جديد العلاقة الأميركية ـ الروسية... وقديمها

فيتالي نعومكين
فيتالي نعومكين
TT

جديد العلاقة الأميركية ـ الروسية... وقديمها

فيتالي نعومكين
فيتالي نعومكين

سيبقى عام 2020 في تاريخ العالم عام الأحداث الدرامية التي أثّرت على مصير غالبية سكان كوكبنا، بمن فيهم أولئك الذين يعيشون في دول الشرق الأوسط. وربما تكون جائحة فيروس كورونا، التي باتت تشكل تهديداً هائلاً للبشرية جمعاء، هي أهم هذه الأحداث، رغم أنها ليست الحدث الوحيد. أما في المجال السياسي، فإن الانتخابات الأميركية كان لها أثرها أيضاً على مصالح العديد من الأشخاص. وبالنسبة لهؤلاء الأشخاص لن يكون الشكل الذي ستتطور به العلاقات بين أميركا والقوة النووية الثانية في العالم، أي روسيا، في ظل الرئيس الجديد للبيت الأبيض أمراً غير مكترث به.
روسيا لا تتوقع تغييرات جذرية في سياسة الولايات المتحدة على المسار الروسي. ذلك لأنه، أولاً: وكما يرى المحللون المحليون، تصريحات بايدن نفسه وأعضاء فريقه العديدة تتحدث عن ذلك. ثانياً: ستعمل الإدارة الجديدة في بيئة يسممها الترهيب من روسيا المتجذر في أوساط النخبة الأميركية، وهذه البيئة إلى حد كبير هي التي ستحدد مسار السياسة الخارجية الأميركية. ثالثاً: ستحافظ على نفوذها في الكونغرس الأميركي، مجموعة أعضاء مجلسي النواب والشيوخ من الذين دافعوا عن موقف متشدد تجاه موسكو، التي يعتبرونها عدواً لأميركا. بشكل عام، لم تختف الترمبية، التي تعتبر معارضة روسيا جزءاً لا يتجزأ من فكرها؛ إذ إنها لا تزال تحافظ على قاعدة دعم واسعة جداً. رابعاً: بالإضافة إلى ذلك، من بين الفروق الدقيقة الجديدة التي يُرجح أن تميز السياسة الخارجية للإدارة الجديدة عن سياسة سابقتها، سيكون التوجه للاعتماد على القيم التي يتسم بها الديمقراطيون، مع التركيز على نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان، الأمر الذي على الأغلب لن يسهل تحسين العلاقات مع موسكو، حتى ولو كان هناك بعض الإرادة السياسية للقيام بذلك. بشكل عام، ستفسح نزعة ترمب التجارية المجال لنهج بايدن ذي الدوافع الآيديولوجية.
من المرجح أن تظل منطقة الشرق الأوسط منصة تتضارب فيها بشدة وتتقارب في آن واحد مصالح الولايات المتحدة وروسيا. لكن، وبغض النظر عن هذا، لا يمكن تفسير سياسة هؤلاء اللاعبين العالميين في المنطقة (كما هو الحال في الواقع حتى الآن) على أنها تنافس على النفوذ. ومن المؤكد أن موسكو لن تحاول إزاحة واشنطن ولن تسعى لتقويض موقف الأميركيين هناك، حيث يُنظر إلى وجودها ونفوذها على أنه ضروري لدول معينة في المنطقة، خاصة في تلك الحالات التي ترى فيها هذه الدول الولايات المتحدة مصدراً للأمن. إذ إنه ليس لدى موسكو لا الموارد الكافية لهذا الغرض ولا الحاجة الملحة ولا الرغبة في ذلك. يؤكد السياسيون الأميركيون، حتى من بين منتقدي السياسة الروسية في الشرق الأوسط، أنه لا وجود بين مهام بلادهم لفكرة إزاحة روسيا من المواقع التي تشغلها. ويمكن رؤية هذا، على وجه الخصوص، في مقابلة أجراها جيمس جيفري مؤخراً مع «الشرق الأوسط»، حيث ذكر أنه، وفقاً للتسوية السياسية في سوريا، يجب سحب القوات التركية والإيرانية وقوات الولايات المتحدة وإسرائيل من هذا البلد، لكن ليس الروسية.
يعتقد معظم الروس أن سياسة العقوبات الأميركية على بلادهم ستستمر في عهد بايدن. إن الانقسام العميق في المجتمع الدولي، في ظروف حيث واجه العالم في العام الذي أشرف على نهايته جائحة فيروس كورونا، بالإضافة إلى التهديدات المألوفة من النزاعات المسلحة والإرهاب الدولي والمخدرات والجرائم الإلكترونية، يعوق التصدي لها. الوزير سيرغي لافروف يؤكد أن «العالم قد سئم من خطوط الانقسام، وتقسيم الدول إلى (أقرباء) و(غرباء)، وفي حاجة إلى تنمية تعاون ومساعدة متبادلة متعددة الجوانب». ولكن حتى في مجال مثل إنتاج اللقاحات، من الملاحظ أن المصالح التجارية والسياسية غالباً ما تسود على المصالح الإنسانية العامة. لكن هناك أمثلة مشجعة، من بينها التعاون بين الشركات الروسية والبريطانية في استكشاف إمكانية إنتاج لقاح مشترك ضد فيروس كورونا يعتمد على لقاح أسترازينكا (AstraZeneca) ولقاح سبوتنيك - في (Sputnik - V) الروسي. من المتوقع استخدام هذا اللقاح المركب في الأسواق الخارجية. وتخطط مجموعة شركات أر - فارم (R - Pharm) الروسية، بحسب وكالة آر بي كا (RBC)، لإنتاج لقاح بريطاني في روسيا وتوريده إلى أكثر من 30 دولة في العالم، بما في ذلك إلى دول في الشرق الأوسط. في الوقت نفسه، كما صرحت ماريا زاخاروفا، المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية، بأنه إلى هذه اللحظة «لا نرى أي توحيد عالمي للجهود». بالإضافة إلى ذلك، إن ما يعيق التعاون أيضاً هو التدفق الكبير للمعلومات المضللة التي يتم إلقاؤها في وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية.
