أوروبا تتحاشى فوضى «كورونا» بـ«اتحاد الصحة»

البرلمان الأوروبي حاول خلال الموجة الوبائية الأولى تنسيق التدابير الصحية (أ.ف.ب)
البرلمان الأوروبي حاول خلال الموجة الوبائية الأولى تنسيق التدابير الصحية (أ.ف.ب)
TT

أوروبا تتحاشى فوضى «كورونا» بـ«اتحاد الصحة»

البرلمان الأوروبي حاول خلال الموجة الوبائية الأولى تنسيق التدابير الصحية (أ.ف.ب)
البرلمان الأوروبي حاول خلال الموجة الوبائية الأولى تنسيق التدابير الصحية (أ.ف.ب)

بعد أسابيع من المشاورات المكثّفة مع خبراء الصحة في بلدان الاتحاد الأوروبي ومنظمة الصحة العالمية والمركز الأوروبي لمكافحة الأوبئة السارية، قدّمت المفوضّية الأوروبية صباح أمس (الخميس) إلى الدول الأعضاء مجموعة من المقترحات التشريعية لدمج السياسات الصحيّة تحت مظلّة واحدة وتوحيد التدابير المشتّتة بين السلطات الوطنية والإقليمية، وأحيانا المحلية، استعدادا لمواجهة الجوائح أو الطوارئ الصحية المقبلة وتحاشي الفوضى وقلة التنسيق التي سادت مواجهة الدول الأوروبية لـ«كوفيد - 19)، خاصة في الأشهر الأولى.
وتتضمّن هذه المقترحات التي يفترض أن يقرّها مجلس وزراء الصحة الأسبوع المقبل، إعطاء المفوضيّة صلاحيات واسعة للإشراف على التدابير الصحية في البلدان الأعضاء وإنشاء هيئات دائمة للمراقبة والتنسيق شبيهة بتلك القائمة في المجالين الاقتصادي والمالي داخل منطقة اليورو.
ولدى تقديم المقترحات، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون در لاين: «أظهرت جائحة (كوفيد - 19) الحاجة الماسّة لمزيد من التنسيق بين الأنظمة الصحية، وها نحن اليوم نضع حجر الأساس للاتحاد الأوروبي للصحة الذي سيتيح لنا الاستعداد لمواجهة الجوائح والطوارئ الصحية المقبلة».
وتهدف هذه المقترحات إلى تعديل بعض مواد المعاهدة المؤسسة للاتحاد بما يتيح للمفوضية الإشراف على التدابير الصحية التي تعتمدها الدول الأعضاء وتكملتها. ورغم الحساسيات التي تثيرها عادة محاولات المفوضية وضع يدها على بعض صلاحيات الدول الأعضاء، يتوقع المسؤولون ألا تلقى هذه الخطوة معارضة من العواصم بعد الفوضى التي عمّت خلال موجة الوباء الأولى عندما أقفلت الحدود الداخلية من غير تنسيق بين الدول وتعطّلت حركة الصادرات الأساسية داخل الاتحاد ما دفع ببعض الدول إلى البحث في الأسواق الخارجية عن المستلزمات ومواد الوقاية لمواجهة الوباء.
تجدر الإشارة إلى أن البرلمان الأوروبي كان قد حاول خلال الموجة الوبائية الأولى إقناع المفوضية بتعديل بعض مواد المعاهدة لتمكينها من تنسيق التدابير الصحية الأوروبية، لكن المفوضية تراجعت في اللحظة الأخيرة نظرا لتعقيدات الوضع الوبائي آنذاك.
ومع هبوب الموجة الثانية التي تجاوزت معدلاتها كل التوقعات من حيث سريان الفيروس والضغط على المنظومات الصحية، وعلى أبواب التحدّي الذي ستشكّله حملات التلقيح، قررت المفوضية إطلاق ما سمته فون در لاين «اتحاد الصحة» الذي من المتوقع أن يقرّه مجلس الاتحاد والبرلمان الأوروبي قبل نهاية الشهر الجاري.
ولتطمين الدول التي قد تبدي ترددا في التجاوب مع هذا الاقتراح، قالت مفوضّة الشؤون الصحية ستيلّا كيرياكيديس إن التعديلات المقترحة لا تتعارض مع الأهداف الرئيسية للمعاهدة، وإن المفوضية لا تنوي التدخّل في الصلاحيات الحصرية لللأعضاء «لكن العمل المشترك والمنسّق لمواجهة الأزمات الصحية الكبرى بات ضرورة ملحّة بعد تجربة (كوفيد - 19)».
وإلى جانب تعزيز صلاحيات ودور المؤسسات القائمة مثل الوكالة الأوروبية للأدوية والمركز الأوروبي لمكافحة الأوبئة السارية والوقاية منها، تعطي التعديلات المقترحة للمفوضية سلطات تسمح لها بفرض توجيهات لمواجهة الجوائح والطوارئ الصحية وتصميم الإرشادات المرافقة لها، وتخوّلها مراجعة الخطط الوطنية للاستجابة أمام الأزمات الصحية وتعديلها، إضافة إلى تنظيم دورات تأهيلية للطواقم والهيئات الصحية الوطنية.
كما تتيح التعديلات المقترحة للاتحاد الأوروبي الاحتفاظ بحق تفعيل آليّات الطوارئ قبل أن تعلن منظمة الصحة العالمية حالة الطوارئ الدولية، إذ تعتبر المفوضية أن هذه الاستقلالية عن المنظمة الدولية تتيح قدرا أوسع من المرونة أمام بلدان الاتحاد الأوروبي في مجالات مثل شراء وتخزين المواد الصحيّة التي أظهرت الجائحة الراهنة مدى أهميتها خلال المراحل الأولى لمواجهة الأزمات الصحية. كما تسمح لها أيضا بالتدخل الفوري عند ظهور البوادر الأولى للأزمة، بهدف ضمان حريّة الحركة عبر الحدود الداخلية ونقل المواد الصحية اللازمة. وما زال المسؤولون في المفوضية يذكرون كيف في الموجة الأولى، استأثرت بعض الدول الأعضاء، خاصة ألمانيا وهولندا، بمواد صحية أساسية ومنعت تصديرها إلى البلدان التي ضربها الوباء بقسوة في الأسابيع الأولى مثل إيطاليا وإسبانيا.
ومن المشاريع التي يتضمنها اقتراح المفوضية إنشاء لجنة للتنسيق الصحي، على غرار اللجنة الاقتصادية والمالية التي تحوّلت خلال أزمة اليورو إلى ما يشبه «هيئة أركان» وضعت التدابير الجذرية التي أقرها لاحقا المجلس الأوروبي لمواجهة الأزمة المالية.
ولا يخفي بعض المسؤولين أن ثمة نيّة أيضا في استغلال الأزمة الصحية لتعزيز صلاحيات المفوضية، على غرار ما حصل خلال الأزمة المالية. ومن المقرر أن يزيد الاتحاد عدد موظفي المركز الأوروبي لمكافحة الأوبئة السارية والوكالة الأوروبية للأدوية وإدارة الشؤون الصحية في المفوضية. لكن مفوّضة الشؤون الصحية تقول إن هذه الزيادة ستبقى رمزية وبعيدة عن الاحتياجات الفعلية لهذه الهيئات، خاصة عند مقارنتها بالولايات المتحدة، حيث يضمّ مركز مكافحة الأمراض السارية 10 آلاف موظف بميزانية تزيد على 12 مليار دولار، بينما لا يزيد عدد موظفي المركز الأوروبي على 300 بموازنة سنوية لا تتجاوز 50 مليون يورو.


