عودة الجماهير بشكل محدود ستزيد معاناة الأندية الإنجليزية مالياً

مدربون يرون أن تقسيم عودة المشجعين طبقاً للمناطق لا يحقق العدالة... وتكاليف الخدمة ستكون أعلى من المداخيل

TT

عودة الجماهير بشكل محدود ستزيد معاناة الأندية الإنجليزية مالياً

عندما كشف رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون عن خطط عودة الجماهير إلى الملاعب اعتباراً من الشهر المقبل، سادت حالة من الإثارة والسعادة بين المشجعين، الذين ظل الملايين منهم يكتفون بمشاهدة المباريات وهم على الأريكة بمنازلهم لمدة ثمانية أشهر. لقد اشتاقوا بالفعل لأجواء الملاعب والمباريات، لكن بالنسبة للأندية التي تعاني مالياً من تداعيات تفشي فيروس «كورونا»، فإن هذه مجرد خطوة أولى على طريق التعافي. لكن الحقيقة التي يجب أن تدركها هذه الأندية الآن تتمثل في أن تكلفة إقامة المباريات في ظل حضور عدد قليل من الجماهير تعني، بالنسبة لمعظم الأندية، المزيد من الخسائر!
لقد فوجئت العديد من الأندية بتوقيت هذا الإعلان عن عودة الجماهير بصورة تدريجية، وكانت سعيدة بذلك، وتستعد الآن لاستقبال ما يصل إلى 4000 مشجع في مناطق المستوى الأول، و2000 مشجع في المستوى الثاني، وسيتم لاحقاً تحديد هذه المستويات وفقاً لمدى تفشي الوباء. ومن الناحية المالية، فإن هذه الأعداد من الجماهير لن تحقق عائدات مالية كبيرة، لكن مشهد عودة الجماهير للملاعب في حد ذاته سيكون أمراً يستحق التقدير، بغض النظر عن أي شيء آخر.
وقال بول باربر، الرئيس التنفيذي لنادي برايتون: «سنفعل هذا لأننا نشعر أنه الشيء الصحيح الذي يجب أن نفعله للوصول إلى حيث نريد أن نكون. وثانياً، نحن مدينون تماماً للجماهير لإعادتهم إلى الملاعب في أقرب فرصة ممكنة، عندما يكون الوضع آمناً».
وينظر باربر إلى احتمال عودة الجماهير على أنه «خطوة صغيرة نحو العودة إلى الحياة الطبيعية». وقال ريك باري، رئيس رابطة الدوريات الأدنى من الدوري الإنجليزي الممتاز، إن عودة الجماهير للملاعب تمثل «شريان الحياة» للأندية الأصغر، لكن ذلك لا يخفي الواقع الصعب الذي تواجه معظم هذه الأندية. لكن العديد من الأندية التي تلعب في دوري الدرجة الأولى بإنجلترا ترى أن عودة 2000 مشجع فقط ستسبب مزيداً من الخسائر للأندية، بل وأشار أحد الأندية التي تلعب في دوري الدرجة الثانية، الذي لديه أكثر من 10 آلاف تذكرة موسمية إلى أن عودة بعض المشجعين ستقلل على الأقل من الحاجة إلى الخصومات الشاملة لحاملي التذاكر.
ويشعر كثيرون بالقلق بشأن التكاليف المالية للإشراف على عودة هذه الأعداد القليلة من الجماهير، حيث أشار أحد الأندية في دوري الدرجة الثالثة إلى أن تكاليف الإشراف والأمن والتنظيف سترتفع إلى نحو 15 ألف جنيه إسترليني في المباراة الواحدة التي تقام على ملعبه، مقارنة بـ1300 جنيه إسترليني فقط في المباراة التي تُقام دون جمهور. وبالتالي، فإن عودة الجماهير بهذا الشكل لا تعني تحقيق أرباح مالية بالنسبة لغالبية الأندية. يقول مارك باليوس، رئيس نادي ترانمير روفرز: «أعتقد أن قرار عودة الجماهير بهذا الشكل لن يحدث فرقاً كبيراً بالنسبة لأندية