2020 السنة المتطرفة بيئياً

اختلط الوباء مع زيادة قياسية في حرائق الغابات والأعاصير والحرارة

من حرائق الغابات في كاليفورنيا في سبتمبر 2020 (أ.ف.ب)
من حرائق الغابات في كاليفورنيا في سبتمبر 2020 (أ.ف.ب)
TT

2020 السنة المتطرفة بيئياً

من حرائق الغابات في كاليفورنيا في سبتمبر 2020 (أ.ف.ب)
من حرائق الغابات في كاليفورنيا في سبتمبر 2020 (أ.ف.ب)

2020 هي سنة التغيرات الكبرى التي رسمت ملامحها جائحة «كوفيد-19»، بتهديدها للصحة العامة، وتداعياتها الاقتصادية الكبيرة. وهي أيضاً السنة التي حفلت بالحركات الشبابية الداعمة لقضايا المناخ والعدالة الاجتماعية، وشهدت تسجيل درجات حرارة قياسية، فكانت ثالث أسخن السنوات في التاريخ المعاصر. كما عرفت انتشاراً واسعاً لحرائق الغابات المدمرة في الولايات المتحدة والدائرة القطبية وحوض الأمازون وأستراليا وشرق المتوسط. وفي هذه السنة استمرت أزمات الغذاء والماء، وتلوث الهواء، وتغير المناخ، وفقدان التنوع الحيوي.
خلال سنة 2020، اجتاحت الأمطار الغزيرة والفيضانات مناطق شاسعة من أفريقيا وآسيا، وارتفعت درجات الحرارة حتى في أبرد مناطق العالم، فوصلت قرب الدائرة القطبية الشمالية إلى 38 درجة مئوية، وأنتج المحيط الأطلسي رقماً قياسياً من الأعاصير المدارية بلغ 30 إعصاراً.
ورغم أن هذه السنة عرفت تراجعاً في انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون بنحو 7 في المائة، بسبب سياسة الإغلاق التي اتبعتها الدول للحد من انتشار جائحة «كورونا»، فإن هذا التراجع القصير لن يُحدث فارقاً كبيراً في تغيُّر المناخ على المدى الطويل. ويستمر الاتجاه التصاعدي لارتفاع درجة الحرارة إلى 3 درجات مئوية مع نهاية هذا القرن، متخطياً بذلك أهداف اتفاقية باريس المناخية بمقدار الضعف، ما لم تُتخذ تدابير سريعة حاسمة لوقف الانبعاثات الكربونية.
ففي المقابل، يمكن أن يؤدي التعافي من الجائحة إلى تراجع الانبعاثات المتوقعة حتى سنة 2030 بنحو 25 في المائة، إذا جرى اعتماد سياسات خضراء صديقة للبيئة. ويمكن لهذا التعافي أن يتجاوز وفورات الانبعاثات التي سيتم تحقيقها في ظل المساهمات المحددة وطنياً بموجب اتفاقية باريس، وفي هذه الحالة سيكون العالم على مسار قريب من زيادة لا تتجاوز درجتين مئويتين.
وقد حملت هذه السنة أيضاً ما يدعو إلى التفاؤل. فمع نهايتها، كانت 126 دولة مسؤولة عن 51 في المائة من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية قد اعتمدت أو أعلنت أو تفكر في تحقيق هدف صفر انبعاثات. ويمثل انتخاب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة، وإعلانه عودة بلاده إلى اتفاقية باريس، فرصة لتعزيز الجهد العالمي في مواجهة تغيُّر المناخ. وقد تعهد عند الإعلان عن فريقه المناخي بالعمل سريعاً للوصول إلى «صفر انبعاثات» مع حلول سنة 2050.
وتُصنف جائحة «كوفيد-19» ضمن الأمراض الناشئة التي تنتقل بين الحيوانات والبشر، وهي تهدد التنمية الاقتصادية وصحة الإنسان وسلامة النظام البيئي. ويدعو برنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى تعزيز الجهود العالمية في حماية التنوع الحيوي عبر تطبيق عدد من الإجراءات، كالحفاظ على الموائل الطبيعية وتنظيم الصيد ووضع حد للتجارة غير المشروعة في الكائنات الحية.
وكان تقرير صدر عن الأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) 2020 قد أعلن أن العالم فشل في تحقيق جميع الأهداف العشرين لاتفاقية آيتشي الخاصة بحماية التنوع الحيوي. وأشار تقرير «الكوكب الحي 2020» الصادر عن الصندوق العالمي للحياة البرية إلى أن أعداد 21 ألفاً من أنواع الثدييات والأسماك والطيور والزواحف والبرمائيات على مستوى العالم تناقصت بمعدل 70 في المائة خلال السنوات الخمسين الماضية.
