الرئيس الفرنسي: لبنان كنز استثنائي للبشرية جمعاء يتعين إنقاذه

عون وماكرون في اجتماع سابق (أرشيفية)
عون وماكرون في اجتماع سابق (أرشيفية)
TT

الرئيس الفرنسي: لبنان كنز استثنائي للبشرية جمعاء يتعين إنقاذه

عون وماكرون في اجتماع سابق (أرشيفية)
عون وماكرون في اجتماع سابق (أرشيفية)

لم تكن الصدفة وحدها هي التي جعلت كلمة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وفيها قِسْم مخصص للبنان، أمام القمة الافتراضية للجمعية العامة للأمم المتحدة تتزامن مع الاجتماع «عن بعد»، رفيع المستوى، لـ«المجموعة الدولية لدعم لبنان»، الذي التأم أول من أمس بمبادرة مشتركة من فرنسا ممثلة بوزير خارجيتها جان إيف لودريان والأمم المتحدة، بشخص أمينها العام أنطونيو غوتيريش.
فرسالة باريس، في الحالتين، هي نفسها وعنوانها من جهة أن باريس لم تتخل عن الجهود التي تبذلها من أجل إخراج لبنان من الهوة التي انحدر إليها، ومن جهة ثانية أنها لا تتحرك بمفردها، وإنما هي تنطق باسم مجموعة دولية تحظى بدعمها وبديناميتها. وبكلام آخر، فإن الطرف الفرنسي أراد أن يقول لمن راهن على تخلي باريس عن مبادرتها و«تعبها» من ألاعيب الطبقة السياسية اللبنانية التي ضربت عرض الحائط بِمُهَل التوصل إلى تشكيل حكومة جديدة وضع ماكرون إطارها الزمني في زيارته الثانية إلى بيروت، بداية الشهر الحالي، إنهم أخطأوا التقدير. والشق الثاني فحواه أن فرنسا ليست وحدها في الميدان، وأنها ما زالت تريد أن تكون «صوت لبنان» في الخارج، وفق ما أعلن الرئيس ماكرون في بيروت.
ففي كلمته إلى الجمعية العامة، شدد الأخير على الحاجة لـ«التجاوب مع تطلعات الشعب اللبناني السيد واحترامها ودعمها رغم أخطاء الطبقة السياسية اللبنانية، التي لا يمكن قبولها». وأضاف ماكرون: «أريد أن أؤكد هنا على دعمي الكامل للشعب اللبناني وعزمي على العمل من موقعي من أجل إنهاض لبنان مع احترامي الكامل للسيادة اللبنانية». وبحسب الرئيس الفرنسي، فإن لبنان «كنز استثنائي للبشرية جمعاء بسبب ديمقراطيته وتعدديته في منطقة تعاني من الإرهاب ومن القوى المهيمنة».
وخلاصته أنه يتعين على الأمم المتحدة أن تكون «بشكل ملموس وعلى المدى الطويل، إلى جانب المجتمع المدني اللبناني والمنظمات غير الحكومية لمواجهة الحاجات الملحة وإطلاق إعادة البناء، ولن نتخلى عن ذلك أبداً».
لم يلج الرئيس الفرنسي إلى تفاصيل الوضع اللبناني والعوائق التي حالت دون السير سريعاً بخطته الإنقاذية، وباكورتها تشكيل حكومة مختلفة عن الحكومات السابقة؛ إذ إن الإطار «الدولي» لا يتيح ذلك، إلا أن ما لم يقله ماكرون جاء عليه وزير خارجيته في كلمته إلى «مجموعة الدعم». لكن الأهم جاء في خلاصات المجموعة وتبنيها تماماً الرؤية الفرنسية. فمن ناحيته، ذكر لو دريان، بداية، السياسيين اللبنانيين بتعهداتهم ومنها الإسراع بتشكيل «حكومة مهمات» ودعم الإصلاحات الضرورية التي ينتظرها اللبنانيون كما الشركاء الدوليين، واستئناف المناقشات «الجدية» مع «صندوق النقد الدولي» والسير بالتدقيق المالي بشأن مصرف لبنان وإطلاق الرقابة على حركة الرساميل والقوانين والتدابير الخاصة بمحاربة الفساد والشفافية والحوكمة الرشيدة وإصلاح القطاع الجمركي وقطاع الكهرباء. وبعدها، جاء التحذير وفحواه أن الخروج من الأزمات السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية يمر من خلال تحقيق الشروط المذكورة التي من دونها لن تمد الأسرة الدولية يد العون للبنان؛ إذ «لا مساعدات مالية دولية من غير إصلاحات أما إذا تمت فلن نألو جهداً» لتوفيرها. وبعد التذكير، جاء التقريع والدعوة إلى «ممارسة الضغوط القوية والضرورية من أجل دفع المسؤولين اللبنانيين إلى احترام تعهداتهم»، مضيفاً أن باريس «ماضية في ذلك شأنها شأن العديد من المشاركين»، وأنه من الضروري «مواصلة الضغوط طالما دعت الحاجة».
لم تخرج توصيات «مجموعة الدعم» عن الإطار العام الذي تحدث فيه لو دريان حيث إنها دعت القادة اللبنانيين «سريعاً» إلى تشكيل حكومة «ذات صدقية، متمكنة وقادرة على اتخاذ القرارات الضرورية لإنهاض لبنان». ووعدت بأن تكون «جاهزة» للتجاوب مع لبنان «على قاعدة المبادرات الملموسة من الحكومة المنتظرة».
تكمن أهمية ما ورد في توصيات «مجموعة الدعم» أنها جاءت لتعطي بُعداً دولياً للمبادرة الفرنسية، ولتعيد التأكيد على صدقيتها باعتبار أن باريس ملتزمة بالأسس والمبادئ التي يتعين العمل بهديها من أجل توفير فرصة للبنان للخروج من أزمته. وواضح أيضاً، وفق ما تقول أوساط متابعة للملف اللبناني في العاصمة الفرنسية، أن «مجموعة الدعم» تبنت نهج «الترغيب والترهيب»؛ فمن جهة، تعرب عن استعدادها الراسخ لمساعدة لبنان للحصول على الدعم المالي الذي من دونه لن يكون قادراً على الخروج من أزمتيه الاقتصادية والمالية.
ومن جهة ثانية، فإنها تنذره من خلال رسالة مفادها أنه من غير حكومة جديدة وفق المواصفات التي وضعتها باريس، والتي تبنتها المجموعة، ومن غير الإصلاحات المطلوبة التي دأبت الأسرة الدولية على التذكير بها، أقله منذ مؤتمر «سيدر»، الذي عُقِد في ربيع عام 2018، فإن انتظار المساعدات الخارجية سيكون بمثابة سراب. واللافت أن ماكرون ووزير خارجيته و«مجموعة الدعم» ككل ركزوا الاهتمام على الجوانب الاقتصادية والمالية والاجتماعية تاركين جانباً المسائل السياسية، رغبة منهم في الامتناع عن الخوض في قضايا من شأنها زيادة تعقيدات الوضع، وتجنب توفير الذرائع للجهات الرافضة للمبادرة الفرنسية من أجل التلطي خلفها لإجهاضها.