في حين أن الولايات المتحدة تقيم حالة الاقتصاد الروسي بأنها حرجة للغاية، على أمل زيادة إضعافه من خلال العقوبات التي لا نهاية لها، نرى أنه في روسيا يشيرون إلى علامات ركود طويل الأمد في الاقتصاد الأميركي، يمكن مقارنته بالكساد العظيم في ثلاثينات القرن الماضي. إن الخبير الروسي المعروف في الاقتصاد الأميركي، فلاديمير فاسيليف، واثق من أن الأزمة الاقتصادية العميقة التي تشهدها الولايات المتحدة اليوم ستمتد على الأقل خلال النصف الأول من عشرينات القرن الحالي. في الوقت نفسه، يذكّر الخبراء أيضاً بأن عدد الوفيات بفيروس كورونا في هذه الدولة الأغنى في العالم يقترب من 300 ألف، وهو ما يتباين مع مؤشرات الصين التي تواجه الجائحة بنجاح. وفقاً لاستنتاج فاسيليف، «حتى لو دخل الاقتصاد الأميركي في مسار التنمية المستدامة في النصف الثاني من هذا العقد، فلن يتمكن من الوصول إلى معدل الناتج المحلي الإجمالي قبل الأزمة»، وستؤدي الصعوبات التي ستواجهها إلى تغييرات خطيرة في المجتمع الأميركي.
ومن المهم أيضاً بالنسبة لروسيا كيف ستتطور علاقات أميركا مع عملاق اقتصادي عالمي آخر هو الصين، في ظل الرئيس المنتخب. يمكن الافتراض أن نهج بايدن الأكثر عقلانية سيحل محل خطاب ترمب العدواني، وسيعود الطرفان إلى عملية التفاوض العادية. هل ستتخلى واشنطن الآن عن محاولاتها لإشراك موسكو في مواجهتها مع بكين؟ يعتقد خبير نادي فالداي ديمتري سوسلوف، أن الفكرة الأميركية بجر موسكو إلى هذه المواجهة هي فكرة خيالية، لكنها «راسخة في أذهان غالبية ممثلي نخبة السياسة الخارجية الأميركية».
مع ذلك، تتوقع روسيا بعض التغيرات من القيادة الأميركية الجديدة. والتي ستمس على وجه الخصوص مجالين: مجال سياسة الحد من التسلح ومجال السياسة في الشرق الأوسط. على سبيل المثال، تتوقع موسكو أن يوافق الرئيس المنتخب على تمديد معاهدة الأسلحة الاستراتيجية، والتي لم يتبق لها سوى القليل من الوقت. بشكل عام، سيُظهر بايدن، وفقاً لتقييمات عدد كبير من الخبراء، رغبة في إعادة البلاد إلى المجال القانوني الدولي، مما قد يمس أيضاً المعاهدات الأخرى التي خرج منها ترمب. هناك أساس للاعتقاد بأن بايدن سيرغب في العودة إلى «الصفقة النووية مع إيران» (خطة العمل الشاملة المشتركة)، وإخضاع مسار «الضغط الأقصى» لبعض المراجعة وتقديم الوعود لطهران برفع العقوبات. ومع ذلك، من المرجح أنه سيبذل جهداً لحث طهران على مناقشة برنامجها الصاروخي و«السلوك الإقليمي». أما تجاه تركيا فربما ستصبح سياسة واشنطن أكثر صرامة.
تجدر الإشارة إلى أن الدعوات إلى تعددية الأطراف الموجهة إلى بايدن، التي ينادي بها بعض السياسيين الأميركيين ممن هم على معرفة جيدة بالشرق الأوسط، تتوافق إلى حد ما مع مقاربات الدبلوماسية الروسية، الأمر الذي لا يلغي بالطبع التناقضات الأخرى. أعاد في هذا السياق الدبلوماسيان الأميركيان البارزان السابقان دانيال كيرتزر وآرون ميللر إلى التذكير بمؤتمر مدريد للسلام عام 1991، والذي قام بعده الراعيان المشاركان له - الولايات المتحدة وروسيا - بإطلاق عملية متعددة الأطراف في موسكو لحل المشاكل بين إسرائيل والدول العربية (حيث كان كلا الدبلوماسيين في فريق جيمس بيكر حينها). إذ عملت خمس مجموعات عمل في قضايا: المياه والبيئة واللاجئين والضبط الاقتصادي للحد من التسلح والأمن الإقليمي. فهل يمكن العودة اليوم إلى مثل هذه المفاوضات وبمشاركة الفلسطينيين؟ وماذا عن إيران؟ لا يزال من الصعب تخيل هذا. ومع ذلك، يمكن بناء الآمال على أن تستجيب الإدارة الجديدة لنداء الدبلوماسيين الأميركيين ذوي الخبرة لتطبيق «نموذج جديد متعدد الأطراف». إذ يمكن على الأغلب أنه سيلقى دعماً في موسكو أيضاً.
- خاص بـ«الشرق الأوسط»



تبادل إطلاق النار بين سفينة وزوارق صغيرة قبالة اليمن

صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر سفينة الشحن «روبيمار» المملوكة لبريطانيا والتي تعرضت لهجوم من قبل الحوثيين في اليمن قبل غرقها في البحر الأحمر... 1 مارس 2024 (رويترز)
صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر سفينة الشحن «روبيمار» المملوكة لبريطانيا والتي تعرضت لهجوم من قبل الحوثيين في اليمن قبل غرقها في البحر الأحمر... 1 مارس 2024 (رويترز)
TT

تبادل إطلاق النار بين سفينة وزوارق صغيرة قبالة اليمن

صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر سفينة الشحن «روبيمار» المملوكة لبريطانيا والتي تعرضت لهجوم من قبل الحوثيين في اليمن قبل غرقها في البحر الأحمر... 1 مارس 2024 (رويترز)
صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر سفينة الشحن «روبيمار» المملوكة لبريطانيا والتي تعرضت لهجوم من قبل الحوثيين في اليمن قبل غرقها في البحر الأحمر... 1 مارس 2024 (رويترز)

ذكرت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية، اليوم (الجمعة)، أن سفينة على بعد 15 ميلاً بحرياً غربي اليمن أبلغت عن تبادل لإطلاق النار بعد رصدها نحو 15 قارباً صغيراً على مقربة منها.

وأضافت السفينة أنها لا تزال في حالة تأهب قصوى وأن القوارب غادرت الموقع.

وأفاد ربان السفينة بأن الطاقم بخير، وأنها تواصل رحلتها إلى ميناء التوقف التالي.