وتصف ورقة بحثية نشرتها دورية «نيتشر» أخيراً سنة 2020 بأنها «نقطة العبور» التي تجاوز فيها وزن ما صنعه البشر الكتلة الحية للكوكب. فعلى سبيل المثال، تساوي كتلة برج إيفل الكتلة التي تمثلها حيوانات وحيد القرن الأبيض المتبقية في العالم، وتعادل الكتلة التي صنعها الإنسان في مدينة نيويورك كتلة جميع الأسماك. وتتضاعف الكتلة ذات المنشأ البشري كل 20 سنة، ومعها تتضاعف مشكلة النفايات وآثارها البيئية.
وعرفت النفايات حول العالم تحدياً غير مسبوق بسبب الجائحة، حيث أصبحت إدارة النفايات الطبية أمراً مرهقاً للبلدان المتقدمة والنامية. كما تعرضت جهود الحد من النفايات البلاستيكية لانتكاسة غير مسبوقة. مع تخفيف كثير من الدول قيودها على البلاستيك لتلبية الطلب الفوري على توصيل المواد الغذائية والإمدادات إلى المنازل. وتوقف تدوير النفايات في القطاع غير الرسمي بسبب المخاوف من العدوى، كما أعاقت إجراءات الإغلاق والركود الاقتصادي عمليات إدارة النفايات.
وتسببت جائحة «كوفيد-19» في اضطراب قطاع الطاقة أكثر من أي حدث آخر في التاريخ. وتشير تقديرات الوكالة الدولية للطاقة إلى أن الجائحة أدت إلى انخفاض الطلب العالمي على الطاقة بنسبة 5 في المائة، وتراجع الاستثمارات بنحو 18 في المائة. وفيما تناقص الطلب العالمي على الوقود الأحفوري، بين 3 في المائة للغاز و7 في المائة للفحم و8 في المائة للنفط، ارتفعت مساهمة المصادر المتجددة. فقد شهدت سنة 2020 نمواً في قطاع الطاقة المتجددة بنسبة 7 في المائة بفضل العقود الطويلة الأجل، والتركيب المستمر لمحطات جديدة، وأولوية الوصول إلى الشبكة. ومع ذلك، أدى تراجع النشاط الاقتصادي، وتناقص الطلب على الطاقة، إلى نتيجة صافية هي زيادة إجمالية بمقدار 1 في المائة في الطلب على الطاقة المتجددة خلال السنة. وتتوقع الوكالة الدولية للطاقة أن تشهد سنة 2021 توسعاً قياسياً يقارب 10 في المائة في تركيبات الطاقة المتجددة.
وصادفت سنة 2020 كذلك اكتمال 3 عقود من الجهود العالمية الناجحة في الحفاظ على طبقة الأوزون واستعادتها. وكان العلماء قد دقوا ناقوس الخطر بشأن طبقة الأوزون في أواخر سبعينيات القرن الماضي عندما اكتشفوا أن المواد الكيميائية الموجودة في الثلاجات ومكيفات الهواء تستنفد هذه الطبقة الجوية الرقيقة التي تحمي الحياة على كوكب الأرض من الأشعة فوق البنفسجية. وبفضل الإرادة العالمية بعد دخول بروتوكول مونتريال حيز التنفيذ سنة 1989 جرى التخلص من 99 في المائة من المواد المستنفدة للأوزون.
ويبقى تلوث الهواء هو الخطر الصحي البيئي الأكثر أهمية في جميع الأوقات، إذ يودي بحياة 7 ملايين شخص سنوياً، أو ما يمثل وفاة واحدة من بين كل 9 وفيات مبكرة تحصل في العالم. وتُخفق 98 في المائة من المدن التي يزيد عدد سكانها عن 100 ألف نسمة في تلبية إرشادات جودة الهواء الصادرة عن منظمة الصحة العالمية.
وترتفع مؤشرات تلوث الهواء في جميع الدول العربية بنحو 5 إلى 10 أضعاف القيم الموصى بها، ويُعزى هذا التدني في نوعية الهواء إلى عوامل بشرية، كانبعاثات المصانع والسيارات وحرائق المحاصيل، وإلى عوامل طبيعية، كالعواصف الترابية والغبارية، حيث تقع الدول العربية ضمن المنطقة المعروفة باسم «حزام الغبار»، التي تمتد من الصحراء الكبرى عبر الشرق الأوسط إلى وسط وشمال شرقي آسيا.
ويرى كثيرون أن 2020 هي سنة مفصلية جعلت البشر يدركون جانباً من المخاطر التي قد تنتج عن العبث بالطبيعة. وهي إذ تمثل لمحة عما قد يحصل في المستقبل، فهي أيضاً تحمل أملاً في تغيير المسار نحو واقع أفضل للإنسان والكوكب في آن واحد.


مقالات ذات صلة

منصّتان وشركة... «حلول شبابية» سعودية مبتكرة لمختلف التحديات البيئية

يوميات الشرق تكريم الفائزين الثلاثة ضمن مبادرة «حلول شبابية» بالتزامن مع «كوب 16» (واس)

منصّتان وشركة... «حلول شبابية» سعودية مبتكرة لمختلف التحديات البيئية

لم تكن الحلول التي قُدِّمت في مؤتمر «كوب 16» للقضايا البيئية والمناخيّة الملحّة، وقضايا تدهور الأراضي والجفاف، قصراً على الحكومات والجهات الخاصة ذات الصلة.

غازي الحارثي (الرياض)
بيئة الاستفادة من التقنيات الحديثة في تشجير البيئات الجافة واستعادة الأراضي المتدهورة من أهداف المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير (تصوير: تركي العقيلي) play-circle 00:55

السعودية تستهدف تحويل 60 % من مناطقها إلى «غابات مُنتجة»

يواصل «المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير» استقبال الحضور اللافت من الزوّار خلال نسخته الثانية في العاصمة السعودية الرياض، بتنظيم من المركز الوطني لتنمية…

غازي الحارثي (الرياض)
الاقتصاد الوزير السعودي يتسلم رئاسة السعودية رسمياً لمؤتمر «كوب 16» في الرياض (الشرق الأوسط)

«كوب 16 الرياض» يجمع صناع السياسات لإعادة تأهيل الأراضي ومكافحة التصحر

اجتمع عدد كبير من صنُاع السياسات والمنظمات الدولية والدوائر غير الحكومية وكبرى الجهات المعنية، الاثنين، في الرياض، للبحث عن حلول عاجلة للأزمات البيئية.

آيات نور (الرياض) عبير حمدي (الرياض) زينب علي (الرياض)
الاقتصاد وكيل وزارة البيئة والمياه والزراعة السعودية د. أسامة فقيها مع عدد من المتحدثين (الشرق الأوسط) play-circle 01:04

فقيها لـ«الشرق الأوسط»: مساعٍ سعودية لزيادة التزامات الدول بمكافحة تدهور الأراضي

أكد وكيل وزارة البيئة والمياه والزراعة السعودية الدكتور أسامة فقيها لـ«الشرق الأوسط» أن المملكة تسعى ليكون مؤتمر «كوب 16» نقطة تحول تاريخية بمسيرة «الاتفاقية».

زينب علي (الرياض)
الاقتصاد جانب من حضور مؤتمر «كوب 16» في الرياض (الشرق الأوسط)

«منتدى السعودية الخضراء» يجمع المئات من صنّاع السياسات حول العالم

تحتضن الرياض النسخة الرابعة من «منتدى مبادرة السعودية الخضراء» يومي 3 و4 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، تحت شعار «بطبيعتنا نبادر»، خلال مؤتمر «كوب 16».

