«داعش» يفشل في بناء دولة بالعراق وسوريا

تدهور الأوضاع المعيشية في المناطق التي يسيطر عليها مع قوانين صارمة وخدمات تنهار.. والأسعار ترتفع والعقاقير نادرة والأمراض تتزايد

آثار الخراب والدماء في أحياء الموصل (واشنطن بوست)
آثار الخراب والدماء في أحياء الموصل (واشنطن بوست)
TT

«داعش» يفشل في بناء دولة بالعراق وسوريا

آثار الخراب والدماء في أحياء الموصل (واشنطن بوست)
آثار الخراب والدماء في أحياء الموصل (واشنطن بوست)

يبدو أن تجربة بناء دولة، التي يتباهى بها تنظيم داعش، تتداعى مع تدهور الأوضاع المعيشية في المناطق التي يسيطر عليها، مما يكشف مواضع قصور التنظيم، الذي يكرس جلّ جهده لخوض المعارك وفرض قوانين صارمة. الخدمات تنهار، والأسعار ترتفع، والعقاقير نادرة الوجود، في بلدات ومدن «الخلافة» التي أعلنها التنظيم في العراق وسوريا على حد قول السكان، وهو ما يثبت كذب التنظيم الذي يزهو بتقديمه نموذجا مثاليا لحكم المسلمين. ولا تتطابق المقاطع المتطورة المصورة التي ينشرها التنظيم وتظهر بها مكاتب حكومية يسير العمل بها على ما يرام وكذا مساعدات يتم توزيعها، مع الواقع الذي يعاني فيه السكان من الحرمان وانعدام التنظيم والقيادة المتخبطة على حد قولهم. ولم تظهر عملة «الدولة الإسلامية» التي تم التغني بها إلى حيز الوجود، وكذلك الحال بالنسبة إلى جوازات السفر التي وعد بها التنظيم.
والوضع في المدارس لا يسير كما ينبغي، وهناك نقص في الأطباء، والأمراض في تزايد.
وفي مدينة الموصل العراقية، أصبح الماء غورا لنفاد الكلور على حد قول صحافي يقيم هناك، لكنه رفض ذكر اسمه حفاظا على سلامته الشخصية. ويقول إن مرض الالتهاب الكبدي الوبائي قد انتشر، والدقيق قد ندر. وأضاف: «لم تعد هناك حياة في المدينة تقريبا. يبدو الأمر وكأننا نعيش في سجن كبير».
أما في مدينة الرقة السورية، التي أعلنها التنظيم عاصمة له، تتوافر المياه والكهرباء لنحو 3 أو 4 ساعات يوميا على الأكثر، في حين تتراكم القمامة، ويقتات فقراء المدينة على فضلات الطعام في الشوارع المزدحمة بالباعة الذين يقتنصون أي شيء يجدونه، كما يوضح أهل المدينة. ويظهر في مقاطع مصورة التقطتها سرا مجموعة من النشطاء نساء وأطفال يصرخون من أجل الحصول على صدقات من الطعام، في حين يأكل مسلحون أجانب الطعام الشهي، في إشارة إلى الفجوة التي بدأت تثير الاستياء.
جزء كبير من المساعدات مقدمة من هيئات إغاثة أجنبية، لا تزال تساعد سرا سكانا في مناطق سورية يسيطر عليها تنظيم داعش. وتمول الولايات المتحدة عيادات رعاية صحية، وتوفر أغطية، ومواد تغطية بلاستيكية، وأشياء أخرى لمساعدة المواطنين المحتاجين في الصمود خلال فصل الشتاء على حد قول مسؤول أميركي رفض ذكر اسمه نظرا لحساسية الموضوع.
ولا تزال الحكومة السورية تدفع الرواتب لموظفي الدولة الذين يساعدون في الحفاظ على ما تبقى من البنية التحتية المتقوضة في المدن السورية والعراقية على حد سواء، ويذهبون شهريا لتقاضي رواتبهم من مكاتب في مناطق تسيطر عليها الحكومة السورية.
وقال المسؤول الأميركي: «لا يعلم تنظيم داعش كيفية إدارة الأمور. وعندما يحدث نقص في العمالة، يصيبهم اليأس. إنه ليس لديه طاقم كامل من المهندسين وغيرهم لإدارة شؤون المدن، لذا ينهار الوضع».
وهناك مؤشرات على تداعي الروح المعنوية على الأقل بين بعض المقاتلين ممن اصطدمت توقعاتهم بإحراز نصر سريع بالضربات الجوية التي يشنها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية. وقد دعا منشور تم توزيعه في مدينة الرقة خلال الشهر الحالي المقاتلين، الذين كانوا يوفرون جهودهم، إلى الانضمام إلى خطوط المواجهة، وتم إنشاء قوة شرطة جديدة تنتقل من منزل إلى آخر لإخراجهم. ولا يوجد ما يشير إلى أن تلك الصعوبات ستؤدي إلى تمرد، على الأقل قريبًا. ويمنع الخوف من إقامة الحدود وغياب بدائل المواطنين من الجهر بشكواهم على حد قول سكان المدينة في مقابلات أجريت أثناء زياراتهم إلى تركيا أو عن طريق الإنترنت. مع ذلك يقوض هذا الوضع المتدهور على الأقل جانبا مهما من هوية تنظيم داعش كدولة يسعى إلى إعادة إحياء الخلافة التي حكمت العالم الإسلامي خلال القرن السابع الميلادي. الحكم عنصر أساسي لتحقيق هذا الهدف مثلما كان الحال في الغزوات، وهو ما دفع مقاتلي التنظيم إلى الانتشار في أكثر أنحاء سوريا والعراق خلال العام الماضي.
أضعفت الهجمات التي نفذها التحالف الدولي بقيادة أميركية الزخم الذي حظي به التنظيم في ساحة المعركة وساعد في صد هجمات التنظيم على عدة جبهات من بلدة كوباني، أو عين العرب، الصغيرة في شمال سوريا إلى مزارع جنوب بغداد. كذلك يثير عجز التنظيم عن تقديم الخدمات في المناطق التي تقع تحت سيطرته تساؤلات بشأن مدى قابلية طموحاته للصمود.
وقال أحد النشطاء في مدينة دير الزور شرق سوريا: «ليس تنظيم داعش هو ذلك الوحش الخفي الذي بإمكانه السيطرة على كل شيء وهزيمة الجميع». ورفض الناشط الإفصاح عن هويته عند وصفه لتدني مستوى الخدمات بالمدينة. وأضاف قائلا: «كل ما يقال عن مهارة التنظيم في الإدارة غير صحيح. ليس هذا سوى صورة غير حقيقية. إنهم يفتقرون إلى الخبرة».
ولعل هذا الفارق أوضح ما يكون في مدينة الرقة، أول المدن الكبرى التي وقعت تحت سيطرة تنظيم داعش منذ ما يزيد على العام وتعد مهد تجربته في الحكم. وقال أحد رجال الأعمال من مدينة الرقة والذي سافر إلى الموصل مؤخرًا إن الموصل أفضل حالا من مدينته السورية التي يواجه أهلها شبح الجوع والقصف الجوي من قبل النظام السوري الذي يسفر عن مقتل مدنيين في أغلب الأحوال.
ولعب القصف الجوي دورا مهما في تقويض البنية التحتية، فقد قصف سلاح الجو الأميركي أهدافا لتنظيم داعش وكذا ساهم في إجبار التنظيم على التخلي عن كثير من المباني الحكومية التي سيطر عليها. وزادت الهجمات الأميركية ضد مصافي النفط الصغيرة المتواضعة، التي يعتمد عليها كثير من المواطنين كمصدر للدخل، من الحرمان، وخلفت ورائها الكثيرين من دون مصدر دخل، وأدت إلى ارتفاع الأسعار.
يبدو أن قدرة «داعش» على الإدارة، كما توحي بها الصورة السائدة، أمر مشكوك فيه على حد قول سوريين. من يستطع الهروب من المناطق التي يسيطر عليها التنظيم هرب، وكان من بينهم مهنيون مهاراتهم ضرورية لتقديم الخدمات الحكومية. ويقول سوريون إن شبكة من أمراء الظل يشرفون على إدارة «داعش». وغالبا ما يشغل سوريون أو أجانب يفتقرون إلى مهارات الإدارة أو المهارات الفنية مناصب متدنية. وقال عامل إغاثة سوري يتعامل بانتظام مع مسؤولي «داعش» رفض ذكر اسمه حتى لا يخسر صفقاته مع التنظيم: «أصبح تنظيم (داعش) أكبر من أن يسيطر على ذاته». ويرى أنهم يتمتعون بقوة العزيمة ومتعاونون، «لكنهم يفتقرون إلى الذكاء والقدرة والخبرة».
وتكون تعاملات أكثر المواطنين مع «داعش» مع قوات الشرطة وأجهزة الأمن المنتشرة في كل مكان بما فيها دوريات الحسبة سيئة السمعة التي تجوب الشوارع بحثا عن المخالفين لقوانين الشريعة الإسلامية.
ويغلق أصحاب محلات الأحذية محلاتهم 5 مرات من أجل أداء الصلاة، وأقلع المدخنون عن التدخين خوفا من الحكم عليهم بالسجن لمدة 3 أيام عند القيام بذلك للمرة الأولى وشهر عند تكرار ذلك. وتزداد حالات الإعدام العلني كعقاب على السرقة والتجديف والمعارضة. وهناك عقوبة جديدة لممارسة المثلية الجنسية وهي القذف من أعلى مبنى مرتفع، وقد نُفذت مرتين خلال الأسابيع القليلة الماضية.
مع ذلك يرى البعض أن هذا النظام أفضل من نظام الأسد.
على الجانب الآخر، تراجعت معدلات الجريمة ويرحب كثير من السكان بهذا النظام بديلا لحالة غياب القانون التي سادت أيام وجود الثوار السوريين المعتدلين. لقد اعتاد السوريون الذين عاشوا لعقود تحت حكم الرئيس بشار الأسد على طاعة الأوامر وتكيف كثير منهم مع القوانين الجديدة على حد قول موظف حكومي بقسم الضرائب السابق الذي يتقاضى راتبه من الحكومة رغم أنه لم يعد يعمل. وأضاف قائلا: «ليس تنظيم داعش بقسوة النظام السوري. إن لم تقم بتصرف خاطئ، بحسب معاييرهم لا معاييرنا، فلن يزعجوك».
مع ذلك أحيانا يعرقل التطبيق الصارم للقوانين جهود تقديم الخدمات؛ فعندما أسرع عمال الكهرباء لإصلاح الخطوط التي تضررت جراء القصف الجوي من قبل نظام الأسد في مدينة دير الزور، اعتقلهم وجلدهم تنظيم داعش بسبب العمل وقت الصلاة بحسب ما أوضح ناشط في مدينة دير الزور.
كذلك تم اعتقال كل طاقم العمل في واحدة من بين 4 مستشفيات لا تزال تقدم خدماتها أثناء أحد الاجتماعات لأن ثلاثتهم كانوا يدخنون. ولا يوجد ما يشير إلى أي تأثير على دخل «داعش»، الذي يُقدر بنحو 12 مليون دولار شهريا.
ولا يزال تنظيم داعش يجبر السكان على دفع المال، ويجمع الضرائب من أصحاب محلات الأحذية، ويتقاضى رسوم استخدام الكهرباء والهواتف. وقال حسن حسن، محلل سوري يعمل لدى معهد «دلما» في دبي: «لو توقف النظام عن توفير وسائل الاتصال والرواتب، لا أعتقد أن تنظيم داعش سوف يصمد. إنه يجبر الناس على دفع المال مقابل الأشياء التي يقدمها النظام، لكنه لا يصلح أن يكون دولة».
* «واشنطن بوست»
خاص بـ{الشرق الأوسط}



مصر وقطر تدعوان إلى سرعة تشكيل قوة الاستقرار الدولية في غزة

رئيس الوزراء القطري خلال حديثه في منتدى الدوحة السبت (الخارجية القطرية)
رئيس الوزراء القطري خلال حديثه في منتدى الدوحة السبت (الخارجية القطرية)
TT

مصر وقطر تدعوان إلى سرعة تشكيل قوة الاستقرار الدولية في غزة

رئيس الوزراء القطري خلال حديثه في منتدى الدوحة السبت (الخارجية القطرية)
رئيس الوزراء القطري خلال حديثه في منتدى الدوحة السبت (الخارجية القطرية)

دعت مصر وقطر، السبت، إلى سرعة تشكيل قوة الاستقرار الدولية وتمكينها من أداء ولايتها في قطاع غزة.

وخلال لقاء عقده رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن، مع وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، على هامش انعقاد «منتدى الدوحة»، في العاصمة القطرية، السبت، أكد المسئولان أهمية مواصلة الجهود الرامية لتنفيذ اتفاق شرم الشيخ للسلام بمراحله كافة، وتثبيت وقف إطلاق النار ومنع أي خروقات، إلى جانب التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن 2803، فضلاً عن سرعة تشكيل قوة الاستقرار الدولية وتمكينها من أداء ولايتها.

