أمين معلوف يأخذنا إلى نهاية حضارتنا في «إخوتنا غير المتوقعين»

حكماء أثينا يعودون لإنقاذنا من حرب نووية

أمين معلوف
أمين معلوف
TT

أمين معلوف يأخذنا إلى نهاية حضارتنا في «إخوتنا غير المتوقعين»

أمين معلوف
أمين معلوف

خلال نحو شهر، كتب الرسام الصحافي «ألكسندر»؛ الشخصية الرئيسية في رواية أمين معلوف الجديدة «إخوتنا غير المتوقعين»، يومياته، كأنه الشاهد الأخير على زمن قد لا تبقى منه كائنات تخبر عنه. الكتاب برمته تسجيل لوقائع عاشها الرجل. ومع أن الفترة الزمنية التي يتحدث عنها قصيرة، لكن البشرية شهدت خلالها انقلاباً جذرياً، لا عودة ممكنة لما قبله.
الرواية صادرة بالفرنسية عن «دار غراسيه في باريس» باللغة الفرنسية، ولم تبصر النور بالعربية بعد، لكن دار نشر «أنطوان» في بيروت قررت أن تصدرها في طبعة بيروتية، بسعر مخفض للبنانيين كي تتاح لهم قراءتها بالفرنسية، بسعر مقبول، وهو ما يجعلها متاحة اليوم كما أي كتاب لبناني.

رحلة إلى الجحيم
صحيح أن أمين معلوف اختار نزعة إنسانية جنحت دائماً في كتبه الأخيرة إلى التحذير من مغبة التغيرات الكونية التي تبدو مبهجة، وتخبئ خلف مباهجها شراً كثيراً، إلا إنه هذه المرة يقدم لنا حكاية الذهاب إلى الجحيم، ويجعلنا نعيش سقوط رمز النظام العالمي، بموافقة ورضوخ رئيس الولايات المتحدة الأميركية؛ المتخيل بطبيعة الحال؛ هاوارد ميلتون، الذي يجد نفسه، رغم انقسامات كبيرة في الرأي، ومعارضين شرسين له، مضطراً للاستسلام. لكن لمن؟ وفي مواجهة من؟ إنهم ليسوا الصينيين، أو الروس، أو الهنود، أو الإيرانيين هذه المرة، بل قوة غامضة وذات بطش.
هذا هو المفصل الذي يسحب الرواية من واقعيتها، ويدخلها في متخيل الأعداء الآتين من عالم آخر؛ لهم خصوصيتهم ومنطقهم، وغرائبياتهم التي تشكل أحد عناصر قوتهم الضبابية.
«ألكسندر»، الذي بلغ منتصف العمر، كان قد قرر الانسحاب من صخب الحياة اليومية ولجأ إلى جزيرة أنطاكيا المهجورة التي اشترى والده الغالبية الساحقة من أراضيها، رغبة في الانعزال فيها، ولم يتمكن من تحقيق غايته. ويقرر «ألكسندر» أن يلبي هذه الرغبة، يساعده على ذلك أنه يمارس عمله في الرسم والنشر، حيث بفضل الإنترنت، ووصول الأخبار طازجة إلى كل بقعة، لم يعد للمكان من أهمية. لكن ما كان يخشاه ويتوقعه يبدو أنه قد حدث. فقد انقطعت الكهرباء، وإرسال تليفونه الجوال، ولم يعد من إنترنت أو أي خبر يأتيه من الخارج عبر الراديو. وفي هذه اللحظة التي يعتقد فيها أن كارثة كبيرة حمقاء قد وقعت، باشتعال حرب أو صدام نووي كبير، لا بد واصل إليه حيث هو، يلجأ إلى «إيف سان جيل»؛ وهي الساكنة الوحيدة معه على هذه الجزيرة التي تملك تلك البقعة الصغيرة التي لم يتمكن والده من شرائها. وإذا كان هو قد انسحب إلى الجزيرة ليحتضن العالم، فإن «إيف» (أي حواء) - ولاسمها دلالته في عزلة، تجمع رجلاً وامرأة وحدهما - قد لجأت إلى هنا هرباً من اللاجدوى... روائية لم يصدر لها غير كتاب واحد، وتشعر بحنق من كل ما يدور حولها. هي ترى أن «العالم، في السنوات الأخيرة، أصبح مجرد ساحة معركة للجشع والكراهية، حيث صار كل شيء مغشوشاً من فن، وفكر، وكتابة، ومستقبل». لذا يحتاج الكوكب إلى أن «يبدأ من الصفر». وتتمنى لو تعيش لترى «الانحلال النهائي لحضارتنا».

