ميليشيا «بدر» الطائفية.. كيف تبني إيران دولة جديدة في العراق المعاصر؟

طهران تعيد محيطها إلى ما قبل الدولة الحديثة

ميليشيا «بدر» الطائفية.. كيف تبني إيران دولة جديدة في العراق المعاصر؟
TT

ميليشيا «بدر» الطائفية.. كيف تبني إيران دولة جديدة في العراق المعاصر؟

ميليشيا «بدر» الطائفية.. كيف تبني إيران دولة جديدة في العراق المعاصر؟

نوان البارز للدولة العراقية العاجزة والمضطربة، فهي علامة بارزة على الرجوع لما قبل الدولة الموحدة، والشعب الواحد والمصير المشترك. وهي التجسيد الفعلي لضراوة الحرب الأهلية وفتنها الطائفية، وهي كذلك فاعل رئيسي في مسار تفكيك الدولة العراقية، وربطها بالمصالح الاستراتيجية الإيرانية التي ابتدأ مفعولها العملي منذ الغزو الأميركي سنة 2003.
هذه المنظمة لم تعد مجرد كيان عسكري عادي يخضع لقانون الدولة ومندرج ضمن مؤسساتها، بل يمكن القول إنها «جيش» طائفي منظم، إداريا وآيديولوجيا. وهو يستعمل القوة المسلحة المصحوبة بالحشد والتعبئة الدينية لتحقيق التفكيك المطلوب للعراق، وإعادة تركيب المفكك ضمن الدائرة المذهبية والاستراتيجية الشيعية الإقليمية ونظرتها للشرق الأوسط الجديد.

