النفط يعيد رسم «خارطة التوازنات» في ليبيا

آلة الحرب تتعطل انتظاراً لتوافق فرقاء السياسة

سليمان البيوضي.... الدكتور عبد المنعم اليسر
سليمان البيوضي.... الدكتور عبد المنعم اليسر
TT

النفط يعيد رسم «خارطة التوازنات» في ليبيا

سليمان البيوضي.... الدكتور عبد المنعم اليسر
سليمان البيوضي.... الدكتور عبد المنعم اليسر

انفتح المشهد الليبي على زوايا جديدة للرؤية، لا تخلو من مناكفات سياسية وتصلب في المواقف، عقب اتفاق لإعادة إنتاج النفط. وبدت الصورة من خلال هذه الزوايا أكثر وضوحاً باتجاه تحرك قطار السياسة الوئيد، في ظل نشوء توازنات جديدة على الأرض قد تسرع من وتيرة الوصول إلى «محطة توافق» يأمل معها الليبيون إجراء انتخابات نيابية ورئاسية تطوي صفحة الماضي وتنهي نزف الدماء.
جانب من هذه التفاهمات بين الأفرقاء السياسيين جاء نتيجة لقاءات عدة احتضنتها عواصم عربية وأجنبية، من بينها موسكو التي انفتحت على سلطات العاصمة طرابلس أخيراً، ما ساعدها في لعب دور لافت، جاء على حساب الولايات المتحدة، والسعي لإحداث توازن في العلاقات بين ساسة شرق وغرب ليبيا.
بشكل مفاجئ، أعلن في ليبيا عن إعادة إنتاج وتصدير النفط، نتيجة اتفاق وصف بأنه مثير للجدل، بين المشير خليفة حفتر، القائد العام لـ«الجيش الوطني الليبي»، وأحمد معيتيق النائب الأول لرئيس «المجلس الرئاسي» فائز السراج. وأحدث الاتفاق ردات فعل من الفرح والارتباك والرفض معاً؛ بعدما توعدت الأذرع العسكرية للسراج بإسقاطه.
غير أن الأمر، وفقاً لمسؤولين بقطاع النفط في غرب البلاد، ليس ككل مرة تغلق فيها الموانئ ويعاد تشغيلها مجدداً. إذ إنهم يعولون راهناً على الإصرار الدولي المغاير لما سبق، خصوصاً بعدما تعهدت جهات وشخصيات، بينها الممثل الأعلى للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل «بحشد كل الجهود لاستئناف إنتاج وتصدير النفط في ليبيا بشكل كامل».
ثم إنه رغم التحديات الكبيرة التي تعترض الاتفاق، الذي يرى مراقبون أنه سيأتي على المسار الذي ترعاه البعثة الأممية ويدمره، فإن هناك من يتوقع أنه سيتحول مع الوقت إلى واقع ينصاع إليه الجميع ويقبلون بشروطه. وهذا، لكونه السبيل الوحيد الذي يمكن الليبيين من طي صفحة الحرب، وتحقيق توافقات تنهي فترة انتقالية طالت 9 سنوات وأكثر.
الدكتور عبد المنعم اليسر، رئيس لجنة الأمن القومي في «المؤتمر الوطني العام» السابق رأى، في حديث مع «الشرق الأوسط»، أن الاتفاق «تحول مهم في القضية الليبية؛ لكنه، في ظل الموقف الأميركي الراهن والتخبط الدولي وضعف الاتحاد الأوروبي أمام أنقرة، قد لا يؤدي إلى اتفاقات دائمة تنهي الحرب، مع وجود القوات التركية و(المرتزقة) في ليبيا وسيطرة الميليشيات»، وأردف: «الحل لن يتحقق إلا بخطة متكاملة».