«الشرق الأوسط» (الرياض)

ثلاثة أرباع أراضي العالم باتت «جافة بشكل دائم» خلال العقود الثلاثة الماضية

شجرة تذبل بسبب الجفاف في تشيلي (رويترز)
شجرة تذبل بسبب الجفاف في تشيلي (رويترز)
TT

ثلاثة أرباع أراضي العالم باتت «جافة بشكل دائم» خلال العقود الثلاثة الماضية

شجرة تذبل بسبب الجفاف في تشيلي (رويترز)
شجرة تذبل بسبب الجفاف في تشيلي (رويترز)

بات ما يزيد قليلاً على 75 في المائة من أراضي العالم «أكثر جفافاً بشكل دائم» على مدى العقود الثلاثة الماضية، وفق تقرير تدعمه الأمم المتحدة صدر، الاثنين، تزامناً مع مؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16) في السعودية.

وصارت الأراضي الجافة الآن تغطي 40 في المائة من مساحة اليابسة على الأرض، باستثناء القارة القطبية الجنوبية (أنتاركتيكا)، حسبما خلصت دراسة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، محذرة من أن هذا التحول يمكن أن يؤثر فيما يصل إلى خمسة مليارات شخص بحلول عام 2100، وفق ما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وأظهر التقرير الذي يشير إلى «تهديد وجودي» تفرضه مسارات يتعذّر تغيير اتجاهها، أن الأراضي الجافة، المناطق التي تصعب زراعتها، زادت بمقدار 4.3 مليون كلم مربع بين عامي 1990 و2020، وهي مساحة تعادل ثلث مساحة الهند.

تحذيرات من «القحط»

وجاء التحذير خلال اجتماع مؤتمر «كوب 16» الذي بدأ الأسبوع الماضي في الرياض ويستمر 12 يوماً، بهدف حماية الأراضي واستعادتها والاستجابة إلى الجفاف في ظل تغير المناخ المستمر.

ويحذّر التقرير من أن القحط، وهو نقص مزمن في المياه، يمتد الآن على 40.6 في المائة من كتلة اليابسة على الأرض، باستثناء القارة القطبية الجنوبية، مقابل 37.5 في المائة قبل 30 عاماً.

أشخاص يسيرون عبر جزء من نهر الأمازون تظهر عليه علامات الجفاف في كولومبيا (أ.ب)

كما يحذّر من أن المناطق الأكثر تضرراً تشمل الدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط وجنوب أفريقيا وجنوب أستراليا وبعض مناطق آسيا وأميركا اللاتينية.

وقال الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، إبراهيم ثياو: «على عكس الجفاف -فترات مؤقتة من انخفاض هطول الأمطار- يمثّل القحط تحولاً دائماً لا هوادة فيه».

وأضاف أن «المناطق المناخية الأكثر جفافاً التي تؤثر الآن في أراضٍ شاسعة في جميع أنحاء العالم لن تعود إلى ما كانت عليه، وهذا التغيير يعيد تعريف الحياة على الأرض».

«أسوأ سيناريو»

وأضاف التقرير أن التغييرات تُعزى إلى حد كبير إلى الاحتباس الحراري العالمي الناجم عن انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري التي تغيّر هطول الأمطار وتزيد من نسب التبخر.

وتشمل آثار نقص المياه المزمن تدهور التربة وانهيار النظام البيئي وانعدام الأمن الغذائي والهجرة القسرية، وفقاً للعلماء.

وحسب التقرير، يعيش بالفعل 2.3 مليار شخص في مناطق جافة تتوسع، مع توقعات تشير إلى أن «أسوأ سيناريو» يتمثّل في عيش 5 مليارات شخص في هذه الظروف مع استمرار ارتفاع درجة حرارة الكوكب.

ولمواجهة هذا الاتجاه، حثّ العلماء الأعضاء على «دمج مقاييس القحط في أنظمة مراقبة الجفاف الحالية»، وتحسين إدارة التربة والمياه، و«بناء القدرة على الصمود في المجتمعات الأكثر ضعفاً».