ساحات الحرب تفرّق الخصوم في دير الزور لكن المعابر «الرابحة» تجمعهم

مزارع من دير الزور يقود جراره قرب نهر الفرات (الشرق الأوسط)
مزارع من دير الزور يقود جراره قرب نهر الفرات (الشرق الأوسط)
TT

ساحات الحرب تفرّق الخصوم في دير الزور لكن المعابر «الرابحة» تجمعهم

مزارع من دير الزور يقود جراره قرب نهر الفرات (الشرق الأوسط)
مزارع من دير الزور يقود جراره قرب نهر الفرات (الشرق الأوسط)

مع تزايد أعداد السوريين الراغبين بالتنقل والتجارة بين ضفتي ساحات الحرب في محافظة دير الزور، شرق سوريا، ينتظر كثير من هؤلاء، بلا نهاية، المهربين لعبور طرق غير شرعية بمحاذاة الحدود الفاصلة بين مناطق القوات النظامية الموالية للرئيس السوري بشار الأسد، والمدعومة من الميليشيات الإيرانية، وتلك الخاضعة لـ«قوات سوريا الديمقراطية» العربية الكردية، والمدعومة من تحالف دولي تقوده واشنطن، فيما يأمل آخرون بسماح السلطات المحلية لهم بالعبور إلى أراضيها بعد الحصول على استثناءات إنسانية أو فرصة لنقل البضائع التجارية.
وسمحت الإدارة الذاتية و«قوات قسد» (قوات سوريا الديمقراطية) التي تبسط سيطرتها على أجزاء من ريف دير الزور الشرقي وكامل ريفها الشمالي وضفة حوض نهر الفرات الغربية، بافتتاح معبر «الصالحية» للسماح لأهالي المنطقة بالانتقال إلى الأراضي بالضفة الثانية الخاضعة للنظام. وقررت الإدارة المدنية في دير الزور السماح بفتح المعبر أمام الحالات الإنسانية والحركة التجارية لمنع استخدام طرق التهريب والمعابر النهرية التي تسببت بكثير من الاشتباكات العسكرية بين الجانبين.
وعلى مدار السنوات الماضية من الحرب المستمرة، ظلت المعابر الحدودية مُغلقة في وجه الراغبين بالتنقل بدواعي الزيارات العائلية أو لأغراض إنسانية، ولم تفتح إلا في بعض الحالات الطبية الطارئة، وبحسب نشطاء وصفحات إخبارية و«المرصد السوري لحقوق الإنسان»، سمحت السلطات المحلية لدى الإدارة بإعادة فتح معبر «الصالحية» لأسباب إنسانية بهدف تسهيل حركة عبور الأهالي بين مناطق التماس. وسيفتح المعبر اعتباراً من يوم غد من الساعة 8 صباحاً، على أن يُغلق عند تمام الساعة 3 عصراً.
وكان سكان وأهالي مناطق ريف دير الزور يستخدمون العبّارات النهرية، وهي عبارة عن سفن نقل صغيرة تتراوح حمولتها بين 3 أطنان و10 أطنان، لاجتياز نهر الفرات الذي يفصل مناطق سيطرة «قسد» عن تلك الخاضعة للقوات النظامية.
وكانت عمليات التهريب بين مناطق الجهات المتصارعة على ضفتي نهر الفرات، على الرغم من الحملات الأمنية المتكررة لـقوات «قسد»، وبدعم وتنسيق من التحالف الدولي. كما عززت هذه القوات انتشار عناصر التفتيش والدوريات في مداخل ومخارج المعابر؛ إلا أن القائمين على تلك المعابر استطاعوا إيجاد طرق ثانية وتشكيل شبكات ضمنت استمرار عملهم، عبر دفع الرشاوى لكل القوى العسكرية المنتشرة في محيط المنطقة.
ومنذ مارس (آذار) 2019 بات حوض نهر الفرات بطول 610 كيلومترات وسهله الممتد من ريف حلب الشرقي عند مدينة منبج حتى بلدة البوكمال التابعة لمحافظة دير الزور، خطّ تماس وحدوداً من النار تفصل المناطق الخاضعة لكل جهة.
وخلال اتصال هاتفي عبر خدمة «واتساب»، شرح سعدون المتحدر من بلدة حمام بريف دير الزور الشرقي، والذي يعيش بالقرب من سهل نهر الفرات، كيف انقسمت عائلته، كحال معظم عائلات المنطقة، إلى «قسم يسكن بمناطق النظام، ونحن نعيش بمناطق (قسد)، وفي كل زيارة نلجأ لطرق التهريب والمعابر غير الرسمية. إذا فتحوا معبر الصالحية سنتمكن من التنقل بدون مخاطر».
وتبلغ مساحة مدينة دير الزور نحو 33 ألف كيلومتر مربع، وكان تعداد سكانها حتى مطلع 2011 يقدر بنحو مليون و200 ألف نسمة. وتتصل حدودها الإدارية شمالاً مع محافظة الحسكة، وغرباً مع الرقة، وتخضعان لسيطرة «قسد». أما جنوباً فتحدها صحراء البادية ومدينة تدمر الأثرية ومحافظة حمص، وهذه المحافظات خاضعة للنظام.
وقال حسن، المتحدر من بلدة هجين بدير الزور الشرقي، إنه يستعد للسفر نحو العاصمة دمشق بعد فتح المعبر يوم غد، مضيفاً: «أخطط للتبضع من أسواقها لهذا الموسم، لأن الأسعار هناك أرخص وأكثر ملاءمة وأقل تكلفة من شحنها من باقي المناطق لبعدها وغلاء أسعارها».
ونشر «المرصد السوري» خبراً، مفاده أن سلطات الإدارة سمحت بافتتاح معبر الصالحية أمام الحالات الإنسانية والتجارية، وأشار إلى أن عمليات شراء وبيع البضائع في مناطق الحكومة احتكرها تجار مرتبطون بشكل مباشر مع مجموعة تجارية تحظى بنفوذ كبير لدى النظام الحاكم في دمشق، فيما تشرف السلطات المحلية لدى الإدارة وشخصيات عشائرية على إدارة الطرف الثاني الخاضع لـ«قسد».
وغالباً ما يتم إدخال بضائع تجارية عبر المنافذ الحدودية ومناطق التماس، لنقلها للمناطق الثانية. وتشكل رسوم وعوائد هذه التجارة السوداء أحد أهم الموارد المالية الأساسية، ما يقف وراء الصراع المحموم للسيطرة على المعابر الحدودية، التي تحقق أرباحاً كبيرة. وتربط مناطق «قسد» مع بقية المناطق الخاضعة للقوات النظامية 3 معابر حدودية، هي منفذ «عون الدادات»، ومعبر «التايهة» في مدينة منبج، ومعبر «الطبقة» بريف محافظة الرقة الجنوبي.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».