الاتحاد الأوروبي والتأقلم مع بيئة أمنية متغيرة

الاتحاد الأوروبي والتأقلم مع بيئة أمنية متغيرة
TT

الاتحاد الأوروبي والتأقلم مع بيئة أمنية متغيرة

الاتحاد الأوروبي والتأقلم مع بيئة أمنية متغيرة

يحمل نزاع منطقة شرق البحر المتوسط قدرا متزايدا من التعقيد بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء في الاتحاد، غير أن النزاع يتسم بثلاث قضايا متداخلة: قضية الأمن الإقليمي، وقضية أمن الطاقة، وقضية الهجرة. ويبذل الاتحاد الأوروبي قصارى جهده للتعامل مع هذه القضايا في آن واحد، إذ تجمع فيما بينها ثلاثة مسارات بالغة الحساسية تلك التي تستلزم اتخاذ الإجراءات الحاسمة والحازمة، ويبدو أن هذا المطلب في حد ذاته يندرج خارج اختصاصات الاتحاد الأوروبي.
أولا، قبل كل شيء، يواصل الاتحاد الأوروبي التأقلم مع البيئة الأمنية الإقليمية دائمة التغير. في حين أن أميركا أثبتت أنها شريك أمني يمكن الاعتماد عليه بالنسبة للقارة الأوروبية ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لا سيما في مواجهة التحديات الناشئة والمستمرة من روسيا فإن التزاماتها الأمنية والخارجية اهتزت بصورة كبيرة منذ سنوات رئاسة باراك أوباما، واستمر الأمر على منواله - وربما لما هو أكثر من ذلك - خلال سنوات رئاسة دونالد ترمب. وجاء الاتجاه الراهن في سياسة أميركا الخارجية من حيث دفع الحلفاء الأوروبيين - وفي واقع الأمر، دفع الحلفاء الآخرين من أماكن أخرى - إلى الاضطلاع بمسؤوليات كبيرة عن الأمن الإقليمي، ليشكل أعباء وتحديات هائلة على قيادة الاتحاد الأوروبي.
وفي الأثناء ذاتها، استغلت روسيا الفرصة السانحة من تراجع الدور الدبلوماسي للولايات المتحدة الأميركية مع تردد المواقف الأوروبية في إعادة تأكيد نفوذها السياسي والعسكري في منطقة شرق البحر المتوسط والشمال الأفريقي. وفي واقع الأمر، لم تكن روسيا هي التي تأكد وجودها في الفضاء الذي خلا بتراجع أميركا فحسب، وإنما بلدان إقليمية أخرى كانت حريصة كل الحرص على جبر هذه الفجوة.
رغم أن إدارة جوزيف بايدن - المحتملة - قد توفر الدعم الدبلوماسي القوي للاتحاد الأوروبي أكثر من الإدارات السابقة عليها، فإن قادة الاتحاد الأوروبي يدركون تماما أن التحول البنيوي الذي يشهده ميزان القوى العالمي يعني أن الولايات المتحدة لن تُقدم جديدا فيما يتصل بتوفير الدعم المناسب للحلفاء في أوروبا.
ونتيجة لذلك، يجد الاتحاد الأوروبي نفسه مضطرا في الآونة الراهنة إلى اعتماد سياسات خارجية وأمنية أكثر قوة وصرامة من أي وقت مضى بُغية التصدي أولا للمغامرات العسكرية والسياسة الانتهازية الروسية. ومع ذلك، تبنت بعض الدول الأعضاء المفردة في الاتحاد الأوروبي سياسات غالبا ما تعتبر غير متوافقة مع المسار العام للاتحاد الأوروبي في بعض القضايا الثنائية. على سبيل المثال، أحجمت الحكومة الألمانية في غير مناسبة عن اتخاذ المواقف الصارمة تجاه الحكومة الروسية، ومرجع ذلك في جزء منه إلى العلاقات التاريخية التي تربط بين البلدين، فضلا عن مسألة أمن الطاقة التي يوفرها خط «نورد ستريم» الذي يوفر إلى ألمانيا 40 في المائة من واردات الغاز الطبيعي الخارجية.
ويتطلب الأمر اعتماد سياسات تنطوي على التهديد بفرض العقوبات الاقتصادية، سيما وأن روسيا أخذت في حسبانها على مر السنين أنه يمكنها انتهاك أحكام القانون والأعراف الدولية مع الإفلات التام من العقاب. ومع ذلك، فإن الآثار المتراكمة للمغامرات العسكرية الروسية في كل من أوكرانيا، وسوريا، وليبيا - إلى جانب تهديدات الأمن السيبراني ضد البرلمان الألماني، واستخدام غاز الأعصاب في الحادثة الشهيرة في مارس ( آذار) من عام 2018 في بريطانيا، وأخيرا وليس آخرا حادثة المعارض الروسي الشهير أليكسي نافالني - تبدو وقد أدت إلى تقارب وجهات النظر الألمانية مع الشركاء الأوروبيين مما أسفر عن الدعوة إلى إعادة النظر في خط الغاز الطبيعي الجديد «نورد ستريم 2». وعلى هذا النحو، فإن كسر حالة الاعتماد القائمة على واردات الغاز الطبيعي الروسي قد اكتسبت أهمية وزخما جديدا في الآونة الأخيرة.
ووفق هذه الخلفية، أصبحت تطورات الأوضاع ذات الصلة بقضية الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط من المسائل ذات الأولوية القصوى بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء. فمخزون الغاز الطبيعي في تلك المنطقة يطرح بديلا وافرا لواردات الغاز من روسيا، ذلك البديل الذي يقع حرفيا في الحديقة الخلفية للاتحاد الأوروبي على الرغم من أن توصيل الغاز من هذه المنطقة إلى الأسواق الأوروبية المختلفة لا يعتبر من المشاريع باهظة التكاليف فحسب، وإنما سيستلزم كذلك تأمين إرادة سياسية أكثر قوة واستدامة من جانب بروكسل لا سيما مع اعتبار حالة النزاع القائمة بين اليونان وقبرص من جهة، وتركيا من جهة أخرى على الحدود البحرية، والسيادة على موارد الطاقة الطبيعية تحت البحر. وفي هذا السياق، تحرك مصالح الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي - اليونان، وفرنسا، وإيطاليا، وقبرص - على تحريك دفة سياسات الاتحاد الأوروبي إلى الأمام مع التحدي الواضح للمزاعم التركية المضادة، إلى جانب التحركات المضادة الرامية إلى تأمين الوصول إلى المياه الإقليمية القبرصية.
وتشكل موارد الغاز شرق البحر المتوسط مزيجا ثريا من المصالح الأمنية، والتجارية، والدبلوماسية لدى كل دولة من تلك الدول، وإنما عبر تباينات مختلفة. على سبيل المثال، تملك كل من اليونان وقبرص مصالح مادية مشتركة في تطوير احتياطيات الطاقة في تلك المنطقة مع العثور على السبيل الأكثر ربحية نحو الأسواق، مع العمل في نفس الوقت على الدفاع عن المياه السيادية التي تقع فيها المنطقة الاقتصادية الخالصة. وعلى هذا النحو، جرى تشكيل «منتدى غاز شرق المتوسط» بعضوية كل من الأردن، ومصر، وإسرائيل، فلسطين، وإيطاليا، مع تعمد استبعاد تركيا (ولبنان)، سيما مع التحديات المستمرة من قبل أنقرة لشرعية المناطق الاقتصادية الخالصة عن طريق إرسال سفن التنقيب المصاحبة بالسفن الحربية في المياه الإقليمية القبرصية.
وصارت فرنسا من أبرز وأقوى حلفاء اليونان وقبرص في ذلك النزاع إذ قامت بإرسال الفرقاطة الحربية «لافايت» إلى شرق البحر الأبيض المتوسط في أغسطس (آب) من العام الجاري بهدف المشاركة في المناورات العسكرية المشتركة، فضلا عن تمركز طائرتين مقاتلتين من طراز «رافال» في إحدى القواعد العسكرية في جزيرة كريت.
ومع ذلك، فإن المصالح الفرنسية تستند إلى مجموعة مختلفة من العوامل بالنسبة إلى اليونان وقبرص، مع التركيز بصورة أكبر على الاستراتيجية الفرنسية الأوسع نطاقا في البحر المتوسط، فضلا عن المنافسة الشديدة بين باريس وأنقرة، بأكثر من تركيزها المجرد على أمن الطاقة في تلك المنطقة في حد ذاته.
تسعى السياسة الخارجية الفرنسية إلى إرساء الاستقرار في ليبيا - وذلك مع تأمين مصالحها التجارية في مجالي النفط والغاز، مع دعم الحكومات في منطقة الساحل حتى تتمكن من مواصلة مكافحة الإرهاب بصورة أفضل على اعتبارها وسيلة من وسائل تأمين الجبهة الداخلية الفرنسية ضد موجات وتدفقات الهجرة الخارجية، والتفرغ إلى مصارع النفوذ مع تركيا عبر البحر المتوسط. وعلى هذا النحو، ورغم أن قضية الغاز في شرق المتوسط هي واحدة من بين العديد من القضايا الأخرى ذات الأهمية بالنسبة إلى فرنسا، في منطقة «يوروميد»، فإن حالة التناطح الراهنة ما بين الرئيسين إيمانويل ماكرون ورجب طيب إردوغان تحمل قدرا معتبرا من التأثير العميق على مقاربة الاتحاد الأوروبي بأسره صوب الغاز في شرق المتوسط.
كان المجلس الأوروبي أكثر سرعة في إدانة الحكومة التركية على توقيع مذكرة التفاهم بتاريخ نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2019 مع حكومة الوفاق الليبية والمعنية بترسيم مناطق الاختصاص البحري في البحر المتوسط نظرا لأن المذكرة تمثل انتهاكا مباشرا للحقوق السيادية لدى اليونان وقبرص.
غير أن المجلس الأوروبي لم يُقدم على مثل هذه الخطوة عندما وقعت الحكومتان المصرية واليونانية على الاتفاق البحري المشترك في أغسطس الماضي. حتى الحكومة الإيطالية، التي كانت حتى وقت قريب تعتمد سياسة داعمة للموقف التركي في ليبيا - نظرا لمصالحها الدبلوماسية والتجارية التي تعبر عنها بواسطة شركة «إيني» للطاقة - أعادت توجيه سياساتها الخارجية كي تكون أكثر اصطفافا مع المقاربات المتخذة من قبل الاتحاد الأوروبي. وأسفرت حالة التقارب الواضحة بين السياسات الخارجية الفرنسية والإيطالية إلى تنضيد سياسات الاتحاد الأوروبي في منطقة شرق المتوسط على نحو قوي وراء الاصطفاف الإقليمي القائم بشأن اليونان، وقبرص، ومصر، وإسرائيل. جاء التدخل العسكري التركي في مجريات الأزمة الليبية، ما قلب الطاولة بدرجة من الدرجات، فضلا عن المغامرات المستمرة في البحر المتوسط، من شاكلة إرسال سفينة المسح «أوريك رايس»، وسفينتين أخريين للتنقيب والحفر، رفقة ثلاث سفن للإمداد البحري إلى المياه السيادية القبرصية، في منتصف أغسطس، ليشكل في مجموعه صداعا أمنيا مؤرقا لقيادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل.
علاوة على ما تقدم، يعتبر التعاون الوثيق الذي يجمع بين موسكو وأنقرة، والذي يبدو جليا في كل من سوريا وليبيا، على الرغم من الخلافات بين الجانبين في كلا المعسكرين، من أبرز بواعث التوتر والقلق لا سيما وأن تركيا تمثل دولة عبور الغاز من روسيا إلى أوروبا عبر خط أنابيب «تورك ستريم».
أخيرا، تعتقد الحكومة التركية أن الشوكة المثلى في خاصرة الاتحاد الأوروبي هي ألمانيا من واقع خشيتها الشديدة من توقف أنقرة عن كبح جماح تدفقات اللاجئين صوب أوروبا مما يمنح أنقرة درجة من الأمان إزاء اتخاذ أية إجراءات قوية ضدها. ووفق هذا المعنى، يبدو وأن الحكومة التركية قد قدرت الأمور من تلك الزاوية، وأنه على الرغم من حشد الدعم وراء اليونان وقبرص فإن الدعوات الفرنسية لفرض العقوبات على تركيا مصيرها الفشل في نهاية المطاف، حيث سيؤدي الانقسام الظاهر بين برلين وباريس في قلب الاتحاد الأوروبي إلى حالة من الجمود وربما التقاعس. وإن كانت هذه هي الحالة، فمن شأن الحكومة التركية إعادة إرسال سفينة المسح «أوريك رايس» إلى المياه الإقليمية القبرصية مرة أخرى بعد الانتهاء من عمليات الصيانة الروتينية الحالية.
ربما تكون قضية شرق المتوسط هي القضية التي تمخضت في خاتمة المطاف عن نشوء سياسة خارجية موحدة وقوية مع استجابة أمنية صارمة من قبل الاتحاد الأوروبي.
ولقد تصاعدت أهمية تلك المنطقة نظرا للدور المتراجع الذي تتخذه أميركا والمتمثل في دفع بلدان الاتحاد الأوروبي إلى الاضطلاع بالمسؤوليات، ما يدفع بروكسل إلى السعي وراء رفع قدرات تأمين الطاقة من إمدادات شرق المتوسط مع كسر الاعتماد طويل الأمد على الإمدادات الروسية المماثلة. ما يعني استعداد الاتحاد الأوروبي للاستجابة الصارمة ضد سياسات الحكومة التركية العدائية في البحر المتوسط. وعلى الرغم من استعداد فرنسا وغيرها من الدول الأعضاء الأخرى في الاتحاد الأوروبي للاضطلاع بذلك، فمن غير الواضح - أو الأكيد - أن ألمانيا وسواها من بلدان أوروبا الشرقية ستكون مستعدة للمخاطرة بإجبار أنقرة على الابتعاد، سيما وأن التهديد بدخول المزيد من اللاجئين والمهاجرين إلى أوروبا لا يزال قائما من جانب الحكومة التركية.
- نيل كويليام المدير الإداري لمؤسسة «آزور استراتيجي» البحثية في لندن. وهو زميل في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «تشاتام هاوس»



الليبرالية في الألفيّة الثالثة

يمر ركاب بجوار صورة لمؤسس الاتحاد السوفياتي فلاديمير لينين في محطة مترو بموسكو في نوفمبر 2023 (أ.ف.ب)
يمر ركاب بجوار صورة لمؤسس الاتحاد السوفياتي فلاديمير لينين في محطة مترو بموسكو في نوفمبر 2023 (أ.ف.ب)
TT

الليبرالية في الألفيّة الثالثة

يمر ركاب بجوار صورة لمؤسس الاتحاد السوفياتي فلاديمير لينين في محطة مترو بموسكو في نوفمبر 2023 (أ.ف.ب)
يمر ركاب بجوار صورة لمؤسس الاتحاد السوفياتي فلاديمير لينين في محطة مترو بموسكو في نوفمبر 2023 (أ.ف.ب)

تابعت طيلة سنوات إرهاصات التيّار السياسي والعقائدي الراسخ في أوساط اليسار والوسط واليمين، الذي يشكّك في قدرة الحرية وسيلةً تساعد على حل المشكلات الكثيرة التي يعزونها إلى «النيوليبرالية»، أو «الفكر الأوحد» كما درج على تسميتها فقهاء العلوم الاجتماعية والسياسية، وجعلوا منها كبش محرقة يحمّلونه كل المصائب الحاضرة والسابقة على مر التاريخ.

وليس مستغرباً أن هذا التيّار الذي يتبنّاه باحثون جهابذة من جامعات مرموقة مثل باريس، وهارفارد وأكسفورد، ويجهدون ليبيّنوا أن حرية السوق لا تؤدي سوى إلى مضاعفة ثروات الأغنياء ودفع الفقراء إلى مزيد من الفقر، وأن العولمة لا تؤتي نفعاً سوى للشركات الكبرى وتتيح لها استغلال الدول النامية وتدمير بيئتها بلا رادع أو حساب، أصبح أيضاً تيّاراً منتشراً على نطاق شعبي واسع يعتبر أن النيوليبرالية هي العدو الحقيقي للإنسان، وسبب كل الشرور التي يعاني منها، وما يصيبه من عذاب وفقر وتمييز وسوء معاملة وانتهاك للحقوق الأساسية. لكن هذه ليست المرة الأولى في التاريخ التي نشهد فيها كيف أن نظرية مفبركة لخدمة مصالح معيّنة - اطلق عليها كارل ماركس Fetiche – تترسّخ وتؤدي إلى حدوث اضطرابات واسعة.

أنا ليبرالي، وأعرف الكثير من الليبراليين، وأكثر منهم غير ليبراليين. لكن على مر سنوات أصبحت اليوم طويلة، لم أتعرّف بعد على نيوليبرالي واحد. ما هو هذا النيوليبرالي؟ ما الذي يدافع عنه ويناضل من اجله؟ الليبرالية، بخلاف الماركسية أو الفاشية، لا تبني صرحاً عقائدياً مغلقاً ومكتفياً بذاته من الأجوبة الجاهزة لمعالجة كل المشاكل الاجتماعية، بل هي معتقد يقوم على مجموعة محدودة نسبياً وواضحة من المبادئ الأساسية المبنية حول فكرة الدفاع عن الحرية السياسية والاقتصادية، أي الديمقراطية والسوق الحرة، ويتسع لعدد كبير من التيارات والاتجاهات.

لكن ما لم يقبله الفكر الليبرالي أبداً، ولن يقبله في المستقبل، هو هذا المسخ الذي ابتدعه أعداؤه تحت اسم «النيوليبرالية». «نيو» هو أن تكون شيئاً من غير أن تكونه، أن تكون داخل شيء وخارجه في الوقت نفسه، أن تكون على هامش فكرة أو مبدأ أو عقيدة من دون أن تتبناها كلياً. الهدف من هذا المصطلح ليس التعبير عن مفهوم قائم، بل هو استخدام الدلالة اللفظية لتشويه العقيدة التي ترمز، افضل من أي عقيدة أخرى، إلى الإنجازات الاستثنائية التي حققتها الحرية على مر تاريخ الحضارة البشرية.

هذا ما يجب علينا نحن الليبراليين أن نحتفي به بهدوء وابتهاج، وإدراك واضح لأهمية ما تمّ إنجازه، وأن ما يتبقّى علينا إنجازه أكثر أهمية. وبما أن دوام الحال من المحال، فإن الإنجازات التي تحققت خلال العقود المنصرمة في ثقافة الحرية هي عُرضة للمخاطر، وعلينا الدفاع عنها في وجه أعداء الديمقراطية اللدودين الذين خلفوا الفكر الشيوعي، مثل الشعبوية القومية والأصوليات الدينية.

بالنسبة إلى الليبراليين، كان الإنجاز الأهم خلال القرن الماضي الذي شهد الهجمات الاستبدادية الكبرى ضد ثقافة الحرية، هو أن العالم طوى صفحة الفاشية والشيوعية بعد فاصل مظلم من العنف والجرائم المشينة ضد حقوق الإنسان والحريات، وليس من مؤشر على نهوض هذه الأنظمة من رمادها في القريب المنظور.

المجتمعات المفتوحة والاقتصاد الحر قادران على مواجهة «الغطرسة العقائدية» (أ.ف.ب)

مخلفات الأرخبيل الماركسي

لا شك في أنه ما زالت توجد بقايا من الفكر الفاشي، نجدها عند بعض الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا التي تستقطب تأييداً متزايداً في الانتخابات، لكن هذه الفلول الفاشية ومخلفات الأرخبيل الماركسي الشاسع التي تجسدها اليوم كوبا وكوريا الشمالية، لم تعد تشكّل بديلاً يعتدّ به للديمقراطية أو تهديداً لها.

أنظمة الاستبداد ما زالت موجودة على نطاق واسع، لكن بخلاف الإمبراطوريات التوتاليتارية، تفتقر هذه الأنظمة إلى الهالة والطموحات المسكونية، لا، بل إن بعضها، مثل الصين، تسعى منذ فترة إلى التوفيق بين أحادية الحزب الواحد واقتصاد السوق والمؤسسة الخاصة. وفي مناطق واسعة من أفريقيا وآسيا، خصوصاً في المجتمعات الإسلامية، ظهرت دكتاتوريات أصولية تسببت في انتكاسات خطيرة على صعيد حقوق المرأة والتعليم والحريات الأساسية. لكن رغم الفظائع التي نشهدها في بلدان مثل أفغانستان والسودان وليبيا وايران، لم تعد هذه الدول تشكّل تحديات جدية لثقافة الحرية، وبات محكوماً عليها أن تبقى متخلفة عن ركب الحداثة التي قطعت فيه الدول الحرة شوطاً بعيداً.

إلى جانب ذلك، شهدت العقود الماضية تقدماً كاسحاً لثقافة الحرية في مناطق شاسعة من أوروبا الوسطى والشرقية، وبلدان جنوب شرقي آسيا وأميركا اللاتينية، حيث وصلت إلى السلطة حكومات مدنية منتخبة، باستثناء كوبا وفنزويلا، تطبّق سياسات أقرب إلى الاقتصاد الحر منها إلى البرامج التدخلية التي كانت سائدة في السابق.

ورغم وجود بعض الأصوات الماضية في عوائها ضد «النيوليبرالية»، نلاحظ أن معظم هذه البلدان لم تجد مفراً من اعتناق سياسات الخصخصة، وفتح الأسواق، وتحرير الأسعار والسعي إلى إدماج اقتصاداتها في الأسواق الدولية، بعد أن أدركت أن السير بعكس هذا التيار هو ضرب من الانتحار.

وليس أدلّ على ذلك من جنوح قسم كبير من اليسار في أميركا اللاتينية إلى تبنّي الموقف الصائب الذي اتخذه فاكلاف هافل عندما قال: «رغم أن فؤادي يميل إلى اليسار، لكني كنت دوماً على يقين من أن السوق هي النظام الاقتصادي الوحيد الذي يؤدي إلى الرفاه؛ لأنه النظام الوحيد الذي يعكس طبيعة الحياة».

هذه التطورات لها أهميتها وتضفي مصداقية تاريخية على الفكر الليبرالي، لكنها ليست على الإطلاق سبباً للتقاعس؛ لأن الليبرالية تقوم على مبدأ أساسي يعتبر أن التاريخ هو صنيعة الفعل البشري، وأن الإنسان الذي يصيب في اتخاذ القرارات التي تدفعه في المسار الصحيح، يمكن أيضاً أن يخطئ وتدفعه نحو الفوضى والفقر والظلام والبربرية. إن أفكارنا، وأصواتنا التي نختار بها من يصل إلى الحكم، هي التي تحدد مصير الإنجازات التي تحققت في ثقافة الحرية والديمقراطية.

إن معركة الليبراليين من أجل الحرية على مر التاريخ، هي معركة أفكار. انتصر الحلفاء في الحرب على المحور، لكن ذلك النصر أكّد تفوّق رؤية التعددية والتسامح والديمقراطية على الرؤية العنصرية الضيقة. وانهيار الاتحاد السوفياتي أمام الغرب الديمقراطي «الذي كان مكتوف الأيدي، لا، بل غارقاً في شعور بالدونيّة بسبب قلّة جاذبية المنبر الديمقراطي مقارنة بوهج المجتمع اللاطبقي الموعود»، أظهر صواب أفكار آدم سميث وتوكفيل وبوبر وبرلين حول المجتمعات المفتوحة والاقتصاد الحر في مواجهة الغطرسة العقائدية لماركس ولينين وماو تسي تونغ.

مع انهيار الاتحاد السوفياتي أمام الغرب تأكد تفوق «التعددية والتسامح» (أ.ف.ب)

معركة ضد المسخ

قد تكون معركة اليوم أقل صعوبة بالنسبة لليبراليين من تلك التي خاضها معلمونا في المجتمعات الديمقراطية خلال حقبة أنظمة الاستبداد والحزب الواحد التي كانت تمدّ أنصارها بكل وسائل الدعم. معركتنا اليوم ليست ضد كبار المفكرين مثل ماركس، أو الاشتراكيين الديمقراطيين اللامعين مثل كينز، بل هي معركة ضد الأفكار النمطية والصور المشوهة عن هذا المسخ المسمّى نيوليبرالية، التي تهدف إلى بث الشكوك والالتباس في المعسكر الديمقراطي، أو ضد المفكرين التشكيكيين الذين ينكرون الثقافة الديمقراطية ويعتبرون أنها ليست سوى ستارة تخفي وراءها الاستبداد والاستغلال.

يقول روبرت كابلان في أحد بحوثه: «إن الديمقراطية التي نشجّع على إرسائها في الكثير من المجتمعات الفقيرة في العالم ليست سوئ جزء لا يتجزأ من التحول نحو أنماط جديدة من الاستبداد، والديمقراطية في الولايات المتحدة هي اليوم في خطر أكثر من أي وقت مضى، لأسباب غامضة أو مخفية، وأن أنظمة كثيرة في المستقبل، والنظام الأميركي بشكل خاص، قد ينتهي بها الأمر على غرار الأنظمة الأوليغارشية التي كانت سائدة في أثينا وإسبرطة».

على مر سنوات أصبحت اليوم طويلة، لم أتعرّف بعد على نيوليبرالي واحد. ما هو هذا النيوليبرالي؟

هذا تحليل متشائم جداً بالنسبة لاحتمالات ترسّخ الديمقراطية في مجتمعات العالم الثالث. وهو يعتبر أن كل المحاولات الغربية لفرض النظام الديمقراطي في البلدان التي تفتقر إلى التقاليد الديمقراطية قد باءت بفشل ذريع وباهظ التكلفة كما حصل في كمبوديا، وتسببت بالفوضى والحروب الأهلية والإرهاب والتطهير العرقي وإبادة الأقليات الدينية في بلدان مثل السودان، والبوسنة، وأفغانستان، وسيراليون، والكونغو، ومالي، والبانيا وهاييتي وغيرها.

السيد كابلان لا يضيّع وقته باللعب على حبال الكلام، ويقول بوضوح إن الديمقراطية والعالم الثالث على طرفي نقيض «الاستقرار الاجتماعي ينشأ من إقامة طبقة متوسطة. وليست هي الأنظمة الديمقراطية، بل تلك التسلطية، بما فيها الملكية، هي التي تقيم الطبقات الوسطى». هذه الطبقات، عندما تبلغ درجة معينة من الرفاه والثقة، تتمرد على الأنظمة التي وفَّرت لها هذا الرفاه. ويضرب على ذلك أمثلة من الحوض الهادئ في آسيا مسلطاً الضوء بشكل خاص على سنغافورة لي كوان يو، وتشيلي بينوتشيه وإسبانيا فرنكو. ويعتبر كابلان أن الخيار المطروح أمام العالم الثالث ليس بين «الطغاة والديمقراطيين»، بل هو مفاضلة بين «طغاة أشرار وآخرين أقل شراً»، ويرى «أن روسيا فشلت لأنها ديمقراطية، بينما الصين تفلح جزئياً لأنها ليست ديمقراطية».

توقفت عند هذا الطرح لأن السيد كابلان يقول صراحة ما يضمره كثيرون غيره. إن تشاؤمه حيال العالم الثالث كبير، لكنه ليس بأقلّ منه حيال العالم الأول. فهو يعتبر أن البلدان الفقيرة التي، حسب نظريته، تنشأ فيها الطبقات المتوسطة بفضل أنظمة الاستبداد الفاعلة، تريد اعتناق النظام الديمقراطي على الطراز الغربي، لن يكون ذلك سوى سراب وضرب من الخيال، تتحكم بحكوماتها الشركات العالمية الكبرى الناشطة في القارات الخمس، وتفرض عليها القرارات الأساسية، تنفّذها من غير محاسبة أو مساءلة. ولا ينسى السيد كابلان تذكيرنا بأن أكبر مائة اقتصاد في العالم نصفها من الشركات وليس من الدول، وأن أقوى 500 مؤسسة تسيطر وحدها على 70 في المائة من حركة التجارة العالمية.

أكبر مائة اقتصاد في العالم نصفها من الشركات وليس من الدول (أ.ب)

حرية على مشارف الاحتضار

هذه النظريات تشكّل نقطة انطلاق مناسبة لمقارنتها بالرؤية الليبرالية للمشهد العالمي؛ لأنها لو صحّت، تكون الحرية على مشارف الاحتضار بعد أن كانت مصدر إنجازات استثنائية في مجالات العلوم وحقوق الإنسان والتطور التقني ومكافحة الاستبداد والاستغلال، رغم الاضطرابات الكثيرة التي تسببت بها. لو كان صحيحاً ما يقوله كابلان أن الأنظمة الدكتاتورية هي التي تقيم الطبقات الوسطى، لما كانت جنّة هذه الطبقات في الولايات المتحدة، وأوروبا الغربية، وكندا، وأستراليا ونيوزيلندا، بل المكسيك، وبوليفيا والبارغواي التي تعاقبت عليها أنظمة الاستبداد العسكرية والمدنية.

في الأرجنتين على سبيل المثال، قضى الدكتاتور بيرون على الطبقة الوسطى التي كانت، حتى وصوله إلى السلطة، عريضة ومزدهرة ونجحت في تنمية البلاد بوتيرة أسرع من معظم الدول الأوروبية. وفي كوبا فشلت الديكتاتورية بعد ستة عقود في تحقيق أدنى مستويات الرفاه، وأجبرت الكوبيين على توسل المساعدات الدولية واستجداء فتات سياح الرأسمالية لمكافحة الجوع وضيق العيش. وكلنا يعرف اليوم المصير الذي آلت إليه معظم «النمور الآسيوية» بعد الطفرة الأولى السريعة، عندما اضطرت إلى الاستغاثة على أبواب صندوق النقد والبنك الدوليين، والولايات المتحدة، واليابان وأوروبا الغربية.

نحن الليبراليين، بعكس السيد كابلان، لا نؤمن بأن القضاء على الشعبوية الاقتصادية يحقق نمواً أقل للمجتمع، إذا ترافق مع تحرير الأسعار وخفض الإنفاق وخصخصة القطاع العمومي، في الوقت الذي يعاني المواطن انعدام الأمن وقمع الحريات والتعرّض للتعذيب ومحاصرة السلطة القضائية التي يلجأ اليها طلباً للانتصاف.

التطور، بالمفهوم الليبرالي، يجب أن يكون اقتصادياً وسياسياً وثقافياً في آن معاً، أو لا يكون؛ وذلك لسبب أخلاقي، وأيضاً عملي: أن المجتمعات المنفتحة، التي يسودها القانون وتحترم حرية الرأي، محصّنة أكثر من غيرها في وجه الأزمات والاضطرابات.

كم هو عدد أنظمة الاستبداد الفاعلة التي شهدها العالم منذ أواسط القرن الفائت إلى اليوم؟ وكم هي تلك التي أغرقت بلدانها في العنف والتوحش والدمار؟ هذه الأخيرة تشكل الأغلبية الساحقة، أما الأولى فهي الاستثناء. أليس من التهوّر الرهان على وصفة الاستبداد وأن يكون المستبد صالحاً وعابراً؟ ألا توجد سبل أخرى أقل خطورة وقسوة لتحقيق التنمية؟ قطعاً توجد، لكن السيد كابلان يرفض أن يراها.

ليس صحيحاً القول إن «ثقافة الحرية» اقتضت نَفساً طويلاً في البلدان التي ازدهرت فيها الديمقراطية، كما حصل في جميع الأنظمة الديمقراطية الحالية التي اعتنقت هذه الثقافة وراحت تطورها لتبلغ بها المستويات التي وصلت اليوم إليها. الضغوط والمساعدة الدولية يمكن أن تشكل عاملاً أساسياً يدفع مجتمعاً معيناً لاعتناق الديمقراطية، كما تبيّن من حالتي ألمانيا واليابان اللتين انضمتا إلى ركب الدول الديمقراطية الأكثر تطوراً في العالم بعد الحرب. ما الذي يمنع دول العالم الثالث، أو روسيا، من اعتناق ثقافة الحرية على غرار ألمانيا واليابان؟

حتى معظم «النمور الآسيوية» اضطرت إلى الاستغاثة على أبواب صندوق النقد والبنك الدوليين (إ.ب.أ)

التسامح والتعددية والقانون

إن العولمة، خلافاً لاستنتاجات السيد كابلان المتشائمة، هي فرصة سانحة أمام الدول الديمقراطية في العالم، خصوصاً تلك الأكثر تطوراً في أميركا وأوروبا، كي تساهم في توسيع دائرة ثقافة الحرية المرادفة للتسامح والتعددية والقانون، إلى الدول التي لا تزال رهينة التقاليد الاستبدادية التي، لا ننسى، أن أحداً لم يسلم منها على مر تاريخ البشرية. لذلك؛ لا بد من شرطين أساسيين:

1 - الإيمان الراسخ بتفوق هذه الثقافة على تلك التي تبيح التعصب والعنصرية والتمييز الديني أو العرقي أو السياسي أو الجنسي.

