قبل كورونا... كيف انتهت الأوبئة السابقة التي انتشرت حول العالم؟

ممرضة ترتدي ملابس واقية خارج عيادة لعلاج متلازمة الجهاز التنفسي الحادة الوخيمة-سارس في تورنتو (أرشيف-رويترز)
ممرضة ترتدي ملابس واقية خارج عيادة لعلاج متلازمة الجهاز التنفسي الحادة الوخيمة-سارس في تورنتو (أرشيف-رويترز)
TT

قبل كورونا... كيف انتهت الأوبئة السابقة التي انتشرت حول العالم؟

ممرضة ترتدي ملابس واقية خارج عيادة لعلاج متلازمة الجهاز التنفسي الحادة الوخيمة-سارس في تورنتو (أرشيف-رويترز)
ممرضة ترتدي ملابس واقية خارج عيادة لعلاج متلازمة الجهاز التنفسي الحادة الوخيمة-سارس في تورنتو (أرشيف-رويترز)

يقع عالمنا اليوم في قبضة جائحة لا مثيل لها في الذاكرة الحية. وبينما يعلق الناس آمالهم على لقاح للقضاء عليها، فإن الحقيقة هي أن معظم الأوبئة التي واجهها أسلافنا لا تزال معنا. وأن اكتشاف طريقة انتهاء بعض تلك الأوبئة يعطينا أدلة حول كيفية تطور مستقبلنا القريب، وفقاً لتقرير لهيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي»:
* الطاعون الدبلي
شهد العالم ثلاث فاشيات رئيسية من هذا الطاعون المدمر، تم تسجيل أقدمها في عام 541م. وبالعودة إلى العصور المظلمة، قبل حوالي 60 جيلا، عاش الناس سلسلة من تفشي الطاعون الدبلي.
وكان المرض، الذي تسببه البكتيريا التي تنتقل عن طريق البراغيث على الفئران وعن طريق الرذاذ التنفسي من الأشخاص المصابين، مدمراً لعالمنا.
وقتل الطاعون مئات الملايين من الناس على مدى 2000 عام. وتسبب بما يعرف بالموت الأسود بين عامي 1346 و1353، وهو المرض الأكثر انتشارًا وفتكا على الإطلاق.
ومن المعتقد أن المرض، الذي يسبب تورم الغدد الليمفاوية المصابة، والذي يسمى بوبوس، قد تمت أخيرًا السيطرة عليه من خلال الحجر الصحي الصارم وتحسين أنظمة الصرف الصحي، من بين أمور أخرى.
ويقول ستيفن رايلي، أستاذ ديناميكيات الأمراض المعدية في إمبريال كوليدج لندن، إن أياً من هذا لم يكن ليحدث دون فهم كيفية حدوث انتقال العدوى. هذا شيء لا يزال ساريًا اليوم. ويضيف: «بمجرد حصولك على المعرفة، ستتمكن من اتخاذ تدابير لدفع الانتشار إلى مستوى أقل بكثير».
ومع ذلك، لا تزال حالات الطاعون تحدث - على سبيل المثال، في منغوليا الداخلية في يوليو (تموز) من هذا العام - ومن الناحية النظرية، لا يزال بإمكان الناس التقاطه.
ومع ذلك، فإن الأعداد منخفضة، ويمكن الآن علاج المرض بنجاح بالمضادات الحيوية.
*الجدري - الفيروس الذي قضى عليه العلم
شهد العالم فاشيات كبيرة مختلفة، كان أقدمها في عام 1520. بعد مئات السنين، واجه أسلافنا شبح الجدري.
هذا المرض، الذي يسببه فيروس «فاروليا» طفيف، هو واحد من أكثر الأمراض فتكًا المعروفة للإنسان. ويسبب ظهور بثور مملوءة بالسوائل في جميع أنحاء الجسم. وفي أوج انتشاره، مات حوالي ثلاثة من كل 10 أشخاص مصابين بالمرض.
ويمكن أن ينتشر عن طريق قطرات من أنف أو فم الشخص المصاب أو عن طريق تقرحاته.
ومثل الطاعون، قتل الجدري مئات الملايين من الناس - 300 مليون في القرن العشرين وحده.
ولكن بفضل لقاح طوره الطبيب البريطاني إدوارد جينر عام 1796 وجهود المجتمع العلمي، تم القضاء على المرض تمامًا - رغم أن الأمر استغرق ما يقرب من قرنين من الزمان.
ويبقى الجدري المرض البشري الوحيد الذي تم القضاء عليه بهذه الطريقة. ويعتبر البروفسور رايلي هذا العمل أحد أعظم إنجازات البشرية - منافساً الهبوط على سطح القمر.
ويقول: «يمكن أن ينظر إليه على أنه أكبر عائد على الاستثمار العام على الإطلاق»، في إشارة إلى المدخرات السنوية التي تمتع بها العالم بفضل غياب المرض.
* الكوليرا - المرض المتوطن في البلدان المنخفضة الدخل
يرى البشر تفشي مختلف من هذا المرض حتى يومنا هذا، وحدثت الجائحة الكبيرة عام 1817.
وتقول منظمة الصحة العالمية إن المرض، الناجم عن طعام أو مياه شرب ملوثة، أودى بحياة الملايين من الناس في سبع مرات تفشى فيها بشكل كبير.
ولكن في حين أن تحسين النظافة وتطوير أنظمة الصرف الصحي في الغرب قد أزالا خطر المرض، فإنه لا يزال مستوطنًا - أو شائعًا - في العديد من البلدان منخفضة الدخل ويقتل ما بين 100 ألف و140 ألف شخص كل عام، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية.
