فيما تجمع الآراء والتوقعات على وصف يوم الثالث من نوفمبر تشرين الثاني بأنه سيكون يوما انتخابيا لم يسبق له مثيل في الحياة السياسية الأميركية، تتجه الأنظار نحو الاستعدادات الأمنية، التي تتخذها السلطات الفيدرالية والمحلية، لحماية العملية الانتخابية وما بعدها، في ظل حالة التوتر الممتدة منذ أحداث العنف التي اندلعت في مايو أيار الماضي، بعد مقتل الرجل الأسود جورج فلويد على يد شرطي أبيض في ولاية مينيسوتا.
كان بالإمكان ملاحظة مكعبات الإسمنت والحواجز الحديدية التي رفعت حول البيت الأبيض في العاصمة واشنطن، فيما العديد من المؤسسات التجارية واصلت دعم واجهاتها الزجاجية بألواح الخشب المقوى التي كانت قد أقامتها إثر اندلاع المواجهات احتجاجا على ما وصف بعنف الشرطة. فالجميع يتخوف من احتمال خروج الأمر عن السيطرة، فيما لو قرر أحد الطرفين المتنافسين عدم الاعتراف بنتيجة الانتخابات أو شكك بشرعيتها.
الخلاف على دور الشرطة
تتعرض الجهة المسؤولة عن ضمان أمن الانتخابات والمواطنين، للانتقاد والتشكيك بحياديتها. فقد تكررت حوادث قتل بعض المواطنين وخصوصا من السود، على يد الشرطة، وآخرها مقتل أحد الشبان في مدينة فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا، التي تعتبر ساحة منازلة كبرى بين الرئيس الجمهوري دونالد ترمب ومنافسه الديمقراطي جو بايدن. حتى العاصمة واشنطن شهدت أعمال عنف بعد مقتل شاب أسود كان يسير على زحافة إثر ارتطامه بسيارة خلال مطاردة الشرطة له، لأنه خالف شروط السلامة العامة وعدم ارتدائه خوذة الحماية. وهاجم المحتجون مركزا للشرطة، وقاموا بتهشيمه، وحطموا عددا من سياراته.
ومن المعروف أن مندوبي الاستطلاعات الذين ينتشرون على أبواب مراكز الاقتراع، هم أول من يتم استهدافهم في حال حصول خلافات مع الناخبين، ويدعمهم في العادة حراس أمن من شركات خاصة. وأعلنت بعض الهيئات الانتخابية الرسمية في عدد من الولايات أنها قررت نشر حراس إضافيين لحماية صناديق الاقتراع، حتى في بعض المناطق التي لم يسبق أن نشر فيها رجال أمن. وبحسب تقرير للإذاعة الوطنية العامة «إن. بي. آر»، فقد أعلنت معظم الولايات أنها لن تقوم بنشر أي رجل شرطة بزيه الرسمي في مراكز الاقتراع، لأن التقاليد والقوانين المحلية تبقيهم على مسافة لتجنب الانطباع بتخويف الناخب. لكن في حال خرجت الأمور عن السيطرة، فعادة ما يسمح للشرطة بالدخول إذا تم استدعاؤها.
ولكن مع توترات هذا العام وحقيقة أن الشرطة نفسها هي قضية رئيسية في الانتخابات، أصبحت مسألة وجودهم في مراكز الاقتراع نقطة ساخنة في بعض الأماكن.
وفيما اشتكى الديمقراطيون في مدينة ميامي بولاية فلوريدا من قيام ضابط شرطة بارتداء قناع مطبوع عليه صورة ترمب في أحد مراكز الاقتراع المبكر، ويواجه تأديبا محتملا، تدرس ولاية نيوجيرسي إصدار قرار يقيد وجود رجال الشرطة في أماكن الاقتراع، الذي سرعان ما تحول إلى مادة خلاف سياسي بين الحزبين. وعلى هذا المنوال، اندلع نزاع مماثل في ولاية نورث كارولينا، حيث أصدر المجلس المشرف على انتخاباتها، مذكرة تعيد تذكير ضباط الشرطة وهم في زيهم الرسمي، بالابتعاد عن أماكن الاقتراع. واعترض الجمهوريون على المذكرة، وقال السيناتور الجمهوري عن الولاية بول نيوتن، إن المجلس الذي يسيطر عليه الديمقراطيون، «تجاوز» سلطته.
وفي ولاية ميشيغان، يبقى أحد الأسئلة المهمة من دون حل، ويتعلق بكيفية السماح للمواطنين العاديين بحمل الأسلحة النارية بشكل علني حول أماكن الاقتراع. فالولاية هي من بين الولايات القليلة التي تسمح قوانينها بحمل السلاح حتى داخل المراكز الحكومية، وشهدت أعمال عنف خلال عمليات الإقفال التي دعت إليها السلطات لمواجهة فيروس كورونا، كما اعتقلت الشرطة الشهر الماضي عددا من الأشخاص كانوا يخططون لاختطاف حاكمتها. لكن وزيرة خارجية الولاية جوسلين بنسون، أصدرت توجيها يقول إنه لن يسمح بالبنادق المرئية في صناديق الاقتراع أو غيرها من المكاتب ذات الصلة بالانتخابات هذا العام. لكن رؤساء الشرطة شككوا فيما إذا كانت لديهم الأسس القانونية لتنفيذ مثل هذا الأمر، بحسب دعوى قضائية رفعت ضدهم.
ماذا بعد يوم الانتخابات؟
وبعيدا عن أمن صناديق الاقتراع، فقد أعلنت العديد من إدارات الشرطة أنها ستوفر المزيد من العناصر بعد يوم الانتخابات، وخصوصا في المدن التي شهدت اضطرابات خلال الصيف، كبورتلاند وأوريغون وسياتل ونيويورك، حيث لا تزال مجموعات متحركة من الناشطين تقوم بأعمال تخريب ذات دوافع سياسية بحسب مسؤولين أمنيين. وعانت مدينة شيكاغو من عمليات نهب واسعة النطاق وأضرارا في الممتلكات خلال الصيف، وهو أمر يعتقد مدير الشرطة فيها ديفيد براون أن مجموعات من «المحرضين» تقف وراءه. وقال في مؤتمر صحافي الأسبوع الماضي: «لدينا خطط لضمان حماية الممتلكات وعدم السماح لتلك المجموعات في التسبب بالمزيد من أعمال العنف ومحاسبتهم».
من جهة أخرى، أعلنت العديد من الولايات، وخصوصا تلك المسماة بالمتأرجحة والحاسمة، أنها ستشرك جنود الحرس الوطني في حماية أمن الانتخابات، على أن يقتصر الأمر بداية على حماية الأمن السيبراني ومنع الحكومات الأجنبية وغيرها من التدخل في التصويت. ولا يزال الخلاف الذي اندلع بين وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر مع الرئيس ترمب، بسبب اعتراضه على زج الجيش والحرس الوطني في الاحتجاجات التي جرت نهاية الربيع الماضي، ماثلا في أذهان المسؤولين الأمنيين، وتسبب بغضب ترمب الذي نقل عنه أنه فكر في إقالة إسبر من منصبه. ويؤكد القادة العسكريون أنهم لن يتدخلوا في أي نشاط سياسي كي لا يتهم الجيش بالانحياز، أو المشاركة في حماية الانتخابات وأن الأمر متروك للقوات المحلية ورجال الشرطة. لكن مسؤولي الولايات أعلنوا أن جنود الحرس الوطني بزي مدني، سيساعدون الولايات كعاملين في مراكز الاقتراع، ويؤدون واجباتهم المعتادة، في تجهيز مراكز الاقتراع وتوزيع بطاقات الاقتراع، خصوصا في ظل جائحة كورونا التي أجبرت السلطات على الاستعانة بالمزيد من العاملين لضمان الصحة العامة وشروط التباعد الاجتماعي. وقامت ولايتا ويسكونسن وكنتاكي بالفعل بالاستعانة بأفراد من الحرس الوطني. ومن المتوقع أن تطلب ولايات أخرى المساعدة أيضا، لأن العاملين في مراكز الاقتراع عادة ما يكونون من كبار السن، وهم الآن أكثر عرضة للخطر بسبب كورونا.
حياد الجيش
وفيما يجمع المراقبون والمسؤولون الأمنيون على أن أعمال العنف المتوقعة قد لا تحصل خلال يوم الاقتراع، لكنهم يقولون إن الحملات الانتخابية القاسية التي جرت والاحتجاجات التي شهدتها بعض المدن وصعود دور الجماعات المسلحة، من اليمين واليسار، يمكن أن يؤدي إلى أعمال عنف بعد الانتخابات، بغض النظر عن الفائز. وفي هذه الحالة إذا عجزت قوات الشرطة المحلية عن التعامل مع تلك الاحتجاجات، يمكن لحكام الولايات استدعاء الحرس الوطني، كما فعلت ولاية مينيسوتا خلال أحداث العنف التي تلت مقتل جورج فلويد. ورغم أن حاكم الولاية هو المسؤول عن الحرس الوطني، إلا أن الرئيس الأميركي يمكنه السيطرة عليها أو تجاوزها عبر إرسال قوات منع التمرد الفيدرالية، وهو ما حدث في مناسبات نادرة في خمسينيات وستينيات القرن الماضي خلال احتجاجات على قرارات اندماج المدارس، وفي عام 1992 حين أرسل الرئيس جورج بوش الأب قوات منع التمرد إلى مدينة لوس أنجليس إثر اندلاع احتجاجات بعد انتخابات فرعية.
وما غذى المخاوف من حصول توترات، تصريحات الرئيس ترمب الذي قال في مناسبات عدة إنه قد لن يقبل نتائج التصويت ما لم تكن «عادلة». وهو ما أدى إلى تكهنات بأن الرئيس قد يحاول التمسك بالسلطة، وقد يتم استدعاء الجيش لإزالته بحسب تصريحات منافسه الديمقراطي بايدن. ونقلت الإذاعة الوطنية عن الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، قوله «هذه ليست المرة الأولى التي يقول فيها شخص ما قد تكون هناك انتخابات متنازع عليها». وأضاف «وإذا كان الأمر كذلك، فسيتم التعامل معه بشكل مناسب من قبل المحاكم والكونغرس الأميركي»، مؤكدا عدم وجود دور للجيش في تحديد نتيجة الانتخابات.