دوري الدرجة الثانية والدرجة الثالثة بخلاف كونه خطوة إيجابية للعودة إلى الحياة الطبيعية. إذا كنا ضمن المستوى الثاني، فسيُسمح لنا بعودة 2000 مشجع للمباريات، لكن لدينا بالفعل 3 آلاف حامل تذكرة موسمية دفعوا ثمن التذاكر بالفعل لمشاهدة المباريات. في المستوى الثاني، من المحتمل أن يكلفنا الأمر 10 آلاف جنيه إسترليني لتنظيم المباراة التي يحضرها 2000 متفرج، وهو الأمر الذي لن نضطر للقيام به في حال أصبحنا في المستوى الثالث (حيث لا يُسمح بحضور أي أعداد من الجماهير)».
ويتوقع برايتون، الذي يخسر أكثر من مليون جنيه إسترليني في كل مباراة تقام على ملعبه دون جمهور، أن يتمكن من بيع الأطعمة والمشروبات عند عودة الجماهير.
ومن المعروف أن هذا «الإنفاق السنوي» يكون أمراً بالغ الأهمية بالنسبة لأندية الدوريات الأدنى. يقول ريان سباركس، مدير نادي برادفورد: «لكي نحقق إيرادات في الأيام التي تقام فيها المباريات، فإننا نعتمد على بيع البرغر والمشروبات والبرامج، وما إلى ذلك، للجماهير. لا يوجد أدنى شك في أن جميع التكاليف سترتفع، ومن المؤكد أنني لن نجني أي أموال في يوم المباراة. وبالتالي، سيكون الأمر ضاراً للغاية بالنسبة لبعض الأندية». ويواصل الدوري الإنجليزي الممتاز، جنباً إلى جنب مع وزارة الثقافة والإعلام والرياضة ومجموعة التكنولوجيا والابتكار الرياضي، بناء مدونة سلوك توضح بالتفصيل كيفية العمل في يوم المباراة، مثل تدابير التباعد الاجتماعي، وأين يجب ارتداء الأقنعة. ويأمل باربر أن يُسمح للجماهير «بالغناء والصراخ» كالمعتاد، وألا تتحول الأندية «إلى ما يشبه مربية الأطفال التي تقول للجماهير: يمكنك فعل هذا ولا يمكنك فعل هذا!»
ويريد باربر إقناع الحكومة بأنه من الآمن الموافقة على حضور أعداد أكبر من الجماهير، حيث يقول: «إذا كنا سنستخدم هذه الخطوة كدليل على إمكانية عودة الجماهير للملاعب مثلما فعلنا في أغسطس (آب) الماضي، عندما سمح برايتون بحضور 2500 مشجع، فإن هذا سيعطينا مزيداً من القوة في محادثاتنا من الحكومة من أجل السماح بحضور أعداد أكبر من الجماهير. هذه خطوة إيجابية، لكنها مجرد خطوة أولى ونحتاج إلى فهم ما هي خارطة الطريق التي سنسير عليها من أجل إعادة أعداد أكبر من الجماهير إلى ملاعبنا عاجلاً وليس آجلاً».
في غضون ذلك، لا تزال أندية الدوريات الأدنى في حاجة ماسة لخطة الإنقاذ المتفق عليها مع الدوري الإنجليزي الممتاز، التي تصل قيمتها إلى 50 مليون جنيه إسترليني. يقول أندرو باركنسون، الرئيس التنفيذي لنادي بليموث أرجايل: «أعتقد أن هذا يجب أن يحدث من أجل إحداث الفارق الذي تحتاج إليه الأندية. عودة الجماهير لن تملأ الفراغ المالي الذي نعاني منه. لقد طُلب منا، جنباً إلى جنب مع أندية أخرى في الدوريات الأدنى من الدوري الإنجليزي الممتاز، أن نتوقع بياناتنا المالية حتى نهاية الموسم، وأعتقد أن الحصول على مبلغ 50 مليون جنيه إسترليني سيساعد هذه الأندية على تجاوز هذه الأزمة الطاحنة خلال الأشهر المقبلة».
