أحلام اليقظة تمنح الإنسان الحرية في زمن الوباء

الخيال يعزز التفاؤل لاجتياز محن الحياة

أحلام اليقظة تمنح الإنسان الحرية في زمن الوباء
TT

أحلام اليقظة تمنح الإنسان الحرية في زمن الوباء

أحلام اليقظة تمنح الإنسان الحرية في زمن الوباء

يملك تيدي جونسون رؤية واضحة لما سيفعله يوم «تنتهي» الجائحة... مهما كان شكل وتوقيت ذلك اليوم.
يأمل جونسون أن يكون هذا اليوم مشمساً ودافئاً كبداية الصيف، ويتخيل سماع أغنية «أريد أن أرقص مع أحد يحبني» (آي وانا دانس وذ سامبادي - هو لوفز مي) للمطربة الراحلة ويتني هيوستن في كل مكان في شوارع مدينة نيويورك التي يعيش فيها.
الخيال والتفاؤل
لا تزال نهاية الشتاء بعيدة، وأرقام مرضى ووفيات «كورونا» لا تزال مرتفعة، فضلاً عن ظهور سلالة جديدة متحورة سريعة العدوى، لذا يحتاج الناس إلى التطلع قدماً والتفكير بالحفلات التي سيقيمونها، والأحضان التي سيمنحونها، ويتلقونها، والمحادثات التي سيستمتعون بها، والرحلات التي سيستأنفونها بعد العودة إلى بر الأمان.
يرى مارتن سيليغمان، أستاذ علم النفس في جامعة بنسيلفانيا ومدير مركز علم النفس الإيجابي التابع لها، أن «أهم ما في الخيال هو أنه يُشعر الإنسان بالتفاؤل».
يكرس سيليغمان عمله لدراسة ما يسمى «الوكالة البشرية» التي يتم التنبؤ بها (لدى أي إنسان) بناءً على الفاعلية والتفاؤل والخيال التي يتمتع بها. (مفهوم «الوكالة البشرية» - فلسفي، يعكس ما يوجد لدى الفرد من خيارات ذاتية ومن قدرات يمكنها أن تؤثر في ظروف حياته وفي فرصه المتاحة - المحرر).
وعندما كان سيليغمان يرأس جمعية علم النفس الأميركية عام 1998، دافع عن توجهات الابتعاد «عن التركيز على المشاكل والاهتمام بما يجعل لحياة الإنسان قيمة».
يعتبر سيليغمان أن الساعات التي يمضيها الناس وهم يفكرون ويحلمون بالخطط المستقبلية قيمة، لأنها تتيح لهم الهرب من الروتين، وتعزيز الأمل والمرونة في مواجهة المصاعب.
يساعد الخيال الناس أيضاً على عيش «حياة جيدة» تتأثر كثيراً، حسب ما يقوله، بالتفكير الإيجابي والعواطف والارتباط والعلاقات والمعنى والإنجازات، أو ما يُعرف بـ«بيرما» (PERMA) - «بيرما» هو اختصار لنموذج الرفاهية والسعادة الذي قدمه سيليغمان.
مهارة تخيل المستقبل
يقول سيليغمان إن «تخيل المستقبل يعد مهارة تُسمى (البحث). تخضع هذه المهارة لمجموعة من الدوائر الدماغية التي تعارض الزمان والمكان، وتدفع الإنسان إلى تخيل أشياء جيدة وبعيدة عن المكان والزمان الحاليين. تعتمد المرونة في تخيل المستقبل على المعيار التالي: ما هي درجة براعتكم في البحث؟».