وتشن جماعة الحوثي في اليمن هجمات على سفن تجارية في البحر الأحمر تقول إنها مرتبطة بإسرائيل، وذلك منذ اندلاع الحرب في غزة بعد هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على جنوب إسرائيل. وقالت الجماعة إن هجماتها للتضامن مع الفلسطينيين.


بوتين: المقترح الأميركي بشأن أوكرانيا يتضمّن نقاطاً «لا يمكن الموافقة عليها»

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته بفعالية في موسكو بروسيا يوم 3 ديسمبر 2025 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته بفعالية في موسكو بروسيا يوم 3 ديسمبر 2025 (رويترز)
TT

بوتين: المقترح الأميركي بشأن أوكرانيا يتضمّن نقاطاً «لا يمكن الموافقة عليها»

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته بفعالية في موسكو بروسيا يوم 3 ديسمبر 2025 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته بفعالية في موسكو بروسيا يوم 3 ديسمبر 2025 (رويترز)

قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن بعض المقترحات في خطة أميركية لإنهاء الحرب في أوكرانيا، غير مقبولة للكرملين، مشيراً في تصريحات نُشرت اليوم (الخميس) إلى أن الطريق لا يزال طويلاً أمام أي اتفاق، لكنه شدد على ضرورة «التعاون» مع واشنطن لإنجاح مساعيها بدلاً من «عرقلتها».

وقال بوتين في التصريحات: «هذه مهمّة معقّدة وصعبة أخذها الرئيس (الأميركي دونالد) ترمب على عاتقه».

وأضاف أن «تحقيق توافق بين أطراف متنافسة ليس بالمهمة بالسهلة، لكن الرئيس ترمب يحاول حقاً، باعتقادي، القيام بذلك»، متابعاً: «أعتقد أن علينا التعاون مع هذه المساعي بدلاً من عرقلتها».

وأطلق الرئيس الأميركي دونالد ترمب أقوى دفعة دبلوماسية لوقف القتال منذ شنت روسيا الغزو الشامل على جارتها قبل نحو أربع سنوات. ولكن الجهود اصطدمت مجدداً بمطالب يصعب تنفيذها، خاصة بشأن ما إذا كان يجب على أوكرانيا التخلي عن الأراضي لروسيا، وكيف يمكن أن تبقى أوكرانيا في مأمن من أي عدوان مستقبلي من جانب موسكو.

وتأتي تصريحات الرئيس الروسي في الوقت الذي يلتقي فيه المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف، وصهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب، جاريد كوشنر، بكبير المفاوضين الأوكرانيين رستم أوميروف، اليوم، في ميامي لإجراء مزيد من المحادثات، بحسب مسؤول أميركي بارز اشترط عدم الكشف عن هويته؛ لأنه غير مخوّل له التعليق علانية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وشخصيات روسية سياسية واقتصادية يحضرون محادثات مع المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب في قصر مجلس الشيوخ بالكرملين في موسكو بروسيا يوم 2 ديسمبر 2025 (أ.ب)

محادثات «ضرورية»

وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن محادثاته التي استمرت خمس ساعات، الثلاثاء، في الكرملين مع ويتكوف وكوشنر كانت «ضرورية» و«مفيدة»، ولكنها كانت أيضاً «عملاً صعباً» في ظل بعض المقترحات التي لم يقبلها الكرملين، وفق ما نقلته وكالة «أسوشييتد برس».

وتحدث بوتين لقناة «إنديا توداي تي في» قبل زيارته لنيودلهي، اليوم. وبينما لم تُبث المقابلة بأكملها بعد، اقتبست وكالتا الأنباء الروسيتان الرسميتان «تاس» و«ريا نوفوستي» بعض تصريحات بوتين.

ونقلت وكالة «تاس» عن بوتين القول في المقابلة، إن محادثات الثلاثاء في الكرملين تحتّم على الجانبين «الاطلاع على كل نقطة» من مقترح السلام الأميركي «وهذا هو السبب في استغراق الأمر مدة طويلة للغاية».

وأضاف بوتين: «كان هذا حواراً ضرورياً وملموساً»، وكانت هناك بنود، موسكو مستعدة لمناقشتها، في حين «لا يمكننا الموافقة» على بنود أخرى.

ورفض بوتين الإسهاب بشأن ما الذي يمكن أن تقبله أو ترفضه روسيا، ولم يقدّم أي من المسؤولين الآخرين المشاركين تفاصيل عن المحادثات.

ونقلت وكالة «تاس» عن بوتين القول: «أعتقد أنه من المبكر للغاية؛ لأنها يمكن أن تعرقل ببساطة نظام العمل» لجهود السلام.


القمة الروسية - الهندية تعزز «الشراكة الاستراتيجية» وتتحدى ضغوط واشنطن

لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)
لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)
TT

القمة الروسية - الهندية تعزز «الشراكة الاستراتيجية» وتتحدى ضغوط واشنطن

لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)
لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)

يبدأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الخميس، زيارة رسمية إلى الهند تستغرق يومين. وتعد واحدة من الزيارات الخارجية النادرة له منذ اندلاع الحرب الأوكرانية في فبراير (شباط) 2022. ومثلما حظيت زيارته إلى الصين قبل ثلاثة أشهر، وقبلها إلى كوريا الشمالية العام الماضي، بأهمية كبرى في إطار رسم ملامح استراتيجية الكرملين في السياسة الخارجية، تُشكل الزيارة الحالية لنيودلهي منعطفاً حاسماً جديداً في مسار تعزيز تحالفات موسكو مع الشركاء التقليديين، خصوصاً على خلفية الضغوط الأميركية المتزايدة على الهند لتقليص تعاونها مع موسكو.

وفي أول زيارة له إلى العاصمة الهندية منذ أربع سنوات، يرافق بوتين وزير الدفاع أندريه بيلووسوف، ووفد واسع النطاق من قطاعي الأعمال، والصناعة. ومن أبرز الوجوه المرافقة لبوتين رئيسا شركتي الطاقة «روسنفت» و«غازبروم» اللتين تخضعان لعقوبات غربية، إلى جانب مسؤولي المجمع الصناعي العسكري، ومؤسسة «روس أبورون أكسبورت» المسؤولة عن الصادرات العسكرية. بالإضافة إلى رؤساء القطاع المصرفي الروسي الذي يخضع بدوره لعقوبات غربية. وتعكس تشكيلة الوفد المرافق أولويات أجندة الطرفين، وطبيعة النقاشات التي تم التحضير لها في موسكو، ونيودلهي.

برنامج حافل

على مدار يومي القمة، سيبحث الطرفان التعاون في مجالات الدفاع، والطاقة النووية، والهيدروكربونات، والفضاء، والتكنولوجيا، والتجارة.

تُشكل زيارة بوتين لنيودلهي منعطفاً حاسماً جديداً في مسار تعزيز تحالفات موسكو مع الشركاء التقليديين (أ.ف.ب)

واستبق الناطق الرئاسي الروسي ديمتري بيسكوف الزيارة بإشارة إلى أن بوتين سوف يناقش مع رئيس الوزراء ناريندرا مودي «القضايا الدولية، والإقليمية»، مشدداً على اهتمام الكرملين بتطوير التعاون الثنائي، وفتح مجالات جديدة للتعاون، وأشار إلى موقف واشنطن السلبي تجاه الزيارة، وتلويحها بمضاعفة التعريفات الجمركية في حال استمرت نيودلهي في تعزيز تعاونها مع موسكو، وخصوصاً في مجال الطاقة، موضحاً أنه «لا ينبغي أن تخضع العلاقات التجارية بين موسكو ونيودلهي لتأثير دول ثالثة»، وأعرب عن قناعته بأن «مسألة التعريفات الجمركية الأميركية تظل قضية ثنائية بين الولايات المتحدة والهند». ووصف بيسكوف الإجراءات المفروضة على قطاع النفط الروسي بأنها غير قانونية، مؤكداً أن روسيا تبذل كافة الجهود الممكنة لضمان استمرار تجارة الطاقة، وتدفقها دون انقطاع رغم التحديات. وأشار إلى أن الزيارة ستشهد توقيع حزمة مهمة من الوثائق الثنائية، دون الإفصاح عن تفاصيل محددة.

تعزيز التعاون في مجال الطاقة

قبل زيارة بوتين، أجرى مسؤولون من الجانبين محادثات في مجالات واسعة من الدفاع، إلى الشحن، والزراعة، وفي أغسطس (آب) الماضي، اتفق الطرفان على بدء محادثات بشأن اتفاقية تجارة حرة بين الهند والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، بقيادة روسيا.

