«11 سبتمبر» الصحافة.. تداخل أجيال المتطرفين

رئيس تحرير مجلة «شارلي إيبدو» وضع على قوائم الاغتيال لتنظيم القاعدة في عام 2013

«11 سبتمبر» الصحافة.. تداخل أجيال المتطرفين
TT

«11 سبتمبر» الصحافة.. تداخل أجيال المتطرفين

«11 سبتمبر» الصحافة.. تداخل أجيال المتطرفين

تظهر العملية الإرهابية التي نفذها الأخوان شريف وسعيد كواشي، المشتبه بهما في الاعتداء الدامي على المجلة الفرنسية الساخرة «شارلي إيبدو» (التي عُرفت بنقدها اللاذع للأديان الرئيسية في العالم والسياسيين والمشاهير) نوعا من التقارب بين جيل متطرف وآخر، وبين تأثيرات متشددة مختلفة.
يعبّر النائب في البرلمان الفرنسي ألان مارسو في حديثه لـ«الشرق الأوسط» عن ذهوله من العنف المستخدم لتنفيذ هذه الجريمة، وأيضا من الهدف المختار، قائلا: «لقد سبق لي أن نبهت في مجلس النواب إلى أننا سنكون عرضة لهجمات، نتيجة انخراطنا في أفريقيا (في محاربة مختلف المجموعات الإرهابية)، وأيضا انضمامنا إلى التحالف الدولي (في العراق). فحسب تقديرات وزارة الداخلية الفرنسية، يزيد عدد الفرنسيين المشاركين في القتال في العراق وسوريا عن ألف شخص، ولا نعرف الشيء الكثير عنهم. أضف إليهم مجموعة من المتعصبين المتطرفين الذين لديهم ماضٍ متطرف حافل، مما يزيد الأمور تعقيدا».

تم التعرف سريعا على الأخوين كواشي، مرتكبي مجزرة «شارلي إيبدو»، بعد العثور على بطاقة هوية أحدهما في مسرح الجريمة، وهما معروفان جيدا من أجهزة مكافحة الإرهاب في فرنسا. ففي عام 2008، حوكم شريف كواشي الذي كان ملقبا بـ«أبو حسن» في قضية «الخلية العراقية في الدائرة الـ19 من باريس»، وحُكم عليه في 14 مايو 2008 بالسجن لمدة 3 سنوات. واتهمت هذه الخلية حينها بتحريض مجموعة من الشباب الفرنسيين كلهم ما دون الـ25 عاما، والقاطنين بالدائرة الـ19 في باريس، للسفر للقتال في العراق بين عامي 2003 و2005.
من جهته، يعتبر الباحث كريم إميل بيطار بدوره، في مداخلته مع «الشرق الأوسط» أن نقطة التحول التي أدت إلى تطرف هؤلاء الشباب هي غزو العراق عام 2003: «فهم كانوا متطرفين قبل أن يجري نشر الرسوم الكاريكاتيرية (للنبي محمد)، وحرب العراق هي الدافع المحرك لتطرفهم. أما حادثة (شارلي إيبدو)، فتشير إلى بعدين متداخلين: البعد الأول جيوسياسي، والبعد الثاني له علاقة بحرب ثقافية وبحرية التعبير»، على حد تعبيره.
ضمت «الخلية العراقية في الدائرة 19» 7 متهمين، أبرزهم ثامر بوشناق وشريف كواشي ومحمد عيوني وبوبكر الحكيم، واتهموا حينها «بالتآمر من أجل التحضير لأعمال إرهابية».
وعلى غرار المتهمين الآخرين، تعرف شريف كواشي على «التطرف»، بعد أن راح يتردد في عام 2003 على مسجد «الدعوة» في منطقة ستالينغراد في باريس، حيث التقى الداعية فريد بن ييتو.

