مفاوضو الحكومة الأفغانية يتهمون «طالبان» بتجاهل المحادثات

مقتل شخص في انفجار استهدف سيارة بكابل

القوات الأفغانية تعرض أسلحة مصادرة من حركة طالبان في ولاية هلمند أمس (إ.ب.أ)
القوات الأفغانية تعرض أسلحة مصادرة من حركة طالبان في ولاية هلمند أمس (إ.ب.أ)
TT

مفاوضو الحكومة الأفغانية يتهمون «طالبان» بتجاهل المحادثات

القوات الأفغانية تعرض أسلحة مصادرة من حركة طالبان في ولاية هلمند أمس (إ.ب.أ)
القوات الأفغانية تعرض أسلحة مصادرة من حركة طالبان في ولاية هلمند أمس (إ.ب.أ)

اتهم مفاوضو الحكومة الأفغانية الذين يخوضون محادثات مع «طالبان» الحركة، أمس (الثلاثاء)، بتجنب الانخراط الرسمي منذ أكثر من أسبوع، الأمر الذي نفاه المتمردون. والمحادثات التي انطلقت في سبتمبر (أيلول) الماضي سرعان ما تعثرت بسبب الخلافات حول جدول الأعمال والإطار الأساسي للمناقشات والتفسيرات الدينية. وقد تخللت المحادثات فترات توقف طويلة بالفعل. وكتب مفاوض الحكومة الأفغانية نادر نادري، في تغريدة على «تويتر»: «السلام وإنهاء العنف هما على رأس أولويات شعبنا وحكومتنا».
وبحسب نادري، فإنه «من أجل تحقيق هذا الهدف النبيل، فإن فريق مفاوضات السلام (الحكومي) ملتزم وحاضر في الدوحة. 9 أيام مرت دون عقد أي اجتماعات رسمية، والطرف الآخر غير مستعد للانخراط في المحادثات لإنهاء النزاع وإنقاذ الأرواح».
ورفضت «طالبان» اتهامها بأن مفاوضيها يقومون بتأجيل المشاركة رسمياً ومباشرة مع الجانب الحكومي. وقال المتحدث باسم مكتب الحركة في الدوحة، محمد نعيم، إن «التقارير حول تأجيل المحادثات الأفغانية إلى أجل غير مسمى غير صحيحة»، مشيراً إلى أن الطرفين «على اتصال كلاهما بالآخر». وأكد نعيم: «لا يمكن أن يكون هناك مفاوضات مستمرة تحدث بشكل يومي، حيث قد تبرز الحاجة إلى عقد اجتماعات داخلية».
وكانت المحادثات قد توقفت مؤقتاً في منتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي بعدما قرر مفاوضو الطرفين التوقف لأسابيع. ومنذ استئناف المحادثات في أوائل يناير (كانون الثاني)، عقد وفد «طالبان» عدداً من الاجتماعات مع مجموعات أخرى، لا سيما مع مسؤولين إيرانيين في طهران، ونائب رئيس الوزراء الإندونيسي السابق في الدوحة.
وقال مصدر حكومي مقرب من المحادثات لوكالة الصحافة الفرنسية إنه «يبدو أنهم يحاولون كسب الوقت، وزيادة الضغط علينا»، مضيفاً: «إنهم يريدون عدم الانخراط في محادثات ذات مغزى حول تسوية سياسية مستقبلية حتى تنتهي المهلة المحددة في مايو (أيار)، إذ يعتقدون أن الولايات المتحدة ستنسحب، وسيكون بإمكانهم إحكام سيطرتهم من جديد، وهذا أمل زائف».
وتحاول كابول الحصول على وقف دائم لإطلاق النار، وإبقاء نظام الحكم القائم منذ إسقاط حكم «طالبان» في 2001، إثر حملة عسكرية قادتها الولايات المتحدة. ورفضت الحركة تقديم أي تنازل حتى الساعة، فيما تصاعدت أعمال العنف في الأشهر الأخيرة في سائر أنحاء البلاد، لا سيما في العاصمة كابل التي شهدت سلسلة عمليات اغتيال استهدفت شرطيين وإعلاميين وسياسيين وناشطين مدافعين عن حقوق الإنسان.
وينص الاتفاق الموقع في الدوحة الذي لم تصادق عليه حكومة كابل التي لم تشارك في المفاوضات على أن تسحب الولايات المتحدة كل قواتها من أفغانستان بحلول مايو (أيار) 2021، مقابل تعهد «طالبان» بعدم السماح للمجموعات الإرهابية بالعمل من المناطق التي تسيطر عليها.
وأعلنت إدارة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن رغبتها في مراجعة الاتفاق الموقع في 20 فبراير (شباط) الماضي بين واشنطن وحركة طالبان، خصوصاً لأن المتمردين كثفوا هجماتهم في الأشهر الماضية.
وفي غضون ذلك، أكدت شرطة كابل، في بيان لها، مقتل شخص واحد على الأقل في انفجار استهدف سيارة بمدينة كابل أمس. ونقلت قناة «طلوع نيوز» الإخبارية الأفغانية عن شرطة كابل القول إن الانفجار وقع في مدينة كابل في نحو الساعة 11:15 صباحاً بالتوقيت المحلي، مضيفة أن «التحقيقات جارية بشأن الحادث».
ولم تعلن أي جماعة، ومن بينها «طالبان»، مسؤوليتها عن الانفجار. وتظهر إحصاءات قناة «طلوع نيوز» أن هناك أكثر من 177 حادثاً أمنياً، من بينها هجمات انتحارية وتفجيرات بواسطة عبوات ناسفة وجرائم، وقعت في كابل خلال الأيام المائة الماضية، ما أسفر عن مقتل 177 شخصاً، وإصابة 360 آخرين.
إلى ذلك، ذكرت جمعية الهلال الأحمر الأفغانية، أمس، أن اثنين من موظفيها أصيبا في هجوم مسلح في جنوب غربي البلاد. وقال الرئيس الإقليمي للجمعية، سميع الله صديق، لوكالة الأنباء الألمانية، إن الهجوم وقع فيما كان 4 من الموظفين عائدين من مهمة إغاثية في مقاطعة قره باغ في إقليم غزني، جنوب غربي البلاد.
وأشار صديق إلى أنه من غير الواضح من يقف وراء الهجوم، مضيفاً أن مهمات الجمعية يتم تنسيقها مع كل من الحكومة وطالبان. وقال متحدث باسم الحكومة إن المنظمة كانت تنقل جثامين مقاتلي «طالبان» الذين سقطوا في غارة جوية عندما تعرضت مركبتهم لهجوم من منطقة تسيطر عليها الحركة.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