ولا يزال من الممكن أن نتعرض لخطر الإصابة به والموت، رغم توافر لقاح وعلاج المرض السهل.
* الإنفلونزا - التهديد الموسمي
عاش العالم عددًا من أوبئة الإنفلونزا، وكان أكبر حضور للمرض في أوائل القرن العشرين.
وكانت جائحة إنفلونزا عام 1918، الذي يشار إليها أحيانًا بالإنفلونزا الإسبانية، أخطر تفشٍ في التاريخ الحديث، فقد قتلت 50 مليونا إلى 100 مليون شخص في جميع أنحاء العالم.
كما هو الحال مع فيروس كورونا المستجد اليوم، أدى العزل والحجر الصحي إلى إبطاء انتقال العدوى.
وبعد موجتين بين عامي 1918 و1920، تلاشت سلالة إنفلونزا «إتش 1 إن 1» الخاصة لتصبح نسخة أكثر اعتدالًا ولا تزال تنتشر كل عام. لكن أعقبت ذلك أوبئة أخرى ترتبط بالإنفلونزا.
وتسببت إنفلونزا هونغ كونغ عام 1968 في مقتل مليون شخص ولا تزال تنتشر على أنها إنفلونزا موسمية. وكذلك الحال بالنسبة لإنفلونزا الخنازير - وهي نسخة من فيروس «إتش 1 إن 1» والتي أصابت حوالي 21 في المائة من سكان العالم عام 2009.
ولا تزال الإنفلونزا تشكل «تهديدًا وبائيًا»، كما يقول البروفسور رايلي، ولا نزال معرضين لخطر مواجهة جائحة أخرى قد تشببها مثل هذه الفيروسات.
ونحن أيضًا معرضون لخطر الإصابة بالإنفلونزا الموسمية، التي لا تزال تقتل مئات الآلاف كل عام.
*فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز - الوباء المستمر
بدأ الفيروس الانتشار عام 1981 ولا يزال يظهر لدى الكثيرين حتى اليوم.
وقبل حوالي أربعة عقود، عاش الناس انتشاراً لفيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز - الذي اعتبره البعض وباءً عالميًا، لكن منظمة الصحة العالمية وصفته بأنه «مرض عالمي».
ولقد أودى فيروس نقص المناعة البشرية - الذي ينتقل عن طريق سوائل الجسم - بحياة أكثر من 32 مليون شخص في جميع أنحاء العالم حتى الآن.
يقول البروفسور رايلي إن فيروس نقص المناعة البشرية يمكن اعتباره «أسوأ سيناريو لفيروس»، بسبب طول الوقت الذي يستغرقه ظهور الأعراض ومعدل الوفيات المرتفع. ينتشر بسرعة لأن الناس لا يعرفون بالضرورة أنهم مصابون به.
ومع ذلك، فإن التطورات في تقنيات التشخيص وحملات الصحة العامة العالمية - التي غيرت السلوك الجنسي وزادت من توافر الحقن الآمنة لمستخدمي الأدوية - ساعدت في إبطاء نمو العدوى.
رغم ذلك، توفي ما يقدر بنحو 690 ألف شخص بسبب الإيدز \عام 2019، وفقًا لأرقام منظمة الصحة العالمية.
ورغم عدم وجود علاج لفيروس نقص المناعة البشرية، إذا كنت تعيش في بلد يتمتع برعاية صحية جيدة وإمكانية الحصول على الأدوية المضادة للفيروسات القهقرية، يمكنك الآن أن تعيش حياة طويلة وصحية.
ومع ذلك، إذا كانت تعيش في بلد منخفض الدخل ولم يكن لديه مثل هذا الدعم، فقد تظل عرضة للخطر.
* سارس وميرس - الأسهل احتواء
ظهر هذان المرضان في 2002 و2003 و2012 حتى الآن.
وقتلت المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (سارس) - أول وباء مميت يسببه فيروس كورونا - أكثر من 800 بين عامي 2002 و2003، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية.
لكن بحلول أواخر يوليو (تموز) عام 2003، لم يتم الإبلاغ عن أي حالات جديدة، وأعلنت منظمة الصحة العالمية انتهاء الفاشية العالمية.
وبعد ذلك بقليل ظهرت متلازمة الشرق الأوسط التنفسية (ميرس)، وهي أيضًا تابعة لعائلة فيروس كورونا، والتي أودت بحياة 912 شخصًا. وحدثت معظم الحالات في شبه الجزيرة العربية.
وفي حين أن خطر الإصابة بالفيروس في المملكة المتحدة، على سبيل المثال، يعتبر منخفضًا للغاية، إلا أنه لا يزال أعلى في الشرق الأوسط.
*كوفيد - 19
والآن، نواجه شبح فيروس كورونا الجديد سارس، الذي يتسبب في مرض الجهاز التنفسي «كوفيد - 19».
ويعتبر «كوفيد - 19»، كما هو معروف، نسخة متطورة من فيروس سارس 2003 ويعتبره المتخصصون في الأمراض فريدًا من نوعه، وذلك بفضل مجموعة الأعراض - من لا شيء إلى القاتلة - ومستويات عالية من انتقاله من الأشخاص الذين ليس لديهم أعراض أو قبل تطويرها.
ويقول البروفسور رايلي: «بسبب ذلك، لم يتمكن الكثير من السكان من السيطرة عليه».
ولقد لعبت زيادة المعرفة حول انتقال العدوى وحملات الصحة العامة والعلاجات الجديدة واللقاحات دورها في إنهاء الأزمات السابقة.
ومن المحتمل أيضًا أن تأتي نهاية الوباء الحالي من مجموعة من التدابير المماثلة.


مقالات ذات صلة

طريقة كلامك قد تتنبأ باحتمالية إصابتك بألزهايمر

صحتك امرأة تعاني مرض ألزهايمر (رويترز)

طريقة كلامك قد تتنبأ باحتمالية إصابتك بألزهايمر

أكدت دراسة جديدة أن طريقة الكلام قد تتنبأ باحتمالية الإصابة بمرض ألزهايمر.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك التحفيز العميق لمناطق معينة من الدماغ باستخدام الأقطاب الكهربائية قد يساعد مرضى الشلل على المشي (رويترز)

أقطاب كهربائية بالدماغ تمكّن مصابين بالشلل من المشي مسافات قصيرة

خلصت دراسة وشهادة، نُشرتا أمس (الاثنين)، إلى أن التحفيز العميق لمناطق معينة من الدماغ باستخدام الأقطاب الكهربائية يمكن أن يساعد بعض المصابين بالشلل على المشي.

«الشرق الأوسط» (برن)
صحتك يرصد البحث أن ارتفاع مستويات الدهون الحشوية يرتبط بانكماش مركز الذاكرة في الدماغ (رويترز)

دهون البطن مرتبطة بألزهايمر قبل 20 عاماً من ظهور أعراضه

أفاد بحث جديد بأن نمو حجم البطن يؤدي إلى انكماش مركز الذاكرة في الدماغ.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك الخضراوات الورقية تعدّ من الأطعمة الغنية بالمغنيسيوم (رويترز)

مفتاح النوم ومحارب القلق... إليكم أفضل 10 أطعمة لتعزيز مستويات المغنيسيوم

إنه مفتاح النوم الأفضل والعظام الأكثر صحة والتغلب على القلق، ولكن انخفاض مستويات المغنيسيوم أمر شائع. إليك كيفية تعزيز تناولك للمغنيسيوم.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​ استدعت شركة «صن فيد بروديوس» الخيار المعبأ في حاويات من الورق المقوى بكميات كبيرة (إدارة الغذاء والدواء الأميركية)