وكرست هذه الخطوات مسار تعزيز العلاقة رغم بروز بعض المخاوف لدى مسؤولين في الهند أعربوا عن قلق من أن أي صفقات طاقة ودفاع جديدة مع روسيا قد تُثير رد فعل من الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي ضاعف الرسوم الجمركية إلى 50 في المائة في أغسطس على السلع الهندية، عقاباً على مشتريات نيودلهي من النفط الخام الروسي.

بوتين يتحدّث خلال مؤتمر في موسكو يوم 3 ديسمبر (رويترز)

ويُشكّل ملف تعزيز التعاون في مجال الطاقة إحدى أولويات الكرملين، الذي أكد أن الهند سوف تواصل الحصول على معاملة تفضيلية.

زادت واردات النفط الروسية على مدار سنوات اتفاقية التجارة الحرة بنسبة 600 في المائة، مما جعل الهند المشتري الرئيس لصادرات النفط الروسية (38 في المائة). كما تشتري الهند الأسمدة، والزيوت النباتية، والفحم، والمعادن.

تُنقل هذه الشحنات عبر الممر البحري الشرقي الذي افتُتح مؤخراً بين فلاديفوستوك وميناء تشيناي الهندي، وهو طريق بطول 10300 كيلومتر يربط بين موانٍ استراتيجية في المحيطين الهادئ والهندي. كما يعمل ممر النقل بين الشمال والجنوب فإن هذا الممر يتيح الاستقلال عن اللوجستيات الغربية، والتسويات بالعملات الوطنية تجاوزاً للعقوبات الغربية بنسبة تصل إلى 90 في المائة. وأكد الطرفان مجدداً هدفهما المتمثل في زيادة حجم التبادل التجاري إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2030 (من 67 مليار دولار حالياً). وتطلب الهند دعماً لصادراتها إلى روسيا، لا سيما في مجالات الأدوية، والهندسة، والمنتجات الزراعية، ولتوفير فرص عمل للعمال الهنود المهاجرين، ويأتي ذلك تقديراً لإنجازات الهند في الالتفاف على العقوبات الغربية، خصوصاً في مجال تجارة النفط.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يحضران اجتماعاً على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون في سمرقند - أوزبكستان يوم 16 سبتمبر 2022 (رويترز)

في المقابل، تسعى موسكو إلى الحصول على مساعدة الهند للحصول على قطع غيار، ومعدات تقنية لأصولها النفطية، حيث عرقلت العقوبات الوصول إلى الموردين الرئيسين.

ووفقاً لمصدر حكومي في الهند، فإن نيودلهي تسعى على الأرجح إلى استعادة حصة 20 في المائة لشركة التنقيب عن الغاز الحكومية في مشروع «سخالين-1» في أقصى شرق روسيا.

وتسعى موسكو أيضاً إلى تطوير تعاملها في القطاع المالي والمصرفي مع الهند، وصرح نائب وزير الخارجية الروسي، أندريه رودينكو، بأنه ستتم خلال الزيارة مناقشة إمكانية إطلاق نظام الدفع الروسي «مير» في الهند، والذي من شأنه أن يُسهم في زيادة السياحة الروسية. ووفقاً له، فقد طُرحت هذه المسألة سابقاً خلال اجتماع بوتين مع وزير الخارجية الهندي سوبرامانيام جايشانكار. وستُناقش الآن على أعلى مستوى في نيودلهي.

الصفقات العسكرية

ورغم الضغوط الأميركية، لا تخطط الهند لتجميد علاقاتها الدفاعية مع موسكو، لأنها تحتاج إلى دعم مستمر للعديد من الأنظمة الروسية التي تشغّلها.

وقال مسؤولان هنديان مطلعان على الأمر لـ«رويترز» إن طائرات «سوخوي-30» الروسية تشكل غالبية أسراب المقاتلات الهندية البالغ عددها 29 سرباً، وعرضت موسكو مقاتلتها الأكثر تطوراً «سوخوي-57» والتي من المرجح أن تكون جزءاً من المحادثات.

بوتين يلتقي المتطوعين المشاركين في جائزة #WeAreTogether الدولية في مركز التجارة العالمي في موسكو يوم 3 ديسمبر (إ.ب.أ)

ولم تتخذ الهند قراراً بعد بشأن النسخة المحدثة من «سوخوي»، لكن الكرملين أعلن أن هذا الموضوع سيكون مطروحاً للنقاش. ومن المرجح أن تناقش نيودلهي شراء المزيد من وحدات نظام الدفاع الجوي «إس-400» وفق تصريحات لوزير الدفاع الهندي راجيش كومار سينغ، الأسبوع الماضي. وتمتلك الهند الآن ثلاث وحدات، مع انتظار تسليم وحدتين إضافيتين بموجب صفقة عام 2018.

لكن الحديث عن تعاون دفاعي لا يقتصر على بيع الأسلحة، والمعدات، إذ قطعت موسكو ونيودلهي شوطاً مهماً لتوطين صناعات دفاعية في الهند لتصبح أبرز شريك عسكري لروسيا. وأفاد ديمتري شوغاييف مدير الهيئة الروسية للتعاون العسكري التقني بأن القمة الحالية سوف تبحث مشاريع عسكرية تقنية جديدة، وتوسيع العقود القائمة بين البلدين.

وتشير مصادر إلى أنه يمكن توطين إنتاج ما يقرب من نصف نظام «إس-400» في إطار سياسة نقل التكنولوجيا التي توليها الهند أولوية قصوى. وفي حال تم الاتفاق على شراء طائرات «سوخوي-57» المقاتلة، فسينتقل طيارو القوات الجوية الهندية بسهولة إلى الطائرات الروسية من الجيل الجديد، مع تأكيد أن شركة «هندوستان» للملاحة الجوية المحدودة المملوكة للدولة قادرة على صيانة الترسانة الروسية.

وأفادت تقارير بأن اتفاقيات قيد التطوير -أو وُقِّعت بالفعل- لإنتاج مشترك لنظام الدفاع الجوي «بانتسير»، واحتمال شراء الهند لنظام رادار الإنذار المبكر «فورونيج»، الذي يتجاوز مداه 6000 كيلومتر.

وأكد شوغاييف أن العلاقات العسكرية التقنية بين روسيا والهند تشهد تطوراً ملحوظاً رغم التحديات الدولية الراهنة، مشيراً إلى أنه لم يغلق أي مشروع عسكري تقني خلال عام 2025.

بوتين خلال تقديمه جائزة #WeAreTogether الدولية في موسكو، يوم 3 ديسمبر (إ.ب.أ)

ووفقاً للمسؤول الروسي ينتظر أن ينصب الاهتمام بشكل أساسي على الطائرات، وأنظمة الدفاع الجوي، والتعاون في تقنيات الطائرات المسيرة، والمساعدة في بناء سفن جديدة في أحواض بناء السفن الهندية. وأضاف: «تبدو آفاق الصادرات العسكرية إلى الهند في عام 2026 إيجابية للغاية، وأعتقد أن حجمها في العام المقبل سيتجاوز مستوى عام 2025»، مؤكداً أنه تم حل المشكلات المتعلقة بالجوانب اللوجستية، وتوريد المكونات للمشاريع المشتركة، بما في ذلك صيانة المعدات الموردة سابقاً.

وأشار شوغاييف إلى أن روسيا تسعى إلى تعاون عسكري تقني واسع النطاق مع الهند في مجال التقنيات الجديدة، حيث تتزايد حصة المشاريع المشتركة، والتقنيات التكنولوجية المتقدمة عاماً بعد عام.

وتنفذ روسيا والهند حالياً عشرات المشاريع العسكرية التقنية واسعة النطاق، ومن أهمها إنتاج الهند المرخص لطائرات «سوخوي-30»، ومحركات الطائرات، ودبابات «تي-90 إس»، والتعاون في إطار مشروع «براهموس» المشترك للصواريخ، وتحديث المعدات العسكرية التي سبق توريدها، والعمل المشترك في مجال تكنولوجيا الدفاع.

