أفريقيا الوسطى تقترع اليوم والمعارضة تستأنف تحركها نحو العاصمة

موقع لجنود مصريين من القوة متعددة الجنسيات المنتشرة في بانغي عاصمة جمهورية أفريقيا الوسطى عشية الانتخابات المقررة اليوم (أ.ف.ب)
موقع لجنود مصريين من القوة متعددة الجنسيات المنتشرة في بانغي عاصمة جمهورية أفريقيا الوسطى عشية الانتخابات المقررة اليوم (أ.ف.ب)
TT

أفريقيا الوسطى تقترع اليوم والمعارضة تستأنف تحركها نحو العاصمة

موقع لجنود مصريين من القوة متعددة الجنسيات المنتشرة في بانغي عاصمة جمهورية أفريقيا الوسطى عشية الانتخابات المقررة اليوم (أ.ف.ب)
موقع لجنود مصريين من القوة متعددة الجنسيات المنتشرة في بانغي عاصمة جمهورية أفريقيا الوسطى عشية الانتخابات المقررة اليوم (أ.ف.ب)

أعلنت الأمم المتحدة أن 3 جنود من قوات حفظ السلام الأممية قتلوا على أيدي مسلحين مجهولين في جمهورية أفريقيا الوسطى، حيث تجري اليوم (الأحد) انتخابات رئاسية وتشريعية، بينما يتواصل القتال بين المتمردين والقوات الحكومية، حسب ما جاء في تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية من بانغي.
وجاءت التطورات بعدما أعلن ائتلاف جماعات مسلحة متمردة تخليه عن وقف لإطلاق النار، وأكد أنه سيستأنف هجومه على العاصمة، بعد وصول قوات من روسيا ورواندا لدعم حكومة البلد الغني بالماس والأخشاب والذهب الذي شهد 5 انقلابات وكثيراً من أعمال التمرد منذ الاستقلال عن فرنسا عام 1960، حسب وكالة «رويترز».
وقالت الأمم المتحدة، في بيان، الجمعة، إن «3 من عناصر حفظ السلام البورونديين قتلوا، وأصيب اثنان آخران بجروح» في هجمات استهدفت قوات الأمم المتحدة وقوات جمهورية أفريقيا الوسطى العسكرية والأمنية. وأوضح البيان الذي نقلته وكالة الصحافة الفرنسية أن الهجمات وقعت في ديكوا (وسط) وفي باكوما (جنوب)، من دون مزيد من التفاصيل. وأدان ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، الحادثة بشدة، داعياً سلطات أفريقيا الوسطى إلى التحقيق بشأن الهجمات «الوحشية». كما حذر من أن تنفيذ «هجمات ضد عناصر حفظ السلام الأمميين قد يعد جريمة حرب».
وقبيل الانتخابات الرئاسية والتشريعية المرتقبة الأحد، اتهم رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى الحالي، فوستين أرشانج تواديرا، سلفه فرنسوا بوزيزيه بالتخطيط لانقلاب ضده. وينفي بوزيزيه، الخاضع لعقوبات أممية الممنوع من الترشح للانتخابات، التهم.
وسيطرت مجموعة مسلحة، الثلاثاء، لمدة وجيزة، على رابع أكبر مدينة في البلاد، قبل أن تستعيدها قوات الأمن، مدعومة بقوات حفظ السلام. وفي الأثناء، رفضت المحكمة الدستورية، السبت، مناشدات المعارضة لتأجيل الانتخابات. وتقدم 6 مرشحين، على الأقل، بالتماسات قالوا فيها إن انعدام الأمن في البلاد، وانسحاب أحد المرشحين مؤخراً، يبرران تأجيل الاقتراع.
وشنت مجموعات متمردة هجوماً الأسبوع الماضي، وهددت بالتقدم نحو العاصمة بانغي، فيما وصفته الحكومة بأنه محاولة انقلاب، لكنهم تراجعوا بضغط دولي. وانهار الجمعة اتفاق لوقف إطلاق النار تم التوصل إليه قبل الانتخابات، فيما أعلن «ائتلاف الوطنيين من أجل التغيير» أنه سيستأنف تحركه باتجاه العاصمة، حسب تقرير الوكالة الفرنسية. وتأسس الائتلاف الذي يضم ميليشيات تسيطر على ثلثي البلاد في 19 ديسمبر (كانون الأول) على أيدي مجموعات مسلحة تتهم تواديرا بالسعي لتزوير نتيجة الانتخابات. واندلعت مواجهات مجدداً، الجمعة، في باكوما، على بعد نحو 800 كلم شمال شرقي بانغي، بحسب المتحدث باسم بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام (مينوسكا)، فلاديمير مونتيرو.
وأفادت «مينوسكا»، الخميس، بأن كتيبة مكونة من 300 جندي رواندي وصلت إلى البلاد. كما أرسلت روسيا التي وقعت أخيراً اتفاقاً للتعاون العسكري مع حكومة تواديرا 300 عنصر تدريب لدعم قوات جمهورية أفريقيا الوسطى عسكرياً قبيل الانتخابات.
وينظر إلى انتخابات الأحد على أنها ستشكل اختباراً رئيسياً لقدرة جمهورية أفريقيا الوسطى على استعادة استقرارها. لكن السؤال الأهم يتعلق بما إن كانت نسب المشاركة ستتأثر بدرجة كبيرة بالعنف أو الترهيب، بشكل يؤثر على مصداقية الرئيس المقبل والمجلس التشريعي الذي يضم 140 مقعداً.
وتعاني جمهورية أفريقيا الوسطى، الغنية بالموارد المصنفة مع ذلك ثاني أفقر دولة في العالم على مؤشر التنمية البشرية، من عدم الاستقرار منذ استقلت قبل 60 عاماً.



كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
TT

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)

نجح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في خلق بيئة مواتية لانتشار أسلحة نووية جديدة في أوروبا وحول العالم، عبر جعل التهديد النووي أمراً عادياً، وإعلانه اعتزام تحويل القنبلة النووية إلى سلاح قابل للاستخدام، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

في عام 2009، حصل الرئيس الأميركي، باراك أوباما، على «جائزة نوبل للسلام»، ويرجع ذلك جزئياً إلى دعوته إلى ظهور «عالم خالٍ من الأسلحة النووية». وفي ذلك الوقت، بدت آمال الرئيس الأميركي الأسبق وهمية، في حين كانت قوى أخرى تستثمر في السباق نحو الذرة.

وهذا من دون شك أحد أخطر آثار الحرب في أوكرانيا على النظام الاستراتيجي الدولي. فعبر التهديد والتلويح المنتظم بالسلاح الذري، ساهم فلاديمير بوتين، إلى حد كبير، في اختفاء المحرمات النووية. وعبر استغلال الخوف من التصعيد النووي، تمكن الكرملين من الحد من الدعم العسكري الذي تقدمه الدول الغربية لأوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، ومن مَنْع مشاركة الدول الغربية بشكل مباشر في الصراع، وتخويف جزء من سكان هذه الدول، الذين تغلّب عليهم «الإرهاق والإغراءات بالتخلي (عن أوكرانيا) باسم الأمن الزائف».

بدأ استخفاف الكرملين بالأسلحة النووية في عام 2014، عندما استخدم التهديد بالنيران الذرية للدفاع عن ضم شبه جزيرة القرم من طرف واحد إلى روسيا. ومنذ ذلك الحين، لُوّح باستخدام السلاح النووي في كل مرة شعرت فيها روسيا بصعوبة في الميدان، أو أرادت دفع الغرب إلى التراجع؛ ففي 27 فبراير 2022 على سبيل المثال، وُضع الجهاز النووي الروسي في حالة تأهب. وفي أبريل (نيسان) من العام نفسه، استخدمت روسيا التهديد النووي لمحاولة منع السويد وفنلندا من الانضمام إلى «حلف شمال الأطلسي (ناتو)». في مارس (آذار) 2023، نشرت روسيا صواريخ نووية تكتيكية في بيلاروسيا. في فبراير 2024، لجأت روسيا إلى التهديد النووي لجعل النشر المحتمل لقوات الـ«ناتو» في أوكرانيا مستحيلاً. وفي الآونة الأخيرة، وفي سياق المفاوضات المحتملة مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، جلبت روسيا مرة أخرى الخطاب النووي إلى الحرب، من خلال إطلاق صاروخ باليستي متوسط ​​المدى على أوكرانيا. كما أنها وسعت البنود التي يمكن أن تبرر استخدام الأسلحة الذرية، عبر مراجعة روسيا عقيدتها النووية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع مع قيادة وزارة الدفاع وممثلي صناعة الدفاع في موسكو يوم 22 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

التصعيد اللفظي

تأتي التهديدات النووية التي أطلقتها السلطات الروسية في الأساس ضمن الابتزاز السياسي، وفق «لوفيغارو». ولن تكون لدى فلاديمير بوتين مصلحة في اتخاذ إجراء عبر تنفيذ هجوم نووي تكتيكي، وهو ما يعني نهاية نظامه. فالتصعيد اللفظي من جانب القادة الروس ورجال الدعاية لم تصاحبه قط تحركات مشبوهة للأسلحة النووية على الأرض. ولم يتغير الوضع النووي الروسي، الذي تراقبه الأجهزة الغربية من كثب. وتستمر الصين أيضاً في لعب دور معتدل، حيث تحذّر موسكو بانتظام من أن الطاقة النووية تشكل خطاً أحمر مطلقاً بالنسبة إليها.

إن التهوين من الخطاب الروسي غير المقيد بشكل متنامٍ بشأن استخدام الأسلحة النووية ومن التهديد المتكرر، قد أدى إلى انعكاسات دولية كبيرة؛ فقد غير هذا الخطاب بالفعل البيئة الاستراتيجية الدولية. ومن الممكن أن تحاول قوى أخرى غير روسيا تقليد تصرفات روسيا في أوكرانيا، من أجل تغيير وضع سياسي أو إقليمي راهن محمي نووياً، أو إنهاء صراع في ظل ظروف مواتية لدولة تمتلك السلاح النووي وتهدد باستخدامه، أو إذا أرادت دولة نووية فرض معادلات جديدة.

يقول ضابط فرنسي: «لولا الأسلحة النووية، لكان (حلف شمال الأطلسي) قد طرد روسيا بالفعل من أوكرانيا. لقد فهم الجميع ذلك في جميع أنحاء العالم».

من الجانب الروسي، يعتبر الكرملين أن الحرب في أوكرانيا جاء نتيجة عدم الاكتراث لمخاوف الأمن القومي الروسي إذ لم يتم إعطاء روسيا ضمانات بحياد أوكرانيا ولم يتعهّد الغرب بعدم ضم كييف إلى حلف الناتو.

وترى روسيا كذلك أن حلف الناتو يتعمّد استفزاز روسيا في محيطها المباشر، أكان في أوكرانيا أو في بولندا مثلا حيث افتتحت الولايات المتحدة مؤخرا قاعدة عسكرية جديدة لها هناك. وقد اعتبرت موسكو أن افتتاح القاعدة الأميركية في شمال بولندا سيزيد المستوى العام للخطر النووي.