تمثل منظمة بدر الشيعية العوتعود أصول هذه المنظمة إلى بداية الثمانينات من القرن العشرين، حيث أسسها محمد باقر الحكيم، وساعده في بناء وتسيير التنظيم أحد رجالات النظام الإيراني المعتبرين وهو «محمود الهاشمي»، الذي يشغل حاليا عضوية مجلس القضاء بإيران. وتضم «بدر» في صفوفها ضباطا سابقين من الجيش العراقي، كما تتكون من سياسيين معارضين للنظام البعثي الصدامي، وشباب مسيس ويتبنى الآيديولوجية الطائفية؛ وهذا المنطلق جعل منها تنظيما مزدوج التكوين والولاء العقدي. فهي من جهة إيرانية الولادة وعراقية العناصر؛ ومن جهة ثانية تعتبر منظمة عسكرية ممارسة للسياسة، مما يجعل من العنف السياسي سلوكا ملازما للبدريين قبل وبعد احتلال الولاية المتحدة الأميركية للعراق.
كانت الرهانات والحسابات الإقليمية وراء إنشاء «بدر» باعتبارها فيلقا عسكريا، لذلك سهَّل عليها البلد المحتضن إيجاد إمكانيات مهمة على مستويي التنظيم الإداري السياسي والتدريب العسكري؛ فقد كان التنظيم يدور ضمن رؤية الحرس الثوري الإيراني التي تتطور بتطور الوضع الإقليمي والدولي. لذا انتقلت الاستراتيجية الإيرانية، منذ حرب الخليج الثانية، من تحدي الصدام المباشر مع العراق، ومحاصرة منظمة «مجاهدين خلق»، إلى بناء نفوذ سياسي وعسكري داخل العراق نفسه.
ومن داخل هذه الرؤية تحركت «بدر» باعتبارها ميليشيا مسلحة، للعب دورها الطلائعي الحساس في غزو العراق، سواء بتحركاتها ذات الصلة بالولاية المتحدة وبريطانيا، عبر عقد مؤتمرات دولية تدعو للغزو والاحتلال؛ أو بالداخل العراقي، بتعزيز وتنظيم صفوفها، وتعبئتهم على المواجهة المسلحة للنظام العراقي البعثي.
فقد كانت هذه الميليشيا الشيعية تعتبر الاحتلال الأميركي للعراق «فرصة ذهبية» من الناحية العسكرية والسياسية لإعادة ترتيب الدولة، وربط العراق مذهبيا بالجمهورية الإيرانية. ورغم بعض الخلافات الموجودة بين بعض مؤسسيها السياسيين حول درجة الاستقلالية وكيفية تحقيقها في ظل الارتباط بولاية الفقيه؛ فإن التكوين العسكري لقيادة «بدر» جعل ولاءها تاريخيا وإلى اليوم مرتبطا بالحرس الثوري والمرشد الأعلى علي خامنئي. وعلى هذا الأساس تجهر المنظمة بأنها «تجاهد» في العراق وسوريا بمبررات دينية محضة، مرجعها المرشد الأعلى بإيران، والمرجع الدين الشيعي علي السيستاني صاحب فتوى «الجهاد الكفائي» لسنة 2014.
وتشير أغلب التقارير إلى أن عدد مقاتلي ميليشيا «بدر» يبلغ حاليا 100 ألف عسكري، يزاولون مهمهم القتالية بقيادة رئيسها هادي العامري وزير النقل السابق. وقد استطاع العامري المتزوج من إيرانية، والمجنس بجنسيتها، الرجوع إلى الأضواء بعد صراع مع آل الحكيم ومناصريهم.
وكان محمد باقر الحكيم قد قرر عقب احتلال العراق تحويل «بدر» إلى منظمة سياسية وحل جناحها العسكري، إلا أن اغتياله في أغسطس (آب) 2003 حال دون ذلك. كما أن خضوع المنظمة لقانون الحاكم الأميركي بول بريمر الخاص بدمج الميليشيات، حجم مؤقتا من دور العامري والدور الاستراتيجي الإقليمي لميليشيا «بدر».
فرغم التحفظات التي عبر عنها كل من قائد الميليشيا الحالي هادي العامري، والمستشار السياسي لمحمد باقر الحكيم الشيخ همام حمودي، وعالم الدين جلال الدين الصغير (صاحب نظرية القطار الشيعي الصاعد)، فقد لعبت ثقافة العوائل الدينية والسياسية دورا بارزا في تولية عبد العزيز الحكيم وراثة أبيه على رأس المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، بينما عادت رئاسة منظمة «بدر» وهي الجناح العسكري للمجلس الأعلى الإسلامي العراقي لهادي العامري.
اختار المجلس منذ بداية احتلال العراق 2003 الحفاظ على علاقات جيدة مع الولايات المتحدة الأميركية، وكان عبد العزيز الحكيم عضوا بمجلس بول بريمر الحاكم الذي عينته الولايات المتحدة للعراق. كما دخل في تحالفات سياسية تفيد برغبة ظاهرة للحكيم في إيجاد نوع من الاستقلالية عن كل من أميركا وإيران في الوقت نفسه؛ لذلك سعى منذ 2009 لتحالف سياسي مع كتلة شيعية تضم التيار الصدري، والدخول في منافسة مع رئيس الوزراء آنذاك نور المالكي وحلفائه، وفي الآن نفسه، إبداء حسنة نية بإمكانية التعاون مع كتلة «العراقية» التي تزعمها إياد علاوي لتنافس على منصب رئاسة الوزراء في الانتخابات التشريعية لسنة 2010.
وفي الوقت الذي أبدى فيه الحكيم هذا التوجه الانتخابي والسياسي المرن، عمل هادي العامري زعيم «بدر» على خلق تحالف يؤكد طبيعة عقيدة تنظيمه السياسية، ودوره الاستراتيجية، المرتبط بإيران، فدعم المالكي في ترشحه لولاية ثانية. فنشب صراع جديد بين المجلس والجناح العسكري، أدى لتوسيع رقعة الخلافات والخيارات الاستراتيجية بينهما، الشيء الذي انعكس على طبيعة التعبئة والتحريض التي أدت لإبعاد المجلس الأعلى الإسلامي العراقي من الاستوزار، بينما أسندت وزارة النقل لغريم الحكيم الجديد هادي العماري. ومع استمرار الخلافات بين الجناحين السياسي والعسكري، أعلن الطرفان الفراق التام في مارس (آذار) 2012.
