هكذا تحوَّلت سواحل ليبيا سوقاً لمافيا تهريب البشر

مركز إيواء المهاجرين بطرابلس يستقبل 28 أفريقياً بعد إعادتهم من البحر (جهاز مكافحة الهجرة غير المشروعة)
مركز إيواء المهاجرين بطرابلس يستقبل 28 أفريقياً بعد إعادتهم من البحر (جهاز مكافحة الهجرة غير المشروعة)
TT

هكذا تحوَّلت سواحل ليبيا سوقاً لمافيا تهريب البشر

مركز إيواء المهاجرين بطرابلس يستقبل 28 أفريقياً بعد إعادتهم من البحر (جهاز مكافحة الهجرة غير المشروعة)
مركز إيواء المهاجرين بطرابلس يستقبل 28 أفريقياً بعد إعادتهم من البحر (جهاز مكافحة الهجرة غير المشروعة)

عبر كثير من سكان مدينة زوارة الليبية عن مخاوفهم من تحول بلدتهم الساحلية، الواقعة بغرب البلاد، إلى «سوق كبيرة» لتجار البشر، والراغبين في الهروب إلى أوروبا، مشيرين إلى أنهم باتوا يلاحظون «تدفق مواطنين من جنسيات أفريقية وعربية على مدينتهم بحثاً عن مافيا الهجرة غير المشروعة».
وقال مصدر أمني بجهاز الهجرة غير المشروعة بغرب ليبيا لـ«الشرق الأوسط» إن «انشغال البلاد بالحرب خلال السنوات الماضية تسبب في تحول غالبية مدن الساحل الغربي إلى نقاط هروب لمئات المهاجرين إلى أوروبا، وبتنا ننتشل جثث الضحايا من وقت لآخر، بعدما تلفظها أمواج المتوسط».
وأضاف المصدر الذي ينتمي إلى الزاوية (غرب)، إحدى المدن التي تعاني من سيطرة عصابات الاتجار بالبشر، أن «بعض الميلشيات امتهنت عمليات التهريب، سواء في النفط المدعوم من الدولة أو المهاجرين عبر المتوسط إلى أقرب شاطئ أوروبي»، لافتاً إلى أن السيطرة على هذه الفوضى «سيستغرق بعض الوقت».
وبدا لافتاً أن الرغبة في الفرار إلى أوروبا لم تعد مقصورة على المهاجرين فقط، فقد دخل الليبيون على «خط المغامرة»، هرباً من «الأوضاع الاقتصادية البائسة» في البلاد، من خلال عمليات متكررة، وفي أزمنة متقاربة. ففي زوارة وبعض مدن الساحل الغربي، أصبحت تُعقد «صفقات مُحرمة» بين سماسرة الهجرة والمهاجرين غير الشرعيين والعمالة الوافدة للهروب إلى أوروبا، مقابل مبالغ تصل إلى 40 ألف دينار ليبي، وفقاً للمصدر الأمني الذي قال: «أفشلنا عدة صفقات قبل ذلك، وأنقذنا عشرات المهاجرين من العصابات الإجرامية، بعدما دفعوا قرابة 30 ألف دينار للفرد (الدولار يقابل 5.86 في السوق الموازية)».
وكان «جهاز مكافحة الهجرة غير المشروعة» - فرع طرابلس‏ (طريق السكة‏) قد تسلم، منتصف الشهر الماضي، قرابة 300 مهاجر من جنسيات عربية وأفريقية، بعد إنقاذهم من الغرق خلال رحلتهم إلى أوروبا بطريقة غير قانونية من سواحل مدن زوارة والزاوية وصبراتة. وطالب سكان مدنية زوارة أجهزة الأمن بالتصدي لعصابات الاتجار بالمهاجرين وابتزازهم مالياً بهدف تهريبهم إلى أوروبا. ونقل عن أحد الصيادين لفضائية محلية قوله: «هناك عمليات تهريب واسعة للمهاجرين، خصوصاً في بداية ونهاية الشهر العربي، حيث يكون ضوء القمر غائباً، وكثيراً ما نتمكن من إنقاذ بعض المهاجرين، بعدما يكون بعضهم الآخر قد غرق».
وخلال الأيام الماضية، انشغلت الأوساط الليبية بهروب عائلات ليبية عبر البحر قصد الوصول إلى أوروبا، بعد تداول صورهم وهم يغادرون الساحل الليبي. كما انتشرت استغاثات كثيرة على مواقع التواصل الاجتماعي تطالب بسرعة إنقاذ ليبيين كانوا عالقين في البحر على مقربة من جزيرة لامبادوزا (جنوب إيطاليا) التي تعد محطة عبور للمهاجرين القادمين من تونس وليبيا.
ونقلت وسائل إعلام محلية أن سفينة أوروبية تمكنت من إنقاذ 5 عائلات ليبية قرب جزيرة لامبادوزا، بينهم 4 نساء و10 أطفال. وباتت الأوضاع المعيشية المتردية في ليبيا تدفع عشرات المواطنين للهروب إلى أوروبا، وسط تندر الليبيين بأنهم كانوا يذهبون إلى أوروبا في السنوات الماضية للسياحة فقط.
وفي سياق ذلك، أكد تقرير أممي إعادة أكثر من 8 آلاف مهاجر غير شرعي بعد مغادرتهم السواحل الليبية، بين الأول من مارس (آذار) الماضي و31 يوليو (تموز) الماضي، 13 في المائة منهم أطفال، لافتاً إلى أن طرابلس والزاوية تعد الأكثر نشاطاً للمغادرين خلال 5 أشهر، في وقت ما تزال فيه مياه «المتوسط» تلفظ على شواطئ ليبيا مزيداً من جثث المهاجرين غير النظاميين الحالمين بـ«الفردوس الأوروبي المزعوم».
ويرجع كثير من المهتمين بملف المهاجرين في ليبيا أسباب محاولة هؤلاء المهاجرين معانقة الشواطئ الأوروبية إلى تعرض المئات منهم إلى التعذيب والانتهاكات، وهو ما أكده أحمد عبد الحكيم، رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، الذي كشف عن جانب من هذه المأساة بقوله إن مركز الاحتجاز في صبراتة «يضم 352 مهاجراً، بينهم نساء وأطفال.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.