اتساع الرفض الشيعي للإشراف الأممي على الانتخابات العراقية

«سائرون» و«دولة القانون» تفرقهما «البطة» وتوحدهما بلاسخارت

اتساع الرفض الشيعي للإشراف الأممي على الانتخابات العراقية
TT

اتساع الرفض الشيعي للإشراف الأممي على الانتخابات العراقية

اتساع الرفض الشيعي للإشراف الأممي على الانتخابات العراقية

على الرغم من السجال الذي جرى مؤخراً بين التيار الصدري بزعامة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر وائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي حول ماعرف بـ«البطة»، وهي السيارة التي كانت تتهم أيام الحرب الطائفية (2006 - 2008) بالعراق بالتصفيات، خصوصاً بعد تصريحات مثيرة للجدل للمالكي، فإن كلاً من كتلتي «سائرون» المدعومة من الصدر و«دولة القانون» أعلنتا رفضهما فكرة الإشراف الأممي على الانتخابات العراقية المقررة في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.
الحديث عن «البطة» عاد من جديد على أثر تصريحات للنائب السني السابق مشعان الجبوري رداً على رغبة التيار الصدري بتسلم رئاسة الوزراء بعد الانتخابات المقبلة، قال فيها إن السنة لا يرغبون في أن يكون «سائق البطة» رئيساً للوزراء.
المالكي، من جهته، أكد عزمه تولي منصب رئاسة الوزراء فيما لو جرى تكليفه، وتعهد بملاحقة «البطة»، ما أثار حفيظة الصدريين، ورد ما يعرف بـ«وزير الصدر»، محمد صالح العراقي، على تصريحات رئيس الوزراء الأسبق بعنف. وقال العراقي في تغريدة على «تويتر» إن «من الممكن القول إن البطة هي الحل الوحيد للفاسدين، ولمن باعوا ثلث العراق لـ(داعش)»، في إشارة إلى الاتهامات التي وجهت للمالكي بالتسبب في سقوط الموصل ومدن عراقية أخرى بيد التنظيم الإرهابي منتصف عام 2014. وتابع العراقي: «إلا أن أخلاقنا، نحن الصدريين القح (الخالصين)، لا تسمح لنا بذلك، فهي سيرة المنشقين والميليشيات الوقحة، وهم أجمع ليسوا أسوة لنا».
اللافت أن الانتخابات البرلمانية المرتقبة بدأت بخلق اصطفافات جديدة بشأن مسألة الإشراف الأممي عليها. وفيما لم تظهر اعتراضات من قبل السنة والكرد على مبدأ الإشراف الدولي، فإن الكتل الشيعية بدأت تعلن رفضها الإشراف الأممي تحت ذريعة الانتقاص من السيادة. وفيما لم تعلن نتائج زيارة مبعوثة الأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت إلى طهران والتي لحقها بعد يومين وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين إلى إيران، فإن المؤشرات كلها تؤكد أن بلاسخارت وحسين حاولا تسويق فكرة الإشراف الدولي على الانتخابات العراقية، لكن ليس من منطلق الهيمنة على القرار العراقي الذي قد يسلب تحكم الكتل الشيعية بالقرار السياسي في البلاد.
وفي هذا السياق، أعلن «ائتلاف دولة القانون» رفضه الإشراف الدولي، وقال القيادي به وعضو البرلمان كاطع الركابي في تصريحات، إن «أي دولة تحترم نفسها، وتملك سيادة كاملة، لا يمكن لها القبول على موضوع الإشراف الأممي على الانتخابات»، مبيناً أن «العراق دولة ذات سيادة ومعترف بها من كل العالم، ومن غير الممكن القبول بالإشراف الأممي»، مضيفاً أن «العراق لا ينقصه شيء حتى يطلب من الأمم المتحدة أو جهة دولية أن تكون مشرفة على الانتخابات». وتابع: «إننا مع وجود رقابة للأمم المتحدة أو طرف آخر، من أجل الحفاظ على نزاهة وشفافية الانتخابات، وهذا الأمر معمول به منذ أول انتخابات أجراها العراق بعد 2003». وبين أن «قضية الرفض السياسي للإشراف الأممي مرتبط بقضية سيادة العراق». وأوضح الركابي أن «هناك مخاوف سياسية من أن هذا الاشراف قد يكون لصالح جهات سياسية ضد جهات سياسية أخرى، من خلال التلاعب في الانتخابات أو نتائجها».
وكان المالكي نفسه أعلن رفضه الإشراف الأممي وقال في مقابلة متلفزة: «وضع الانتخابات تحت إشراف دولي خطير جداً»، مؤكداً أنه «لا توجد دولة تقبل بإشراف دولي على انتخاباتها»، موضحاً أنه يمثل «خرقاً للسيادة الوطنية»، فيما أبدى موافقته على «المراقبة فقط».
من جهته، أعلن تحالف «سائرون» أيضاً رفضه الأممي، وقال القيادي في التحالف النائب رياض المسعودي، إن «جميع الانتخابات في دول العالم تجري برقابة دولية»، مشدداً على أن «يكون الإشراف على عمليات إجراء الانتخابات وليس إجراء الانتخابات». وأوضح أن «هذا يعني ألا تقوم الأمم المتحدة أو أي طرف دولي، بإجراء الانتخابات العراقية»، مؤكداً أن «هذا الأمر مرفوض ولن نقبل به».
من جهتها، أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات عن عدد الأحزاب السياسية التي أبدت رغبتها بالمشاركة في الانتخابات المقبلة. وقالت المتحدثة باسم المفوضية، جمانة الغلاي، إن «52 حزباً من أصل 235 حزباً مجازاً أبدوا الرغبة بالمشاركة»، لافتة إلى أن «مجموع التحالفات المصادق عليها حتى الآن 28  تحالفاً».
إلى ذلك، يقول النائب عن محافظة الأنبار ضمن تحالف القوى العراقية، عبد الله الخربيط، لـ«الشرق الأوسط»، إن الانتخابات بوضعها الحالي لا يمكن أن يكون فيها تزوير، ولو جئنا بروبوتات لكي تشرف عليها، حيث لن تتغير النتائج»، مبيناً أن «الذي سيتغير في حال أصبح هناك إشراف أممي حقيقي هو الإقبال، حيث إن المواطنين العراقيين سوف يقتنعون بالانتخابات، وبالتالي يقبلون عليها بكثرة، الأمر الذي سيؤدي إلى تغيير النتائج بشكل كبير».



