توجه الجزائريون إلى صناديق الاقتراع للمشاركة في استفتاء شعبي على دستور؛ اختاره فريق خبراء عينته السلطات السياسية؛ وعلى رأسها الرئيس عبد المجيد تبون. وبينما تصر السلطة السياسية على أن الدستور يؤسس لـ«جزائر جديدة»، فإن الانقسام بدا واضحاً على المستويين السياسي والشعبي إزاء التفاعل إيجاباً مع الوثيقة الجديدة.
وقد شهد التصويت، أمس، معدلات ضعيفة في مناطق المعارضة التقليدية؛ خصوصاً ولايات القبائل (شرق) حيث غالباً ما يقاطع السكان الاستحقاقات، في مقابل إقبال لافت نسبياً على الصناديق في الولايات الداخلية؛ خصوصاً الهضاب العليا بوسط وجنوب البلاد.
وجرى إغلاق كل مكاتب الانتخاب في تيزي ووزو وبجاية، وهما أكبر ولايتين في منطقة القبائل، قبل الموعد الرسمي (السابعة مساءً بالتوقيت العالمي)، بساعات بعد أن تبين لممثلي «السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات» محلياً، أن المشاركة ستبقى ضعيفة طول النهار. وقال عضو منها، فضل عدم نشر اسمه، لـ«الشرق الأوسط»، إن القرار اتخذه المسؤولون الحكوميون، خشية تعرض مكاتب الانتخاب للتخريب. وكان مشهد «السيدة الأولى»، حرم الرئيس عبد المجيد تبون، وهي داخل مكتب انتخاب بالعاصمة، أكثر ما شدّ انتباه الصحافيين. ونشرت الرئاسة صورتها وهي تنتخب، على حساباتها في شبكات التواصل الاجتماعي، وكتبت: «رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، يؤدي واجبه الانتخابي بالوكالة، نابت عنه حرمه للإدلاء بصوته في الاستفتاء على مشروع تعديل الدستور، بمدرسة أحمد عروة باسطاوالي (الضاحية الغربية للعاصمة)، لوجود السيد الرئيس بأحد المستشفيات المتخصصة بألمانيا لتلقي العلاج».
ويوجد تبون في ألمانيا، منذ الأربعاء الماضي، لـ«إجراء فحوصات طبية معمقة»، حسب بيان للرئاسة صدر في اليوم نفسه لم يوضح المرض الذي يعاني منه الرئيس (74 سنة). وكانت الرئاسة أكدت في وقت سابق، أنه دخل في حجر صحي «طوعي»، على أثر تأكد إصابة كوادر بالرئاسة والحكومة بفيروس «كورونا». ثم نقل إلى المستشفى العسكري بالعاصمة، بعد تعقَد حالته.
وفي رسالة نشرتها وكالة الأنباء الرسمية مساء السبت، قال تبون من مكان علاجه إن «الشعب الجزائري سيكون مرة أخرى على موعد مع التاريخ من أجل التغيير الحقيقي المنشود، الذي سيكون جسراً إلى الجزائر الجديدة، بتكاتف الجزائريات والجزائريين، وبفضل الإرادات الوطنية الخيّرة لتحقيق أمل الشهداء وبناء الجزائر القوية بشاباتها وشبابها، الذين هم ثروة الأمة الحقيقية، والمعوَل عليهم في حمل لوائها للمُضي نحو تجسيد تطلعات الحراك الأصيل المبارك».
يذكر أن الاستفتاء تزامن مع مرور 66 سنة على تفجير ثورة التحرير من الاستعمار الفرنسي.
وجرى الاستفتاء في حالة من التشكيك في صحة الأخبار التي ترد من الرئاسة بشأن الحالة الصحية للرئيس تبون، خصوصاً بعدما خاطب الجزائريين برسالة. فقد اتخذ الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، من «الرسائل» طريقة للتواصل مع شعبه خلال فترة مرضه التي استمرت 6 سنوات، وكانت الرئاسة تؤكد دائماً أن «حالته لا تدعو إلى القلق»، وبأنه في سويسرا حيناً، وفي فرنسا أحياناً «من أجل فحوصات طبية معمَقة»، بينما الحقيقة أنه كان في حالة عجز كامل عن تسيير شؤون الحكم، مما كان سبباً مباشراً في انفجار الشارع ضده يوم 22 فبراير (شباط) 2019.