كما شدد الوزيران على أهمية ضمان تدفق المساعدات الإنسانية دون عوائق، ودعم خطوات التعافي المبكر وإعادة الإعمار.

وفي كلمته خلال افتتاح «منتدى الدوحة»، أكد رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أن اتفاق غزة لم يطبَّق بالكامل، مشيراً إلى استمرار التفاوض لرسم المسار المستقبلي للمرحلة التالية.

وقال آل ثاني إن التحديات التي تشهدها المنطقة ليست معزولة عمَّا يشهده العالم من تراجع احترام القانون الدولي.

وأضاف أن «العدالة باتت في كثير من الأحوال غائبة عن مسار القانون الدولي»، مشيراً إلى أن الحلول العادلة وحدها هي التي تصنع السلام المستدام في العالم.

ولفت إلى أن «العالم لا يحتاج إلى مزيد من الوعود، بل يحتاج إلى عادلة تترجم الأقوال إلى أفعال»، مؤكداً أن «غياب المساءلة أحد أخطر مظاهر الاختلال في النظام الدولي الحالي».

وفي حديثه عن الوساطة، شدد على أنها ليست رفاهية سياسية، بل منهج راسخ لدولة قطر، معرباً عن إيمان الدوحة بأن العدالة ليست غاية سياسية فحسب، بل ركيزة أساسية لصون القانون الدولي.

معبر رفح وتهجير الفلسطينيين

وخلال مشاركته في جلسة بعنوان «محاسبة غزة: إعادة تقييم المسؤوليات العالمية والمسارات نحو السلام»، أكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، التزام بلاده بمواصلة جهودها مع مختلف الأطراف الإقليمية والدولية لتثبيت وقف إطلاق النار، ودعم مسار يُفضي إلى تسوية عادلة للقضية الفلسطينية قائمة على مرجعيات الشرعية الدولية، وبما يحقق الأمن والاستقرار ويحفظ الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

وقال عبد العاطي إن «تثبيت وقف إطلاق النار يمثل أولوية قصوى، بوصفه المدخل الضروري للانتقال المنظَّم إلى المرحلة الثانية من خطة الرئيس ترمب للسلام». وأوضح أن هذه المرحلة تتطلب إدخال المساعدات الإنسانية بشكل كافٍ ودون عوائق، والبدء في جهود التعافي المبكر وإعادة الإعمار، بما يخفف من حدة المعاناة ويعيد الأمل لسكان القطاع.

وشدد الوزير عبد العاطي على أن معبر رفح يعمل بشكل متواصل من الجانب المصري، وأن المشكلة تكمن على الجانب الإسرائيلي الذي يغلق المعبر من جانبه، فضلاً عن تحكمه في خمسة معابر أخرى تربطه بقطاع غزة، يتحمل مسؤولية فتحها.

ولفت إلى أن خطة الرئيس ترمب تنص على إعادة فتح معبر رفح في الاتجاهين، وليس استخدامه في اتجاه واحد، أو استخدامه بوابةً لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، أو ربطه بأي ترتيبات تمس الوجود الفلسطيني في القطاع.

وبعد لقاء بين وزيري خارجية قطر ومصر على هامش «حوار الدوحة»، ذكر المتحدث باسم الخارجية المصرية تميم خلاف، في بيان صحافي، أن الوزير عبد العاطي أكد الحرص على مواصلة التنسيق الوثيق مع دولة قطر في مختلف القضايا الإقليمية، والبناء على العلاقات الثنائية المتنامية بما يخدم مصالح الشعبين ويدعم جهود تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.

وانطلقت في العاصمة القطرية، النسخة الـ23 لـ«منتدى الدوحة 2025» بحضور أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ومشاركة رؤساء دول وخبراء ودبلوماسيين وحضور رفيع المستوى من مختلف أنحاء العالم. وتقام جلسات المنتدى تحت شعار: «ترسيخ العدالة... من الوعود إلى الواقع الملموس».

اتفاق غزة لم يطبَّق

وخلال مشاركته في إحدى جلسات المنتدى، قال رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري إنه لا يمكن اعتبار أن «هناك وقفاً كاملاً لإطلاق النار في غزة إلا بانسحاب إسرائيل من القطاع»، مؤكداً «استمرار التفاوض لرسم المسار المستقبلي للمرحلة التالية».

