خلال الشهر الماضي في سوريا، وقف سيدهارتا دهار أمام شاحنة صغيرة صفراء يحمل بندقية في يده اليمنى ويحتضن ابنه حديث الولادة باليسرى.
ولد أول 4 أطفال لـ«دهار» في لندن، تلك المدينة التي ولد فيها، ولكن مولوده الجديد، الملفوف في قماط بني اللون، ولد في الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم داعش. التقط شخص ما صورة «دهار»، البالغ من العمر 31 عاما، ونشرها هو بتفاخر وزهو في إحدى تغريداته على موقع «تويتر» كدليل على أنه هو وزوجته عائشة وأطفالهما فروا من بريطانيا ويعيشون الآن فيما يصفه المقاتلون بـ«خلافة إسلامية» ستسود العالم يوما ما.
يعتبر وصول أسرة دهار إلى سوريا الشهر الماضي هدفا استراتيجيا هاما لتنظيم داعش، وهو بناء مجتمع وليس فقط جيش. لقد تعهد التنظيم بتكوين أمة تخضع لحكم الشريعة الإسلامية، ويقوم قادته والقائمون على تجنيد أنصاره من خلال شبكة الإنترنت بتشجيع الأطباء، والممرضات، والمحامين، والمهندسين، والمحاسبين، على الانضمام إليهم في بناء مؤسسات الأرض الجديدة.
وقامت أسر بأكملها تتكون من آباء وأمهات وأطفال بتلبية تلك الدعوة بأعداد أصابت المحللين الذين يدرسون التنظيم المتطرف بالدهشة والقلق. فيما قالت الباحثة بمعهد «كينغز كوليدج» بلندن لدراسات التطرف ميلاني سميث: «ترى هذه الأسر أنها تفعل الشيء الصحيح لأطفالها؛ فهم يعتقدون أنهم ينقلونهم إلى نوع من المدن الفاضلة».
لنعد مرة أخرى إلى لندن، حيث قالت الشقيقة الصغرى لدهار، وهي تدعى كونيكا دهار، 27 عاما، إن قلبها انفطر عندما شاهدت الصورة المنشورة على موقع «تويتر» من خلال هاتفها.
لقد أصبح شقيقها الآن متطرفا إسلاميا يطلق على نفسه اسم «أبو رميسة» فرّ مع أسرته إلى سوريا بينما كان مفرجا عنه بكفالة بعدما تم اعتقاله على خلفية اتهامات تتعلق بالإرهاب. وفي تغريداته التي بثها من سوريا، سخر دهار من النظام الأمني البريطاني الذي سمح له بالهروب وهو على ذمة قضية.
إلا أن كونيكا دهار، لا تزال تتذكر شقيقها حين كان طفلا بريطانيا أنيقا يضع كريم تصفيف على شعره، ويواعد الفتيات، ويستمع إلى نيرفانا ولنكين بارك، كما كان يشجع فريق آرسنال، وكان يحب مشاهدة أفلام الحركة الأميركية.
وأضافت: «أعتقد أنه نسي بالفعل شخصية سيدهارتا دهار، وتحول إلى هذا الشخص الآخر. أريد فقط من أخي أن يعرف أنه ليس من الضروري أن يكون هكذا؛ فهو ليس مضطرا بالفعل للتخلي عن حياته. أنا أفتقد الأطفال بالفعل ولا أستطيع أن أتخيل أنني قد لا أراهم مرة أخرى».
من الجدير بالذكر أن تنظيم داعش يسيطر، بخلاف تنظيم القاعدة الذي يعمل في عدة دول لكنه جيش بلا دولة، على أراض استحوذ عليها بالقوة في دولتي العراق وسوريا. ووصل التنظيم، من أجل إنشاء المجتمع الإسلامي الذي يتصوره، إلى مدى بعيد بلغ حد الاستيلاء على المدارس والمستشفيات والملاعب الموجودة أو بناء مؤسسات أخرى مماثلة مهمة في الحياة الأسرية اليومية.
وتقول مايا بلوم، أستاذة الدراسات الأمنية بجامعة «ماساشوستس» في لويل التي كتبت كثيرا عن المرأة والإرهاب: «كلما كانوا ناجحين في إنشاء مجتمع جديد كامل، زادت قدرتهم على استقطاب عائلات بأكملها. يشبه هذا الأمر الحلم الأميركي، ولكن من منظور تنظيم داعش».