وأكدت سيدة بمكتب انتخاب في بلدة بن شعبان، جنوب العاصمة، كانت بصدد التصويت: «أكد لي رئيس بلديتي، وهو كواحد من أبنائي الخمسة، أن الدستور الجديد سيفتح الباب واسعاً أمام تنمية البلاد، وبأنه سيوفر مناصب الشغل لشبابنا. كما أنه سينهي عهد الفساد الذي كان في النظام السابق، فقررت أن أصوت عليه بـ(نعم)».
وأعلن محمد شرفي، رئيس «سلطة الانتخابات»، لوسائل إعلام أن نسبة المشاركة بلغت 13.03 في المائة في الثانية ظهراً، وكانت في حدود 5.88 في المائة قبل ذلك بساعتين. وقال: «من خلال اطلاعي على ما يجري في مختلف مكاتب الاقتراع بالبلاد، يمكنني القول إنها كلها فتحت أبوابها للتصويت، ماعدا في منطقة واحدة أو منطقتين»، من دون ذكر الأسباب، وكان يشير إلى ظروف التصويت في منطقة البويرة (100 كيلومتر شرق العاصمة)، حيث أغلق متظاهرون بعض مكاتب الانتخاب باستعمال القوة.
وتعهد شرفي بـ«اتخاذ القرارات المناسبة؛ لتمكين المواطنين من أداء واجبهم الانتخابي في ظروف حسنة». وأضاف: «عدم انطلاق العملية الانتخابية، كان في عدد قليل من المكاتب، وهو لا يؤثر على السير العام للعملية، ويحدث في كل عمليات الاقتراع لأسباب عدة، وعموماً فإن 99 في المائة من مكاتب التصويت ظلت مفتوحة، والعملية الانتخابية تجري بوتيرة عادية». وعدّ شرفي الاستفتاء على تعديل الدستور «نفساً جديداً لنوفمبر (تشرين الثاني)»، وكان يقصد الشهر الذي شهد اندلاع ثورة الاستقلال. كما عدَه «انطلاقة جديدة للجزائر الجديدة»، وهو الشعار الذي اختاره تبون، في بداية حكمه، للتأكيد على قطيعة مع ممارسات الحكم في عهد بوتفليقة. ودعا شرفي «جميع المواطنين إلى وضع بصمتهم في مسار بناء الجزائر الجديدة، وعدم تفويت قطار التاريخ حتى لا نتحسر مستقبلاً (...) فالعد التنازلي للتغيير انطلق فعلياً مع بدء عملية التصويت».
من جهته، صرح سليمان شنين، رئيس «المجلس الشعبي الوطني (الغرفة البرلمانية الأولى)» بأن الاستفتاء «يسمح للشعب بأن يختار ويقرر في الوثيقة الأساسية لتسيير شؤونه، وقد كانت إعادة الكلمة للشعب من مطالب الحراك المبارك»، مشيراً إلى أن «الشعب الجزائري يملك الوعي الكامل والمسؤولية لإدراك الرهانات وحجم التحديات التي تحيط بالبلاد».
وشدد رئيس الوزراء عبد العزيز جراد، في تصريحات للصحافة، على أن «هذا اليوم يعدّ يوماً لمستقبل الجزائر الجديدة، التي نريد بناءها جميعاً لأجل أبنائنا وأحفادنا. فالصوت اليوم هو صوت الشعب والمواطن، ولكل واحد منا الحرية في اختيار الاتجاه الذي يريده ويتمناه لبلده»، مشيراً إلى أن «هذا اليوم المصادف لأول نوفمبر، يعدّ بالنسبة للشعب الجزائري تاريخاً عريقاً؛ وهو تاريخ الشهداء والمجاهدين، استطاع من خلاله أجدادنا وآباؤنا تحرير الوطن».
إقبال متفاوت بين المناطق في الاستفتاء على دستور «الجزائر الجديدة»
معاقل المعارضة التقليدية قاطعت... والسلطات تراهن على مشاركة عالية
إقبال متفاوت بين المناطق في الاستفتاء على دستور «الجزائر الجديدة»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة