أساتذة الجامعات تحت طائلة القمع والتعذيب في مناطق سيطرة الحوثيين

الجماعة فصلت 800 أكاديمي وهجّرت العشرات إلى خارج البلاد

TT

أساتذة الجامعات تحت طائلة القمع والتعذيب في مناطق سيطرة الحوثيين

منذ سيطرة الجماعة الحوثية على صنعاء أواخر 2014 أطلقت يدها للنيل من أساتذة الجامعات اليمنية سواء عن طريق الخطف والاعتقال أو عن طريق الفصل من الوظيفة أو السجن المحاكمات غير القانونية، فضلا عن تهجير العشرات إلى خارج البلاد.
وكان أحدث انتهاك للجماعة ضد الوسط الأكاديمي حين أقدمت في 9 سبتمبر (أيلول) الجاري، على اختطاف الدكتور عدنان عبد القادر الشرجبي، عضو هيئة التدريس في كلية الآداب بجامعة صنعاء، وأستاذ علم النفس، واقتياده إلى مكان مجهول قبل أن تقوم باقتحام مسكنه ومصادرة حاسوبه الشخصي.
ويؤكد عدد من الأكاديميين في جامعة صنعاء خلال حديثهم لـ«الشرق الأوسط» أن الانتهاكات الحوثية منذ الانقلاب على الشرعية طالت المئات من أعضاء هيئة التدريس، إذ جرى الاعتداء على عدد منهم بما فيهم الدكتور مشعل الريفي، عميد كلية التجارة، والدكتور عدنان المقطري، نائب عميد الجامعة، فضلا عن اختطاف عدد من مدرسي الجامعات بمن فيهم الدكتور يوسف البواب والدكتور أحمد إسماعيل، بتهم ملفقة؛ حيث حكم على البواب بالإعدام، فيما لم يعرف مصير الدكتور أحمد إسماعيل.
كما اعتقلت الجماعة الانقلابية، منذ انقلابها، الدكتور عبد الرزاق الأشول (يشغل حاليا وزير التعليم المهني في حكومة الشرعية) والدكتور عبد المجيد المخلافي (وزير سابق) وكلاهما جرى اعتقالهما بصفته السياسية، وتم إطلاقهما بعد اعتقال امتد لعدة أشهر، إضافة إلى اعتقال الدكتور محمد الظاهري (رئيس النقابة) والدكتور عبد الله الفقيه، أستاذ العلوم السياسية في كلية التجارة اللذين جرى اعتقالهما أثناء قيامهما بوقفة احتجاجية مع الدكتور عبد المجيد المخلافي وتم إطلاق سراح الجميع بعد فترة قصيرة من اعتقالهم.
وتحدث الأكاديميون عن اختطاف جماعة الحوثي لمجموعة من أساتذة جامعة صنعاء وهم في طريقهم إلى مدينة عدن لتسلم مرتباتهم إذ تم إخضاعهم لاعتقال دام أياما، وتعرضوا خلالها لتحقيقات مكثفة، وهم: الدكتور خالد الشميري، الدكتور عبد السلام المخلافي، والدكتور عدنان الشعيبي، والدكتور فازع المسلمي، فيما اعتقلوا زوج الدكتورة آمنة يوسف التي كان برفقتها.
وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2016 اختطف عناصر من جماعة الحوثي أستاذ اللسانيات في كلية اللغات بجامعة صنعاء الدكتور يوسف البواب، أثناء عودته من صلاة العشاء من منطقة سواد حنش، وسط صنعاء، ومن يومها يتلقى البواب شتى أنوع التعذيب كما كشفها في أولى جلسات محاكمته في المحكمة الجزائية المتخصصة في صنعاء، التي يديرها الحوثيون.
وفي يوليو (تموز) 2019 حكمت المحكمة الجزائية الحوثية بالإعدام على الدكتور يوسف البواب، من ضمن محكومين آخرين، بينهم طلاب ومعلمون وناشطون وسياسيون، موجهة لهم تهما ملفقة بتشكيل خلايا لتنفذ تفجيرات واغتيالات في صنعاء، كما ترددت أنباء عن تعذيب الدكتور البواب وحرمانه من الرعاية الطبية والمشورة القانونية.
وفي هذا السياق يقول الدكتور عبده البحش، وهو عضو دائرة الدراسات والبحوث السياسية في مركز الدراسات والبحوث اليمني بصنعاء، وواحد من الأكاديميين المهاجرين إلى إحدى الدول الأوروبية، إن «المجتمع الأكاديمي اليمني يتعرض إلى كارثة حقيقية منذ أن انقلبت الميليشيات الحوثية على مسار الدولة الوطنية والتجربة الديمقراطية ودشنت مشروعها الصفوي بطريقة تحاكي التجربة الإيرانية التي تدير العديد من الميليشيات الإرهابية المسلحة في العديد من البلدان العربية».