مقالات ذات صلة

بعد ظهوره بـ5 سنوات.. معلومات لا تعرفها عن «كوفيد 19»

صحتك تعلمت البشرية من جائحة «كورونا» أن لا شيء يفوق أهميةً الصحتَين الجسدية والنفسية (رويترز)

بعد ظهوره بـ5 سنوات.. معلومات لا تعرفها عن «كوفيد 19»

قبل خمس سنوات، أصيبت مجموعة من الناس في مدينة ووهان الصينية، بفيروس لم يعرفه العالم من قبل.

آسيا رجل يرتدي كمامة ويركب دراجة في مقاطعة هوبي بوسط الصين (أ.ف.ب)

الصين ترفض ادعاءات «الصحة العالمية» بعدم التعاون لتوضيح أصل «كورونا»

رفضت الصين ادعاءات منظمة الصحة العالمية التي اتهمتها بعدم التعاون الكامل لتوضيح أصل فيروس «كورونا» بعد 5 سنوات من تفشي الوباء.

«الشرق الأوسط» (بكين)
آسيا رجل أمن بلباس واقٍ أمام مستشفى يستقبل الإصابات بـ«كورونا» في مدينة ووهان الصينية (أرشيفية - رويترز)

الصين: شاركنا القدر الأكبر من بيانات كوفيد-19 مع مختلف الدول

قالت الصين إنها شاركت القدر الأكبر من البيانات ونتائج الأبحاث الخاصة بكوفيد-19 مع مختلف الدول وأضافت أن العمل على تتبع أصول فيروس كورونا يجب أن يتم في دول أخرى

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد أعلام تحمل اسم شركة «بيونتيك» خارج مقرها بمدينة ماينتس الألمانية (د.ب.أ)