* من هو بن ييتو؟
* وُلد بن ييتو في باريس عام 1981. وعاش منذ سن الـ16 مع زوج أخته، يوسف زموري، وهو جزائري أصولي اتهمته الشرطة بانتمائه إلى الجماعة الجزائرية السلفية للدعوة والقتال (GSPC)، واعتُقل وسُجن مع 5 نشطاء آخرين في مايو (أيار) 1998 بعدما قاموا بالإعداد «لهجوم إرهابي» خلال مباريات كأس العالم، متأثرا بالداعية بن ييتو، بدأ المراهق كواشي أولى خطواته في درب التطرف من خلال مشاهدة أشرطة فيديو وتصفح مواقع إسلامية متطرفة. أغضبته صور التعذيب في سجن أبو غريب، كما التدخل الأميركي والبريطاني في مارس (آذار) 2003 في العراق، وفقا لصحيفة «لوموند» الفرنسية.
لم يتمكن ثامر بوشناق وشريف كواشي من تحقيق مخططهما المتطرف في ذلك الوقت، حيث قبضت الشرطة عليهما في باريس في يناير (كانون الثاني) من عام 2005، وهما في طريقهما ليستقلا طائرة إلى دمشق. في حين تمكن باقي أعضاء الخلية، مثل «عيوني» من الوصول إلى العراق، والالتحاق في منطقة الفلوجة الواقعة غرب بغداد بمجموعة «جيش محمد» التابعة لأبو مصعب الزرقاوي، زعيم القاعدة في العراق وقتها. أما بوبكر الحكيم، فقد تمكن من دخول العراق والمكوث فيه لفترات متلاحقة قبل أن يدان في قضية «خلية الدائرة 19» في 2008، وتنزل به العقوبات الأشد مقارنة بأعضاء الخلية الباقين.
وخلال السنة ونصف السنة التي قضاها كواشي في سجن فلوري - ميروجيس (إيسون) من يناير (كانون الثاني) 2005 إلى أكتوبر (تشرين الأول) 2006، تعرف على جميل بيغال الذي بات مرشده الجديد. وكان بيغال الذي يطلق على نفسه اسم «أبو حمزة» يقضي عقوبة السجن لمدة 10 سنوات بتهمة تدبير هجوم إرهابي في عام 2001، على السفارة الأميركية في باريس. اعتقل بقال في يوليو (تموز) 2001 أثناء عودته إلى فرنسا من دولة الإمارات العربية المتحدة، بعد أن قضى فترة طويلة في باكستان وأفغانستان، حيث توجد معسكرات تدريب تنظيم القاعدة.
عاود شريف كواشي نشاطه الإرهابي، بعد خروجه من السجن. إذ ورد اسمه مع أعضاء آخرين ضمن «خلية الدائرة الـ19»، أو خلية «بوت شومون»، حين حاول تهريب إسماعيل عيط علي بلقاسم من السجن، وهو أحد أبرز المخططين للاعتداء الذي نُفذ عام 1995على محطة ميترو في باريس (موزيه دورساي) وأسفر عن 30 جريحا.
وعليه، أدخل كواشي السجن مجددا في 25 مايو (أيار) 2010، غير أنه سرعان ما أُخلي سبيله في 11 أكتوبر، من العام نفسه، لعدم توافر الأدلة، وفي 26 يوليو (تموز) 2013 أصدرت النيابة العامة في باريس قرارا بحفظ الشكوى. كما استُجوب بيغال في هذا الإطار، فمن مكان إقامته الخاضع للرقابة في «كانتال»، كان جميل بيغال يشرف على التحضيرات لعملية هروب إسماعيل عيط علي بلقاسم من السجن، وفق ما حوت لائحة الاتهام النهائي التي أصدرتها النيابة العامة في 26 يوليو 2003، ونشرتها الصحيفة الفرنسية «لوموند». ورد في هذه القضية أيضا اسم الشقيق الأكبر سعيد كواشي، إنما لم تتم محاكمته لعدم توفر أدلة كافية.