وسيكون بوسع أندية ليفربول وآرسنال وتشيلسي وتوتنهام وبرايتون ووستهام السماح لمشجعيها بالعودة إلى مدرجات ملاعبها بدءاً من هذا الشهر، بحدود 2000 متفرج، في المقابل لن يتمكن عملاقا مدينة مانشستر (يونايتد وسيتي) وكذلك ليدز يونايتد من الحصول على نفس الفرصة لتصنيف المدينتين في المستوى الثالث.
ويلعب آرسنال وتشيلسي وبرايتون على أرضهما ضد توتنهام وليدز وساوثهامبتون توالياً، فيما يحل ولفرهامبتون ضيفاً على ليفربول حامل اللقب في ملعب أنفيلد، بينما قد يستقبل وستهام المشجعين في ملعب لندن عند استضافة مانشستر يونايتد.
من جهته، يشكك باليوس في النزاهة الرياضية للمسابقة التي ستسمح لبعض الفرق بالاستفادة المالية من عودة المشجعين، في الوقت الذي لا تستفيد فيه أندية أخرى على الإطلاق، قائلاً: «إحدى الصعوبات التي نواجهها في فترة الوباء تتمثل في أننا نخسر ميزة إقامة المباريات على ملاعبنا. إذا لعبنا أمام فريق آخر على ملعبه، وكان ضمن المستوى الأول، فإن ذلك يعني أنه سيكون لديه 4000 متفرج على ملعبه، وهو الأمر الذي يحدث الفارق في هذا المستوى، لكن أعتقد أن هذا أحد الأشياء التي يتعين علينا أن نقبلها. على أي حال، هذه خطوة إيجابية نسبياً إلى الأمام».
لكن الأرجنتيني مارسيلو بيلسا مدرب ليدز يونايتد يرى أن عودة الجماهير للملاعب لا بد أن تخضع لخطط تحقق العدالة، وليس وفقاً لمناطق تفشي الوباء.
وليدز من ضمن مناطق المستوى الثالث مع مانشستر التي ما زال مفروض عليها حظر التجمعات الجماهيرية. وقال بيلسا السبت الماضي عقب مباراة فريقه التي فاز فيها على إيفرتون: «ربما يتعين على السلطات عدم السماح بحضور الجمهور المباريات حتى يتم تعميم هذا الأمر على جميع في نفس التوقيت لفرض العدالة».
وأضاف المدرب الأرجنتيني المخضرم: «لا يجب التقسيم هنا إلى فئات بل يجب العمل على تحقيق العدالة بين أندية المسابقة قدر الإمكان... فيما يتصل بالأمور التي يمكن السيطرة عليها، الحضور الجماهيري له تأثير على النتائج. الخطة الحالية تعني معاقبة الأندية الواقعة في مناطق عالية الخطورة».
في المقابل يرى الألماني يورغن كلوب مدرب ليفربول والذي سيستفيد ناديه من عودة الجماهير بأن هذه خطوة صغيرة في الاتجاه الصحيح.
وستقام مباراة ليفربول على ملعبه «انفيلد» أمام ولفرهامبتون هذا الأسبوع بحضور 2000 متفرج من مشجعيه. وفي رده على سؤال بشأن ما إذا يمثل ذلك أفضلية لحامل اللقب قال كلوب: «قلت قبل أن أعرف في أي فئة ستكون مدينة ليفربول، الأمر لا يتعلق بمناقشة مزايا وعيوب هذا أو ذاك، هذا يمثل خطوات صغيرة في الاتجاه الصحيح. سعيد بإمكانية حضور 2000 متفرج للملعب، لا أحد يعرف كم من الوقت سنكون قادرين على القيام بذلك، لكني أعتقد أنه لا يجب أن نناقش الأمر على أساس أنه ميزة لهذا الفريق أو ذاك».
وساند سكوت باركر، مدرب فريق فولهام العائد إلى الدرجة الممتازة، كلام كلوب، وقال: «هذا هو الهدف المطلوب من كرة القدم. آمل أن نتقدم في هذا الموضوع. لكننا نقوم بكل شيء ونلعب المباريات لكي نجمع الناس معاً».
وأضاف: «إنها أخبار جيدة ونأمل أن نكون في منحنى تصاعدي الآن. لقد عشنا فترة طويلة من دون مشجعين، واعتدنا على هذه البيئة لذلك قد يكون غريباً بعض الشيء في البداية».


مقالات ذات صلة

المهاجمة الإنجليزية كيربي تنضم إلى برايتون

رياضة عالمية فران كيربي (رويترز)

المهاجمة الإنجليزية كيربي تنضم إلى برايتون

قال نادي برايتون آند هوف ألبيون، المنافس في الدوري الإنجليزي الممتاز، إنه ضم إلى صفوفه المهاجمة الإنجليزية فران كيربي في صفقة انتقال حر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عالمية أرتيتا (رويترز)

أرتيتا: أتوقع تمديد عقدي مع آرسنال

قال الإسباني ميكل أرتيتا، مدرب آرسنال المنافس في الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم، إن علاقته بالنادي اللندني قوية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عالمية ديفيد رايا (رويترز)

آرسنال يتعاقد مع الحارس الإسباني رايا بشكل نهائي

أكمل حارس المرمى الإسباني ديفيد رايا، انتقاله بشكل دائم من برينتفورد إلى آرسنال الإنجليزي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عالمية لوكاس باكيتا (أ.ف.ب)

وست هام يرفض إعارة باكيتا لفلامنغو

أكد نادي وست هام يونايتد أنه لا ينوي إعارة لوكاس باكيتا إلى ناديه الأصلي فلامنغو.

ذا أتلتيك الرياضي (لندن)
رياضة عالمية بول ميشال (أ.ف.ب)

نيوكاسل يونايتد يعين ميشال مديراً رياضياً خلفاً لأشوورث

عيّن نيوكاسل يونايتد بول ميشال مديراً رياضياً جديداً للفريق، لينهي بذلك رحلة بحث استمرت 4 أشهر عن خليفة دان أشوورث.

ذا أتلتيك الرياضي (نيوكاسل)

بعد فرارها من «طالبان»... أفغانية سترقص مع فريق اللاجئين في «أولمبياد باريس»

 الافغانية مانيزها تالاش في فريق اللاجئين في اولمبياد باريس (حسابها الشخصي-انستغرام)
الافغانية مانيزها تالاش في فريق اللاجئين في اولمبياد باريس (حسابها الشخصي-انستغرام)
TT

بعد فرارها من «طالبان»... أفغانية سترقص مع فريق اللاجئين في «أولمبياد باريس»

 الافغانية مانيزها تالاش في فريق اللاجئين في اولمبياد باريس (حسابها الشخصي-انستغرام)
الافغانية مانيزها تالاش في فريق اللاجئين في اولمبياد باريس (حسابها الشخصي-انستغرام)

حققت الأفغانية مانيزها تالاش حلمها بالأداء خلال مسابقات «أولمبياد باريس 2024» المقامة في العاصمة الفرنسية، ضمن فريق اللاجئين، بعد هروبها من قبضة «طالبان».

وترقص تالاش (21 عاماً) «بريك دانس»، وكانت أول راقصة معروفة في موطنها الأصلي (أفغانستان)، لكنها فرَّت من البلاد بعد عودة «طالبان» إلى السلطة في عام 2021. ومع ظهور رقص «البريك دانس» لأول مرة في الألعاب الأولمبية في باريس، ستصعد تالاش إلى المسرح العالمي لتؤدي ما هي شغوفة به.

