استلهم فريق بحثي بريطاني من جامعة بريستول بعض الحلول التكنولوجية من أجنحة حشرة العث، بما يمكن أن يعزز بشكل كبير جهود علماء المواد واختصاصي الصوت ومهندسي السونار لتصميم عوازل صوتية مستوحاة من الحياة.
وخلال الدراسة التي نُشرت في دورية «PNAS»، يوم 23 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، توصل الباحثون إلى البناء الدقيق لأجنحة العث الذي مكنها من التهرب من مفترسها الأكثر إزعاجاً، في سباق تسلح تطوري عمره 65 مليون عام.
وعبر استخدام مجموعة من التقنيات التحليلية، بما في ذلك التصوير المقطعي المحمول جواً، والميكانيكا الصوتية وقياس الانكسار، وجد الفريق البحثي من مدرسة بريستول للعلوم البيولوجية أن طبقة رفيعة جداً على أجنحة العث طورت خصائص امتصاص فوق صوتية غير عادية، توفر تمويهاً صوتياً خفياً بالصدى ضد الخفافيش.
ومما يجعل اكتشاف الفريق البحثي أكثر أهمية أنهم حددوا أول مادة خارقة صوتية معروفة تحدث بشكل طبيعي، وهذه النوعية من المواد الخارقة التي تحدث بشكل طبيعي نادرة للغاية، ولم يتم وصفها من قبل في علم الصوتيات.
وفي وقت سابق من هذا العام، ذكر خبير الصوتيات السلوكية والبيئة الحسية، الدكتور مارك هوديريد، وزملاؤه الباحثين كيف طور العث مقاييس امتصاص بالموجات فوق الصوتية على أجسامه، سمحت له بامتصاص 85 في المائة من الطاقة الصوتية الواردة التي تستخدمها الخفافيش لاكتشافهم.
وتعني الحاجة إلى البقاء أن العث قد طور حاجزاً وقائياً بعمق 1.5 ملم، يعمل ممتصاً مسامياً للصوت، ولن يعمل مثل هذا الحاجز الوقائي على الأجنحة، حيث إن السماكة المتزايدة ستعيق قدرة العث على الطيران، والميزة الرئيسية للمواد الفوق الصوتية أنها أصغر بكثير من الطول الموجي للصوت الذي تعمل عليه، مما يسمح لها بأن تكون أرق بكثير من ممتصات الصوت التقليدية.
وفي الدراسة الأخيرة، كشف فريق بريستول أن حشرة العث قطعت خطوة واحدة لإنقاذ الحياة، حيث خلقت ماصاً رنينياً أرق بمائة مرة من الطول الموجي لـيمتص الصوت، مما يتيح للحشرات الحفاظ على خفتها مع تقليل احتمالية اكتشاف الخفافيش لصدى أجنحتها في أثناء الطيران.
ومن خلال فحص الصور المقطعية المعقدة للصوت التي تم التقاطها باستخدام التصوير المقطعي بالموجات فوق الصوتية، اكتشف الباحثون أن أجنحة العث تطورت لصنع ممتص رنيني يوفر حماية فعالة ضد الخفافيش بالصدى، بما يمكن أن يفيد في تصميم ممتصات صوت مستوحاة من الطبيعة.
يقول الدكتور مارك هوديريد، الباحث المشارك بالدراسة، في تقرير نشره الموقع الإلكتروني لجامعة بريستول بالتزامن مع نشر الدراسة: «الأكثر إثارة للدهشة أن أجنحة العث طورت أيضاً طريقة لجعل ممتص الرنين يمتص جميع ترددات الخفافيش، عن طريق إضافة ميزة أخرى مذهلة، فهي تجمع كثيراً من هذه الرنانات المضبوطة بشكل فردي على ترددات مختلفة في مجموعة من الماصات، تخلق معاً امتصاصاً واسع النطاق، من خلال التمثيل كمادة صوتية خارقة، ومن الصعب جداً تحقيق مثل هذا الامتصاص عريض النطاق في الهياكل الرقيقة للغاية لأجنحة العث، وهو ما يجعلها رائعة للغاية».
ويثني الدكتور علي عبد المعطي، أستاذ الهندسة الحيوية بجامعة أسيوط المصرية، على نتائج الدراسة، كونها تسعى لتجاوز الحدود التي يمكن تحقيقها مع مواد الامتصاص المسامية الكلاسيكية.
ويقول عبد المعطي لـ«الشرق الأوسط»: «مواد الامتصاص الموجودة في بيئات المكاتب مواد كبيرة سميكة، ونتطلع لتوظيف نتائج هذه الدراسة في الوصول لمواد صغيرة وأقل سمكاً، مما سيفتح الباب واسعاً أمام كثير من التطبيقات لهذه المواد».
«العث» تُلهم العلماء أفكاراً لتطوير العزل الصوتي
«العث» تُلهم العلماء أفكاراً لتطوير العزل الصوتي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة