رئيس غامبيا يعود إلى العاصمة غداة المحاولة الانقلابية ضده

العاصمة تحبس أنفاسها.. ومخاوف من موجة قمع جديدة

الرئيس يحيى جامع يغادر مركز اقتراع بعد الإدلاء بصوته في انتخابات سابقة (أ.ب)
الرئيس يحيى جامع يغادر مركز اقتراع بعد الإدلاء بصوته في انتخابات سابقة (أ.ب)
TT

رئيس غامبيا يعود إلى العاصمة غداة المحاولة الانقلابية ضده

الرئيس يحيى جامع يغادر مركز اقتراع بعد الإدلاء بصوته في انتخابات سابقة (أ.ب)
الرئيس يحيى جامع يغادر مركز اقتراع بعد الإدلاء بصوته في انتخابات سابقة (أ.ب)

عاد رئيس غامبيا، يحيى جامع، إلى بانجول بعد ساعات على محاولة انقلابية فاشلة ضد نظام حكمه أثارت مخاوف من موجة قمع جديدة في البلاد. ووصل جامع الذي يحكم غامبيا منذ نحو 20 عاما الليلة قبل الماضية إلى العاصمة بانجول بعد توقف في نجامينا قادما من دبي؛ حيث كان يقوم بزيارة خاصة منذ عطلة نهاية الأسبوع الماضي. وقال مصدر عسكري إن الرئيس «توجه مباشرة من المطار إلى القصر الرئاسي حيث عرضت أمامه جثث المهاجمين». وأضاف أن الرئيس كان «عابسا» ولم يدلِ بأي تصريح. وأوضح أن «بعض الرجال بدوا متوترين وصدرت أوامر بالتزام الحذر إلى الجميع».
وكان الانقلابيون استهدفوا القصر الرئاسي الواقع في منطقة مارينا باراد على الكورنيش الشرقي لبانجول، عصر أول من أمس، قبل أن تتصدى لهم القوات الموالية للسلطة، حسبما أفادت مصادر عسكرية ودبلوماسية. وذكر ضابط أن الانقلابيين «كانوا بقيادة نقيب سابق يدعى اليمين سنيه وهو فار من الجيش» وقتل خلال الهجوم.
وبعد المحاولة الانقلابية، شهدت العاصمة ليلا هادئا؛ حيث نشر، أول من أمس، عدد كبير من أفراد الجيش والشرطة. وكما انتشرت دوريات عسكرية في عدد كبير من مناطق المدينة. واستأنفت الإدارات والمصارف والمحلات التجارية نشاطها، أمس، بعدما كانت أغلقت في اليوم السابق. وقطعت وسائل الإعلام الحكومية لفترة قصيرة لكنها بثت، أمس، مقطوعات موسيقية بدلا من برامجها العادية. وأعلنت شركة الطيران «غامبيا بيرد» (فرع من شركة ألمانية متمركزة في بانجول) التي تسير منها رحلات إلى 10 دول في أفريقيا وأوروبا، أول من أمس، تعليق رحلاتها «حتى إشعار آخر».
ولم تبث أي معلومات عن الأوضاع في مناطق أخرى في البلاد، بينما تحدثت السلطات الإدارية لبلدة سنغالية قريبة من شمال غامبيا، البلد الصغير الذي تحيط به السنغال من كل جوانبه باستثناء واجهته البحرية على المحيط الأطلسي، عن «عمليات تدقيق معززة» على الحدود. وعلى الرغم من الهدوء، كما ذكرت عدة مصادر، بقي التوتر سائدا في بانجول كما في بقية أنحاء البلاد.
ويحكم جامع هذه الدولة البالغ عدد سكانها 1.8 مليون نسمة، منذ عام 1994 حين وصل إلى السلطة عبر انقلاب ثم انتخب رئيسا بعد عامين، وقد شن عدة حملات قمع ضد متهمين بالتآمر ضده أو خصوم مفترضين. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن «مصدر عسكري» قوله إن الرئيس يخشى «حملة تطهير» في القوات الدفاعية والأمنية في هذه المستعمرة البريطانية السابقة. وبعيد عودته إلى بانجول قام جامع بجولة في القصر الرئاسي لمعاينة الأضرار التي سببها الهجوم. وقال المصدر نفسه إن «بعض الجنود أشاروا إلى الثغرات في القوات العسكرية، وبالتأكيد سيتم توجيه أصابع الاتهام إلى بعض الضباط».
وكان ضابط في الجيش الغامبي صرح بأن القوات الموالية للرئيس جامع «قتلت، أول من أمس، 3 من منفذي محاولة الانقلاب الفاشل، بينهم العقل المدبر الذي كان فر من الجيش». وأضاف في اتصال هاتفي من بيساو رافضا الكشف عن اسمه، أنه «اعتقل أحد الانقلابيين وتسلمته الوكالة الوطنية للاستخبارات للتحقيق معه. وهو بين أيديهم الآن». وأوضح أن «سنيه هاجم المقر الرئاسي بمعية 6 عسكريين مسلحين بشكل جيد وصلوا بواسطة قارب لمهاجمة القصر» الواقع على الجادة البحرية في بانجول.
وأكد الباحث جيل يابي الذي يقيم في دكار أن غامبيا تواجه «خطر حملة قمع كبيرة جدا تذهب أبعد من الشخصيات العسكرية التي قد تكون متورطة في محاولة» الانقلاب هذه.



للمرة الأولى منذ عقود... مقاتلات فرنسا تغادر سماء تشاد

جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
TT

للمرة الأولى منذ عقود... مقاتلات فرنسا تغادر سماء تشاد

جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)

سحب الفرنسيون من تشاد، الثلاثاء، مقاتلات عسكرية من طراز «ميراج 2000»، ليصبح البلد الأفريقي مترامي الأطراف والحبيس في قلب القارة السمراء، خالياً من أي مقاتلات فرنسية لأول مرة منذ أن نال استقلاله عن باريس قبل 6 عقود.

اليوم، أصبحت سماء تشاد هادئة من أزيز «الميراج» الفرنسية، وأغمضت العين الفرنسية التي ظلّت لعقود طويلة رقيباً لا يغفل على أرض تشاد الشاسعة، الممتدة من صحراء أوزو الحارقة شمالاً، وصولاً إلى أحواض بحيرة تشاد الرطبة في أقاصي الجنوب.

الطائرة التي تُمثّل فخر الصناعة العسكرية الفرنسية، ظلّت لسنوات طويلة صاحبة الكلمة الأولى في السماء التشادية، والسلاح الحاسم الذي تدخّل لقلب موازين السياسة أكثر من مرة، خصوصاً حين حاصر المتمردون القادمون من الشمال الرئيسَ الراحل إدريس ديبي في 2006 و2019.

بداية الرحيل

طائرة «ميراج» فرنسية وهي تغادر قاعدة «غوسي» التشادية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)

في حدود منتصف نهار الثلاثاء، كان الجنود الفرنسيون في قاعدة «غوسي» العسكرية في عاصمة تشاد إنجامينا، يتبادلون الابتسامات الباهتة مع أقرانهم التشاديين، فطغت على أجواء الوداع حميمية مصطنعة، وهم يستعدون لركوب طائرات «الميراج»، في رحلة ذهاب دون عودة، نحو فرنسا.

رفع الطيار العسكري الفرنسي يده بتحية عسكرية صارمة، من وراء زجاج طائرته النفاثة، وألقى نظرة أخيرة، ثم حلّق عالياً لتكون بذلك بداية انسحاب فرنسي من بلد دخله أجداده مستعمرين مطلع القرن العشرين، أي قبل 120 عاماً.

الجيش الفرنسي قال في بيان مقتضب تعليقاً على سحب طائراته العسكرية، إن القرار جاء بعد أن قررت تشاد إنهاء العمل باتفاقية التعاون الأمني والعسكري مع فرنسا، يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وأضاف أن «وجود هذه الطائرات كان تلبية لحاجة سبق أن عبّر عنها الشريك (التشادي)».

فيما قال مصدر فرنسي إن وجود المقاتلات الفرنسية في تشاد لم يعُد مبرّراً بعد إنهاء التعاون العسكري بين البلدين، وأضاف أن «فرنسا تنهي نشر مقاتلاتها في قاعدة (غوسي) الجوية في إنجامينا. والجيش الفرنسي اتخذ قراراً بسحب طائراته الحربية».

رحيل تدريجي

وزير خارجية تشاد، عبد الرحمن كليم الله، نشر تغريدة مقتضبة على موقع «إكس»، قال فيها: «إنه بعد الانسحاب النهائي لمقاتلات (الميراج) الفرنسية وطائرة الدعم والإسناد، نفذت المرحلة الأولى من سحب القوات الفرنسية في تشاد».

كما نشرت الخارجية التشادية بياناً قالت فيه: «إن هذا الحدث يُمثل خطوة كبيرة في تنفيذ الجدول الزمني المتفق عليه بين الطرفين» بخصوص مغادرة القوات الفرنسية، قبل أن تشير إلى أنه «سيتم الترحيل التدريجي للقوات البرية خلال الأسابيع المقبلة».

ويوجد في تشاد نحو ألف جندي فرنسي، كانوا موجودين بموجب اتفاق تعاون عسكري موقع منذ عقود، وجرى تجديده عام 2019، ولكن تشاد قررت الشهر الماضي أن تنهيه من جانب واحد من أجل «تجسيد السيادة» على أراضيها.

وفي هذا السياق، قالت الخارجية التشادية إن الشعب التشادي «يتطلّع إلى مستقبل تحظى فيه السيادة الوطنية بالاحترام الكامل، وتتولى فيه القوات المسلحة الوطنية بشرف وكفاءة الدفاع عن أراضيها وأمن مواطنيها».

ولكنها في الوقت نفسه، شدّدت على «فكّ الارتباط (مع فرنسا) يتم بروح من الاحترام المتبادل والحوار البنّاء للحفاظ على العلاقات الثنائية بين تشاد وفرنسا في المجالات الاستراتيجية الأخرى ذات الاهتمام المشترك».

لجنة مشتركة

جنديان تشاديان خلال مناورات مع سلاح الجو الفرنسي (أرشيف الجيش الفرنسي)

ورغم أن البلدين لم يُعلنا أي تفاصيل حول الجدول الزمني لسحب القوات الفرنسية، فإن المصادر تؤكد تشكيل «لجنة مشتركة» تتولّى الإشراف على العملية، وقد عقدت هذه اللجنة اجتماعها الأول يوم الجمعة الماضي، دون إعطاء أي تفاصيل.

في هذه الأثناء، وصفت صحف فرنسية واسعة الانتشار من بينها «لوموند» ما يجري بأنه «صفعة موجعة» تتلقّاها فرنسا في بلد ظلّ لعقود يمثل حليفاً استراتيجياً في أفريقيا، واليوم يُعدّ آخر مركز نفوذ لفرنسا في منطقة الساحل الأفريقي، حيث سبق أن انسحبت القوات الفرنسية من مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

ويصر الفرنسيون على أن ما يحدث في تشاد مختلف عما جرى في دول الساحل الأخرى؛ حيث وقعت قطيعة تامة مع باريس.

ويقول مصدر وصفه الإعلام الفرنسي بأنه قريب من الملف: «إن التشاديين لم يطلبوا سحب القوات بشكل فوري، وبهذه السرعة»، وأضاف: «نحن من أراد التحكم في الانسحاب» تفادياً لأي مفاجآت.