وتقول تالاش في مقابلة أُجريت معها باللغة الإسبانية: «أنا أفعل ذلك من أجلي، من أجل حياتي. أفعل ذلك للتعبير عن نفسي، ولأنسى كل ما يحدث إذا كنت بحاجة إلى ذلك»، وفقاً لما ذكرته صحيفة «واشنطن بوست».

ترقص تالاش «بريك دانس» وهي في عمر السابعة عشرة (حسابها الشخصي - إنستغرام)

شبح «طالبان»

يرفض العديد من الأفغان المحافظين الرقص، وفكرة مشاركة النساء محظورة بشكل خاص. وفي ظل حكم «طالبان»، مُنعت النساء الأفغانيات فعلياً من ممارسة العديد من الأنشطة الرياضية. منذ عودة الجماعة إلى السلطة قبل 3 سنوات، أغلقت الحكومة مدارس البنات، وقمعت التعبير الثقافي والفني، وفرضت قيوداً على السفر على النساء، وحدَّت من وصولهن إلى المتنزهات وصالات الألعاب الرياضية.

مقاتل من «طالبان» يحرس نساء خلال تلقي الحصص الغذائية التي توزعها مجموعة مساعدات إنسانية في كابل (أ.ب)

وقال تقرير للأمم المتحدة عن حقوق الإنسان هذا العام إن «عدم احترام (طالبان) للحقوق الأساسية للنساء والفتيات لا مثيل له في العالم». منذ اليوم الذي بدأت فيه تالاش الرقص، قبل 4 سنوات، واجهت العديد من الانتقادات والتهديدات من أفراد المجتمع والجيران وبعض أفراد الأسرة. وقالت إنها علمت بأنها إذا أرادت الاستمرار في الرقص، فليس لديها خيار إلا الهروب، وقالت: «كنت بحاجة إلى المغادرة وعدم العودة».

فريق اللاجئين

سيضم الفريق الذي ظهر لأول مرة في ألعاب «ريو دي جانيرو 2016»، هذا العام، 36 رياضياً من 11 دولة مختلفة، 5 منهم في الأصل من أفغانستان. وسيتنافسون تحت عَلَم خاص يحتوي على شعار بقلب محاط بأسهم، للإشارة إلى «التجربة المشتركة لرحلاتهم»، وستبدأ الأولمبياد من 26 يوليو (تموز) الحالي إلى 11 أغسطس (آب). بالنسبة لتالاش، التي هاجرت إلى إسبانيا، تمثل هذه الألعاب الأولمبية فرصة للرقص بحرية، لتكون بمثابة رمز الأمل للفتيات والنساء في أفغانستان، ولإرسال رسالة أوسع إلى بقية العالم.

انتقلت إلى العيش في إسبانيا بعد هروبها من موطنها الأصلي (حسابها الشخصي - إنستغرام)

وفي فبراير (شباط) الماضي، تدخلت صديقة أميركية لتالاش، تُدعي جواركو، بالتقديم إلى عناوين البريد الإلكتروني الأولمبي لمشاركة الفتاة الأفغانية، وفي اليوم التالي، تلقت رداً واحداً من مدير فريق اللاجئين الأولمبي، غونزالو باريو. وكان قد تم إعداد فريق اللاجئين المتوجّه إلى باريس، لكن المسؤولين الأولمبيين تأثروا بقصة تالاش وسارعوا إلى تنسيق الموارد. وافقت اللجنة الأولمبية الإسبانية على الإشراف على تدريبها، وكان المدربون في مدريد حريصين على التطوع بوقتهم.

وقال ديفيد فينتو، المدير الفني للمنتخب الإسباني: «شعرت بأنه يتعين علينا بذل كل ما في وسعنا. في شهر مارس (آذار)، حصلت تالاش على منحة دراسية، مما سمح لها بالانتقال إلى مدريد والتركيز على الاستراحة. وبعد بضعة أسابيع فقط، وصلت الأخبار بأنها ستتنافس في الألعاب الأولمبية». يتذكر جواركو: «لقد انفجرت في البكاء، وكانت تبتسم».