ولفت إلى أن الجهود التي بُذلت للتوصل إلى وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مطلوبة لمرحلتي الاستقرار وتأسيس دولة فلسطين، قائلاً: «نحن في مرحلة مفصلية ولم يطبَّق الاتفاق بشأن غزة فيها بالكامل».

وأضاف أن بلاده تؤمن بأن لديها دوراً في استقرار المنطقة والعالم، وتطمح لحل النزاعات بالوساطة.

فوارق الوساطة

أوضح رئيس الوزراء القطري أنه لا يمكن مقارنة جهود الوساطة بين الولايات المتحدة وأفغانستان بالوساطة بين إسرائيل وحركة «حماس»، مبيناً أن التحدي في جهود الوساطة الأخيرة يتمثل في أن الولايات المتحدة الأميركية بصفتها أحد الوسطاء، كانت تتحدث فقط مع طرف واحد وهو الطرف الإسرائيلي، غير أنها بدأت بعد ذلك الانخراط بالتحدث إلى الجانبين، وهو ما ساعد على إحداث اختراق في المفاوضات والتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.

وقال: «لكننا لا نعدّه وقفاً كاملاً لإطلاق النار، إلا إذا انسحبت القوات الإسرائيلية بشكل كامل وتحقق الاستقرار في القطاع، وأصبح بإمكان الناس الدخول والخروج دون عوائق على أرض الواقع».

ونبه رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري إلى أن الصراع لا ينحصر في قطاع غزة وحده بل يمتد ليشمل الضفة الغربية، وتطلعات الشعب الفلسطيني لبناء دولته، معرباً عن أمله في تعاون الحكومة الإسرائيلية على تحقيق ذلك.

وحذر الوزير القطري من عودة التطرف في غياب المحاسبة، وقال: «ما لمسناه وجرَّبناه على مر العامين الماضيين، هو أنه في حال غياب المحاسبة وفي حال غياب الإنفاذ، فإن الأمور ستبقى على حالها، وسوف نبقى رهائن في أيدي المتطرفين، وهذا ما نريد أن نتفاداه، وقد شهدنا ولاحظنا أن الجهود التي بذلناها جميعاً لكي نتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار كانت ضرورية ومطلوبة أيضاً للمرحلة الثانية، لإرساء الاستقرار، بينما تكون المرحلة الثالثة هي تأسيس الدولة الفلسطينية».

وحذر من أنه «في حال تمكنت هذه الأجندة المتطرفة من أن تكون لها الغلبة على جهودنا الجماعية في المجتمع الدولي فعلى الجميع أن يقر بأن هناك خطأ ما في الهيكلية أو البنية التي نعمل معها»، معرباً عن اعتقاده بأن الدور الأميركي هو دور رئيسي في هذا السياق، لأن الولايات المتحدة تتحمل مسؤولية الإنفاذ لكي تضع هذا الحل على المسار الصحيح.

ودعا في إجابة عن سؤال، إلى البناء على المصالح المشتركة لأطراف النزاع كأساس لأي مفاوضات لإرساء السلام والاستقرار، مع أهمية الدبلوماسية الاقتصادية في هذا السياق، لإحداث الازدهار والرخاء الاقتصادي أيضاً.


خبراء وسياسيون: الملف اليمني يشهد تحولات... ويحتاج لحل سياسي

جانب من الجلسة التي شهدت حديثاً عن الملف اليمني في الدوحة السبت (قنا)
جانب من الجلسة التي شهدت حديثاً عن الملف اليمني في الدوحة السبت (قنا)
TT

خبراء وسياسيون: الملف اليمني يشهد تحولات... ويحتاج لحل سياسي

جانب من الجلسة التي شهدت حديثاً عن الملف اليمني في الدوحة السبت (قنا)
جانب من الجلسة التي شهدت حديثاً عن الملف اليمني في الدوحة السبت (قنا)

ركَّزت الجلسة الحوارية الرئيسية التي شهدها اليوم الأول من «منتدى الدوحة» على تطورات جهود حلّ الأزمة اليمنية، وبحث أبرز التحديات التي تعيق الوساطة وتقوِّض عملية السلام. وعدّ متحدثون في الجلسة الحوارية أن اليمن أمام مفترق طرق بين معوقات سياسية في ظل إعادة تشكيل الإقليم.

