سنوات السينما: Ballets Russes

«باليه روس»
«باليه روس»
TT

سنوات السينما: Ballets Russes

«باليه روس»
«باليه روس»

Ballets Russes
(2005)
قيمة السينما التسجيلية المبنية على البحث والتحقيق هي أنها، في الكثير من الأحيان، تنجح في الكشف عن حقائق وخلفيات مطمورة تحت ساتر بسيط لتعيد للتاريخ ما كاد أن يُطمَر إلى الأبد.
«باليه روس» للثنائي داينا غولدفاين ودان جَـلر هو واحد من هذه الأفلام. حكاية واحدة من أنجح وأفضل فرق الباليه في التاريخ.
في عام 1909 قامت مجموعة من اللاجئين الروس إلى فرنسا بتأسيس فرقة باليه وبعد نحو عشرين سنة على إنشائها تم تحويل اسمها إلى «باليه روس لمونتي كارلو» وذلك، لتمييزها عن أي فرقة روسية بالاسم ذاته.
قوامها عدد من راقصي وراقصات الباليه الذين لم يرقص معظمهم في روسيا من قبل. هؤلاء هاجروا أو هربوا مع اندلاع الثورة الشيوعية. وفي حين بقي في البلاد فرق باليه أخرى، رغبت الفرقة التي جعلت من باريس مقرّاً لها، أن تكون البديل. أن تكون امتداداً لفن زاوله سترافنيسكي ونيجنسكي وسيرج دياغيليف وسواهم من قبل. هكذا يبدأ «باليه روس» معلناً عن الولادة الفعلية للفرقة سنة 1931 بمشاهد وثائقية نادرة تؤسس لتاريخ حافل بقي بعيداً عن إثارة اهتمام صانعي الأفلام الوثائقية إلى العام 2005 عندما تم إنتاج هذا الفيلم. وإذ ينتقل الفيلم إلى سلسلة مقابلاته يسجّل، قبل فوات الأوان، شهادات راقصي الفرقة (التي لاحقاً ما انقسمت إلى فرقتين) عن أنفسهم وعن أدوارهم وعن تلك الفترة الواقعة على بعد تسعين سنة من اليوم.
نكتشف أن إيرينا بارانوفا وإيفون شوتيو وناتاليا كراسوفسكا وتاتيانا ريابوشينسكا وتاتيانا ستبانوڤا وتمارا تشيناڤورا ومارك بلاتوف وفردريك فرانكلين وسواهم كانوا لا يزالون أحياء حين تحقيق هذا الفيلم ما جعل الحديث إليهم متعة لهواة التاريخ والفن معاً. بعضهم يعيش في طي ذكرياته وبعضهم لا يزال يمارس هوايته المحببة فهو مدرّس في أريزونا أو تكساس أو لا يزال يعيش في بعض أنحاء أوروبا. وما يتلونه مؤثّر ليس فقط لأنه جزء من تاريخ لم يعد يلتفت إليه أحد، بل لأنه نابع من إحساس ووجدان شخصياته التي ألّفته.
بعد النجاح الكبير للفرقة، تطل الحرب العالمية الثانية وتقع وأوروبا تحت الخطر والفرقة، وقد انقسمت إلى فرقتين واحدة باسم «باليه روسيا الكلاسيكية» والثانية حافظت على «باليه روسيا لمونتي كارلو» يؤمّان عروضهما الأولى في الولايات المتحدة ما اضطرهما لجعلها المكان الذي يعودان إليه بعد كل رحلة سفر. ما يحدث بعد ذلك هو الكثير من التفاصيل حول نمو وازدهار ثم اضمحلال كل منهما («باليه روسيا الكلاسيكية» ابتلعها الفقر ثم الإفلاس حتى مات صاحبها لاحقاً والثانية استمرّت لسنوات قليلة بعد ذلك لكنها أيضاً توقّفت عن النشاط في مطلع السبعينات.
في سبر غور هذا التاريخ فإن ما يأسر النفس إيمان فناني الفرقة برسالتهم لتقديم أفضل وأرقى فن رقص باليه في القرن العشرين. غاية تحققت بفضل حب لم يمت مع الأيام. يتجلّى ذلك الإيمان بشغف الحديث. بالكلمات المختارة للتعبير عن الذات والنفس والذاكرة. ثم بتلك المشاهد التي تدفع الدموع لتقف عند حواف الأعين: راقصون وراقصات وقد أصبحوا في خريف العمر يقومون ببعض الرقصات للكاميرا. يبدون مثل العرائس المنتعشة بعد نفض الغبار من عليها. خارج الموضة لكنها الأصالة ذاتها.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.