هل ستكفي التحذيرات لإخراج الوضع الحكومي من عنق الزجاجة؟

لقد كثرت في الأيام الأخيرة التحليلات التي تحاول تفسير الأسباب التي جعلت المبادرة الفرنسية تترنح. فمنها ما ربطها بالوضع الإقليمي والنزاع الأميركي - الإيراني والآخر بالتطورات التي يشهدها الشرق الأوسط لجهة تطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدة بلدان عربية أو العقوبات الأميركية على حزب الله وجهات متعاونة معه... وكل قراءة من هذه القراءات لها حيثياتها ومنطقها. إلا أن ما غاب عنها إلى حد كبير البعد اللبناني الداخلي المقصود به قدرة النظام اللبناني على امتصاص الصدمات والأزمات وتمكن الطبقة السياسية على الالتفاف على الضغوط الخارجية والداخلية من خلال استثارة المصالح الضيقة والتمترس وراءها، وهو ما لم تأخذه مبادرة الرئيس ماكرون كفاية بعين الاعتبار. فالرؤية الفرنسية قامت على إطلاق دينامية تسند لدعم أوروبي وتفهم دولي والاستفادة من فشل ووهن الطبقة السياسية اللبنانية لفرض شروطها عليها. لكن ما حصل أنه بعد فترة من الارتباك، أخرجت هذه الطبقة رأسها من رمال مرفأ بيروت المدمر وعادت إلى ممارسة عاداتها القديمة القائمة على التمسك بالمناصب والحقائب. من هنا، دعوة باريس لضغوط متواصلة ليس مصدرها فرنسياً محض، بل من المجموعة التي ينتظر لبنان منها الترياق لعل الدينامية الجديدة تغلب التقوقع والمتاريس السياسية والطائفية.



العليمي يطلب تدخل تحالف دعم الشرعية عسكرياً لحماية حضرموت

العليمي مجتمعاً في الرياض مع مجلس الدفاع الوطني (سبأ)
العليمي مجتمعاً في الرياض مع مجلس الدفاع الوطني (سبأ)
TT

العليمي يطلب تدخل تحالف دعم الشرعية عسكرياً لحماية حضرموت

العليمي مجتمعاً في الرياض مع مجلس الدفاع الوطني (سبأ)
العليمي مجتمعاً في الرياض مع مجلس الدفاع الوطني (سبأ)

توالت التطورات الميدانية والسياسية في المحافظات الشرقية من اليمن، على وقع التصعيد العسكري الذي ينفذه المجلس الانتقالي الجنوبي، ما دفع رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي إلى طلب تحالف دعم الشرعية في اليمن للتدخل عسكرياً لحماية حضرموت.

وتقول مصادر سياسية لـ«الشرق الأوسط» إن المجلس الانتقالي الداعي للانفصال عن شمال اليمن يستغل الظروف الناجمة عن وساطة التهدئة السعودية - الإماراتية للتوسع عسكرياً، على الرغم من أن الوساطة مستمرة، وهدفها إنهاء الصراع سلماً من خلال انسحاب قوات المجلس الانتقالي من حضرموت والمهرة، وعودتها إلى معسكراتها خارج المحافظتين، وتسليم المعسكرات لقوات «درع الوطن» والسلطة المحلية.

وفي هذا السياق، صرّح مصدر مسؤول في الحكومة اليمنية أن رئيس مجلس القيادة الرئاسي، القائد الأعلى للقوات المسلحة، رشاد العليمي، أُطلع، إلى جانب عدد من أعضاء المجلس وأعضاء مجلس الدفاع الوطني، على مجمل الأوضاع في محافظة حضرموت، بما في ذلك العمليات العسكرية التي وصفها بـ«العدائية» التي نفذها المجلس الانتقالي خلال الساعات الأخيرة، وما رافقتها من انتهاكات جسيمة بحق المدنيين.

العليمي طلب تدخلاً عسكرياً من تحالف دعم الشرعية لحماية حضرموت (سبأ)

واعتبر المصدر أن هذا التصعيد، المستمر منذ مطلع الشهر الحالي، يمثل خرقاً صريحاً لمرجعيات المرحلة الانتقالية، وفي مقدمتها إعلان نقل السلطة واتفاق الرياض، فضلاً عن كونه تقويضاً مباشراً لجهود الوساطة التي تقودها السعودية والإمارات، بالتنسيق مع المجتمع الدولي، بهدف خفض التصعيد وانسحاب قوات المجلس الانتقالي من محافظتي حضرموت والمهرة.

وبناءً على هذه التطورات، تقدم العليمي - وفق المصدر الحكومي - بطلب رسمي إلى قوات تحالف دعم الشرعية في اليمن، لاتخاذ كافة التدابير العسكرية اللازمة لحماية المدنيين في محافظة حضرموت، ومساندة القوات المسلحة اليمنية في فرض التهدئة، وحماية جهود الوساطة السعودية - الإماراتية، مجدداً دعوته لقيادة المجلس الانتقالي إلى تغليب المصلحة العامة ووحدة الصف، والامتناع عن مزيد من التصعيد غير المبرر.

المجلس الانتقالي الجنوبي اتخذ إجراءات عسكرية أحادية في حضرموت والمهرة (إ.ب.أ)

وفي السياق ذاته، قالت المصادر الرسمية اليمنية إن العليمي رأس اجتماعاً طارئاً لمجلس الدفاع الوطني، بحضور 3 من أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، ورئيسي مجلسي النواب والشورى، ورئيس الحكومة، وقيادات عسكرية وأمنية، إلى جانب محافظ حضرموت، لمناقشة تداعيات الإجراءات الأحادية التي اتخذها المجلس الانتقالي، وانعكاساتها الخطيرة على الأمن الوطني والإقليمي.

واطلع الاجتماع - بحسب الإعلام الرسمي - على تقارير ميدانية بشأن الانتهاكات التي طالت المدنيين في حضرموت والمهرة، وصولاً إلى الهجمات الأخيرة في وادي نحب، التي عدّها المجلس «مخالفة صريحة» لجهود التهدئة، وتمرداً على مؤسسات الدولة الشرعية.

وأكّد مجلس الدفاع الوطني دعمه الكامل للوساطة التي تقودها السعودية، مشدداً على ضرورة عودة قوات المجلس الانتقالي إلى مواقعها السابقة خارج المحافظتين، وتسليم المعسكرات لقوات «درع الوطن» والسلطات المحلية، وفق ترتيبات منظمة وتحت إشراف التحالف.

تحذير من العواقب

على وقع هذه التطورات، كانت السعودية أعادت رسم خطوط التهدئة شرق اليمن، عبر بيان واضح صادر عن وزارة الخارجية، شدّد على رفض التحركات العسكرية الأحادية، والمطالبة بعودة قوات المجلس الانتقالي إلى مواقعها السابقة.

وأكدت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» أن هذا الموقف تُرجم ميدانياً بتوجيه ضربة جوية تحذيرية في حضرموت، حملت رسالة مباشرة بعدم السماح بفرض وقائع جديدة بالقوة.

وأوضحت المصادر أن الضربة جاءت في إطار الردع الوقائي، محذرة من أن أي تصعيد إضافي سيقابل بإجراءات أكثر صرامة، في مؤشر على انتقال الرياض من سياسة الاحتواء السياسي إلى ضبط ميداني حاسم لحماية الاستقرار.

من جهته، أصدر المجلس الانتقالي بياناً حاول فيه تبرير تحركاته، معتبراً أنها جاءت استجابة لـ«دعوات شعبية»، ومعلناً انفتاحه على التنسيق مع السعودية، رغم وصفه الضربة الجوية بأنها «مستغربة».

ويرى مراقبون أن أي تنسيق محتمل لن يكون مقبولاً إقليمياً ما لم يبدأ بإنهاء التصعيد، وخروج القوات، وتسليم المعسكرات، والعودة إلى طاولة الحوار، دون فرض الأمر الواقع بالقوة.

منطق الوهم

يحذر سياسيون يمنيون من أن تعنت المجلس الانتقالي وإصراره على عسكرة حضرموت، رغم الجهود الصادقة التي تبذلها السعودية والإمارات، يلحق ضرراً فادحاً بالقضية الجنوبية العادلة نفسها، عبر اختزالها في المدرعات والنقاط العسكرية، بدل تحويلها إلى مشروع سياسي قابل للحياة.

ويستدعي هذا السلوك مقارنات إقليمية مؤلمة، أبرزها تجربة حميدتي وميليشيات الجنجويد في السودان، التي اعتمدت السلاح والإرهاب لتنفيذ أجندات خارجية، وكانت النتيجة خراب المدن وانهيار الدولة. كما يستحضر نموذج جنوب السودان، الذي وُلد من رحم الصراع المسلح، لينتهي إلى دولة منهارة وصراعات داخلية مفتوحة.