وحملت الجلسة الحوارية، التي عُقدت يوم السبت، عنوان: «الوساطة في النزاعات وبناء السلام والقانون الدولي والمساءلة». وشهدت مشاركة الدكتور شائع محسن الزنداني وزير الخارجية وشؤون المغتربين اليمني، وهانس غروندبرغ المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، والدكتور عبد العزيز صقر، رئيس مركز الخليج للأبحاث، وماجد المذحجي، رئيس مركز صنعاء للدراسات.

تحدث المشاركون خلال الجلسة، عن أبرز المعوقات التي تواجه الملف اليمني اليوم، والذي يشهد تحولات هائلة، وتحديداً بعد حرب غزة الأخيرة، مشددين على أن التعاطي مع اليمن يحتاج لتفكير عميق، وليس الاكتفاء بالتعاطي مع الأحداث الآنية ووليدة اللحظة.

العملية السياسية

أكد المتحدثون أهمية إيجاد الحل السياسي لإنهاء الصراع اليمني، والذي يحتاج لوقف عملية إطلاق النار، ليتم بدء العملية السياسية التي يبدأ الأطراف خلالها بمناقشة كيفية معالجة هذه الصراعات وصولاً إلى حل دائم.

وأوضحوا أن معالجة أبعاد الصراع في اليمن تستدعي مقاربة سياسية شاملة، تبدأ بإرادة حقيقية لدى الأطراف للوصول إلى تسوية دائمة، لافتين إلى أن أي عملية سياسية ذات جدوى لا بد أن تُبنى على حوار شامل يضم مختلف القوى الفاعلة، بما في ذلك المكونات السياسية والاجتماعية والمعارضة الداخلية؛ لضمان تمثيل واسع يرسّخ شرعية أي اتفاق مستقبلي.

وأشاروا إلى أن استمرار غياب الحل السياسي يعني استمرار دوامة الصعوبات والتوترات، ما يجعل الحاجة ملحة لخطوات عملية تعيد الأطراف إلى طاولة التفاوض.

وتطرقوا إلى أبرز الأبعاد الاقتصادية للصراع، التي أصبحت جزءاً أساسياً من ملف الحل، مبينين أن معالجتها تتطلب توافقاً حول برامج إنعاش اقتصادي وإصلاحات عاجلة تسهم في تخفيف المعاناة وتحسين الاستقرار.

الشراكة والتعقيدات

شدد الخبراء على أن إنجاح العملية السياسية يستوجب إشراك مجموعة واسعة من الأطراف المحلية والإقليمية والدولية، وتقديم الدعم للمشاركين بما يمكّنهم من تجاوز الخلافات وبناء أرضية مشتركة.

ولفتوا إلى أن أي حل مستدام ينقذ مستقبل اليمن لن يتحقق ما لم تؤخذ بالاعتبار تعقيدات المشهد اليمني وتوازنات القوى ومعارضة بعض المجموعات، وهو ما يتطلب جهداً منظماً وإرادة سياسية صادقة.

وخلال الجلسة، استعرض المشاركون عدداً من الأحداث والحقبات والمراحل الزمنية التي مرت على اليمن، مؤكدين أن هناك تعقيدات وتحديات تحتاج إلى تفكير عميق للولوج إلى حل سياسي يعيد البناء من جديد.


انشغال عربي بمنع تهجير الفلسطينيين عبر معبر رفح

أطفال فلسطينيون يبكون خلال حضور جنازة أشخاص قُتلوا في خان يونس (أ.ف.ب)
أطفال فلسطينيون يبكون خلال حضور جنازة أشخاص قُتلوا في خان يونس (أ.ف.ب)
TT

انشغال عربي بمنع تهجير الفلسطينيين عبر معبر رفح

أطفال فلسطينيون يبكون خلال حضور جنازة أشخاص قُتلوا في خان يونس (أ.ف.ب)
أطفال فلسطينيون يبكون خلال حضور جنازة أشخاص قُتلوا في خان يونس (أ.ف.ب)

أكدت مصر رفض «تهجير الفلسطينيين» من خلال معبر رفح، وذلك بعد ساعات من موقف مماثل عبَّرت عنه دول عربية وإسلامية رفضت «التصريحات الإسرائيلية بشأن فتح معبر رفح في اتجاه واحد لإخراج سكان قطاع غزة إلى مصر». وبينما تناولت مشاورات بـ«منتدى الدوحة»، السبت، «ضرورة تثبيت وقف إطلاق النار في قطاع غزة ودخول المرحلة الثانية من الاتفاق». توافقت قطر ومصر على سرعة تشكيل «قوة الاستقرار الدولية».