والحقيقة أنه من الناحية العملية، استطاعت ميليشيا «بدر» منذ سنة 2005 استرجاع مكانتها كرأس الحربة في المشهد العنفي الدموي الطائفي بالعراق؛ كما ظهرت باعتبارها قوة لها رصيد عسكري يمكن الاعتماد عليه من جانب كثير من الشيعة الطائفيين من جهة، وكذلك من قبل إيران في سياستها داخل العراق. ولأن هذه الدولة العراقية في حقيقة الأمر تتأثر بالميليشيات و«بدر» واحدة منها، فإن العامري تحول مع الصراع الدموي الطائفي بين السنة والشيعة لبطل قومي شيعي، كما أن المالكي وإيران جددا وكثفا من دعمهما لميليشيا بدر التي تحولت إلى «جيش» يتم تجهيزه لخوض المعارك بدل الدولة، خاصة تلك المتعلقة بتصفية أهل السنة وتهجيرهم، مما أدى لارتكاب «بدر» لجرائم ضد الإنسانية لقيت نوعا من التشجيع داخليا من طرف رئيس الوزراء نوري المالكي، وخارجيا من إيران، بينما نددت واستنكرتها منظمات وهيئات دولية مهتمة بحقوق الإنسان.
ولأدائها ودورها المحوري، ليس من الغريب أن نجد «بدر» ورجالها في كل مناشط الحياة العامة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية للدولة العراقية الحالية. هذا الأمر الواقع ليس صدفة، بل استراتيجية نمت مع التصور الإيراني المصّرف عبر حلفائها العراقيين الشيعة؛ وقد تجلى ذلك واضحا من الناحية السياسية في تعين حكومة العبادي في 8 سبتمبر(أيلول) 2014.
إذ ظهرت «بدر» مرة أخرى كمشروع لا يمكن التفاوض حوله، ولا يمكن تجاوزه، لما يمثله من رهان استراتيجي غايته إعادة بناء العراق المعاصر وفق رؤية إيرانية إلحاقية، تعيد رسم دوائر الصراع إقليميا في الشرق الأوسط.
فقد أعلن تعين حيدر العبادي رئيسا للوزراء الدخول في أخطر مرحلة يعيشها العراق، ورغم التدخلات الدولية المتعددة فقد خرجت ميليشيا العامري منتصرة، وفي «غفلة» أو عن قصد اكتسب مشروع الهيمنة بالقوة على الدولة العراقية، وإعادة تركيبها، شرعية دولية تحت مسمى حكومة توافقية.
ففي غياب الجيش العراقي المنظم، تحتل «بدر» مكانه وتؤدي الأدوار المركزية باسم الدولة، وتحول جزء من قيادتها العسكرية العليا إلى المناصب السيادية الأمنية والعسكرية للعراق اليوم؛ وهكذا أصبحت «بدر» تسيطر على أهم وزارة على الإطلاق بالعراق حاليا، حيث عين رئيس الوزراء حيدر العبادي 5 من «كبار قادة» ميليشيا «بدر» في حكومته، وهم وزير الداخلية العراقي محمد الغبان، الذي يعتبر هو وأبو مهدي المهندس أقرب المقربين للعامري وطهران في الوقت نفسه. وهو ما يفسر توزيع الأدوار يبن الثلاثة خاصة في ما يتعلق بإدارة «بدر» وعلاقاتها ببسط السيطرة، ودمج الحشد الشعبي فيها باعتبار «بدر» نواة الدولة الجديدة المرتقبة. كما عينت شخصية عسكرية «بدرية» أخرى في وزارة حقوق الإنسان متمثلة في محمد مهدي البياتي، وهو قائد سابق «للواء مصطفى» بـ«بدر».
وتدعيما لهذه السيطرة على الأرض، أسندت وزارة البلديات لشخصية عسكرية «بدرية» أخرى وهو عبد الكريم يونس عيلان المعروف بأبو مريم الأنصاري، في حين أسندت وزارة الرياضة والشباب لعبد الحسين عبطان وهو المسؤول السابق في قسم التموين والنقل في فيلق «بدر» ومعروف بعلاقاته المتشابكة مع إيران التي يحمل جنسيتها، ويعتبر المسؤول الأول عن مقتل المئات من القرويين النجفيين في معركة «الزركة». أما حسن كاظم الراشد الملقب بـ«أبو أحمد الراشد» وزير الاتصالات، فهو عضو سابق في فيلق القدس الذي انضم إليه سنة 1991، وهو كذلك عضو فرقة «محمد رسول الله» بـ«بدر».
عموما، يمكن القول إن منظمة «بدر» كانت دائما مشروعا ورهانا إيرانيا يتطور بحسب الظروف الداخلية والإقليمية للعراق، وإن الباحث في الشؤون الإيرانية وطريقة تصريفها لاستراتيجيتها في بناء النفوذ لا بد أن يلحظ تعدد الآليات والوسائل المستعملة لتحقيق الغرض؛ وما ميليشيا «بدر» إلا واحد من الأساليب المنبثقة عن رؤية الحرس الثوري، والتي تمزج فيها إيران بين الوظيفة السياسية والقوة العسكرية.
فإذا كانت قضية الحشد الشعبي (وهذه القضية تحتاج لدراسة مستقلة) هي الصورة الظاهرة إعلاميا، فإن الواقع الحقيقي يخفي وراءه تنظيما يبتلع شيئا فشيئا الدولة العراقية، ويستغل موجة الإرهاب لتكريس هيمنة تنظيم طائفي على المجتمع والدولة يستحيل اقتلاعه، تماما كما يستحيل اليوم اقتلاع «حزب الله» اللبناني، وميليشيا الحوثي اليمنية.

* أستاذ العلوم السياسية في جامعة محمد الخامس



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.