الراعي ينتقد عرقلة تشكيل الحكومة اللبنانية «لمصالح آنية مستقبلية»

البطريرك الراعي (رويترز)
البطريرك الراعي (رويترز)
TT

الراعي ينتقد عرقلة تشكيل الحكومة اللبنانية «لمصالح آنية مستقبلية»

البطريرك الراعي (رويترز)
البطريرك الراعي (رويترز)

رفض البطريرك الماروني بشارة الراعي عرقلة أي فريق سياسي لتشكيل الحكومة «من أجل حسابات ومصالح آنية أو مستقبلية»، مؤكداً أنه «من المعيب على المعطلين التعاطي بالشأن اللبناني كأنه حجر من أحجار شطرنج الشرق الأوسط أو الدول الكبرى»، وذلك في ظل المراوحة في ملف تشكيل الحكومة اللبنانية بعد أكثر من 70 يوماً على تكليف الرئيس سعد الحريري بتأليفها.
ويستأنف البطريرك الراعي تحركه بين بعبدا، مقر إقامة رئيس الجمهورية ميشال عون، وبيت الوسط، مقر إقامة الرئيس المكلف سعد الحريري، لتفعيل الاتصالات بينهما لتشكيل الحكومة، بعد عطلة الأعياد، ويدرس توسيع مشاوراته واتصالاته لعله يستقدم من خلالها الضغط المطلوب لدفع عون والحريري الإسراع في تشكيل الحكومة.
وقال الراعي في قداس رأس السنة أمس (الجمعة)، إنه «لا يحقّ لأحد أو لأي فريق من الجماعة السياسية، أكانوا معنيين مباشرةً أو بطريقة غير مباشرة، أن يعرقلوا تشكيل الحكومة من أجل حسابات ومصالح آنية أو مستقبلية، وقد انطوى شهران وعشرة أيام على التكليف، فيما لبنان سائر سريعاً نحو الانهيار الكامل والإفلاس». وأشار إلى أن ما يجري «مسؤولية تدميرية أقوى وأشمل من تدمير مرفأ بيروت، وهدم نصف العاصمة، والتسبب بمئات الضحايا البريئة وآلاف العائلات المشردة، لأن دمارها يطال الشعب كله وحياة الدولة بكاملها».
وأكد الراعي أنه «من المعيب حقاً أن تبدأ السنة الجديدة من دون أن تكون الحكومة مؤلّفة ومنكبّة على العمل. ومعيب أيضاً على المعطّلين التعاطي بالشأن اللبناني كأنه حجر من أحجار شطرنج الشرق الأوسط أو الدول الكبرى». وقال: «فلتتذكر الجماعة السياسية أن تأليفَ حكومة هو واجبها الأول والأساسي ومبرر وجودها، ومن أجلها ومن أجل الوطن يرْخص كل شيء ويبوخ».
وأكد الراعي حرصه على أن يكون أي حل للقضية اللبنانية، أكان نتاج الإرادة اللبنانية وحدها أم بالتعاون مع المجتمع الدولي والعربي، لمصلحة لبنان وجميع اللبنانيين. وأوضح أنها «مصلحة تكمن في الانتقال إلى دولة القانون حيث نعيش معاً في شراكة ومحبة في ظل شرعية مدنية واحدة، وجيش وطني واحد، ودستور عصري واحد، وعَلم لبناني واحد». وشدد على أن «هذه القيم والمبادئ تحتاج إلى فعل سياسي وولاء للبنانَ دون سواه».
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد طرح مبادرة خلال الأشهر الماضية لتأليف الحكومة اللبنانية، لكنها اصطدمت بعقبات داخلية حالت دون إعلانها. ويصر المجتمع الدولي على تأليف حكومة تبدأ بتنفيذ الإصلاحات المطلوبة منها بغرض تقديم الدعم للبنان للنهوض من أزماته الاقتصادية والمالية والمعيشية.
وانسحب انتقاد العجز عن تأليف الحكومة على متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران إلياس عودة، الذي قال أمس، إن «الشعب غاضب وحاقد على السياسيين ويطالبهم بالرحيل». وأسف أنّ «السلطة غير قادرة على كشف الحقيقة وعلى وقف الانهيار وعلى اتخاذ خطوة إنقاذية واحدة وكلفة الانتظار باهظة جداً والشعب وحده يدفع الثمن». وقال في عظته: «أيها المسؤولون، ألا يهزّ ضمائركم وضع اللبنانيين؟ ألا يُدمي قلوبكم أنينهم ومعاناتهم، وفيهم من ليس لديه ما يطعم أولاده؟ هل سمعتم أمنية اللبنانيين: أن ترحلوا؟ الشعب غاضب وحاقد عليكم ويريدكم أن ترحلوا». وأضاف: «إن كان لا يهزّكم مشهد بيروت المدمّرة ألا يهزّكم رأي شعبكم بكم؟».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.