وقالت تالاش: "كنت أبكي بدموع الفرح والخوف".وجزء من مهمة الألعاب الأولمبية المعلنة هو "دعم تعزيز المرأة في الرياضة على جميع المستويات" وتشجيع "مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة". ولهذا السبب، كانت العلاقة بين الحركة الأولمبية وأفغانستان مشحونة منذ فترة طويلة. وقامت اللجنة الأولمبية الدولية بتعليق عمل اللجنة الأولمبية في البلاد في عام 1999، وتم منع أفغانستان من المشاركة في دورة الألعاب الأولمبية في سيدني.

شغفها حقق هدفها

لم يغِب عن تالاش أن موسيقى «البريك» و«الهيب هوب»، المحظورة في موطنها، أعطتها هدفاً لحياتها، وساعدت أيضاً في إنقاذ عائلتها. وقالت: «هذا أكبر بكثير من أي حلم حلمت به من قبل أو حتى يمكن أن أفكر فيه»، مضيفة: «إذا قالت (طالبان) إنها ستغادر في الصباح، فسوف أعود إلى منزلي بعد الظهر».

ويحكي جواد سيزداه، صديق تالاش وزعيم مجتمع «الهيب هوب» في كابل: «إذا سألت الأجانب عن أفغانستان، فإن الشيء الوحيد الذي يتخيلونه هو الحرب والبنادق والمباني القديمة. لكن لا، أفغانستان ليست كذلك». وأضاف: «أفغانستان هي تالاش التي لا تنكسر. أفغانستان هي التي أقدم فيها بموسيقى الراب، ليست الحرب في أفغانستان وحدها».

وعندما كانت تالاش في السابعة عشرة من عمرها، عثرت على مقطع فيديو على «فيسبوك» لشاب يرقص «بريك دانس» ويدور على رأسه، في مشهد لم يسبق لها أن رأت شيئاً مثله. وقالت: «في البداية، اعتقدت أنه من غير القانوني القيام بهذا النوع من الأشياء». ثم بدأت تالاش بمشاهدة المزيد من مقاطع الفيديو، وأصابها الذهول من قلة الراقصات. وأوضحت: «قلتُ على الفور: سأفعل ذلك. أنا سوف أتعلم».

وقامت بالتواصل مع الشاب الموجود في الفيديو (صديقها سيزداه) الذي شجعها على زيارة النادي المحلي الذي تدرب فيه، والذي كانت لديه محاولة لتنمية مجتمع «الهيب هوب» في كابل، ولجأ إلى وسائل التواصل الاجتماعي لدعوة جميع الأعمار والأجناس للرقص وموسيقى الراب. كان هناك 55 فتى يتدربون هناك. كانت تالاش الفتاة الأولى.

وقال سيزداه (25 عاماً): «إذا رقص صبي، فهذا أمر سيئ في أفغانستان وكابل. وعندما ترقص فتاة، يكون الأمر أسوأ. إنه أمر خطير جداً. رقص الفتاة أمر غير مقبول في هذا المجتمع. لا توجد إمكانية لذلك.

انتقلت إلى العيش في إسبانيا بعد هروبها من موطنها الأصلي (حسابها الشخصي - إنستغرام)

كنا نحاول أن نجعل الأمر طبيعياً، لكنه كان صعباً للغاية. لا يمكننا أن نفعل ذلك في الشارع. لا يمكننا أن نفعل ذلك، كما تعلمون، في مكان عام»، وفقا لما ذكرته صحيفة «واشنطن بوست».

كانت تالاش أول فتاة تنضم إلى نادي الرقص «Superiors Crew» في كابل.