المخلوقات الغامضة
يطول انقطاع الخدمات عن الجزيرة الأطلسية، ويصبح ساكنا أنطاكيا في عزلة تامة. يتحين «ألكسندر» عودة النبض المتقطع إلى تليفونه الجوال ليتواصل مع «مورو» صديقه القديم الذي يعمل مستشاراً للرئيس الأميركي، ويعلم منه أن حرباً كونية مدمرة كانت فعلاً على وشك أن تقع لولا أن جهة لا تزال مجهولة، منعت وصول الأوامر ببدء الاعتداء الكارثي إلى كلتي الجهتين المتصارعتين.
الجهة الغامضة ذات مواصفات غريبة. أعضاؤها الذين يظهرون بأعداد قليلة، لا يريدون سوى ردع الجنون، ونزع الأسلحة النووية والصواريخ المدمرة، وإعادة البشرية إلى شيء من الصواب. المفاوضات مع الرئيس ميلتون تبدو صعبة. لكن «أصدقاء أمبيدوكليس»؛ وهذا هو اسمهم، ليسوا بحاجة إلى أسلحة فتاكة لإخضاع البشرية لطلباتهم، فكلما ازداد رفض مطالبهم، عادوا وقطعوا الخدمات الرئيسية عن سكان الأرض، ووضعوا الجميع في مواجهة عجزهم. تلك هي أسلحتهم. القليلون من بينهم الذين يبدأ الناس باكتشافهم، إما آتون من مكان غير محدد، وإما كانوا يعيشون بين الناس بوجه آخر متوارٍ. هم مسالمون، نبلاء، حكماء. نكتشف تدريجياً أنهم من سلالة الحضارة الإغريقية، وتلك الفترة المتوهجة القصيرة التي استمرت نحو سبعة عقود، عرف خلالها هؤلاء علوماً وطوروا معارف، وحققوا إنجازات فلسفية مذهلة، وسرعان ما بدأت حضارتهم في الانحدار. إنهم أولاد النور الذين اختبأوا في الظلمة؛ وها هم يعودون.

الذهول أمام المعرفة
وإذا كان الجزء الأول من الرواية يبدو بطيئاً، إلا إن الأحداث تتسارع في النصف الثاني، مع وصول مراكب الإخوة غير المتوقعين الاستشفائية، حاملة المعالجين، حيث يتبين أن لهم معارف طبية؛ يشعر الناس أمامها بأنهم كانوا يعيشون في عصر الجهل والظلمات... حتى «ميلتون» نفسه الذي كان على مشارف الموت، تعاد له الحياة، وسط دهشة عائلته ومواطنيه.
وتحت ضغط الشارع المذهول بمعارف «أصدقاء أمبيدوكليس» وقدراتهم العلمية التي تثير الدهشة، وشفائه الشخصي، يضطر «ميلتون» للتنازل، ويلجأ معارضوه لاستخدام العنف. لكن هذا لن يغير من قرار الرئيس شيئاً الذي ينتصر في النهاية؛ لمن نجّوه من الموت.
فرقة من الحكماء؛ «أقل وحشية منا، وأكثر موثوقية، وأكثر احتراماً لمصير الضعفاء. لكنهم أقوياء إلى درجة مثيرة للخوف». هكذا لا تكفي الحكمة وحدها لتجعل سكان الأرض يأمنون زوارهم الغرباء. فالقوة حتى لو وُظفت في الخير، فلا بد من أن تتحول إلى سلطة في النهاية، وللسلطات الجبارة مخالبها وقبضاتها. هذا ما تحاول أن توحي به الرواية، التي لا توصلنا إلى أجوبة شافية، بقدر ما تترك باب الإنسانية مفتوحاً على مغامرة جديدة.

