«داعش».. الأصل إخواني

قيادي في جماعة {الجهاد} المصرية لـ «الشرق الأوسط»: الاعتقاد بوجود فرق بين فكر «الإخوان» و«داعش».. جهل

TT

«داعش».. الأصل إخواني

«داعش» نبتة إخوانية قطبية نشأت على كتب سيد قطب ومنهجه في «الظلال» و«معالم في الطريق» وغيرهما من كتبه منذ الستينات، ولا تجد أحدا من «داعش» أو من «القاعدة» عموما إلا وهو يعظم سيد قطب ويعتبره مثلا أعلى ونموذجا يحتذى، وعلى رأسهم أيمن الظواهري، زعيم «القاعدة»، فإنه نص على أن فكر سيد قطب وكتبه هي المصدر الرئيسي لمنهج رجاله.
ويقول خبراء في الجماعات المتطرفة، إنه لم يعد هناك شك في أن «داعش» نبتة شيطانية للتفكير القطبي الإخواني، وهي امتداد طبيعي للتنظيمات التكفيرية التي تربت على موائد الجماعة وفي داخل السجون وفي مدارسها مثل «القاعدة» وجبهة النصرة، وغيرهما.
وبالإضافة إلى اعتراف يوسف القرضاوي، في فيديو انتشر وكشفت عنه «الشرق الأوسط» قبل أسابيع، نقلا عن مواقع التواصل الاجتماعي، أن زعيم تنظيم داعش الإرهابي، أبو بكر البغدادي «كان من المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين». وفي الفيديو نفسه، شرح القرضاوي أن البغدادي كان له «نزعة قيادية، مما حثه على الانضمام لـ(داعش) وقيادة التنظيم بعد خروجه من السجن». وأشار القرضاوي إلى أن «(داعش)، وغيره من التنظيمات الإرهابية، استقطبت شبابا من عدة دول تحت ذريعة الجهاد في سبيل الله».

وفي تسجيل صوتي نادر لسيد قطب أكد فيه أن طريق الدعوة المزعومة للجماعة ليست مفروشة بالورود، ولكنها مفروشة بالأشلاء والجماجم مزينة بالدماء وليست مزينة بالورود والرياحين. وكانت هذه الكلمات مقدمة، بل تأصيلا منهجيا يسير عليه أتباع هذا الفكر الدموي الضال الذي انبنت عليه فكرة ما يسمى «داعش» التي نشرت أخيرا في الرقة والموصل ملصقات لأقوال سيد قطب أو أفكار القطبيين، والتي بات لها مشايخ وأئمة يؤمنون بأفكار القطبيين ويقدسونها، حيث يتحدث أتباعه باللهجة نفسها، فهم يعتبرون أن الدين لا يمكن أن يصل إلى الناس عن طريق الدعوة أو المنابر ويسخرون من كل ما ينادي بهذا المنهج، وقد انتشرت فيديوهات التنظيم على الشبكة العنكبوتية في مواقعهم التي تؤكد فكرة أن الإسلام لا يقوم عن طريق المنابر، بل إن هناك طريقا واحدا فقط هو الطريق المفروش بالجماجم والأشلاء.
ولا تخلو إصدارات «داعش» من أفكار سيد قطب التكفيرية، ومنها استشهاد أغلب إصدارات التنظيم بمقولة سيد قطب في الظلال 3/ 1543 «فالاستعداد بما في الطوق فريضة تصاحب فريضة الجهاد»، و«النص يأمر بإعداد القوة على اختلاف صنوفها وألوانها وأسبابها. فهي حدود الطاقة إلى أقصاها.. بحيث لا تقعد العصبة المسلمة عن سبب من أسباب القوة يدخل في طاقتها»، بحسب محسوبين على متطرفين في لندن. وربما بالعودة إلى كتاب أيمن الظواهري «فرسان تحت راية النبي» الذي نشرته «الشرق الأوسط» على حلقات بعد هجمات سبتمبر (أيلول): «إن سيد قطب هو الذي وضع دستورنا في كتابه (معالم في الطريق)، وإن سيد هو مصدر الإحياء الأصولي، وإن كتابه (العدالة الاجتماعية في الإسلام)، يعد أهم إنتاج عقلي وفكري للتيارات المتطرفة، وإن فكره كان شرارة البدء في إشعال الثورة ضد أعداء الإسلام في الداخل والخارج، والتي ما زالت فصولها الدامية تتجدد يوما بعد يوم. والكتاب منشور اليوم بالكامل في موقع (التوحيد والجهاد) الذي يشرف عليه أبو محمد المقدسي المنظر الشرعي لكل المتطرفين حول العالم».
كما أكد الظواهري في محاضرة له، أن أسامة بن لادن خرج من تنظيم الإخوان المسلمين وأشار إلى أنه كان يتبع تعليمات التنظيم بحذافيرها عندما توجه إلى باكستان، فيما قال عبد الله عزام الزعيم الروحي للأفغان العرب في كتابه «عشرون عاما على استشهاد سيد قطب»: «والذين يتابعون تغير المجتمعات وطبيعة التفكير لدى الجيل المسلم يدركون أكثر من غيرهم البصمات الواضحة التي تركتها كتابة سيد قطب وقلمه في تفكيرهم. والذين دخلوا أفغانستان يدركون الأثر العميق لأفكار القطبيين آنذاك وفي الجيل كله فوق الأرض كلها. ومنهم أيضا محمد المقدسي وهو أحد الأفغان العرب المشهورين بشدة التكفير والحكم بالردة على المسلمين واستباحة دمائهم، وله عدة كتب تعج بالآراء المتطرفة مثل (ملة إبراهيم), وهذه الكتب كانت توزع في معسكرات أسامة بن لادن على الأفغان العرب، فقد قال في كتابه (ميزان الاعتدال): بل قد أمضيت عمرا في رافد تصحيحي من روافد الإخوان الذين قد أرضعونا (الظلال) و(المعالم) وغيرها من كتب سيد وأخيه والمودودي – رضاعة في طور الحضانة أعني بداية الهداية».
إلى ذلك، أكد خبراء مصريون أن «(داعش) وجبهة النصرة وأنصار الشريعة والتوحيد والجهاد وأنصار بيت المقدس، جميعها أسماء لجماعة واحدة هي جماعة الإخوان، وأن طلب تنظيم داعش عودة الخلافة الإسلامية هي ورقة قديمة في الفكر الإخواني، وأن قسم كل من يدخل الجماعة أو التنظيم يكون على المصحف والمسدس، وأن قادة (داعش) يقرأون الأفكار المتطرفة وفتاوى الدماء الصادرة عن جماعة الإخوان». فيما قال قيادي جهادي مصري، إن الاعتقاد بوجود فرق بين فكر الإخوان و«داعش».. جهل، وإن اعتراف الأب الروحي للإخوان الشيخ يوسف القرضاوي، بانتماء زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي، للإخوان، خير دليل ويعني أنه «شهد شاهد من أهلها».
من جانبه، قال القيادي في تنظيم الجهاد المصري، الشيخ نبيل نعيم، إن «أي إنسان يعتقد أنه ليس هناك فرق بين الإخوان و(داعش).. جاهل»، مضيفا: «لكن (الإخوان) كانت لديهم قدرة على إخفاء ما يعتنقونه خاصة فيما يخص المسلمين».
وتابع بقوله: «(الإخوان) أول من كفر المتجمعات، ومحمد قطب شقيق سيد قطب كفرهم، وسيد قطب، أبرز منظري جماعة الإخوان، قال في كتابه (معالم في الطريق): إن الناس ليسوا مسلمين كما يدعون، وهم يحيون حياة الجاهلية، وإذا كان فيهم من يريد أن يخدع نفسه، أو يخدع الآخرين، فيعتقد أن الإسلام ممكن أن يستقيم مع هذه الجاهلية، فله ذلك، ولكن انخداعه أو خداعه لا يغير من حقيقة الواقع شيئا، ليس هذا إسلاما، وليس هؤلاء مسلمين»، لافتا إلى أن «هذه هي عقيدة تنظيمات داعش وجبهة النصرة وأنصار الشريعة والقاعدة».