* سليم بن غالم.. جلاد «داعش»
* والمثير للاهتمام في هذه القضية هو تورط شخصية أخرى سليم بن غالم؛ رجل كان قد قضى عقوبة السجن في فرنسا «لمحاولة القتل». «وبن غالم» مصنف اليوم من قبل الولايات المتحدة كأحد أبرز «الجلادين» في تنظيم «داعش» في سوريا، وتم إدراج اسمه في أواخر سبتمبر (أيلول) 2014 على القائمة السوداء لوزارة الخارجية الأميركية مع 9 إرهابيين آخرين اعتُبروا شديدي الخطورة.
تردد اسم شخص ثالث، حمدي كوليبالي، في الحوادث التي وقعت الأسبوع الماضي في فرنسا، وأعلنت الشرطة الفرنسية أن كوليبالي هو المسؤول عن إطلاق النار في منطقة «مونت روج» يوم الخميس 8 يناير (كانون الثاني)، وقتل شرطية، ومن ثم اختطاف رهائن في متجر في «بورت فينسن». وعلى غرار الأخوين كواشي، ارتبط اسم كوليبالي بمحاولة تهريب إسماعيل عيط علي بلقاسم، وبجميل بيغال.
من ناحية ثانية، أوردت محطة CNN الأميركية هذا الأسبوع، نقلا عن مصدر مسؤول أميركي، أن سعيد كواشي كان قد تدرب مع تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» في عام 2011 لعدة أشهر. غير أن وزارة الداخلية الفرنسية وفي اتصال مع صحيفة «إكسبرس» الفرنسية لم تؤكد حتى الآن هذه المعلومات، واكتفت بالتأكيد أن سعيد كواشي سبق له أن زار عُمان (البلد المتاخم لليمن).
إلى ذلك، يعتبر الخبير فابريس بالانش، في مقابلة مع «الشرق الأوسط» أن «الأجيال من المتطرفين تتداخل فيما بينها، وأن علاقة وثيقة تربطها، فمتطرفو أفغانستان القدامى دربوا المتطرفين في البوسنة والجزائر في التسعينات، ومن ثم قام المقاتلون الذين شاركوا في حرب العراق عامي 2003 و2004 بتدريب جماعات العنف المسلح الدينية الموجودين اليوم في سوريا. وليس ما هو مفاجئ في هذه الظاهرة، إذ من الواضح أن المتطرفين القدامى يتمكنون بكل سهولة من العودة إلى فرنسا، من دون أن يقلقوا من الأجهزة الأمنية، بما أن سر انخراطهم في هذه النشاطات هو في مأمن، وبما أنهم يستفيدون من دعم لوجيستي في فرنسا عبر جماعات متطرفة تغذيهم وتحميهم»، على حد قوله.