​«هدنة غزة»: هل تسرّع نتائج الانتخابات الأميركية جهود الوسطاء؟

امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

​«هدنة غزة»: هل تسرّع نتائج الانتخابات الأميركية جهود الوسطاء؟

امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

يعول كثيرون على نتائج الانتخابات الأميركية، التي ستقود المرشح الجمهوري دونالد ترمب أو نظيرته الديمقراطية كامالا هاريس للبيت الأبيض، في إنجاز صفقة الرهائن، وإنهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بعد نحو عام راوحت المفاوضات مكانها، وسط مطالبات لنحو 50 دولة بوقف تسليح إسرائيل.

تلك النتائج التي يترقبها، لا سيما دولتا الوساطة مصر وقطر، وطرفا الحرب «حماس»، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وفق خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، قد تؤثر بشكل كبير على مسار المفاوضات بغزة، وتسرع من وتيرة إبرام الوسطاء صفقة تنهي أطول حرب بين الجانبين، لافتين إلى وجود حراك دولي وعربي نحو إتمام حل دائم للأزمة في القطاع، يظهر مع القمة العربية الإسلامية الوشيكة في 11 نوفمبر (تشرين الثاني)، والجهود الدولية لوقف تسليح إسرائيل.

وفتحت مراكز الاقتراع، الثلاثاء، أبوابها أمام الناخبين الأميركيين بالانتخابات التي تُجرى لاختيار الرئيس الـ47 للولايات المتحدة، بعد أيام كانت قضية غزة هي مثار حديث كلا المرشحين في حملاتهما الانتخابية في محاولة لخطب ود الأميركيين العرب الذين يقدر عددهم بنحو 3.7 مليون من أصل 337 مليون نسمة يعيشون في الولايات المتحدة، ويعد اللبنانيون أكبر جالية عربية بينهم، وفق تقديرات المعهد العربي الأميركي (غير حكومي).

وأكدت هاريس، الأحد، في خطاب «الحاجة لإنهاء الحرب وإطلاق سراح الرهائن»، وتعهدت بـ«بذل كل ما في وسعها من أجل حلّ الدولتين، ومنح الفلسطينيين حقّهم في تقرير المصير والأمن والاستقرار».

وتعهد ترمب، في تغريدة أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بأنه سيحل السلام بالشرق الأوسط، وسيوقف المعاناة والدمار في لبنان إذا عاد إلى البيت الأبيض، في حين نقلت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» عن مصدرين مطلعين قولهما إن الرئيس الأميركي السابق أخبر نتنياهو أنه يريد أن تضع إسرائيل حداً لحربها في غزة بحلول موعد تسلمه للسلطة إذا فاز في الانتخابات.

وعشية الانتخابات الأميركية، طالب أكثر من 50 دولة مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة باتخاذ خطوات فورية لوقف بيع أو نقل الأسلحة إلى إسرائيل، وفق رسالة موجهة إلى الهيئتين التابعتين للأمم المتحدة والأمين العام أنطونيو غوتيريش: «اتهمت إسرائيل بانتهاك القوانين الدولية بشكل مستمر في غزة وبقية الأراضي الفلسطينية، وكذلك في لبنان وبقية الشرق الأوسط».

أطفال فلسطينيون يجمعون الدقيق من الأرض بعد سقوط كيس من شاحنة مساعدات كانت تسير على طريق صلاح الدين في دير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

وبالمقابل، ندّد مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة داني دانون، بطلب الحظر، ووصف على منصة «إكس» ذلك الطلب بأنه «تحرك آخر من محور الشر ضد إسرائيل على الساحة الدولية».