وأضاف نعيم لـ«الشرق الأوسط»، أنه «لا فرق بين ما يعتنقه (الإخوان) و(داعش)؛ لكن (الإخوان) بسبب ما نزل بهم من البلاءات، اتبعوا نظام (التقية) أي يقولون الشيء وهم يخفون شيء آخر.. يبيحون في أنفسهم سهم تكفير المجتمعات الإسلامية، وأن الدول كافرة ويجوز استحلال الأموال الحكومية، والكذب على الناس والتجسس.. كل هذا تعتنقه جماعة الإخوان.. فالإخوان يتبعون نظام (العزلة الشعورية) فهم يعيشون في مجتمعات منفصلين عنها شعوريا»، مؤكدا أن «داعش» و«جبهة النصرة»، و«أنصار الشريعة»، و«القاعدة»، ترجموا هذا لواقع عملي، مضيفا: «إن قول القرضاوي، إن البغدادي كان ينتمي للإخوان هذا خير دليل، وكأنه (شهد شاهد من أهلها)».
وأضاف نعيم، أن «(الإخوان) لا يختلفون عن (داعش) فكريا»، مشيرا إلى أنهم أصل العنف في العالم، وجميع المنظمات الإسلامية الإرهابية خرجت من رحمها.
ويرى مراقبون أن رفع أنصار جماعة الإخوان رايات تنظيم داعش السوداء، وهتفوا له في حي المطرية الشعبي (شرق القاهرة)، أثناء مظاهرات نظموها يوم 21 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ضمن فعاليات دعا إليها تحالف يقوده «الإخوان» تحت شعار «قوة في وحدتنا».. لهو خير دليل على أن فكرهم واحد وهو العنف والتخريب.
وصنفت الحكومة المصرية «الإخوان» كجماعة إرهابية، وتشير المعلومات إلى تحول قطاع عريض من شباب جماعة الإخوان والتيار الإسلامي الرافض لعزل الرئيس الأسبق محمد مرسي إلى تبني العنف، وهاجر العشرات من أعضاء جماعة الإخوان إلى سوريا أثناء حكم مرسي، وانضموا إلى تنظيم جبهة النصرة، ثم تحولوا إلى «داعش» لاحقا، وشغلوا مواقع قيادية في التنظيم.
بدوره، فسر الشيخ رسمي عجلان، من علماء الأزهر، العلاقة بين «داعش» وجماعة الإخوان المسلمين، قائلا: «يلتقي (داعش) وجماعة الإخوان في طلبهما بعودة الخلافة الإسلامية، واستخدامهما للعنف وإراقة الدماء والتطرف الفكري»، لافتا إلى أن طلبهما بعودة الخلافة الإسلامية ليس بجديد، وهي ورقة قديمة في الفكر الإخواني، لأنهم يعلمون أن هذه العبارة تجذب العوام والسذج من المسلمين ويغريهم بأن هذه هي الطريقة الوحيدة لعودة الأمة الإسلامية قوية، فتصبح الدول الإسلامية يد واحدة في وجه التكتلات الدولية الغربية الحديثة، مشيرا إلى أن «هذا كلام لا وجود له على أرض الواقع، فهم يلعبون بمشاعر الناس ويعتمدون في التأثير عليهم على الصورة الجميلة للخلافة الإسلامية في ذاكرة التاريخ والناس، وقديما قال أحد قيادات «الإخوان» لا مانع من أن يحكم مصر - قلب الأمة العربية – وإلى بنغلاديش الجنسية أو باكستانيا، لأن الخلافة قادمة، وسواء كانت عاصمة الخلافة بغداد أو دمشق أو القاهرة.. فهذه هي المصيبة الكبرى أنهم لا يقرأون فقه الواقع وفقه الأولويات ولا حتى ما يدور حولهم من تغيرات سياسية والاقتصادية واجتماعية وتكنولوجية.