تقول غابرييلا أغيلار (27 عاماً)، أم لولدين ومديرة متجر «إتسي شوب» للمنتجات المنزلية الصنع، إن أكثر شيء تتطلع إليه في المستقبل هو اصطحاب طفليها إلى حديقة للعب.
أما إيماني بوكوم (29 عاماً) التي تعمل مدرسة في العاصمة واشنطن، فتحلم بالسفر في رحلة إلى جمهورية الدومينيكان للقاء طلاب علمتهم قبل سبع سنوات، وسيتخرجون من المدرسة في الربيع المقبل. بدوره، يحلم جوردان فيرستمان، كاتب تلفزيوني عمل مع بعض المشاهير الذين أدوا أدواراً تمثيلية على «إنستغرام» هذا العام، بيوم يبدأه بفطور مع عشرين شخصاً في مطعم مقفل، ويتبعه عشاء وعرض مسرحي حي واحتفال في نادٍ ليلي يمتد حتى السادسة صباحاً.
تشبه هذه الأحلام التي تعتبر عظيمة اليوم أحلاماً أخرى بسيطة كموعدٍ غرامي وحفل كوكتيل والقدرة على التقاط أحاديث الآخرين من جديد، وهي جميعها تعبر عن حاجة بشرية قوية للتواصل. يرى ديردري باريت، عالم النفس المحاضر في كلية الطب في جامعة هارفارد، أن «الناس يحلمون بما يفتقدون إليه اليوم. تلعبُ أحلام اليقظة هذه دور البديل الذي يمنحهم بعضاً من متعة التجربة الحقيقية».
التمسك بالأمل
في أيامنا هذه، نرى أشخاصاً كثراً خسروا عزيزاً وآخرين يناضلون لتسديد فواتيرهم وتأمين قوت عائلاتهم والحفاظ على منازلهم، لذا، فإن الحلم بأوقات أفضل ليس أمراً مسلماً به للجميع.
تقول بيغ أوكونور، أستاذة الأخلاقيات في جامعة «غوستافوس أدولفوس» في مينيسوتا، إن «الناس ينسون أن الخيال ليس محصوراً بالأشياء الإيجابية. إن النظر إلى الخيال دائماً على أنه شيء إيجابي أمرٌ خطر، حيث إن الكثير من الناس لا يستطيعون تخيل أمور جيدة ومفرحة وباعثة للأمل، لأنهم غير قادرين على ذلك، أو لأن حياتهم كانت مليئة بالمصاعب، لدرجة أنهم يرون في الخيال الإيجابي نوعاً من التهور أو الحماقة».
لقي هذا الرأي دعماً من الطبيبة النفسية أبريل توري، المتخصصة بالعمل مع الأطفال والمراهقين في مركز «ميمونيدز الطبي» في بروكلين، نيويورك.
تشرح توري أن «هذا الأمر لا يعد من العوارض الأساسية للاكتئاب، إلا أن غياب الشعور بالأمل عارض شائعٌ في هذه الحالات. ولكن التفكير بالمستقبل أو الخيال والإيمان بأن شيئاً أفضل سيحصل أمرٌ ضروري لاجتياز الأوقات العصيبة».
بدورها، تؤكد أوكونور على أن التمسك بالأمل، ولو في مسألة عادية وبسيطة، يمكن أن يحدث فرقاً كبيراً، لافتة إلى أنها شخصياً لا تحلم بالسفر مثلاً، بل تتوق لتحتضن والدتها.
* خدمة «نيويورك تايمز» نيويورك: تاريرو مزيزيوا *