غير أن هذا التحرك، وفق المحلل السياسي الأميركي، مايكل مورغان، يأتي ضمن «حراك عربي ودولي يريد وقف الحرب فوراً بغزة ولبنان، وقد تساعد تلك المطالبات وغيرها في إنهاء ذلك، لا سيما بعد الانتخابات الأميركية التي يعول على نتائجها في حسم استقرار المنطقة».

ويتوقع الأكاديمي المصري المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور أحمد فؤاد أنور، تسريع جهود الوسطاء في إنهاء الحرب بغزة بعد إعلان الفائز بالسباق الرئاسي، مرجعاً ذلك إلى «رغبة الإدارة الأميركية الجديدة أياً كانت في تحقيق استقرار في المنطقة تحقيقاً للوعود، ويعلم الجانبان؛ الإسرائيلي ومعسكر المقاومة ذلك وربما يستعدان».

وتحرك الـ50 دولة لحظر تسليح إسرائيل، ينضم لحراك مصري باستضافة القاهرة على مدار الأيام الماضية اجتماعات «حماس» و«فتح» للتحضير لليوم التالي للحرب، وإنشاء لجنة لإدارة قطاع غزة، بجانب قمة عربية إسلامية مرتقبة بالرياض ستحمل فرصاً أخرى لتسريع حل أزمة غزة، وفق أنور الذي أكد أنها مؤشرات تقول إن ثمة انفراجة محتملة، واستعدادات عربية ودولية لإنهاء الأزمة بالمنطقة.

بالمقابل، يعتقد المحلل السياسي الأردني، صلاح العبادي، أن موقف الدول الخمسين «لن يكون مؤثراً على الدول المزودة لإسرائيل بالأسلحة؛ على اعتبار أن إسرائيل تحظى بدعم أميركي ودعم غربي واضح في الاتجاهات كافة»، غير أنه «قد يشكل ضغطاً على الجانب الإسرائيلي يسهم في تسريع إنهاء الحرب».

وتزامناً مع الانتخابات الأميركية نشرت صحيفة «واشنطن تايمز» مقالاً لوزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي بعنوان «حل الدولتين ممكن بين الفلسطينيين وإسرائيل»، في إطار المساعي المصرية لحشد المجتمع الدولي لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وفق إفادة الخارجية المصرية، الثلاثاء.

وشدّد وزير الخارجية المصري على أنه «يجب التعامل مع الأسباب الجذرية للصراع وليس أعراضه، من خلال إنهاء احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، وممارسة الفلسطينيين حقهم في تقرير المصير»، مؤكداً أن «مصر تواصل العمل لتحقيق هذه الغاية».

وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أكد في لقاء بالقاهرة الاثنين مع نظيره الفلسطيني، محمود عباس: «استمرار الجهود المصرية المكثفة والهادفة للتهدئة ووقف إطلاق النار، وإنفاذ المساعدات الإنسانية، ودعم مصر للسلطة الفلسطينية، وبذل جهود كبيرة لمساعدة الأشقاء في الوصول لتفاهمات وتوافق في الرؤى بين جميع أطياف الشعب الفلسطيني، لضمان مواجهة التحديات الجسيمة والتهديدات التي تواجهها القضية الفلسطينية».

وباعتقاد مورغان، فإن الموقف المصري ثابت في دعم القضية الفلسطينية وإقامة دولة مستقلة، مؤكداً أن المطالبة المستمرة بحل الدولتين يشكل نوعاً من الضغط على ترمب وهاريس، لكنه سيواجه بتعنت إسرائيلي، وربما يقود لصفقة وقف إطلاق نار على الأقل لتفادي تلك المطالبة.

ويرى الأكاديمي المصري فؤاد أنور، أن «مطلب حل الدولتين بات يلاقي جدية في الطرح أكثر مما سبق خلال السنوات الماضية»، متوقعاً أن «تكون هناك مساع لإعلان قيام دولة فلسطينية من جانب واحد، وذلك في سياق طبيعي بعد التضحيات الكبيرة التي قدمتها فلسطين بالحرب الحالية».

ووفق المحلل السياسي الأردني، صلاح العبادي، فإن «ما ذهب إليه وزير الخارجية المصري في مقاله هو عين الصواب، وهو يشدّد على تمسك الدبلوماسية المصرية برؤيتها الواضحة والثاقبة تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، المتمثل في إقامة الدولة الفلسطينية».

ويؤكد أن «مصر تلعب دوراً دبلوماسياً كبيراً في التأثير على المجتمع الدولي تجاه القضية الفلسطينية وإنهاء الحرب على غزة، خصوصاً أن الدبلوماسية المصرية تتوافق مع الدبلوماسية الأردنية، وهناك تنسيق مشترك بينهما على صعيد تحشيد الدعم الدولي للقضية الفلسطينية»، وأن «حل الدولتين أمر ممكن لكنه مرهون بحزمة من الإجراءات التوافقية لإنهاء القضايا الخلافية، والتوصل إلى قرار ملزم للجانبين».