اجتماع سوتشي
ما يذكر أنه منذ إغلاق موالين لـ«الجيش الوطني» موانئ وحقول النفط، عشية انعقاد مؤتمر برلين الدولي حول النزاع الليبي، في 18 يناير (كانون الثاني) الماضي، بذلت جهود دولية عديدة لإعادة تشغيله، في مقدمتها محاولات أميركية مارسها سفيرها لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند. لكن كل الجهود تعثرت، باستثناء مفاوضات كانت تجريها روسيا منذ أشهر بين الطرفين المتنازعين، انتهت بالتوافق بين معيتيق، نائب السراج، ووفد من «الجيش الوطني»، على رأسه خالد نجل خليفة حفتر القائد العام. وفي اجتماع احتضنه منتجع سوتشي الروسي، أخيراً تحقق التوافق على إعادة إنتاج وتصدير النفط، وفق «شروط» عدة. وفور الإعلان عن الاتفاق، رحبت وزارة الخارجية الروسية به عبر موقعها الإلكتروني، واعتبرته «الخطوة الأولى نحو بناء الثقة بين الفصائل المتحاربة في ليبيا»، وبينما التزمت واشنطن الصمت حتى الآن، أيدته دول، منها فرنسا.
نص الاتفاق على تشكيل لجنة فنية مشتركة من الأطراف تشرف على إيرادات النفط وضمان التوزيع العادل للموارد. وتتولى التحكم في تنفيذ بنود الاتفاق خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، على أن يقيم عملها نهاية العام الحالي، وتحدد خطة عمل للعام المقبل.
في المقابل، لم يتطرق الاتفاق إلى مدينة سرت، التي من المفترض أن تكون «منزوعة السلاح» وحاضنة للسلطات التنفيذية الجديدة، وفق مقترح دعمته وتحمست له واشنطن، ورفضه «الجيش الوطني».

«الإخوان» و«المركزي»
من ناحية أخرى، ينظر لاتفاق النفط على أنه جولة من جولات الصراع بين أميركا وروسيا في ليبيا، باتجاه رسم «خارطة توازنات جديدة». وهي خارطة لا تعتد بـ«الوجوه المتكلسة»، وستدعو أخرى نشطة وفاعلة وقادرة على تجميع الشارع. ووفق مصدر عسكري تابع لـ«الجيش الوطني» تحدث لـ«الشرق الأوسط» فإنه من هذا المنطلق استدعي معيتيق، ابن مدينة مصراتة المناوئ لتنظيم «الإخوان» والتيارات الإسلامية الراديكالية هناك، ليلعب هذا الدور، تأسيساً على علاقته بموسكو التي قام بعدة زيارات لها أثمرت هذا الاتفاق.
وأضاف المصدر العسكري أن القيادة العامة «ستتعامل من الآن فصاعداً مع العقول المتفتحة بغرب البلاد بعيداً عن الوجوه المتكلسة، ولن تهتم بمن يريدون تعطيل الحياة في ليبيا، سعياً لإحداث توازن على الأرض... فليس كل ليبي سارق مال عام، أو جالب مرتزقة».
وبالنظر إلى رد فعل السراج، ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، نجد أنهما أخذا في التعاطي مع المتغير الجديد، حتى وإن كان بحذر؛ فالأخير المحسوب على تنظيم «الإخوان»، الذي كان قد سارع إلى وصف الاتفاق بأنه «مخالف للمبادئ الحاكمة بالاتفاق السياسي والقوانين المعمول بها»، بدأ يستعد للمرحلة المقبلة بالحديث عن توزيع المناصب في قادم الأيام. إلا أن حديثه عن تفاصيل جديدة تتعلق بكيفية اختيار محافظ المصرف المركزي أثار ردود فعل غاضبة لدى جميع الأطراف، تسببت في تأجيل التحاقه باجتماعات بوزنيقة بالمغرب، التي تضم بجانب وفد مجلسه ممثلين عن البرلمان، والذي كان من المقرر أن يلتحق بها أيضاً عقيلة صالح.
وكشف المشري، عبر لقاء تلفزيوني، فيما وصف بزلة لسان، عن تفاهمات تتعلق بالمصرف المركزي، وقال إنه تم الاتفاق أن يختار مجلس النواب، وفق معايير محددة، المحافظ وثلاثة أعضاء من مجلس إدارة المصرف المركزي، بينما يسمي مجلسه نائب المحافظ وأربعة من أعضاء مجلس الإدارة. وهي الخطوة التي وصفها البعض «محاولة إخوانية لمزيد من السيطرة على المصرف» ومقره طرابلس.
الشيء ذاته فعله السراج، الذي صمت طويلاً من دون أن يعلق على اتفاق إعادة ضخ النفط، الذي ترفضه قواته، إذ دعا في كلمته أمام الدورة 75 للجمعية العامة للأمم المتحدة، للانتقال سريعاً إلى مرحلة إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية لأنها «ستنهي أزمة الشرعيات» التي تعانيها ليبيا.
وسبق للمسماري أن حث السراج على توضيح موقفه من الاتفاق، وقال إنه «على مفترق طرق»، وأمام أحد خيارين: إما الوقوف مع وزير داخليته فتحي باشاغا الداعم للميليشيات المسلحة، أو نائبه أحمد معيتيق. وهذا ما عده مراقبون خطوة لإعادة التوازن على الأرض، باتجاه التعاطي مع شخصيات تنتمي إلى مصراتة، التي ظلت توصف بكونها «القوة الضاربة» لقوات السراج.