معلوف المستشرف
ومع أن أمين معلوف يؤكد أن الرواية لم تكتب من وحي ما أحدثه فيروس «كورونا»، وما رافقه من انهيارات اقتصادية وعزلة، ومراجعات، وأنها كتبت قبل الجائحة، إلا إن ملامح هذه المحنة وتبعاتها، نجدها في حياة «ألكسندر» و«إيف»، كل منهما منقطع إلى حياة يعيشها شبه وحيد، ويأتي اللامتوقع ليحيل الجزيرة المنسية إلى مكان تتدافع نحوه الجموع بسبب رسوّ سفينة استشفاء لـ«أصدقاء أمبيدوكليس» على شواطئها، ثم دهشة البشر، وضعفهم أمام الوافدين الجدد، وتظاهرهم من أجلهم بعد أن تبين لهم أنهم يحملون الترياق لكل علة. فليس من سلطة أكبر من سلطة من يمتلك بيده سر الشفاء.
«حضاراتنا لم تذبح ذبحاً جباناً؛ بل أفلست ببساطة»؛ تقول «إيف». وما هو واضح لـ«ألكسندر» أن «ظهور (أصدقاء أمبيدوكليس)، مع أدويتهم المتقدمة ومستشفياتهم العائمة، قد أدى، في جميع أنحاء العالم، إلى اضطراب في الأولويات والقيم وخلخلة في هرمية سلمها».



انطلاق الدورة الـ19 لـ«البابطين الثقافية» بمضاعفة جوائز الفائزين

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
TT

انطلاق الدورة الـ19 لـ«البابطين الثقافية» بمضاعفة جوائز الفائزين

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

كرمّت «مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية»، صباح اليوم (الأحد)، الفائزين بجوائز الدورة الـ19 للجائزة، مع انطلاق هذه الدورة التي حملت اسم مؤسس وراعي الجائزة الراحل عبد العزيز سعود البابطين، تخليداً لإرثه الشعري والثقافي.

وأُقيم الاحتفال الذي رعاه أمير الكويت، الشيخ مشعل الأحمد الصباح، في مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، بحضور (ممثل أمير البلاد) وزير الإعلام والثقافة وزير الدولة لشؤون الشباب عبد الرحمن المطيري، ومشاركة واسعة من الأدباء والمثقفين والسياسيين والدبلوماسيين وأصحاب الفكر من مختلف أنحاء العالم العربي، كما حضر الحفل أعضاء المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.

جانب من حضور دورة الشاعر عبد العزيز سعود البابطين (الشرق الأوسط)

وقال وزير الثقافة والإعلام الكويتي، عبد الرحمن المطيري، في كلمته، إن هذا الملتقى «الذي يحمل في طياته عبق الشعر وأريج الكلمة، ليس مجرد احتفالية عابرة، بل هو تأكيد على أن الثقافة هي الروح التي تحيي الأمم، والجسر الذي يعبر بنا نحو مستقبل زاخر بالتسامح والتعايش والمحبة».

وأضاف: «إن لقاءنا اليوم ليس فقط تكريماً لمن أبدعوا الكلمة وشيَّدوا صروح الأدب، بل هو أيضاً دعوة لاستلهام الإرث الثقافي الكبير الذي تركه لنا الشاعر الراحل عبد العزيز سعود البابطين (رحمه الله)، والذي كان، وسيبقى، قامة ثقافية جمعت بين جمال الكلمة وسمو الرسالة... رسالة تُعبِّر عن القيم التي تجمع بين الحضارات. ومن هنا جاءت مبادراته الرائدة، التي عرَّف من خلالها الشرقَ بالشعر العربي، وقدَّم للغرب بُعدَه الإنساني، جاعلاً من الشعر جسراً يربط القلوب، ومفتاحاً للحوار بين الثقافات».

