الموازنة المالية في العراق تدخل دائرة الجدل بين الحكومة والبرلمان

TT

الموازنة المالية في العراق تدخل دائرة الجدل بين الحكومة والبرلمان

يبدأ البرلمان العراقي، في غضون أيام، مناقشة الموازنة المالية لعام 2021 وسط خلافات حادة بين الحكومة وعدد من الكتل السياسية والبرلمانية. وكانت حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، أرسلت الموازنة إلى البرلمان الأسبوع الماضي، وهي في الوقت الذي سميت موازنة تقشفية، إلا أنها تضمنت أرقاماً عالية على مستوى الإنفاق والتشغيل، حيث بلغت نحو 150 تريليون دينار عراقي (نحو 130 مليار دولار أميركي) بعجز ضخم يتجاوز 60 في المائة مما متوقع على صعيد الموارد المتحققة، في المقدمة منها النفط الذي يشكل أكثر من 95 في المائة من واردات البلاد، حيث تم تحديد سعر 42 دولاراً للبرميل الواحد من النفط.
الحكومة كانت قد أعدت الموازنة في ضوء ورقة الإصلاح التي أطلق عليها «الورقة البيضاء»، التي ما إن أعلنت العديد من الكتل السياسية رفضها لبعض محتوياتها حتى كشف رئيس الوزراء أنه تم عرض الورقة على زعامات الخط الأول من الكتل السياسية في اجتماع مع الرئاسات الثلاث، وحظيت بموافقة الجميع. لكن الموسم الانتخابي سرعان ما دخل على الخط، وذلك لجهة ما تضمنته الورقة من استقطاعات متباينة لرواتب الموظفين، مع استثناء صغار الموظفين. كما أن رفع سعر الدولار في السوق المحلية مقابل الدينار وما ترتب عليه من رفع أسعار المواد الأساسية، فضلاً عن فرض ضرائب على الوقود، وعلى العديد من السلع، فتح نافذة للجدل بين الحكومة من جهة، والكتل الرافضة لتوجهات الكاظمي، وما تعده طموحاته للمرحلة المقبلة، من جهة أخرى. فمعارضو الكاظمي يرون أنه يريد استثمار نتائج انتفاضة أكتوبر 2019 لصالحه، بينما يرى مؤيدوه ومعهم طيف واسع من القوى السياسية أنه جاء على وقع ما ترتب على تلك الانتفاضة التي أجبرت القوى التقليدية على تغيير المعادلة. فالحكومة السابقة التي جاءت نتيجة انتخابات 2018 أخفقت في التعامل مع الأزمة، فتمت إقالتها تحت الضغط الجماهيري، كما تم تحت الضغط نفسه تغيير قانون الانتخابات ومفوضية الانتخابات.
مع ذلك، هناك تباين في مواقف الكتل السياسية حيال الموازنة، وما إذا كان سيتم إقرارها سريعاً، أم تتأخر طبيعة الخلافات والتباين في وجهات النظر. وفي هذا السياق، يرى النائب عن كتلة «عراقيون» في البرلمان حسين عرب، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «من غير المتوقع أن يتم إقرار الموازنة سريعاً، لأن هناك الكثير من الفقرات والنقاط لدى البرلمان اعتراضات عليها، وبالتالي سوف تخضع للتعديل». وبشأن أبواب التعديل، يقول عرب إن «التعديل سيكون بالدرجة الأساس بالنفقات التي تشمل الوزارات والدوائر الأخرى، بالإضافة إلى مسألة رفع سعر الدينار العراقي والوفرة المالية والاقتراض، حيث ستخضع كل هذه الأمور إلى التعديل».
مبيناً أنه «مع ذلك لا يوجد حتى الآن توافق تام على طبيعة التعديلات أو آلياتها».
وبشأن العلاقة بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان، وكيفية التعامل مع هذا الخلاف المزمن في الموازنة، يقول عرب إن «موضوع الإقليم والموازنة المالية وعملية تصدير النفط، والعلاقة التي تحكم ذلك بين الإقليم والمركز أصبحت قضية رأي عام، وبالتالي لا توجد أي كتلة الآن داخل البرلمان يمكن أن تتبنى حل هذا الموضوع». وأوضح عرب أن «الاتفاقات التي تحصل مجرد اتفاقات شكلية»، مشيراً إلى أن «الكتل السياسية أبلغت الجانب الكردي تقديم تفاصيل الواردات النفطية وغير النفطية إلى الحكومة الاتحادية، ليكون ذلك مدخلاً لإيجاد حل لهذه القضية».
كردياً، وفي موقف لافت، أكد النائب الكردي المستقل ريبوار كريم، أن «كتلة برلمانية جديدة تتكون من 15 نائباً كردياً ومرشحة لأن ينضم إليها نواب كرد جدد من مختلف الكتل والأحزاب الكردية بات لديها رأي آخر في مسألة الرواتب والنفط ومجمل العلاقة بين بغداد وأربيل». وقال كريم في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «رواتب موظفي إقليم كردستان يجب ألا تخضع للخلاف والجدل بين الحكومة الاتحادية والإقليم تحت أي ذريعة، لذلك نحن نطالب وقد جمعنا تواقيع بذلك بأن تدفع الرواتب مباشرة من بغداد إلى موظفي الإقليم بعد أن يتم توطينها مثل باقي موظفي الدولة العراقية».
وأضاف كريم: «لا ينبغي معاقبة الناس بسبب خلافات سياسية الطرفين، وهي خلافات كثيراً ما يدفع ثمنها المواطن البسيط في الإقليم»، مبيناً أنه «في حال يحصل اتفاق بين بغداد وأربيل، فإن هذا الاتفاق يكون مع قيادة الإقليم والأحزاب الحاكمة، بينما حين يحصل خلاف، فإن الشعب هو الذي يعاقب لا القيادة أو الأحزاب المسيطرة، وبالتالي فإننا في هذه الكتلة الجديدة نبحث عن حقوق الناس لا حقوق الأحزاب».
لكن المتحدث باسم حكومة إقليم كردستان جوتيار عادل، قال من جانبه إن «حكومة الإقليم لم تدع أي ذريعة للحكومة الاتحادية لكي تحجم عن إرسال ميزانية الإقليم وتثبيتها في قانون الموازنة الاتحادية». وقال عادل في بيان أمس إن «حكومة إقليم كردستان تسخر جميع مساعيها لحل الأزمات، وتطوير عملية الإصلاح، وخدمة المواطنين في جميع مناحي الحياة». وأشار إلى أن «حكومته لم تدع لبغداد أي ذريعة لكي لا ترسل حصة الإقليم من الموازنة وتثبيتها في قانون الموازنة الاتحادية».
أما الخبير النفطي حمزة الجواهري، فقد أكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «حصة إقليم كردستان عالية جداً في هذه الموازنة، وقد قدم عدد من النواب اعتراضات بهذا الشأن، وهي اعتراضات صحيحة». وأضاف الجواهري أن «من غير المتوقع أن يمرر البرلمان بسهولة الموازنة، وهي بهذه الصيغة، وبالتالي فإن المتوقع أن يتم ترشيقها تماماً».



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.