تحالفات وتصدعات
هنا بدت الصورة أكثر وضوحاً باتجاه المتغير الجديد، وهو ما علق عليه الكاتب والسياسي الليبي سليمان البيوضي، بالقول إن الاتفاق المفاجئ «مثل نقطة تحول جوهرية في الحالة الليبية، ورسم خطوط التحالفات والتصدعات داخلياً ودولياً». وتابع «لقد أحدث محلياً هزة عنيفة في لعبة صراع المواقع، وهو ما دفع بعض الأطراف السياسية للوقوف في وجهه بقوة، مخافة حدوث اتفاقات قادمة قد تؤدي إلى استبعادهم من الساحة، أو إفقاد البعض منهم منصبه في الحكومة الجديدة المرتقبة».
وأضاف البيوضي (وهو أيضاً من مصراتة) لـ«الشرق الأوسط» أن الاتفاق «دليل تقارب حقيقي بين أطراف بغرب ليبيا، وتحديداً من مصراتة، مع (الجيش الوطني) بشرق البلاد، وهذا ما يمكن تفسيره بأنه يمثل استدارة في المواقف وتحولاً نحو خلق اصطفاف جديد وتحالف يرجح أنه سيكون متماسكاً في قادم الأيام، إذا ما تمكنت الأطراف المعنية بتقديم التنازلات، من أجل تجاوز هذه الأزمة الخانقة».
واستطرد البيوضي «المواقف الدولية بدت أكثر ارتباكاً حيال مفاجأة اتفاق النفط؛ فبعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا لم تعلق عليه، ربما لأنه دشن في عواصم أخرى، ولم تكن طرفاً فيه، أو لأنه قد أربك حساباتها في جنيف، وهو اللقاء الذي يعتقد كثيرون أنه عملية مرتبة لتمرير أشخاص بعينهم لقيادة حكومة الوحدة الوطنية». وأردف «يبدو أنه مثل لها إحراجاً مباشراً. إذ بينما تتحدث البعثة عن الفاعلين الرئيسيين في ليبيا وقدرتهم على خلق مسار سياسي تفاوضي، ظهرت الأطراف الفاعلة في مكان آخر وباتفاق كبير».
وللعلم، يقضي المقترح بوقف إطلاق النار وجميع العمليات القتالية في كل الأراضي الليبية، على أن تكون منطقتا سرت والجفرة منزوعتي السلاح، مع استئناف إنتاج النفط وتصديره، تحت إشراف المؤسسة الوطنية للنفط. يضاف إلى ذلك، إكمال الخطوة الإيجابية لبناء الثقة بمراجعة حسابات مصرف ليبيا المركزي في كل من طرابلس والبيضاء، والتأكيد على الالتزام بمخرجات «مؤتمر برلين» التي حددت مسارات ثلاثة لحل الأزمة الليبية (أمنية واقتصادية وسياسية) تفضي إلى انتخابات تشريعية ورئاسية متزامنة.

التفاعل الدولي
وبموازاة تحرك قطار السياسة الذي يسير بخطى وئيدة، جاءت المواقف الإقليمية الدولية، التي بدت ضامنة للاتفاق متفائلة. ذلك أن مصر استضافت في مدينة الغردقة وفدين لضباط من الجيش والشرطة يمثلان كلاً من «حكومة الوفاق» و«الجيش الوطني» ونوقش خلال المداولات عدد من القضايا الأمنية والعسكرية الملحة، منها تدابير بناء الثقة والترتيبات الأمنية، التي ستحدد في المرحلة المقبلة على ضوء اجتماعات اللجنة العسكرية المشتركة (5+5). كما أن أميركا أبدت تفاؤلا عبر عنه وزير خارجيتها مايك بومبيو، خلال مؤتمر صحافي عقده مع نظيره الإيطالي لويجي دي مايو، بمقر وزارة الخارجية الإيطالية قصر فارنيزينا في روما، وقال إن الأوضاع في ليبيا «شهدت تحسناً على الأرض في الأسبوع الماضي»، بسبب ما أسماه «عودة الأطراف الليبية للحديث مع بعضها». أما دي مايو فرأى أن «الجهود المشتركة مع الحلفاء خلال الأسابيع الأخيرة حول الأزمة الليبية أصبحت تؤتي ثمارها». بل ذهب أبعد من ذلك، ليقول أزمة ليبيا تعد «قضية أمن قومي بالنسبة لإيطاليا».
ولكن رغم كل هذا التوافق الدولي لم تفلح فرنسا، حتى هذه اللحظة، في إنجاز خطتها الرامية إلى عقد لقاء يجمع حفتر والسراج، لما يراه بعض المتابعين رفض رئيس المجلس الرئاسي الجلوس مع قائد «الجيش الوطني» على طاولة المفاوضات مجدداً.