وقال وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي خلال «منتدى الدوحة»، السبت، إن «معبر رفح لن يكون بوابةً لتهجير الفلسطينيين، بل فقط لإغراق غزة بالمساعدات الإنسانية والطبية».

وكان من المقرر فتح معبر رفح في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ضمن المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، الذي بدأ سريانه في الشهر ذاته، غير أن إسرائيل أبقته مغلقاً في كلا الاتجاهين منذ دخول الاتفاق حيز التنفيذ، قائلة إنه على «حماس» الالتزام بإعادة الرهائن جميعاً، الذين لا يزالون في غزة، الأحياء منهم والأموات.

وأعربت المملكة العربية السعودية ومصر والأردن والإمارات وإندونيسيا وباكستان وتركيا وقطر، مساء الجمعة، عن بالغ القلق إزاء التصريحات الإسرائيلية بشأن فتح معبر رفح في اتجاه واحد لإخراج سكان قطاع غزة إلى مصر.

وشدَّد وزراء خارجية الدول الـ8، في بيان، على «الرفض التام لأي محاولات لتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه».

وأكدوا «ضرورة الالتزام الكامل بخطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وما تضمَّنته من فتح معبر رفح في الاتجاهين، وضمان حرية حركة السكان، وعدم إجبار أي من أبناء القطاع على المغادرة، بل تهيئة الظروف المناسبة لهم للبقاء على أرضهم، والمشاركة في بناء وطنهم، ضمن رؤية متكاملة لاستعادة الاستقرار وتحسين أوضاعهم الإنسانية».

وشكَّل معبر رفح بُعداً جديداً للتوتر بين مصر وإسرائيل، بعد أن قال مكتب منسق أنشطة الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، في بيان، الأربعاء الماضي، «بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، وبتوجيه من المستوى السياسي، سيُفتَح معبر رفح خلال الأيام المقبلة حصرياً لخروج سكان قطاع غزة إلى مصر بالتنسيق مع القاهرة».

وعلى الفور، نقلت «هيئة الاستعلامات المصرية» عن مصدر مصري مسؤول نفيه ذلك، مؤكداً أنه «إذا تم التوافق على فتح معبر رفح، فسيكون العبور منه في الاتجاهين، للدخول والخروج من القطاع، طبقاً لما ورد بخطة الرئيس الأميركي للسلام».

وقال رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، ضياء رشوان، أخيراً، إن «الجانب الإسرائيلي يحاول تحميل مصر الخطة الإسرائيلية بشأن التهجير، المرفوضة والمدانة مبدئياً من مصر ودول العالم كله، إما بالضغط على الفلسطينيين للخروج قسراً، وإما بتدمير غزة لجعلها غير صالحة للحياة فيخرجون طوعاً»، مؤكداً أن «التهجير سواء كان قسراً أو طوعاً فهو خط أحمر بالنسبة لمصر».

بدر عبد العاطي خلال جلسة «إعادة تقييم المسؤوليات العالمية ومسارات السلام في غزة» على هامش «منتدى الدوحة» (الخارجية المصرية)

وشارك وزير الخارجية المصري، السبت، في جلسة بعنوان «محاسبة غزة... إعادة تقييم المسؤوليات العالمية والمسارات نحو السلام»، على هامش «منتدى الدوحة»، مشيراً إلى أن «معبر رفح يعمل بشكل متواصل من الجانب المصري، والمشكلة تكمن على الجانب الإسرائيلي الذي يغلق المعبر من جانبه، فضلاً عن تحكمه في 5 معابر أخرى تربطه بقطاع غزة، يتحمل مسؤولية فتحها».

ولفت إلى أن خطة الرئيس الأميركي تنص «على إعادة فتح معبر رفح في الاتجاهين، وليس استخدامه في اتجاه واحد، أو استخدامه بوابةً لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، أو ربطه بأي ترتيبات تمس الوجود الفلسطيني في القطاع»، مؤكداً أن «تثبيت وقف إطلاق النار يمثل أولوية قصوى، بوصفه المدخل الضروري للانتقال المنظم إلى المرحلة الثانية من خطة الرئيس ترمب للسلام».

وفيما يتعلق بـ«قوة الاستقرار الدولية»، دعا عبد العاطي إلى نشر «قوة استقرار دولية على الخط الأصفر في قطاع غزة بأسرع وقت ممكن على الأرض، لأن أحد الأطراف، وهو إسرائيل، ينتهك وقف إطلاق النار يومياً، لذا فنحن بحاجة إلى مراقبين».