رئيس مجلس أمناء «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين يلقي كلمته في افتتاح الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

في حين قال رئيس مجلس أمناء «مؤسسة البابطين الثقافية»، سعود البابطين، إن هذه الدورة تأتي احتفاءً «بالشعر، فن العرب الأول على مر العصور، وتكريماً للمبدعين والفائزين مِنَ الشعراءِ والنقاد، ووفاءً ومحبة لشاعر هذه الدورة (عبد العزيز البابطين) الذي أخلص في رعاية الشعر العربي وخدمة الثقافة العربية بصدق ودأب وتفانٍ طيلة عمره كله، بلا ملل ولا كلل».

وفي خطوة لافتة، قدَّم رئيس مجلس الأمناء، أمين عام المؤسسة السابق، الكاتب عبد العزيز السريع، الذي رافق مؤسس الجائزة منذ نشأتها، ليتحدث عن ذكرياته مع راعي الجائزة الراحل، والخطوات التي قطعها في تذليل العقبات أمام إنشاء المؤسسة التي ترعى التراث الشعري العربي، وتعمل فيما بعد على بناء جسور التواصل بين الثقافات والحضارات.

وأعلن البابطين، في ختام كلمته عن مضاعفة القيمة المالية للجوائز ابتداءً من هذه الدورة، وفي الدورات المقبلة لـ«جائزة عبد العزيز البابطين».

ونيابة عن الفائزين، تحدَّث الأديب والشاعر الكويتي الدكتور خليفة الوقيان، مشيداً بـ«جهود (مؤسسة البابطين الثقافية) في دعمها اللامحدود للفعل والنشاط الثقافي داخل وخارج الكويت».

وأضاف: «في هذا المحفل الثقافي البهيج، يمرُّ في الذاكرة شريط لقاءات تمَّت منذ 3 عقود، كان فيها الفقيد العزيز الصديق عبد العزيز البابطين يحمل دائماً هَمّ تراجع الاهتمام بالشعر، ويضع اللَّبِنات الأولى لإقامة مؤسسة تُعنى بكل ما من شأنه خدمة ذلك الفن العظيم، ثم ينتقل عمل المؤسسة إلى الأفق الدولي، من خلال ما يُعنى بقضية حوار الثقافات والحضارات».

وألقى الشاعر رجا القحطاني قصيدة عنوانها «إشعاع الكويت»، من أشعار الراحل عبد العزيز البابطين.

يُذكر أن فعاليات الدورة الـ19 مستمرة على مدى 3 أيام، بدءاً من مساء الأحد 15 ديسمبر (كانون الأول) إلى مساء الثلاثاء 17 ديسمبر الحالي. وتقدِّم الدورة على مسرح مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي 5 جلسات أدبية، تبدأ بجلسة بعنوان «عبد العزيز البابطين... رؤى وشهادات»، تليها 4 جلسات أدبية يعرض المختصون من خلالها 8 أبحاث عن الشاعر عبد العزيز سعود البابطين المحتَفَى به، و3 أمسيات شعرية ينشد فيها 27 شاعراً.

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

الفائزون:

* الفائز بالجائزة التكريمية للإبداع الشعري الشاعر الدكتور خليفة الوقيان، وقيمة الجائزة 100 ألف دولار.

* الفائزان بجائزة الإبداع في مجال نقد الشعر «مناصفة»، وقيمتها 80 ألف دولار: الدكتور أحمد بوبكر الجوة من تونس، والدكتور وهب أحمد رومية من سوريا.

* الفائزة بجائزة أفضل ديوان شعر، وقيمتها 40 ألف دولار: الشاعرة لطيفة حساني من الجزائر.

* الفائز بجائزة أفضل قصيدة، وقيمتها 20 ألف دولار: الشاعر عبد المنعم العقبي من مصر.

* الفائز بجائزة أفضل ديوان شعر للشعراء الشباب، وقيمتها 20 ألف دولار: الشاعر جعفر حجاوي من فلسطين.