سحب شحنات من الخيار بعد تفشي السالمونيلا في ولايات أميركية

تحقق السلطات الأميركية في تفشي عدوى السالمونيلا التيفيموريوم المرتبطة بتناول الخيار في ولايات عدة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

تانيا صالح تُغنّي للأطفال وترسم لُبنانَهم الأحلى

باكتمال الألبوم واستعداد الفنانة لنشره بين الأطفال تشعر بالاستراحة (صور تانيا صالح)
باكتمال الألبوم واستعداد الفنانة لنشره بين الأطفال تشعر بالاستراحة (صور تانيا صالح)
TT

تانيا صالح تُغنّي للأطفال وترسم لُبنانَهم الأحلى

باكتمال الألبوم واستعداد الفنانة لنشره بين الأطفال تشعر بالاستراحة (صور تانيا صالح)
باكتمال الألبوم واستعداد الفنانة لنشره بين الأطفال تشعر بالاستراحة (صور تانيا صالح)

أمَّنت الإقامة في باريس للفنانة اللبنانية تانيا صالح «راحة بال» تُحرِّض على العطاء. تُصرُّ على المزدوجَين «...» لدى وصف الحالة، فـ«اللبناني» و«راحة البال» بمعناها الكلّي، نقيضان. تحطّ على أراضي بلادها لتُطلق ألبومها الجديد الموجَّه إلى الأطفال. موعد التوقيع الأول؛ الجمعة 6 ديسمبر (كانون الأول) الحالي. والأحد (8 منه) تخصّصه لاستضافة أولاد للغناء والرسم. تريد من الفنّ أن يُهدّئ أنين أطفال الصدمة ويرأف بالبراءة المشلَّعة.

تريد من الفنّ أن يُهدّئ أنين أطفال الصدمة ويرأف بالبراءة المشلَّعة (صور تانيا صالح)

وطَّد كونها أُماً علاقتها بأوجاع الطفولة تحت النار؛ من فلسطين إلى لبنان. تُخبر «الشرق الأوسط» أنها اعتادت اختراع الأغنيات من أجل أن ينام أطفالها وهم يستدعون إلى مخيّلاتهم حلاوة الحلم. لطالما تمنّت الغناء للصغار، تشبُّعاً بأمومتها وإحساسها بالرغبة في مَنْح صوتها لمَن تُركوا في البرد واشتهوا دفء الأحضان. تقول: «أصبح الأمر مُلحّاً منذ تعرُّض أطفال غزة لاستباحة العصر. لمحتُ في عيون أهاليهم عدم القدرة على فعل شيء. منذ توحُّش الحرب هناك، وتمدُّد وحشيتها إلى لبنان، شعرتُ بأنّ المسألة طارئة. عليَّ أداء دوري. لن تنفع ذرائع من نوع (غداً سأبدأ)».

غلاف الألبوم المؤلَّف من 11 أغنية (صور تانيا صالح)

وفَّر الحبُّ القديم لأغنية الطفل، عليها، الكتابةَ من الصفر. ما في الألبوم، المؤلَّف من 11 أغنية، كُتب من قبل، أو على الأقل حَضَرت فكرته. تُكمل: «لملمتُ المجموع، فشكَّل ألبوماً. وكنتُ قد أنقذتُ بعض أموالي خشية أنْ تتطاير في المهبّ، كما هي الأقدار اللبنانية، فأمّنتُ الإنتاج. عملتُ على رسومه ودخلتُ الاستوديو مع الموسيقيين. بدل الـ(CD)؛ وقد لا يصل إلى أطفال في خيامهم وآخرين في الشوارع، فضَّلتُ دفتر التلوين وفي خلفيته رمز استجابة سريعة يخوّلهم مسحه الاستماع المجاني إلى الأغنيات ومشاهدتها مرسومة، فتنتشل خيالاتهم من الأيام الصعبة».

تُخطّط تانيا صالح لجولة في بعلبك وجنوب لبنان؛ «إنْ لم تحدُث مفاجآت تُبدِّل الخطط». وتشمل الجولة مناطق حيث الأغنية قد لا يطولها الأولاد، والرسوم ليست أولوية أمام جوع المعدة. تقول: «أتطلّع إلى الأطفال فأرى تلك السنّ التي تستحقّ الأفضل. لا تهمّ الجنسية ولا الانتماءات الأخرى. أريد لموسيقاي ورسومي الوصول إلى اللبناني وغيره. على هذا المستوى من العطف، لا فارق بين أصناف الألم. ليس للأطفال ذنب. ضآلة مدّهم بالعِلم والموسيقى والرسوم، تُوجِّه مساراتهم نحو احتمالات مُظلمة. الطفل اللبناني، كما السوري والفلسطيني، جدير بالحياة».

تعود إلى لبنان لتُطلق ألبومها الجديد الموجَّه للأطفال (صور تانيا صالح)

باكتمال الألبوم واستعداد الفنانة لنشره بين الأطفال، تشعر أنها تستريح: «الآن أدّيتُ دوري». الفعل الفنّي هنا، تُحرّكه مشهديات الذاكرة. تتساءل: «كم حرباً أمضينا وكم منزلاً استعرنا لننجو؟». ترى أولاداً يعيشون ما عاشت، فيتضاعف إحساس الأسى. تذكُر أنها كانت في نحو سنتها العشرين حين توقّفت معارك الحرب الأهلية، بعد أُلفة مريرة مع أصوات الرصاص والقذائف منذ سنّ السادسة. أصابها هدوء «اليوم التالي» بوجع: «آلمني أنني لستُ أتخبَّط بالأصوات الرهيبة! لقد اعتدْتُها. أصبحتُ كمَن يُدمن مخدِّراً. تطلَّب الأمر وقتاً لاستعادة إيقاعي الطبيعي. اليوم أتساءل: ماذا عن هؤلاء الأطفال؛ في غزة وفي لبنان، القابعين تحت النار... مَن يرمِّم ما تهشَّم؟».

تريد الموسيقى والرسوم الوصول إلى الجميع (صور تانيا صالح)

سهَّلت إقامُتها الباريسية ولادةَ الألبوم المُحتفَى به في «دار المنى» بمنطقة البترون الساحلية، الجمعة والأحد، بالتعاون مع شباب «مسرح تحفة»، وهم خلف نشاطات تُبهج المكان وزواره. تقول إنّ المسافة الفاصلة عن الوطن تُعمِّق حبَّه والشعور بالمسؤولية حياله. فمَن يحترق قد يغضب ويعتب. لذا؛ تحلَّت بشيء من «راحة البال» المحرِّضة على الإبداع، فصقلت ما كتبت، ورسمت، وسجَّلت الموسيقى؛ وإنْ أمضت الليالي تُشاهد الأخبار العاجلة وهي تفِد من أرضها النازفة.

في الألبوم المُسمَّى «لعب ولاد زغار»، تغنّي لزوال «الوحش الكبير»، مُختَزِل الحروب ومآسيها. إنها حكاية طفل يشاء التخلُّص من الحرب ليكون له وطن أحلى. تقول: «أريد للأطفال أن يعلموا ماذا تعني الحروب، عوض التعتيم عليها. في طفولتي، لم يُجب أحد عن أسئلتي. لم يُخبروني شيئاً. قالوا لي أنْ أُبقي ما أراه سراً، فلا أخبره للمسلِّح إنْ طرق بابنا. هنا أفعل العكس. أُخبر الأولاد بأنّ الحروب تتطلّب شجاعة لإنهائها من دون خضوع. وأُخبرهم أنّ الأرض تستحق التمسُّك بها».

وتُعلِّم الصغار الأبجدية العربية على ألحان مألوفة، فيسهُل تقبُّل لغتهم والتغنّي بها. وفي الألبوم، حكاية عن الزراعة وأخرى عن النوم، وثالثة عن اختراع طفل فكرة الإضاءة من عمق خيمته المُظلمة. تقول إنّ الأخيرة «حقيقية؛ وقد شاهدتُ عبر (تيك توك) طفلاً من غزة يُفكّر في كيفية دحض العتمة لاستدعاء النور، فألهمني الكتابة. هذه بطولة».

من القصص، تبرُز «الشختورة» (المركب)، فتروي تانيا صالح تاريخ لبنان بسلاسة الكلمة والصورة. تشاء من هذه الحديقة أن يدوم العطر: «الألبوم ليس لتحقيق ثروة، وربما ليس لاكتساح أرقام المشاهدة. إنه شعوري بتأدية الدور. أغنياته حُرّة من زمانها. لم أعدّها لليوم فقط. أريدها على نسق (هالصيصان شو حلوين)؛ لكلّ الأيام».