فقدان الثقة في الحكومة يعزز المخاوف من اللقاحات في جنوب أفريقيا

إرث النظام العنصري لا يزال متجذراً في نفوس السكان

فقدان الثقة في الحكومة يعزز المخاوف من اللقاحات في جنوب أفريقيا
TT

فقدان الثقة في الحكومة يعزز المخاوف من اللقاحات في جنوب أفريقيا

فقدان الثقة في الحكومة يعزز المخاوف من اللقاحات في جنوب أفريقيا

عندما ذُكرت كلمة «لقاح»، هزت جوزفين هلوموكا البالغة 82 عاماً رأسها وبدت ملامح القلق على وجهها وهي تنظر إلى العاصفة التي تضرب منزلها في بلدة سويتو في جوهانسبرغ. فرغم أن حكم الأقلية البيضاء انحسر منذ جيل، فإن الثقة اليوم بحكومة جنوب أفريقيا الملطّخة سمعتها بالفساد وعدم الكفاءة، ضعيفة. وهمست بائعة الفول السوداني السابقة التي ما زال يطاردها شبح أربعة عقود أمضتها في ظل نظام الفصل العنصري: «ليس لدينا ثقة».
يقول خبراء إن انعدام الثقة المتجذّر هذا يكمن وراء الشك في اللقاحات الذي اندلع منذ أن اجتاح فيروس «كورونا» البلاد في مارس (آذار) الماضي. ويتزايد التردد بشأن اللقاحات حتى مع استعداد السلطات لحملة تحصين ضخمة من المقرر أن تبدأ خلال الشهر الجاري. وتهدف الدولة الأكثر تضرراً في أفريقيا بجائحة «كوفيد - 19» لتلقيح ثلثي سكانها البالغ عددهم 60 مليوناً بحلول نهاية عام 2021.
لكن المخاوف تعود إلى أجيال في حي وايت سيتي في سويتو، حيث تُذكّر أسقف الحديد بوقت كانت فيه المنطقة مركزاً للثكنات العسكرية. وقال تشيغوفاستو مدلولي (22 عاماً) الذي نشأ في سويتو: «رأيت على الإنترنت أن أشخاصاً يتلقون اللقاح ويموتون». وأضافت مبالي تشابالالا (35 عاماً) وهي تجلس خارج جدران منزلها الطينية: «ماذا لو حصل معظم الناس على لقاح من النوعية الرديئة؟ إن الأمر يؤرقني».
غذّت الشكوك والريبة موجةٌ من نظريات المؤامرة التي لا أساس لها حول فيروس «كورونا». وقالت هيلين شنايدر، أستاذة الصحة العامة في جامعة ويسترن كايب، لوكالة الصحافة الفرنسية: إن «الإشاعات والخرافات تسبب قلقاً حقيقياً». وتابعت أن هذه المخاوف بدورها تنبع من «تجارب ملموسة». وأشارت إلى دليل على وجود برنامج حرب كيميائية سرّية في حقبة الفصل العنصري في الثمانينات لتطوير حقن للحد من خصوبة المواطنين السود.
وعاد رئيس هذا البرنامج طبيب القلب ووتر باسون الملقب بـ«دكتور ديث» (طبيب الموت)، ليطارد أذهان السكان الشهر الماضي. فقد اتضح أنه ما زال يمارس عمله في عيادات خاصة، ما أثار غضباً على وسائل التواصل الاجتماعي. وظهرت شكوك مماثلة عندما أُطلق علاج فيروس نقص المناعة البشرية في أوائل القرن الحادي والعشرين. وقال إريك غويمايري، أحد الأفراد السابقين في منظمة «أطباء بلا حدود» متذكراً الجهود المبذولة للحد من الإيدز في بلدة خايليتشا في كيب تاون: «لم تكن نهاية الفصل العنصري بعيدة، لذلك يمكن بسهولة تخيل أوجه الشبه». وأضاف: «يعتقد كثر أن البيض... اخترعوا شيئاً جديداً للهيمنة والسيطرة».