يملك تيدي جونسون رؤية واضحة لما سيفعله يوم «تنتهي» الجائحة... مهما كان شكل وتوقيت ذلك اليوم.
يأمل جونسون أن يكون هذا اليوم مشمساً ودافئاً كبداية الصيف، ويتخيل سماع أغنية «أريد أن أرقص مع أحد يحبني» (آي وانا دانس وذ سامبادي - هو لوفز مي) للمطربة الراحلة ويتني هيوستن في كل مكان في شوارع مدينة نيويورك التي يعيش فيها.
الخيال والتفاؤل
لا تزال نهاية الشتاء بعيدة، وأرقام مرضى ووفيات «كورونا» لا تزال مرتفعة، فضلاً عن ظهور سلالة جديدة متحورة سريعة العدوى، لذا يحتاج الناس إلى التطلع قدماً والتفكير بالحفلات التي سيقيمونها، والأحضان التي سيمنحونها، ويتلقونها، والمحادثات التي سيستمتعون بها، والرحلات التي سيستأنفونها بعد العودة إلى بر الأمان.
يرى مارتن سيليغمان، أستاذ علم النفس في جامعة بنسيلفانيا ومدير مركز علم النفس الإيجابي التابع لها، أن «أهم ما في الخيال هو أنه يُشعر الإنسان بالتفاؤل».
يكرس سيليغمان عمله لدراسة ما يسمى «الوكالة البشرية» التي يتم التنبؤ بها (لدى أي إنسان) بناءً على الفاعلية والتفاؤل والخيال التي يتمتع بها. (مفهوم «الوكالة البشرية» - فلسفي، يعكس ما يوجد لدى الفرد من خيارات ذاتية ومن قدرات يمكنها أن تؤثر في ظروف حياته وفي فرصه المتاحة - المحرر).
وعندما كان سيليغمان يرأس جمعية علم النفس الأميركية عام 1998، دافع عن توجهات الابتعاد «عن التركيز على المشاكل والاهتمام بما يجعل لحياة الإنسان قيمة».
يعتبر سيليغمان أن الساعات التي يمضيها الناس وهم يفكرون ويحلمون بالخطط المستقبلية قيمة، لأنها تتيح لهم الهرب من الروتين، وتعزيز الأمل والمرونة في مواجهة المصاعب.
يساعد الخيال الناس أيضاً على عيش «حياة جيدة» تتأثر كثيراً، حسب ما يقوله، بالتفكير الإيجابي والعواطف والارتباط والعلاقات والمعنى والإنجازات، أو ما يُعرف بـ«بيرما» (PERMA) - «بيرما» هو اختصار لنموذج الرفاهية والسعادة الذي قدمه سيليغمان.
مهارة تخيل المستقبل
يقول سيليغمان إن «تخيل المستقبل يعد مهارة تُسمى (البحث). تخضع هذه المهارة لمجموعة من الدوائر الدماغية التي تعارض الزمان والمكان، وتدفع الإنسان إلى تخيل أشياء جيدة وبعيدة عن المكان والزمان الحاليين. تعتمد المرونة في تخيل المستقبل على المعيار التالي: ما هي درجة براعتكم في البحث؟».
تقول غابرييلا أغيلار (27 عاماً)، أم لولدين ومديرة متجر «إتسي شوب» للمنتجات المنزلية الصنع، إن أكثر شيء تتطلع إليه في المستقبل هو اصطحاب طفليها إلى حديقة للعب.
أما إيماني بوكوم (29 عاماً) التي تعمل مدرسة في العاصمة واشنطن، فتحلم بالسفر في رحلة إلى جمهورية الدومينيكان للقاء طلاب علمتهم قبل سبع سنوات، وسيتخرجون من المدرسة في الربيع المقبل. بدوره، يحلم جوردان فيرستمان، كاتب تلفزيوني عمل مع بعض المشاهير الذين أدوا أدواراً تمثيلية على «إنستغرام» هذا العام، بيوم يبدأه بفطور مع عشرين شخصاً في مطعم مقفل، ويتبعه عشاء وعرض مسرحي حي واحتفال في نادٍ ليلي يمتد حتى السادسة صباحاً.
تشبه هذه الأحلام التي تعتبر عظيمة اليوم أحلاماً أخرى بسيطة كموعدٍ غرامي وحفل كوكتيل والقدرة على التقاط أحاديث الآخرين من جديد، وهي جميعها تعبر عن حاجة بشرية قوية للتواصل. يرى ديردري باريت، عالم النفس المحاضر في كلية الطب في جامعة هارفارد، أن «الناس يحلمون بما يفتقدون إليه اليوم. تلعبُ أحلام اليقظة هذه دور البديل الذي يمنحهم بعضاً من متعة التجربة الحقيقية».
التمسك بالأمل
في أيامنا هذه، نرى أشخاصاً كثراً خسروا عزيزاً وآخرين يناضلون لتسديد فواتيرهم وتأمين قوت عائلاتهم والحفاظ على منازلهم، لذا، فإن الحلم بأوقات أفضل ليس أمراً مسلماً به للجميع.
تقول بيغ أوكونور، أستاذة الأخلاقيات في جامعة «غوستافوس أدولفوس» في مينيسوتا، إن «الناس ينسون أن الخيال ليس محصوراً بالأشياء الإيجابية. إن النظر إلى الخيال دائماً على أنه شيء إيجابي أمرٌ خطر، حيث إن الكثير من الناس لا يستطيعون تخيل أمور جيدة ومفرحة وباعثة للأمل، لأنهم غير قادرين على ذلك، أو لأن حياتهم كانت مليئة بالمصاعب، لدرجة أنهم يرون في الخيال الإيجابي نوعاً من التهور أو الحماقة».
لقي هذا الرأي دعماً من الطبيبة النفسية أبريل توري، المتخصصة بالعمل مع الأطفال والمراهقين في مركز «ميمونيدز الطبي» في بروكلين، نيويورك.
تشرح توري أن «هذا الأمر لا يعد من العوارض الأساسية للاكتئاب، إلا أن غياب الشعور بالأمل عارض شائعٌ في هذه الحالات. ولكن التفكير بالمستقبل أو الخيال والإيمان بأن شيئاً أفضل سيحصل أمرٌ ضروري لاجتياز الأوقات العصيبة».
بدورها، تؤكد أوكونور على أن التمسك بالأمل، ولو في مسألة عادية وبسيطة، يمكن أن يحدث فرقاً كبيراً، لافتة إلى أنها شخصياً لا تحلم بالسفر مثلاً، بل تتوق لتحتضن والدتها.
* خدمة «نيويورك تايمز»



الآشوريون عرفوا علاج جذور الأسنان قبل أكثر من 3000 عام

الآشوريون عرفوا علاج جذور الأسنان قبل أكثر من 3000 عام
TT

الآشوريون عرفوا علاج جذور الأسنان قبل أكثر من 3000 عام

الآشوريون عرفوا علاج جذور الأسنان قبل أكثر من 3000 عام

عندما ننظر إلى تاريخ الطب القديم، نجد أن الحضارات القديمة كانت متقدمة في مجالات عدة بفضل براعة وابتكار أطبائها.

ومن بين هذه الحضارات، تبرز حضارة وادي الرافدين، بإنجازاتها العظيمة في الطب والعلاج. ومن أكثر الاكتشافات إثارة للإعجاب هي الرسائل الطبية الآشورية التي تكشف عن ممارسات طبية متقدمة تُستخدم لمعالجة التحديات الصحية المعقدة.

رسالة تشخيص قبل نحو 3000 عام

من بين هذه الرسائل المذهلة تأتي رسالة تعود إلى القرن السابع قبل الميلاد، أرسلها طبيب إلى الملك الآشوري نابو ناصر. تحتوي هذه الرسالة على تفاصيل مذهلة حول كيفية تعامل الأطباء مع مشكلات صحية تتعلق بالأسنان التي كانت تسبب آلاماً شديدة للملك، لا في السن فحسب، بل وفي باقي الجسم إذ كان يعاني من الصداع وآلام الأطراف.

وفي الرسالة، يشخّص الطبيب السبب وراء الأوجاع التي يعاني منها الملك على أنها نتيجة لمشكلة في الأسنان، ويوضح أن التسوس، الذي كان يُعتقد آنذاك أنه بسبب الديدان، هو السبب وراء هذه الأعراض.

علاج جذور الأسنان

قدم الطبيب توصيات للعلاج، مشيراً إلى خيارين رئيسيين: الأول هو علاج السن عبر «قنوات داخلية»، حيث يتم تنظيف التسوس، وهو أقرب ما يكون لما نعرفه اليوم بعلاج الجذور. أما الخيار الثاني فهو قلع السن المصابة بالكامل إذا كانت الحالة متقدمة.

تقدم الفكر الطبي في حضارة آشور

وتكشف الرسالة عن وعي الأطباء الآشوريين بأثر صحة الفم على باقي أعضاء الجسم، وهي فكرة لم تكتشفها الأبحاث الطبية الحديثة إلا في القرن التاسع عشر. وهذا الوعي يعكس تفوق الأطباء الآشوريين في فهم العلاقة المتبادلة بين صحة الفم والصحة العامة للجسم.

كما تُظهر النصوص المسمارية التي وثقت هذه الرسائل تنوع الممارسات الطبية في ذلك الوقت، حيث لم تقتصر على استخدام الأعشاب والزيوت، بل شملت أيضاً الطقوس الروحية والتقنيات الجراحية البسيطة.

تاريخية الوثيقة واكتشافها

هذه الوثيقة الثمينة، التي نشرها وترجمها العلامة البروفسور طه باقر في القرن العشرين (وتم نشرها حصرياً في المجلات العلمية لكنها لم تنشر في أي وسيلة إعلامية للعامة وهذه أول مرة يتم نشرها على أي صحيفة أو مجلة تستهدف العامة)، تؤكد مكانة الطب الآشوري بين حضارات العالم القديم. وعثر على هذه الرسالة في تل قوينجق شمال مدينة الموصل في العراق، وتعتبر من أهم الوثائق التي تبرز التقدم الطبي لدى الآشوريين.

إن هذا التراث الطبي الثري يُعد مصدر فخر للإنسانية، ويذكرنا بأهمية الاستمرار في البحث والتعلم من الحضارات السابقة لتطوير مستقبل أكثر صحة ورخاء.