لبنان يتحول من الاقتصاد النقدي إلى «الورقي»

صراف يعد ليرات لعميل في بيروت مطلع الشهر (رويترز)
صراف يعد ليرات لعميل في بيروت مطلع الشهر (رويترز)
TT

لبنان يتحول من الاقتصاد النقدي إلى «الورقي»

صراف يعد ليرات لعميل في بيروت مطلع الشهر (رويترز)
صراف يعد ليرات لعميل في بيروت مطلع الشهر (رويترز)

ارتفعت المضاربات بشكل لافت مسببة تبدلات حادة في سعر الليرة اللبنانية خلال اليومين الماضيين في السوق الموازية التي يديرها تجار عملات خارج نطاق شركات الصرافة المرخصة. واتسع هامش المبادلات في تسعير الدولار إلى نحو ألف ليرة بين حدي 6 و7 آلاف ليرة، مع نشاط ملحوظ للمنصات الإلكترونية والتطبيقات التي تشهد رواجا استثنائيا على الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي.
ولوحظ أن التقلبات اليومية في سعر الدولار في السوق السوداء تتعدى حدودها المعتادة في عطلة نهاية الأسبوع، بحيث تتبدل الأسعار انخفاضا وصعودا بوتيرة سريعة، توقع معها المدخرين في المنازل فريسة الشائعات على الخطين، بينما تؤول الفوارق الربحية إلى محترفين يتقنون التلاعب بسعر الصرف بعيدا عن ملاحقات الأجهزة الأمنية التي تعجز عن ضبط أغلب العمليات ذات الطابع الفردي.
وزاد في تحفيز المضاربات تمدد القيود إلى العملات الورقية بالليرة، إذ رصدت «الشرق الأوسط» بدايات تحول من الاقتصاد النقدي الذي طغى على المعاملات المالية والاستهلاكية طوال الأشهر الماضية، إلى ما يمكن تسميته بالاقتصاد الورقي، إذ بعدما كانت القيمة الحقيقية للنقد محصورة بالعملات الورقية للدولار وتنخفض دراماتيكيا بأسعار متفاوتة أعلاها يماثل نصف القيمة السوقية في بدائل النقد كالتحويل الداخلي من الحساب أو الشيك أو البطاقة، بدأت الأسواق تتفاعل سلبا مع محاولة البنك المركزي للتحكم بالسيولة النقدية بالليرة وتضييق حدود سحوباتها من البنوك.
وبمعزل عن هدف السعي إلى إعادة ضبط الكتلة النقدية بالعملة الوطنية البالغة حاليا نحو 23 تريليون ليرة، نتيجة تراكم زيادات شهرية صاروخية ضخها البنك المركزي قاربت نسبتها المجمعة نحو 150 في المائة من بداية العام الحالي، فإن توسع سيطرة العملات الورقية بالدولار وبالليرة وتفشي تعدد أسعار الصرف من العملات الصعبة إلى العملة الوطنية، يخلق بذاته، وفقا لمصادر مصرفية رفيعة المستوى، مناخا نموذجيا لتفعيل المضاربات على العملتين وإضافة إرباكات جديدة على سير المعاملات في الأسواق المالية والاستهلاكية على السواء.
وبينما توشك عمليات شراء شيكات الدولار بالليرة وبأقل من نصف قيمتها الأصلية على الانتقال إلى الشيكات بالليرة التي يطلب بعض المتعاملين عمولة بين 10 و15 في المائة من قيمتها، تشير معطيات سوقية إلى أن الطلب على النقد الورقي بالليرة يواصل تسجيل ارتفاعات حادة ومتتالية، بتأثير مباشر من قرار البنك المركزي بتحديد سقوف تزويد المصارف بالسيولة وفقا للمتوفر في حساباتها الجارية لديه، على أن يتم تلبية الإضافة من تسييل شهادات إيداع تعود لها بعد حسم عوائدها، وفرض توريد سيولة ورقية لقاء حصة المستوردين من المواد المدعومة بالدولار.
وأدت هذه التدابير إلى قيام المصارف بتقنين السحوبات النقدية بالليرة لصالح الزبائن من صناديقها ومطالبة زبائنها بالتعويض عبر وسائل الدفع البديلة.
وتفيد معلومات «الشرق الأوسط» بأن أغلب البنوك اعتمد إجراءات جديدة لضخ السيولة بالليرة للمودعين، بهدف خفض سقف السحوبات الممكنة شهريا من متوسط 10 ملايين إلى متوسط 4 ملايين ليرة بدءا من الأسبوع الحالي. كما تم خفض السحوبات بالليرة عبر أجهزة الصرف الآلي إلى حدود متدنية مع إقدام بعض البنوك على تضييق السحب لحاملي بطاقات بنوك أخرى، وهو ما سيفضي حتما إلى اختناقات أشمل في أسواق الاستهلاك، نظرا إلى تعذر قبول السداد من خلال وسائل الدفع البديلة، بسبب حاجة التجار أيضا إلى السيولة الورقية.
وحاولت جمعية المصارف إعادة طمأنة المودعين والمتعاملين بأن «مصرف لبنان سيستمر بمد المصارف بالسيولة النقدية كالمعتاد، وستستمر المصارف بتأمين السيولة النقدية بالليرة للسوق بشكل طبيعي وفق ما جرت العادة خلال الفترة الماضية». لكن الطلب واظب تدفقه على منحناه الصاعد، وخصوصا بعدما انضم التجار والشركات وكبريات المتاجر إلى طلب النقد الورقي بكثافة وإلى الاعتذار عن عدم قبول الدفع بالبطاقات والشيكات، وهذا ما يرشح تلقائيا انضمام سيولة الليرة إلى دوامة الأسعار المتعددة للدولار التي نشأت جراء تعذر ضخ العملات الأجنبية من قبل مصرف لبنان المركزي في السوق الرسمية عبر شركات الصرافة المرخصة، وامتناع البنوك عن صرف الودائع الدولارية بعملتها.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.