كان مسؤولون يحاولون منع انتشار المعلومات الخاطئة والمضلِّلة قبل وقت طويل من وصول الدفعة الأولى من اللقاحات إلى جنوب أفريقيا يوم الاثنين. وكتب الرئيس سيريل رامافوزا في رسالة أسبوعية متوجهاً إلى الأمة الشهر الماضي: «يمكن للمعلومات المضلِّلة والأخبار الكاذبة أن تعرِّض الأرواح للخطر، وهي تقوم بذلك». وتابع: «نحتاج جميعنا إلى العمل معاً لبناء ثقة في اللقاح».
وفي ندوة عامة عبر الإنترنت حول اللقاحات استضافتها وزارة الصحة الأسبوع الماضي، حضّت عالمة الأحياء المجهرية كوليكا مليسانا، المستمعين على عدم تصديق «كل ما يُنشر على واتساب». وقالت متناولةً الشائعات التي تُنشر على نطاق واسع «لا توجد رقائق أو أجهزة تتبع في اللقاح» و«لن يعدّل اللقاحُ الحمضَ النووي»، قبل أن تشير إلى أعداد الوفيات العالمية لتكذيب اعتقاد شائع بأن الجرعات هي خدعة «للقضاء على الأفارقة».
ووجد استطلاع للرأي أجرته شركة «إيبسوس» في يناير (كانون الثاني)، أن 51% فقط من سكان جنوب أفريقيا يريدون الحصول على لقاح ضد فيروس «كورونا»، وهو انخفاض بنسبة 17% مقارنةً بأكتوبر (تشرين الأول). لكنّ دراسة أخرى أجرتها جامعة جوهانسبرغ أشارت إلى أن 67% من المشاركين فيها أبدوا استعدادهم للحصول على اللقاح.
وأوضحت العالمة ساره كوبر، من مجلس البحوث الطبية في جنوب أفريقيا، أن «معظم مواطني جنوب أفريقيا عموماً لديهم مواقف إيجابية تجاه اللقاحات». ومع ذلك، فإن «مشكلة التردد في الحصول عليها تكمن في الاعتقاد أنه حتى الكميات الصغيرة قد يكون لها تأثير كبير». لا تتعلق كل حالات الريبة في جنوب أفريقيا بنظريات المؤامرة. في الواقع، وجد استطلاع لجامعة جوهانسبرغ أن نحو نصف 18% من الذين عبّروا عن رفضهم لتلقي اللقاح، ذكروا نظريات المؤامرة كسبب لذلك. وقالت كوبر: «إنها (نظريات المؤامرة) تلعب دوراً. لكنّ هناك مسائل أكثر تعقيداً تحظى باهتمام أقل في وسائل الإعلام ولها دور كبير» في رفض البعض تلقي اللقاح. وكما حصل عند انتشار الإيدز، تدخّل المجتمع المدني إلى جانب الحكومة في محاولة لنشر معلومات صحيحة حول فيروس «كورونا» واللقاحات المقبلة. وقالت شخصيات عامة، مثل رمز مناهضة الفصل العنصري ديزموند توتو، وزعيم المعارضة جوليوس ماليما، إنها ستحصل على اللقاح. وأوضح موكي يانسن فان فورن، الذي كان يدير ورشة عمل حول فيروس «كورونا» في قاعة للتجمعات في ضاحية كليبتاون الفقيرة في سويتو: «هناك مشكلة في المعلومات من أعلى الهرم إلى أسفله». وأضاف: «الحكومة مصدر مشبوه، للأسف، إنهم يكذبون علينا بشأن الكثير من الأمور».
كذلك، تفاقم انعدام الثقة محلياً بسبب الحذر العالمي تجاه السرعة التي طوّرت بها شركات الأدوية لقاحاتها وسوّقتها.
في غضون ذلك، يستمر الفصل العنصري في إلقاء ظلاله القاتمة على المجتمع. وقال أحد المشاركين في ورشة العمل: «يعاني السود والملونون من اضطراب ما بعد الصدمة. وهذا أمر لا تأخذه الحكومة في الاعتبار».


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

مقتل المئات جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
TT

مقتل المئات جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)

رجحت سلطات أرخبيل مايوت في المحيط الهندي، الأحد، مقتل «مئات» أو حتى «بضعة آلاف» من السكان جراء الإعصار شيدو الذي دمر في اليوم السابق قسماً كبيراً من المقاطعة الفرنسية الأفقر التي بدأت في تلقي المساعدات. وصرّح حاكم الأرخبيل، فرانسوا كزافييه بيوفيل، لقناة «مايوت لا بريميير» التلفزيونية: «أعتقد أنه سيكون هناك مئات بالتأكيد، وربما نقترب من ألف أو حتى بضعة آلاف» من القتلى، بعد أن دمر الإعصار إلى حد كبير الأحياء الفقيرة التي يعيش فيها نحو ثلث السكان، كما نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية. وأضاف أنه سيكون «من الصعب للغاية الوصول إلى حصيلة نهائية»، نظراً لأن «معظم السكان مسلمون ويدفنون موتاهم في غضون يوم من وفاتهم».

صور التقطتها الأقمار الاصطناعية للمعهد التعاوني لأبحاث الغلاف الجوي (CIRA) في جامعة ولاية كولورادو ترصد الإعصار «شيدو» فوق مايوت غرب مدغشقر وشرق موزمبيق (أ.ف.ب)

وصباح الأحد، أفاد مصدر أمني لوكالة الصحافة الفرنسية بأن الإعصار الاستوائي الاستثنائي خلّف 14 قتيلاً في حصيلة أولية. كما قال عبد الواحد سومايلا، رئيس بلدية مامودزو، كبرى مدن الأرخبيل، إن «الأضرار طالت المستشفى والمدارس. ودمّرت منازل بالكامل. ولم يسلم شيء». وضربت رياح عاتية جداً الأرخبيل، مما أدى إلى اقتلاع أعمدة كهرباء وأشجار وأسقف منازل.

الأضرار التي سببها الإعصار «شيدو» في إقليم مايوت الفرنسي (رويترز)

كانت سلطات مايوت، التي يبلغ عدد سكانها 320 ألف نسمة، قد فرضت حظر تجول، يوم السبت، مع اقتراب الإعصار «شيدو» من الجزر التي تبعد نحو 500 كيلومتر شرق موزمبيق، مصحوباً برياح تبلغ سرعتها 226 كيلومتراً في الساعة على الأقل. و«شيدو» هو الإعصار الأعنف الذي يضرب مايوت منذ أكثر من 90 عاماً، حسب مصلحة الأرصاد الجوية الفرنسية (فرانس-ميتيو). ويُرتقَب أن يزور وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، مايوت، يوم الاثنين. وما زالت المعلومات الواردة من الميدان جدّ شحيحة، إذ إن السّكان معزولون في منازلهم تحت الصدمة ومحرومون من المياه والكهرباء، حسبما أفاد مصدر مطلع على التطوّرات للوكالة الفرنسية.

آثار الدمار التي خلَّفها الإعصار (أ.ف.ب)

في الأثناء، أعلن إقليم لاريونيون الواقع أيضاً في المحيط الهندي ويبعد نحو 1400 كيلومتر على الجانب الآخر من مدغشقر، أنه جرى نقل طواقم بشرية ومعدات الطبية اعتباراً من الأحد عن طريق الجو والبحر. وأعرب البابا فرنسيس خلال زيارته كورسيكا، الأحد، تضامنه «الروحي» مع ضحايا «هذه المأساة».

وخفّض مستوى الإنذار في الأرخبيل لتيسير حركة عناصر الإسعاف، لكنَّ السلطات طلبت من السكان ملازمة المنازل وإبداء «تضامن» في «هذه المحنة». واتّجه الإعصار «شيدو»، صباح الأحد، إلى شمال موزمبيق، ولم تسجَّل سوى أضرار بسيطة في جزر القمر المجاورة من دون سقوط أيّ ضحايا.