تهديدات بالقتل

بعد استيلاء «طالبان» على السلطة، فرَّ أعضاء النادي إلى باكستان. وفي أحد الأحداث الجماعية الأولى للفريق في النادي الصغير، انفجرت سيارة مفخخة في مكان قريب. ووقعت إصابات في الشارع، لكن الراقصين بالداخل لم يُصابوا بأذى. ومع انتشار أخبار بأن تالاش كانت ترقص، بدأت تتلقى تهديدات بالقتل.

مقاتل من «طالبان» يقف في الحراسة بينما تمر امرأة في العاصمة كابل يوم 26 ديسمبر 2022... وشجب مفوض حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة القيود المزدادة على حقوق المرأة بأفغانستان (أ.ب)

كان من المفترض أن يكون النادي مكاناً آمناً، ولكن في أحد الأيام دخل رجل مدعياً أنه راقص يريد التعلم. وبدا مريباً لباقي الأعضاء، ووفقاً لتالاش وسيزداه، سرعان ما داهمت قوات إنفاذ القانون النادي، وألقت القبض على الرجل الذي كان يحمل قنبلة. قال سيزده: «إنهم قالوا إنه عضو في (داعش). لقد أراد فقط أن يفجِّر نفسه».

رحلة الهروب للنجاة!

وبعد بضعة أشهر من الواقعة، غادرت قوات «حلف شمال الأطلسي» والجيش الأميركي أفغانستان، وعادت «طالبان» إلى السلطة في 2021، وقال سيزداه إن مالك العقار اتصل به وحذره من العودة، وإن الناس كانوا يبحثون عن أعضاء الفريق، وقال سيزداه: «هناك أسباب كثيرة» للمغادرة. «الأول هو إنقاذ حياتك».

وقام العشرات من أعضاء نادي «الهيب هوب» بتجميع ما في وسعهم وتحميلهم في 3 سيارات متجهة إلى باكستان. أخذت تالاش شقيقها البالغ من العمر 12 عاماً، وودعت والدتها وأختها الصغرى وأخاً آخر.

وقالت تالاش: «لم أكن خائفة، لكنني أدركت أنني بحاجة إلى المغادرة وعدم العودة. كان هذا مهماً بالنسبة لي. لم أغادر قط لأنني كنت خائفة من (طالبان)، أو لأنني لم أتمكن من العيش في أفغانستان، بل لأفعل شيئاً، لأظهر للنساء أننا قادرون على القيام بذلك؛ أنه ممكن». اضطرت تالاش إلى ترك والدتها في أفغانستان، وتحقق الحلم الأولمبي ولم شمل الأسرة.

لمدة عام تقريباً، عاشوا بشكل غير قانوني في باكستان دون جوازات سفر وأمل متضائل. لم يشعروا بالأمان في الأماكن العامة، لذلك قضى 22 شخصاً معظم اليوم محشورين معاً في شقة. لم يكن هناك تدريب أو رقص. تلقت تالاش كلمة مفادها أن مسؤولي «طالبان» اتصلوا بوالدتها في كابل للاستفسار عن مكان وجود الفتاة الصغيرة. وقالت: «أحياناً أتمنى أن أنسى كل ذلك»، ثم تواصل أعضاء نادي «الهيب هوب» مع السفارات ومجموعات المناصرة والمنظمات غير الحكومية للحصول على المساعدة. وأخيراً، وبمساعدة منظمة إسبانية للاجئين تدعى People HELP، تم منحهم حق اللجوء في إسبانيا.

انقسم الفريق، وتم نقل تالاش وشقيقها إلى هويسكا، وهي بلدة صغيرة في شمال شرقي إسبانيا. كانت لديها وظيفة تنظيف في صالون محلي، ورغم عدم وجود استوديو أو نادٍ مخصص للاستراحة، فقد وجدت صالة ألعاب رياضية تسمح لها بالرقص بعد ساعات العمل. بعد سنوات من الانفصال، تم لم شمل تالاش وعائلتها أخيراً حيث يعيشون الآن في نزل للاجئين بمدريد.