك جهوداً كبيرة من جميع الأطراف للانتهاء من مشروع الربط الكهربائي المصري - السعودي، وبدء التشغيل والربط على الشبكة الموحدة قبل بداية فصل الصيف المقبل، وفي سبيل تحقيق ذلك فإن هناك فريق عمل تم تشكيله لإنهاء أي مشكلة أو عقبة قد تطرأ».

وأوضحت وزارة الكهرباء المصرية حينها أن اللقاء الذي حضره أيضاً وزير البترول المصري ناقش عدة جوانب، من بينها مشروع الربط الكهربائي بين شبكتي الكهرباء في البلدين بهدف التبادل المشترك للطاقة في إطار الاستفادة من اختلاف أوقات الذروة وزيادة الأحمال في الدولتين، وكذلك تعظيم العوائد وحسن إدارة واستخدام الفائض الكهربائي وزيادة استقرار الشبكة الكهربائية في مصر والسعودية.

ووفق المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، محمد الشناوي، الأحد، فإن اجتماع السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول تضمن متابعة مستجدات الموقف التنفيذي لمحطة «الضبعة النووية»، في ظل ما يمثله المشروع من أهمية قصوى لعملية التنمية الشاملة بمصر، خصوصاً مع تبنى الدولة استراتيجية متكاملة ومستدامة للطاقة تهدف إلى تنويع مصادرها من الطاقة المتجددة والجديدة، بما يسهم في تحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين.

وأكد السيسي أهمية العمل على ضمان سرعة التنفيذ الفعال لمشروعات الطاقة المختلفة باعتبارها ركيزة ومحركاً أساسياً للتنمية في مصر، مشدداً على أهمية الالتزام بتنفيذ الأعمال في محطة «الضبعة النووية» وفقاً للخطة الزمنية المُحددة، مع ضمان أعلى درجات الكفاءة في التنفيذ، فضلاً عن الالتزام بأفضل مستوى من التدريب وتأهيل الكوادر البشرية للتشغيل والصيانة.

وتضم محطة الضبعة، التي تقام شمال مصر، 4 مفاعلات نووية، بقدرة إجمالية تبلغ 4800 ميغاوات، بواقع 1200 ميغاوات لكل مفاعل. ومن المقرّر أن يبدأ تشغيل المفاعل النووي الأول عام 2028، ثم تشغيل المفاعلات الأخرى تباعاً.

جانب من اجتماع حكومي سابق برئاسة مصطفى مدبولي (مجلس الوزراء المصري)

تنويع مصادر الطاقة

وتعهدت الحكومة المصرية في وقت سابق بـ«تنفيذ التزاماتها الخاصة بالمشروع لإنجازه وفق مخططه الزمني»، وتستهدف مصر من المشروع تنويع مصادرها من الطاقة، وإنتاج الكهرباء، لسد العجز في الاستهلاك المحلي، وتوفير قيمة واردات الغاز والطاقة المستهلكة في تشغيل المحطات الكهربائية.

وعانت مصر من أزمة انقطاع للكهرباء خلال أشهر الصيف، توقفت في نهاية يوليو الماضي بعد توفير الوقود اللازم لتشغيل المحطات الكهربائية. واطلع السيسي خلال الاجتماع، الأحد، على خطة العمل الحكومية لضمان توفير احتياجات قطاع الكهرباء من المنتجات البترولية، وانتظام ضخ إمدادات الغاز للشبكة القومية للكهرباء، بما يحقق استدامة واستقرار التغذية الكهربائية على مستوى الجمهورية وخفض الفاقد.

ووجه بتكثيف الجهود الحكومية لتعزيز فرص جذب الاستثمارات لقطاع الطاقة، وتطوير منظومة إدارة وتشغيل الشبكة القومية للغاز، بما يضمن استدامة الإمدادات للشبكة القومية للكهرباء والقطاعات الصناعية والخدمية، وبتكثيف العمل بالمشروعات الجاري تنفيذها في مجال الطاقة المتجددة، بهدف تنويع مصادر إمدادات الطاقة، وإضافة قدرات جديدة للشبكة الكهربائية، بالإضافة إلى تطوير الشبكة من خلال العمل بأحدث التقنيات لاستيعاب ونقل الطاقة بأعلى كفاءة وأقل فقد.