* الخلايا الإرهابية المتقاطعة
* عاد الحديث عن «الخلية العراقية في الدائرة 19»، مجددا عام 2013 حين اشتُبه بأنها استأنفت نشاطها الإرهابي في تونس، إثر اغتيال اثنين من المعارضين السياسيين؛ شكري بلعيد والنائب محمد براهمي في 6 فبراير (شباط) و25 يوليو من العام نفسه. وقد تبنى هذه الجرائم أعضاء «أنصار الشريعة» وهي جماعة سلفية راديكالية تم إنشاؤها في مايو 2011 أقسمت الولاء لـ«داعش»، وشارك معهم العضو الرابع في «خلية الدائرة الـ19» الفرنسي التونسي بوبكر الحكيم المعروف أيضا باسم «أبو مقاتل»، والمقرب من شريف كواشي.
ووفقا لوزارة الداخلية التونسية، فإن «أبو مقاتل هو عنصر إرهابي من بين الأكثر خطورة، وهو ملاحق دوليا» لمشاركته بتهريب الأسلحة في تونس، بحسب صحيفة «لوموند».
من ناحية ثانية، وبالنسبة إلى الجريمة الدامية التي هزت العاصمة الفرنسية، لا يمكن إبعاد أصابع الاتهام عن «تنظيم القاعدة في اليمن»، أولا بسبب الإشاعات حول خضوع سعيد كواشي لتدريبات في اليمن، وأيضا نتيجة تهديدات «القاعدة» لأعضاء فريق تحرير «شارلي إيبدو». ففي شهر مايو من عام 2013، أدرج اسم رئيس تحرير المجلة الساخرة الفرنسية على قائمة الشخصيات المستهدفة من «القاعدة». وفي العدد السادس من المجلة الفصلية الصادرة باللغة الإنجليزية «إنسباير» (Inspire) والمخصصة للمتطرفين، برز اسم ستيفان شاربونيه من بين 10 شخصيات أخرى تحت عنوان «مطلوب حيا أو ميتا لارتكابه جرائم ضد الإسلام».
وقد أهدر دمه إلى جانب الرسام الكاريكاتيري الدنماركي كورت ويستيرغارد، الذي رسم كاريكاتيريا للنبي محمد عام 2005، والمفكر البريطاني من أصل هندي سلمان رشدي.
وبعد أسبوع من الهجوم المروع الذي نفذه الأخوان كواشي على مكاتب «شارلي إيبدو»، من الحري أن نتساءل عن الصلات التي قد تكون قائمة بين جميع المستفيدين من هذه العملية، بما في ذلك الأخوان كواشي في فرنسا، وبن غالم في سوريا، والحكيم في تونس، وأيضا ما مدى تأثير «داعش» في العراق وسوريا، أو «أنصار الشريعة» في تونس، أو تنظيم القاعدة في اليمن، على المجزرة التي وقعت في مكاتب «شارلي إيبدو».
وفي هذا السياق، يشير بيطار إلى أن «هذه الحادثة سلطت الضوء على شكل جديد من التطرف، فهؤلاء الأشخاص يستلهمون تطرفهم من أسباب مختلفة، ويقيمون علاقات مع جماعات متنوعة، كما أن انتماءاتهم باتت متعددة، بحيث نرى بعضا من المتطرفين ينتقلون من النصرة إلى (داعش). ولا بد أيضا من التأكد ما إذا كان للجماعات التونسية أو اليمنية دور في هذه الحادثة». وذلك رغم التبني لهجوم «شارلي إيبدو» المزدوج لـ«القاعدة في اليمن» على لسان المسؤول الشرعي في تنظيم القاعدة في جزيرة العرب حارث النظاري، الذي هدد فرنسا بهجمات جديدة.
أما بالانش، فيرى أن العلاقات التي لا شك كانت قائمة بين المشتبه بهما مع شبكات في العراق وسوريا، هي «علاقات غير رسمية تربط جماعات مستقلة تتشارك فيما بينها آيديولوجيا التطرف فحسب، من دون أن تتمتع بتنظيم ممنهج على غرار الأحزاب البلشيفية، مما يزيد من صعوبة القضاء عليها. فأفعالها ليست منسقة أو مخططة بعناية، بل هي فوضوية وعشوائية، إنما فعالة بما أن هدفها الأول والأخير هو الإرهاب».
منذ بداية الأزمة السورية، عبرت أجهزة الاستخبارات عن خشيتها من أن ينفِّذ الإرهابيون الشباب الذين تدربوا على الأراضي السورية هجمات إرهابية في فرنسا. غير أن الهجوم المروع لم يأتِ هذه المرة من الجيل الشاب، إنما من الجيل الأقدم، الذي تركت حرب العراق وتنامي التطرف في الشرق الأوسط بعد «الربيع العربي»، تأثيرا كبيرا عليه.

* باحثة زائرة في مركز رفيق الحريري لدراسات الشرق الأوسط



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.