وفى مدينة الرقة السورية، التي تعتبر المعقل الرئيسي لتنظيم داعش، أسس المتطرفون مستشفى للولادة تديرها طبيبات تدربن في بريطانيا، ويذهب الصبية إلى مدارس يتلقون فيها التعليم الديني فقط، إلى أن يتموا الـ14 من العمر، وعندها من المتوقع أن يشاركوا في القتال، بحسب سميث. وتظل الفتيات في المدارس حتى يبلغن الـ18 من العمر ويتعلمن فيها القرآن والشريعة إلى جانب كيفية اللبس، والاعتناء بالمنزل، والطهي، والتنظيف، والاعتناء بالرجال وفقا لقواعد الشريعة الإسلامية.
وقالت بلوم إن تنظيم داعش يسعى كذلك لجذب النساء من خلال توفير الكهرباء، والغذاء، ودفع رواتب تصل إلى 1100 دولار شهريا، وهو مبلغ ضخم في سوريا، لكل أسرة من أسر المقاتلين. ويتم توفير هذا التمويل السخي من الأموال المنهوبة من المصارف، وتهريب النفط، وعمليات الخطف بهدف الحصول على فدية، وابتزاز سائقي الشاحنات وغيرهم من الأشخاص الذين يمرون بأراضي تنظيم داعش.
وفي مدينة الرقة، التي كان يقطنها أكثر من 200 ألف نسمة، طرد المقاتلون أهالي المدينة المحليين من منازلهم وقدموا تلك المنازل كمكافآت للمقاتلين وأسرهم، الذين ينحدر أغلبهم من عائلات فقيرة.
وقالت بلوم: «تقدم التنظيمات الجهادية الأخرى وعودا بحصولك على كل الأشياء الرائعة في الآخرة؛ ولكن تنظيم الدولة يعدك بالحصول على أشياء في الحياة الدنيا وفي الآخرة، لذلك لن تضطر للانتظار للتمتع بكل المكافآت».
ويرى محللون أن نحو 15 ألف شخص على الأقل انتقلوا إلى أراضي تنظيم داعش، منهم عدة آلاف، مثل دهار، قادمون من دول غربية. وفي الوقت الذي يصعب فيه معرفة عدد الأسر التي انضمت إلى التنظيم، قالت بلوم إن أكثرهم على الأرجح من تونس والسعودية والأردن وغيرها من الدول العربية التي سافر منها أغلب المقاتلين إلى سوريا.
وقامت الأمم المتحدة بتوثيق مظاهر الوحشية الشديدة التي يمارسها متطرفو تنظيم داعش تجاه المرأة، بما في ذلك أخبار عن تعرض نساء، خصوصا من الأقليات، للرجم بالحجارة حتى الموت، أو يتم بيعهن لممارسة البغاء، أو كإماء وجوار لمقاتلي التنظيم.
ولكن تنظيم داعش يستخدم الصور العائلية في عملية التجنيد الكثيفة والمحسنة على وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك مقاطع مصورة يظهر فيها مقاتلون وهم يدفعون الأطفال على أراجيح ويوزعون لعب أطفال، ومقاطع أخرى يظهر بها أطفال يلعبون على الزحلوقات، وبالسيارات المتصادمة، ويمتطون الأحصنة، ويأكلون حلوى غزل البنات الوردية.
وتستهدف هذه الصور طمأنة الأمهات بأن أطفالهن سيكونون في مأمن في مكان يعجّ بالقتال، وعمليات القصف المنتظمة التي تشنها الولايات المتحدة وحلفاؤها.
ولكن تشير التقارير الأخيرة القادمة من سوريا والعراق إلى أن دعاية تنظيم داعش حول خدماته العامة لا تتطابق مع الواقع الموجود على الأرض، حيث يعاني الأهالي من نقص شديد في الكهرباء والغذاء والدواء والمياه النظيفة. وقالت سميث إنها لاحظت مؤخرا تزايد شكاوى النساء الموجودات في أراضي تنظيم داعش اللاتي تتواصل معهن عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
* خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ{الشرق الأوسط}
«داعش» يجند عوائل بأكملها ضمن مسعاه لإنشاء مجتمع جديد
تشجيع الأطباء والممرضات والمحامين والمهندسين والمحاسبين للمشاركة في بناء {مؤسسات الدولة الجديدة}
«داعش» يجند عوائل بأكملها ضمن مسعاه لإنشاء مجتمع جديد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة