إخفاق في «الحوار السياسي الليبي»

بانتظار تعيين ثامن مبعوث أممي

ملتقى الحوار الليبي في جلسته الأولى التي انعقدت في ضواحي العاصمة التونسية في 9 نوفمبر الماضي (أ.ف.ب)
ملتقى الحوار الليبي في جلسته الأولى التي انعقدت في ضواحي العاصمة التونسية في 9 نوفمبر الماضي (أ.ف.ب)
TT

إخفاق في «الحوار السياسي الليبي»

ملتقى الحوار الليبي في جلسته الأولى التي انعقدت في ضواحي العاصمة التونسية في 9 نوفمبر الماضي (أ.ف.ب)
ملتقى الحوار الليبي في جلسته الأولى التي انعقدت في ضواحي العاصمة التونسية في 9 نوفمبر الماضي (أ.ف.ب)

وسط مؤشرات على إخفاق ملتقى الحوار السياسي الليبي الذي ترعاه بعثة الأمم المتحدة، في الاتفاق على نسبة التصويت اللازمة لتمرير مشروعها لاختيار السلطة الجديدة في البلاد، تعهدت ستيفاني وليامز رئيسة البعثة الأممية، بالتركيز على مسار الانتخابات المقرر إجراؤها قبل نهاية العام المقبل، وعدم السماح لمن وصفتهم بالمعرقلين بتعطيلها.
وأسفرت الجولة الثانية من عملية التصويت التي أجرتها البعثة بين المشاركين في ملتقى الحوار السياسي عن استمرار الفشل في التوصل إلى توافق يسمح بالانتقال إلى الخطوة التالية، حيث امتنع 23 عضواً عن المشاركة في عملية التصويت التي اقتصرت على 50 عضواً فقط من بين أعضاء الملتقى الـ75، على مقترح البعثة الأممية بشأن نسبة التصويت الواجب اعتمادها لآلية اختيار السلطة التنفيذية الجديدة.
ولم يتوافر للمقترحات التي قدمتها البعثة الأممية نسبة التصويت اللازمة، ما دفعها إلى اقتراح مقابل، بتشكيل لجان دستورية واستشارية وأخرى لإعادة صياغة المقترحات لتفادي الصعوبات المتعلقة بأزمة المناصب التنفيذية.
ونقل مشاركون في الملتقى عن المبعوثة الأممية ويليامز تأكيدها أن المرحلة التمهيدية ستبدأ من تاريخ أول اجتماع ستعقده خلال الأسبوع المقبل اللجنة القانونية الخاصة بالانتخابات التي ستُشكل من أعضاء الحوار.
وكانت وليامز استهلت مساء أول من أمس اجتماعاً يستمر يومين في جنيف لممثلي المؤسسات المالية الليبية الرئيسية بشأن إصلاحات مهمة للاقتصاد الليبي، بمساعدة مسؤولين من الأمم المتحدة ومصر والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، بالإعراب عن أملها في التوصّل إلى اتّفاق على «أهداف ملموسة» لإصلاح الاقتصاد الليبي. وقالت: «آمل بصدق في أن يتم التوصل في اليومين المقبلين إلى اتفاق بشأن أهداف ملموسة حول قضايا إصلاح العملة، وأزمة مقاصة الشيكات، والأزمة المصرفية الشاملة، وتوحيد الميزانية، وكذلك على جدول زمني واضح للإجراءات التي يتعين اتخاذها لتنفيذ هذه الإصلاحات». وإذ حذّرت المسؤولة الأممية المجتمعين من أن «الوقت ليس في صالحكم»، قالت «نحن في حاجة إلى التحرّك بسرعة وحسم، وأنا أعوّل عليكم في اتّخاذ هذه الخطوات المهمة في اليومين المقبلين».
ولفتت في بيان لها مساء أول من أمس إلى أنّ اجتماع جنيف يأتي «عقب حدوث تطوّرات واعدة، بما في ذلك استئناف إنتاج النفط الليبي بشكل كامل بفضل الجهود الكبيرة التي تبذلها المؤسسة الوطنية للنفط». وأضاف أنّه «يجري التحفّظ على الإيرادات التي تحصّلت عليها حتى الآن المؤسسة الوطنية للنفط ريثما يتم إحراز مزيد من التقدم نحو ترتيب اقتصادي أكثر ديمومة».
ويشدّد الأوروبيون على وجوب إنشاء آلية تضمن «الاستخدام العادل والشفاف» لعائدات النفط في أغنى بلد في إفريقيا من حيث الاحتياطي النفطي.
وبالإضافة إلى توزيع عائدات النفط، تواجه ليبيا تحدّيات أخرى مهمّة من أبرزها «توحيد المؤسسات المالية الليبية» وهو «أمر حاسم لنجاح الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة»، وفق بيان وليامز.
وتنتظر ليبيا الموافقة النهائية لأعضاء مجلس الأمن الدولي على مقترح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش مبعوثه الحالي للشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف ليصبح مبعوثه الخاص لليبيا خلفاً لغسان سلامة الذي تنحى من منصبه في مارس (آذار) الماضي.
وإذا لم تكن هناك اعتراضات من أي من الدول الأعضاء في مجلس الأمن وعددها 15 دولة، فسيتم إقرار التعيين وإنهاء شهور من المشاحنات التي تسبب فيها ضغط الولايات المتحدة لتقسيم دور المنظمة الدولية في ليبيا إلى مبعوث يدير البعثة السياسية للأمم المتحدة وآخر يركز على الوساطة في الصراع. ووافق مجلس الأمن على هذا الاقتراح في سبتمبر (أيلول) الماضي، بعدما رشح غوتيريش الدبلوماسي البلغاري ملادينوف مبعوث الأمم المتحدة للشرق الأوسط منذ عام 2015، لمهمة ليبيا في الشهر الماضي.
وجرى العرف أن يحصل الأمين العام على موافقة أعضاء مجلس الأمن، قبل أن يعلن أسماء رؤساء البعثات الأممية والممثلين الخاصين له.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.