رغم إقرار اليمنيين بعدالة القضية الجنوبية فإن المجلس الانتقالي يحاول أن يستغلها للتصعيد شرقاً (أ.ب)

ويؤكد خبراء أن المجتمع الدولي لا يعترف إلا بالدول والمؤسسات، لا بالميليشيات، وأن تجربة «أرض الصومال» مثال واضح على عزلة المشاريع التي تُفرض بالقوة، مهما طال أمدها. كما أن فشل محاولات انفصال كتالونيا عن إسبانيا يبرهن أن العالم لا يشرعن الانفصال الأحادي خارج الدولة والدستور.

ويجمع محللون على أن حضرموت أكبر من أن تكون غنيمة لميليشيا مناطقية (إشارة إلى هيمنة مناطق بعينها على قرار المجلس الانتقالي)، وأعمق من أن تُدار بالعنف والسلاح، وأن أي محاولة لجرّها إلى الفوضى تمثل جريمة بحق مكاسب الجنوب وفرصه السياسية.

ويرى مراقبون أن عسكرة حضرموت خطوة غير عقلانية، تعكس إصراراً على فرض الأمر الواقع بأدوات الترهيب ذاتها، التي يدّعي المجلس الانتقالي محاربتها، في تحدٍّ صريح لرغبات المجتمع الدولي الداعية إلى ضبط النفس، والحفاظ على استقرار الجنوب واليمن عموماً.

وكان البيان السعودي شدّد على أن معالجة القضية الجنوبية العادلة لا تكون عبر القوة، بل من خلال حوار سياسي شامل، ضمن المرجعيات المتفق عليها، وفي مقدمتها اتفاق الرياض وإعلان نقل السلطة، بما يحفظ وحدة اليمن ومركزه القانوني، ويمنع انزلاق المحافظات الشرقية إلى مسار يهدد جهود السلام.


تحذيرات مصرية من عرقلة «مسار اتفاق غزة» وتجزئة الإعمار

فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)
TT

تحذيرات مصرية من عرقلة «مسار اتفاق غزة» وتجزئة الإعمار

فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)

تتواصل جهود الوسطاء للدفع بالمرحلة الثانية في اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وسط مخاوف وتحذيرات مصرية، من عرقلة ذلك المسار المرتقب أن يدخل حيز التنفيذ بعد أقل من أسبوع في يناير (كانون الثاني) المقبل.

ذلك الموقف المصري، الرافض لتجزئة الإعمار أو تقسيم قطاع غزة أو وضع شروط إسرائيلية بشأن قوات الاستقرار في القطاع، يحمل رسائل مهمة للضغط على إسرائيل قبل لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 29 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وفق تقديرات خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، وتوقعوا أن تضغط واشنطن لبدء المرحلة الثانية في ضوء تلك الرسائل المصرية.

وأعلن وزير الخارجية الألماني، يوهان فاديفول، في تصريحات، الجمعة، أن ألمانيا لن تشارك في المستقبل المنظور في قوة دولية للاستقرار في غزة ضمن خطة السلام الخاصة بالقطاع المتوقع أن تنتشر الشهر المقبل.

هذه الخطوة تعزز مخاوف مصرية، تحدث بها رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، ضياء رشوان، متهماً نتنياهو بأنه «يحاول إعادة صياغة المرحلة الثانية وحصرها في مطلب نزع سلاح المقاومة، وهو ما لا ينص عليه الاتفاق، وتدركه الولايات المتحدة جيداً»، مشيراً إلى مساعٍ إسرائيلية لإقحام قوة حفظ الاستقرار في أدوار لا تتعلق بتكليفها، مثل نزع السلاح، وهو أمر لن توافق عليه الدول المشاركة.