«بيونتيك» تتوصل إلى تسويتين بشأن حقوق ملكية لقاح «كوفيد»

قالت شركة «بيونتيك»، الجمعة، إنها عقدت اتفاقيتيْ تسوية منفصلتين مع معاهد الصحة الوطنية الأميركية وجامعة بنسلفانيا بشأن دفع رسوم حقوق ملكية للقاح «كوفيد».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
العالم تراجعت أعداد الوفيات من جراء الإصابة بفيروس كورونا على نحو مطرد (أ.ف.ب)

الصحة العالمية تعلن عن حدوث تراجع مطرد في وفيات كورونا

بعد مرور نحو خمس سنوات على ظهور فيروس كورونا، تراجعت أعداد الوفيات من جراء الإصابة بهذا الفيروس على نحو مطرد، وذلك حسبما أعلنته منظمة الصحة العالمية في جنيف.

«الشرق الأوسط» (جنيف)

«أكسيوس»: بايدن ناقش خططاً لضرب المواقع النووية الإيرانية

الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)
الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)
TT

«أكسيوس»: بايدن ناقش خططاً لضرب المواقع النووية الإيرانية

الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)
الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)

قدّم مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان للرئيس جو بايدن خيارات لـ«هجوم أميركي محتمل» على المنشآت النووية الإيرانية، إذا «تحرك الإيرانيون نحو امتلاك سلاح نووي» قبل موعد تنصيب دونالد ترمب في 20 يناير (كانون الثاني).

وقالت ثلاثة مصادر مطّلعة لموقع «أكسيوس» إن سوليفان عرض تفاصيل الهجوم على بايدن في اجتماع - قبل عدة أسابيع - ظلت تفاصيله سرية حتى الآن.

وقالت المصادر إن بايدن لم يمنح «الضوء الأخضر» لتوجيه الضربة خلال الاجتماع، و«لم يفعل ذلك منذ ذلك الحين». وناقش بايدن وفريقه للأمن القومي مختلف الخيارات والسيناريوهات خلال الاجتماع الذي جرى قبل شهر تقريباً، لكن الرئيس لم يتخذ أي قرار نهائي، بحسب المصادر.

وقال مسؤول أميركي مطّلع على الأمر إن اجتماع البيت الأبيض «لم يكن مدفوعاً بمعلومات مخابراتية جديدة ولم يكن المقصود منه أن ينتهي بقرار بنعم أو لا من جانب بايدن».

وكشف المسؤول عن أن ذلك كان جزءاً من مناقشة حول «تخطيط السيناريو الحكيم» لكيفية رد الولايات المتحدة إذا اتخذت إيران خطوات مثل تخصيب اليورانيوم بنسبة نقاء 90 في المائة قبل 20 يناير (كانون الثاني).

وقال مصدر آخر إنه لا توجد حالياً مناقشات نشطة داخل البيت الأبيض بشأن العمل العسكري المحتمل ضد المنشآت النووية الإيرانية.

وأشار سوليفان مؤخراً إلى أن إدارة بايدن تشعر بالقلق من أن تسعى إيران، التي اعتراها الضعف، إلى امتلاك سلاح نووي، مضيفاً أنه يُطلع فريق ترمب على هذا الخطر.

وتعرض نفوذ إيران في الشرق الأوسط لانتكاسات بعد الهجمات الإسرائيلية على حليفتيها حركة «حماس» الفلسطينية وجماعة «حزب الله» اللبنانية، وما أعقب ذلك من سقوط نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا.

وقال سوليفان لشبكة «سي إن إن» الأميركية: «القدرات التقليدية» لطهران تراجعت؛ في إشارة إلى ضربات إسرائيلية في الآونة الأخيرة لمنشآت إيرانية، منها مصانع لإنتاج الصواريخ ودفاعات جوية. وأضاف: «ليس من المستغرب أن تكون هناك أصوات (في إيران) تقول: (ربما يتعين علينا أن نسعى الآن لامتلاك سلاح نووي... ربما يتعين علينا إعادة النظر في عقيدتنا النووية)».

وقالت مصادر لـ«أكسيوس»، اليوم، إن بعض مساعدي بايدن، بمن في ذلك سوليفان، يعتقدون أن ضعف الدفاعات الجوية والقدرات الصاروخية الإيرانية، إلى جانب تقليص قدرات وكلاء طهران الإقليميين، من شأنه أن يدعم احتمالات توجيه ضربة ناجحة، ويقلل من خطر الانتقام الإيراني.

وقال مسؤول أميركي إن سوليفان لم يقدّم أي توصية لبايدن بشأن هذا الموضوع، لكنه ناقش فقط تخطيط السيناريو. ورفض البيت الأبيض التعليق.