وبحسب مشروع قرار اقترحته الولايات المتحدة في مجلس الأمن، ستُمنح قوة الاستقرار الدولية «جميع التدابير اللازمة» لنزع سلاح غزة، وتأمين الحدود، ودعم شرطة فلسطينية مدربة، وضمان وصول المساعدات، وحماية المدنيين.

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليونَي فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً.

طفل يقف بموقع قُتل فيه فلسطينيون بغارة إسرائيلية في خان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

وعلى هامش «منتدى الدوحة»، التقى عبد العاطي، رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، السبت، وتطرقت المحادثات بينهما إلى «تطورات الأوضاع الميدانية في قطاع غزة»، حيث أكدا «أهمية مواصلة الجهود الرامية لتنفيذ اتفاق شرم الشيخ للسلام بمراحله كافة، وتثبيت وقف إطلاق النار، ومنع أي خروقات». وشدَّدا على أهمية «التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن 2803، فضلاً عن سرعة تشكيل قوة الاستقرار الدولية وتمكينها من أداء ولايتها، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية دون عوائق، ودعم خطوات التعافي المبكر وإعادة الإعمار».

إلى ذلك دخل اتفاق وقف إطلاق النار في غزة «مرحلة حرجة» بحسب تأكيد الوسيط القطري، وسط خروقات إسرائيلية متكررة والتفاف على بنود خطة الرئيس الأميركي.

منظر عام لمخيم للنازحين الفلسطينيين في الجامعة الإسلامية بمدينة غزة (أ.ف.ب)

وتحدَّث رئيس الوزراء القطري، السبت، خلال جلسة نقاش ضمن فعاليات «منتدى الدوحة» في قطر، عن أن المفاوضات بشأن حرب غزة تمر بـ«مرحلة حرجة»، مؤكداً أن «الوسطاء يعملون معاً لدخول المرحلة التالية من وقف إطلاق النار». كما أكد وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، خلال «المنتدى» أيضاً، السبت، أن المفاوضات بشأن قوة إرساء الاستقرار في غزة لا تزال جارية، بما في ذلك بحث تفويضها وقواعد الاشتباك.

عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، مساعد وزير الخارجية الأسبق، السفير محمد حجازي، قال: «هناك إدراك من الجميع بأن هناك خطراً يتهدد خطة ترمب في ظل تلكؤ إسرائيلي في تنفيذ المرحلة الثانية مما يجعل هناك ضرورة للتنبيه واستدعاء تحرك دولي عاجل لدعم مسار الاتفاق»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أهمية أن تتحرك واشنطن لدعم وجهة النظر العربية حالياً، ووقف أي مناورات إسرائيلية دعماً لاستقرار المنطقة.

في حين أكد أستاذ العلوم السياسية المتخصص في الشؤون الإسرائيلية والفلسطينية، الدكتور طارق فهمي، لـ«الشرق الأوسط» أن هناك استشعاراً عربياً، لا سيما من الوسيطَين مصر وقطر، بخطورة ما يتم في غزة، وإمكانية أن يتطور الأمر لما يهدد الاتفاق واستقرار المنطقة، مشيراً إلى أن المطلوب تحرك أميركي أكبر بمواعيد محددة وليس أقوالاً فقط.

وأوضح أن المرحلة الحرجة تأتي في ظل 3 سياقات مهمة مرتبطة بالاتفاق، أولها بدء ترتيبات تشكيل مجلس السلام، وثانيها الضغط على الإدارة الأميركية للتعجيل بالمرحلة الثانية، وثالثاً وقف أي تقدم إسرائيلي للالتفاف على خطة ترمب بخطط بديلة.

في حين يتوقَّع المحلل السياسي الفلسطيني، نزار نزال، أن يتحرك الوسطاء نحو تفاهمات أكبر مع واشنطن، لإنهاء منغصات المرحلة الثانية المرتبطة بتشكيل القوات الدولية وصلاحياتها ونزع سلاح «حماس»، وفق رؤية تُنفَّذ على الأرض وليس كما ترغب إسرائيل. وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «توصيف الوسطاء المرحلة الحالية بأنها حرجة، يأتي في ظل استشعارٍ بأن إسرائيل تريد العودة للمربع الأول بعد تسلم رهائنها، وعدم الالتزام بالاتفاق ولا بنوده؛ مما يقوِّض مسار خطة ترمب بالكلية».