وأكد رشوان، الخميس، وفق ما أوردت قناة «القاهرة الإخبارية» الفضائية، أن «محاولات نتنياهو قد تؤدي إلى تأجيل أو إبطاء التنفيذ، لكنها لن تنجح في إيقاف المرحلة الثانية»، مشيراً إلى أن «نتنياهو يسعى بكل السبل لتجنب الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، ودفع واشنطن إلى مواجهة مع طهران، بما قد يعيد إشعال غزة ويُفشل المرحلة الثانية من الاتفاق».

والخميس، نقل موقع «واي نت» الإخباري الإسرائيلي عن مصدر عسكري قوله إن نتنياهو سيُطلع ترمب على معلومات استخباراتية عن خطر الصواريخ الباليستية الإيرانية خلال اجتماعهما المرتقب قبل نهاية العام الحالي، لافتاً إلى أن بلاده قد تضطر لمواجهة إيران إذا لم تتوصل أميركا لاتفاق يكبح جماح برنامج الصواريخ الباليستية - الإيرانية.

أمين عام «مركز الفارابى للدراسات السياسية»، الدكتور مختار غباشي، قال إن التصريحات المصرية واضحة وصريحة، وتحمل رسائل للكيان الإسرائيلي وواشنطن قبل الزيارة المرتقبة، مؤكداً أن الغضب المصري عندما يصل لهذه المرحلة من الرسائل المباشرة، تضع واشنطن في حساباتها الوصول لنقطة تقارب بين القاهرة وتل أبيب.

وأكد المحلل السياسي الفلسطيني، نزار نزال، أن التصريحات المصرية تحمل في طياتها رسائل ومخاوف حقيقية من ترسيخ إسرائيلي للوضع القائم من منظور أمني وليس سياسياً، على أمل أن تتحرك واشنطن بجدية لوضع نهاية له.

منازل مدمرة في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

ولا يتوقف الموقف المصري عند مجرد المخاوف، بل يحمل تحذيرات واضحة، وقال وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، الخميس، في مقابلة مع التلفزيون المصري، إن «هناك خطين أحمرين في غزة، الخط الأحمر الأول يتمثل في عدم الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة، هذا مستحيل، المنطقتان تشكلان وحدة واحدة لا تتجزأ للدولة الفلسطينية القادمة، والخط الأحمر الثاني عدم تقسيم قطاع غزة».

وأضاف أن «الكلام اللغو الذي يقال عن وجود تقسيم القطاع إلى مناطق حمراء وخضراء أو أن الأماكن التي تقع تحت سيطرة إسرائيل مباشرة تأكل وتشرب وترى إعماراً، بينما الـ90 في المائة من الفلسطينيين الموجودين في الغرب تحت دعاوى أن (حماس) موجودة لا يأكلون ولا يشربون، هذا عبث ولن يتم ولن يتم التوافق عليه».

وفي ضوء ذلك، شدد مختار غباشي على أن مصر عندما تعلن خطوطاً حمراء، فهذا حد فاصل، وثمة مخالفات على أرض الواقع غير مقبولة، للقاهرة، مشيراً إلى أن القاهرة تتعمد هذه الرسائل في هذا التوقيت على أمل أن تعزز مسار الوسطاء نحو بدء المرحلة الثانية قريباً، خاصة أنه «إذا أرادت واشنطن فعلت ما تريد، خصوصاً إن كان الأمر يتعلق بضغط على الكيان لوقف مساراته المعرقلة للاتفاق».

وذكرت صحيفة «إسرائيل اليوم»، الخميس، أن لقاء نتنياهو وترمب المرتقب سيختتم ببيان عن التقدم المحرز نحو المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة.

وأكد رشوان أن جميع الشواهد تؤكد أن الإدارة الأميركية حسمت موقفها من بدء المرحلة الثانية مطلع يناير المقبل، لافتاً إلى أن استقبال ترمب لرئيس الوزراء الإسرائيلي في 29 ديسمبر الحالي يرجح أن يكون إشارة الانطلاق الفعلية للمرحلة الثانية دون لبس.

ويتوقع نزار نزال أن يحاول نتنياهو في مقابلة ترمب، تمرير سردية بقاء إسرائيل في الخط الأصفر وتقسيم غزة وبدء الإعمار في الجزء الذي يقع تحت سيطرتها، موضحاً: «لكن الرسائل المصرية التحذيرية خطوة استباقية لتفادي أي عراقيل جديدة أو تناغم أميركي إسرائيلي يعطل مسار الاتفاق».


ضربة سعودية تحذيرية في حضرموت... والانتقالي «منفتح على التنسيق»

قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)
قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)
TT

ضربة سعودية تحذيرية في حضرموت... والانتقالي «منفتح على التنسيق»

قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)
قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)

فيما أعاد البيان الصادر عن وزارة الخارجية السعودية رسم المسار المطلوب للتهدئة، شرق اليمن، إذ شدد على وقف التحركات العسكرية الأحادية، مع المطالبة بعودة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي إلى مواقعها السابقة خارج حضرموت والمهرة، أكدت الرياض موقفها ميدانياً عبر توجيه ضربة جوية تحذيرية، وفق ما أكدته مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط».

وأوضحت المصادر أن الضربة جاءت لإيصال رسالة مفادها عدم السماح بفرض وقائع جديدة بالقوة أو تجاوز الأطر المؤسسية التي تحكم الملف الأمني في المحافظات الشرقية، محذرةً من أن أي تصعيد إضافي سيقابل بإجراءات أشد صرامة.

الخارجية السعودية كانت وصفت تحركات «الانتقالي» بأنها أحادية وأضرت بمسار التهدئة، داعيةً إلى خروج عاجل ومنظم للقوات وتسليم المعسكرات تحت إشراف التحالف وبالتنسيق مع مجلس القيادة الرئاسي والسلطات المحلية.

من جهته، أصدر المجلس الانتقالي الجنوبي بياناً، الجمعة، حاول فيه تبرير تحركاته العسكرية، معتبراً أنها جاءت استجابةً لـ«دعوات شعبية جنوبية» لمواجهة التهديدات الإرهابية وقطع خطوط تهريب الحوثيين.

وأكد «الانتقالي»، في بيانه، أنه منفتح على أي تنسيق أو ترتيبات مع السعودية، معتبراً الضربة الجوية «قصفاً مستغرباً» لا يخدم مسارات التفاهم.

وقال مراقبون لـ«الشرق الأوسط» إن التنسيق والترتيبات سيكون مرحباً بهما من قبل السعودية إذا كانت تصب في إنهاء التصعيد وخروج قوات «الانتقالي الجنوبي» واستلام قوات «درع الوطن» الجنوبية والسلطة المحلية المعسكرات والأمن في محافظتي حضرموت والمهرة. والجلوس للتشاور والحوار من دون الحاجة لاستخدام القوة.

ويتوقع مراقبون أن تؤدي الضربة التحذيرية إلى توصيل رسالة واضحة بأن الرياض قد تضطر للانتقال من سياسة الاحتواء الهادئ إلى فرض خطوط حمر لمنع أي تصعيد بالقوة.

وتشير مصادر «الشرق الأوسط» إلى أن أي تسوية مستقبلية ستقوم على عودة الأوضاع إلى ما قبل التصعيد، مدخلاً أساسياً للحفاظ على وحدة الصف اليمني، ومنع انزلاق المحافظات الشرقية إلى مسار يهدد جهود السلام.

كان البيان السعودي أكد على دعم الرياض الكامل لوحدة اليمن وأمنه واستقراره، مشدداً على أن معالجة القضية الجنوبية العادلة لا تتم عبر القوة، بل من خلال حوار سياسي شامل، ضمن المرجعيات المتفق عليها، وفي مقدمتها اتفاق الرياض وإعلان نقل السلطة.

وكشف البيان عن تنسيق سعودي - إماراتي لإرسال فريق عسكري مشترك إلى عدن، لوضع آلية لإعادة انتشار القوات ومنع تكرار التصعيد، في خطوة عدها مراقبون انتقالاً من التحذير السياسي إلى الضبط التنفيذي الميداني.