جنيف أو غيرها
في هذه الأثناء، بعيداً عما يعده البعض انتصاراً لـ«جبهة حفتر» التي أنجزت اتفاق إعادة النفط، في مواجهة جهود صالح الذي يهدف إلى استكمال المسارات التفاوضية مع «المجلس الأعلى للدولة» بقيادة المشري، ينتظر الليبيون أن تثمر لقاءات جنيف، أو غيرها من المدن، نتائج حقيقية ملموسة. إذ تبدل صناديق الذخيرة بصناديق الاقتراع، استغلالاً للهدنة السارية الآن - التي تعطلت على أثرها آلة الحرب في سرت والجفرة.
وهنا يقول سليمان البيوضي، إنه حتى 15 أكتوبر (تشرين الأول)، الموعد المبدئي للقاء جنيف - الذي قد لا ينعقد في هذا الموعد - «سيضع الليبيون جميعاً أيديهم على قلوبهم؛ فربما يسعى البعض للدفع نحو الصدام، بيد أن حقيقة واحدة ستبقى؛ أن التحالفات المبدئية ستزداد رسوخاً».
وأمام جملة المشاكل والأزمات التي تعتصر الليبيين القلقين من ارتباط مصيرهم بالتوافقات والتوازنات الدولية، يرى عبد المنعم اليسر (المقيم في أميركا منذ عام 2014) أن الحل في ليبيا يتمثل في «خطة متكاملة» تشمل احترام سيادة البلاد واستقلالها، ومغادرة جميع القوات الأجنبية والمرتزقة الأراضي الليبية فوراً، ونزع سلاح وتفكيك وإعادة الإدماج لجميع الميليشيات المسلحة على أساس المعايير العسكرية الدولية، والإفراج عن جميع السجناء السياسيين وأسرى الحرب وكل الذين اختفوا قسراً، وضمان أن تشمل التحقيقات في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية كل الجرائم التي ارتكبت منذ 15 فبراير (شباط) عام 2011.
وانتهى اليسر إلى أن «المصالحة الوطنية أساس أي اتفاق سياسي، وعلى البعثة أن تضطلع ببرنامج مصالحة رئيسي مماثل أو مطور لتجارب جنوب أفريقيا أو رواندا أو غيرها من الحالات الناجحة لإنهاء النزاعات»، داعياً رؤساء الدول العربية إلى «اتخاذ موقف موحد وحازم لحل الأزمة الليبية».
أخيراً، سبق للبعثة الأممية الإعلان عن أنها بصدد إطلاق الترتيبات اللازمة لاستئناف مؤتمر الحوار السياسي الليبي الشامل، وسيكشف عن التفاصيل في الفترة المقبلة. كذلك دعت البعثة المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته لدعم هذه العملية والاحترام المطلق للحق السيادي للشعب الليبي في تقرير مستقبله.