2 - اعتماد سياسات اقتصادية وخارجية تشجع التوجهات الديمقراطية في بلدان العالم الثالث، وتعاقب الأنظمة التي تتبنى المبادئ الليبرالية في الاقتصاد والدكتاتورية في السياسة. لكن من أسف، وبعكس ما ينادي به كابلان، هذا التمييز الإيجابي لصالح الديمقراطية الذي حقق منافع جمّة في بلدان مثل ألمانيا واليابان وإيطاليا بعد الحرب العالمية الثانية، لا تطبقه الدول الديمقراطية اليوم مع بقية البلدان، أو تمارسه بنفاق واستنسابية.

لكن لعل الظروف الراهنة تشكّل حافزاً أكبر للدول الديمقراطية كي تتصرف بمزيد من الحزم لدعم ثقافة الحرية، إذ يقف العالم على شفا تحقق توقعات السيد كابلان بقيام حكومة عالمية غير ديمقراطية تديرها الشركات الكبرى من غير رادع في جهات الدنيا الأربع، وهي توقعات تشكل خطراً حقيقياً لا مفرّ من إدراكه والتعامل ومعه. إن انتفاء الحدود الاقتصادية وتكاثر الأسواق العالمية يحفزان الاندماج والتحالفات بين الشركات لزيادة القدرة التنافسية في جميع مجالات الإنتاج، وقيام مؤسسات عملاقة لا يشكّل بحد ذاته خطراً على الديمقراطية، طالما توجد قوانين عادلة وحكومات قوية «ليس شرطها أن تكون كبيرة، بل صغيرة وفاعلة» تضمن تطبيقها.

الاقتصاد الحر، المنفتح على المنافسة، يستفيد فيه المستهلك من الشركات الكبرى؛ لأن ضخامتها تتيح لها خفض الأسعار ومضاعفة الخدمات التي يحصل عليها. والخطر لا يكمن في حجم الشركة، بل في الاحتكار الذي هو دائماً مصدر للفساد وانعدام الكفاءة. وما دامت توجد حكومات ديمقراطية تسهر على إنفاذ القوانين، أياً كان مخالفوها، وتمنع الاحتكار وتحافظ على الأسواق مفتوحة على المنافسة، تبقى الشركات الكبرى هي الرائدة في التطور العلمي والتكنولوجي لفائدة المستهلك ومصلحته.

 

 

يقف العالم على شفا حكومة عالمية غير ديمقراطية تديرها شركات كبرى من غير رادع في جهات الدنيا الأربع

من هذا الواقع يستخلص كابلان الاستنتاج المتشائم التالي: الديمقراطية ذاهبة إلى مستقبل قاتم؛ لأن الشركات الكبرى في هذه الألفية الثالثة سوف تتصرف في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية على غرار ما كانت تفعل في بلدان العالم الثالث، أي بلا روادع أو محاسبة.

لكن هذا الاستنتاج لا يستند إلى أي حجة تاريخية تسوّغه. وما نراه، نحن الليبراليين، هو أن بلدان العالم الثالث التي تخضع اليوم لأنظمة استبدادية، لا بد أن ترتقي نحو الديمقراطية، وتكرّس سيادة القانون والحريات التي تلزم الشركات الكبرى التي تنشط على أراضيها باحترام قواعد العدالة والاستقامة التي تلتزم بها في الديمقراطيات المتطورة. العولمة الاقتصادية يمكن أن تتحول خطراً يهدد مستقبل الحضارة، والبيئة العالمية، إذا لم تخضع لقواعد العولمة القانونية. ومن واجب الدول الكبرى تشجيع العمليات الديمقراطية في بلدان العالم الثالث لأسباب مبدئية وأخلاقية، ولأن انتفاء الحدود يقتضي أن تخضع الحياة الاقتصادية لقواعد الحرية والمنافسة التي تعود بالمنفعة على جميع المواطنين، وأن تخضع للمحفزات والروادع نفسها التي يفرضها عليها المجتمع الديمقراطي.

أعرف جيداً أنه ليس سهلاً تحقيق كل ذلك. لكن بالنسبة إلينا بصفتنا ليبراليين هذا هدف ممكن، وفكرة العالم متحداً حول ثقافة الحرية ليست مجرد سراب أو حلم، بل هي واقع يستحق كل الجهد لتحقيقه، وكما قال كارل بوبر أحد أفضل أساتذتنا: «التفاؤل واجب. والمستقبل ليس مكتوباً، ولا أحد بوسعه أن يتنبأ به سوى من باب الصدفة. جميعنا نساهم بأفعالنا في تشكيل معالمه، وبالتالي كلنا مسؤولون عمّا سيحدث».