جانب من لقاء بوتين ومودي على هامش أعمال مجموعة «بريكس» في كازان شهر أكتوبر 2024 (د.ب.أ)

وأشارت مصادر إلى أن الطرفين يُعدّان «بيانات مهمة» ستحدد التوجهات الرئيسة للمرحلة المقبلة من شراكتهما. ومن المتوقع أن تُمهّد الاتفاقيات الجديدة للتعاون العسكري الصناعي الطريق لمرحلة جديدة من التعاون الدفاعي بين البلدين، ما يتيح للهند الوصول إلى أحدث تقنيات التخفي، والدفاع الصاروخي. وتتوقع المصادر أن يُعزز هذا مكانة الهند في المنطقة الآسيوية.

من المتوقع توقيع عقود عسكرية لتوريد وإنتاج أنظمة دفاع جوي من الجيل الجديد، بما في ذلك نظام الدفاع الجوي إس-500. وقد لاقى نظام إس-400 الروسي استحساناً من الجيش الهندي خلال عملية سيندور، حيث أُشير إلى سرعة نشره في أقل من خمس دقائق لتكون ميزة كبيرة. ويُعتبر دمج نظام إس-400 في نظام الدفاع الجوي متعدد الطبقات الهندي على طول الحدود مع الصين وباكستان تعزيزاً أمنياً.

توازن بين الهند والصين

وتواجه موسكو -التي طورت علاقاتها مع الصين بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، وغدت بكين حليفاً رئيساً لها- تحدياً جدياً في إقامة توازن دقيق في العلاقة مع البلدين الخصمين.

الرئيسان الصيني شي جينبينغ (يمين) والروسي فلاديمير بوتين وبينهما رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في لقائهم بمدينة تيانجين الصينية في سبتمبر (أ.ب)

وأكد الكرملين أن موسكو تنطلق من أهمية المحافظة على علاقات مع «الشركاء التقليديين»، مشيراً إلى «تقدير خاص لاستعداد نيودلهي للمساهمة في البحث عن تسوية سلمية للنزاع في أوكرانيا».

وفي إشارة مهمة، قال الناطق الرئاسي الروسي: «نحن مستعدون لتطوير علاقاتنا مع الهند في جميع المجالات الممكنة، إلى الحد الذي تكون فيه الهند مستعدة لذلك»، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن روسيا «تواصل تطوير علاقاتها مع الهند، والصين».

وتابع: «نحن نحترم العلاقات الثنائية بين الهند والصين، وليس لدينا شك في أن أقدم دولتين، الدولتين الأكثر حكمة في هذا العالم، ستكونان حكيمتين بما يكفي لتسوية جميع المشكلات من أجل الحفاظ على الاستقرار العالمي».

تحدي الضغوط الأميركية

رأت تعليقات في وسائل إعلام حكومية روسية عشية الزيارة أن نيودلهي سارت خطوات لتحدي الضغوط الأميركية المفروضة عليها بسبب علاقاتها مع موسكو. ومن ذلك، ألغت الهند مناقشات اتفاقية التجارة الهندية-الأميركية، وقالت الصحافة الروسية إن تلك الاتفاقية «تراجعت أهميتها الاستراتيجية مقارنة بالنتائج المتوقعة بعد زيارة بوتين». وزادت أن «الهند ردت عملياً على الهجوم على سيادتها».

ترمب ومودي في مؤتمر صحافي مشترك في البيت الأبيض في فبراير الماضي (رويترز)

كانت الحكومة الأميركية حملت نيودلهي مسؤولية تعزيز الجيش الروسي في أوكرانيا، واصفةً تصرفات الهند لاستيراد النفط الروسي بأنها «مزعزعة للاستقرار». ووصف الرئيس دونالد ترمب الهند بأنها «مغسلة للكرملين»، وهدد بفرض رسوم جمركية بنسبة 500 في المائة على الواردات الهندية إذا واصلت نيودلهي هذا المسار.

بدوره عارض الاتحاد الأوروبي مشاركة الهند في مناورات عسكرية مشتركة مع روسيا، بحجة أن صداقة نيودلهي مع موسكو تُشكل عقبة أمام تعميق التعاون الاستراتيجي مع أوروبا.

ورأت التعليقات الروسية أن «الهجوم السافر على السيادة الهندية من قبل الغرب فقد أثره. لقد اتُخذ القرار: التعاون مع روسيا أهم للهند منه مع الغرب، كما يتضح من زيارة بوتين. وقد اكتسبت روسيا والهند خبرة واسعة في العمل معاً ضمن مجموعة (بريكس)، ومنظمة شنغهاي للتعاون».