وأضاف الشيخ عجلان، وهو عضو الرابطة العالمية لخريجي الأزهر، وله الكثير من الدراسات الخاصة بكيفية مواجهة التطرف والعنف، لـ«الشرق الأوسط»: «يلتقي كل من (داعش) وجماعة الإخوان في فكر العنف وإراقة الدماء، والسبب يرجع للتطرف الفكري عند (داعش) وجماعة الإخوان»، لافتا إلى أن «هذا ليس افتراء عليهم، فتاريخ الاغتيالات الإخوانية معروف ومشهور للجميع، وما قاموا به من تفجيرات وقتل وسفك للدماء البريئة في السنوات الثلاث الماضية، لهو أكبر شاهد وأعظم دليل.. وهم عندهم من يفتي بإباحة هذه الأعمال الإجرامية، لأنهم يعتبرون من لا يحكم بكتاب الله فهو كافر، ولأن المجتمع لم يخرج عليه فهو كافر، وقتال الكفار واجب ديني».
وتابع بقوله: «كان سيد قطب مفتي الدماء في جماعة الإخوان، وكان قسم كل من يدخل جماعة الإخوان على المصحف والمسدس، وعندما سئلوا عن الأبرياء الذين يموتون بسبب التفجيرات التي يقومون بها؟، قالوا: يموتون على نياتهم ويبعثون على نياتهم»، وهذا كلام مخالف للشرع الحنيف الذي جاء به سيد المرسلين سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم. و«داعش» تعتنق نفس الفكر لأن بها كثيرا ممن ينتسبون لجماعة الإخوان، وقادتهم يقرأون الأفكار المتطرفة وفتاوى الدماء الصادرة عن جماعة الإخوان، ولذا تجد أن أول مطلب لهم عودة الخلافة الإسلامية، ومفتي «داعش» يحلل لهم القتل وسفك الدماء لكل من خالفهم أو اعترض على فكرهم وأفعالهم، بل أباح لهم القتل الجماعي من أجل الوصول للخلافة.. وهذه وسيلة حرام شرعا وقانونا وإنسانيا.
ولفت عجلان إلى أن «داعش» اعتنقت الفكر التكفيري مثل جماعة الإخوان، فأصبح الحاكم عندهم كافرا، ومؤسسات الدولة كافرة، والمجتمع والناس كفارا، فقتالهم حلال، وسبي نسائهم وقتل شبابهم ورجالهم وسلب أموالهم غنيمة لهم، وهذا شيء لا يصدقه عاقل، ولم يقره دين من الأديان السماوية، ومعلوم أن «(داعش) و(الإخوان) صناعة خارجية، لتشويه صورة الإسلام السمح الحنيف، وتشويه صورة المسلمين المتميزين بالوسطية والاعتدال.. وفي هذه الحالة تتدخل الدول الغربية الكبرى في العالم الإسلامي لتقيم الحرية والديمقراطية، ويندرس الإسلام تحت عجلات الحرب الصناعية ويحرق الأخضر واليابس، بسبب الفكر المتطرف والعنف وسفك الدماء من جماعة (داعش والإخوان)».
من جهته، قال الخبير الأمني في مصر اللواء سامح سيف اليزل، إن «الأسماء المتعددة للجماعات الإرهابية لا تعني أنها منفصلة فكريا وآيديولوجيا»، مشيرا إلى أنها «جميعا تسير على نهج واحد وتتبنى الأفكار ذاتها»، مضيفا لـ«الشرق الأوسط»: «إن (داعش) وجبهة النصرة وأنصار الشريعة والتوحيد والجهاد وأنصار بيت المقدس، أسماء لجماعة واحدة هي جماعة الإخوان»، موضحا أن هذه الجماعات خرجت من تحت عباءة «الإخوان».



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.