النفط... «قوت» الليبيين وسر شقائهم
> منذ إسقاط نظام الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، لم ينج النفط الليبي، الذي يوصف بأنه «قوت الشعب»، من «المساومات». وظلت الموانئ والآبار لسنوات طويلة في مرمى الاستهداف؛ إما لمطالب فئوية، أو لمناكفات سياسية بين الأطراف المتنازعة، أو الرغبة في السيطرة عليها من الجماعات الإرهابية، مثل تنظيم «داعش»، لبعض الوقت.
وخلال السنوات التسع الماضية أصبح النفط كالكلأ المباح أمام «مافيا» التهريب، وسماسرة الوقود الذين أوصلوه في شاحناتهم الخاصة إلى حدود تونس، وأسواق أوروبا. إذ كانت البلاد تنتج قبل إغلاق الموانئ 1.2 مليون برميل يومياً، أي ما يزيد على 1 في المائة من الإنتاج العالمي، قبل أن تتدنى إنتاجيتها إلى أقل من 70 ألف برميل فقط يومياً وقت الحصار.
وسبق للصديق الصور، رئيس قسم التحقيقات في مكتب النائب العام، أن أمر، في الثامن من فبراير (شباط) عام 2019، بضبط 103 أشخاص متورطين بتهريب الوقود إلى الخارج. وقال الصور، حينذاك، إن أوامر التوقيف جاءت في إطار التحقيقات الجارية بوقائع الإضرار بالمال والمصلحة العامة بسبب تهريب الوقود والتصرف فيه بطرق غير مشروعة من قبل أصحاب بعض محطات الوقود التابعة لشركات التوزيع والمتورطين معهم، وبيعه بسعر غير قانوني واكتساب أموال بطرق غير مشروعة.
إغراءات النفط الليبي لم تتوقف عند الأشخاص، بل وصلت إلى الدول أيضاً. وهذا ما دفع أنقرة لاستغلال الأوضاع في طرابلس، وتوقيع اتفاقية ترسيم حدود بحرية مع المجلس الرئاسي، تعتزم بمقتضاها التنقيب قريباً عن الغاز في شرق البحر المتوسط، في خطوة أثارت كثيراً من الجدل. وكان مسؤول تركي رفيع قد قال في العاشر من سبتمبر (أيلول) إن بلاده تبحث مع السلطات الليبية بدء عمليات تنقيب عن النفط والغاز في ليبيا. ومعلوم أن أنقرة داعمة لـ«حكومة الوفاق الوطني»، ومقرها طرابلس. وعلى الأثر، طالب ساسة ليبيون بالتحرك السريع في وجه المساعي التركية، مشيرين إلى أن «حكومة الوفاق»، حسب رأيهم، «لا تمثل الشعب الليبي، ولا يحق لها التوقيع أو التفريط في ثروات البلاد».
وفي السابع من أغسطس (آب) الماضي، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على ثلاثة ليبيين: فيصل الوادي، ومصباح محمد وادي، ونور الدين مصباح، وشركة «الوفاق»، ومقرها في مالطة، وسفينة «المرايا»، بتهمة تكوين شبكة تهريب تساهم في الاضطراب داخل ليبيا.
هذا، وتوجه عائدات النفط، وفقاً للمصرف المركزي بطرابلس، للإنفاق على قطاعات كثيرة بالدولة، كما تسدد منها أجور الموظفين في الدولة. وتمثل، وفق بيانات ديوان المحاسبة، 93 إلى 95 في المائة من إجمالي الإيرادات، وتغطي 70 في المائة من إجمالي الإنفاق. ولكن في ظل الانقسام السياسي الحاد الذي عمقته الحروب والاشتباكات، تردت الأوضاع المعيشية للمواطنين بشكل كبير، ما دفع المئات منهم إلى التظاهر والاحتجاج.
ويرى مراقبون أن أزمة ليبيا الحقيقية تتركز على امتلاكها ثروة نفطية مهمة يريد أفرقاء الداخل السيطرة عليها والتحكم في عائداتها، في حين يسعى وسطاء الخارج إلى الاستحواذ عليها والاستفادة منها بشكل أو بآخر، منذ اكتشافها عام 1958.
ووفق التقديرات الجدية، تمتلك ليبيا احتياطات ضخمة من الغاز تبلغ 55 تريليون قدم مكعب، كما تقدر احتياطيات النفط المؤكد بنهاية 2018 بنحو 48.36 مليار برميل. وكان حقل الشرارة، بجنوب البلاد، ينتج نحو 334 ألف برميل يومياً، قبل إغلاق الموانئ. وتضم منطقة «الهلال النفطي» ما يقارب 70 في المائة من إنتاج ليبيا. وهي تمتد (من الشرق إلى الغرب)؛ من ميناء الزويتينة إلى ميناء البريقة ورأس لانوف ومنها إلى السدرة، وتقع جميعها تحت سيطرة «الجيش الوطني الليبي» بالقرب من مدينتي سرت والجفرة.
ورفع جزئياً حصار كان مفروضاً على منشآت النفط الليبية، مما سمح بإعادة فتح بعض الموانئ والحقول تدريجياً، لكن التعافي الكامل للإنتاج يواجه عقبات وضبابية. وكانت مؤسسة النفط ذكرت عقب اتفاق معيتيق وحفتر، أنها لن تستأنف العمل إلا في الموانئ والحقول التي تخلو من أي وجود عسكري.
وقال رئيس شركة الخليج العربي للنفط منتصف الأسبوع، إن حقل السرير النفطي الليبي قد استأنف الإنتاج، كما أشارت شركة الخليج العربي للنفط الليبية الأربعاء الماضي، إلى أنه بتحميل الناقلة «كيب غينيا» 21 ألف طن من (النفتا) ستكون مصفاة طبرق قادرة على العمل بطاقتها البالغة 20 ألف برميل يوميا.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».