وأضاف البحش في حديثه لـ«الشرق الأوسط» «في سبيل نجاح المشروع الإرهابي الإيراني في اليمن مارس الحوثيون أقسى أنواع التنكيل ضد المجتمع الأكاديمي الديمقراطي الحر، فقاموا بتغيير عمداء الكليات ورؤساء الأقسام ورؤساء الجامعات والقيادات الإدارية في جامعة صنعاء والجامعات الأهلية والحكومية التي تقع في المناطق الخاضعة لسيطرتهم».
وأكد الدكتور البحش أن سياسة الميليشيات أدت إلى فرار مئات الأكاديميين إلى المناطق المحررة في جنوب اليمن وشرقه، إلا أن العديد من المشردين تمكنوا من الهجرة إلى خارج اليمن خشية من الاعتقال والاختطاف والمضايقة والاغتيال، بينما سارعت الميليشيات الحوثية إلى فصل 800 أستاذ جامعي من أعمالهم وتعيين عناصر من الموالين لها بهدف تغيير الهوية الوطنية من خلال تكريس الفكر الصفوي الإيراني.
وتشير تقديرات يمنية إلى أن ما لا يقل عن 1500 أكاديمي هاجروا من اليمن وتركوها نتيجة للقبضة الحوثية الحديدية ونتيجة لتردي أوضاعهم المعيشية بسبب القمع والتضييق على الحرية الأكاديمية وحرية البحث العلمي وإيقاف صرف المرتبات الشهرية.
ومن جانبه، يقول الدكتور علي مهيوب العسلي، المسؤول الأكاديمي في الهيئة الإدارية لنقابة أعضاء هيئة التدريس ومساعديهم في جامعة صنعاء، إن «جامعة صنعاء وغيرها من الجامعات لم تعد حرما بل ربما صارت معتقلا كبيرا، ولم تعد للتعليم بل أصبحت للتوعية بملازم حسين بدر الدين الحوثي، ولم تعد للبحث العلمي لدراسة المشكلات ووضع الحلول لها بل بات البحث العلمي والترقية للأساتذة يتم بناء على أبحاث تعظم السلالة وتشوه التاريخ».
ويضيف في حديثه لـ«الشرق الأوسط» «لقد تم جرف كل ما هو جميل في الجامعات، جرفت القيم والعادات والأعراف الأكاديمية وحرفت المناهج وجيء بمن هم مشرفون من خارج مؤسسات الجامعة ليكونوا مشرفين وعمداء ورؤساء أقسام والحبل على الجرار كما يقال».
ويعد الدكتور العسلي أحد الأساتذة المهاجرين الذين طالبت الجماعة الحوثية بإعدامهم على خلفية صورة جمعته والأمين العام للنقابة، عبد الحميد البكري مع رئيس الوزراء حينذاك الدكتور أحمد عبيد بن دغر، إذ طلب رئيس الجامعة المعين حوثيا، أخذ تلك الصورة للمحكمة الجزائية المختصة ومحاكمة الموجودين فيها بتهم الخيانة.


مقالات ذات صلة

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

العالم العربي مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

لجأت الجماعة الحوثية إلى مواجهة مخاوفها من مصير نظام الأسد في سوريا بأعمال اختطاف وتصعيد لعمليات استقطاب وتطييف واسعة وحشد مقاتلين

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح خلال الاجتماع (سبأ)

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

دعا عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح إلى ما أسماه «وحدة المعركة»، والجاهزية الكاملة والاستعداد لتحرير العاصمة اليمنية صنعاء من قبضة الميليشيات الحوثية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي جانب من اجتماع سابق في عمّان بين ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين خاص بملف الأسرى والمحتجزين (مكتب المبعوث الأممي)

واشنطن تفرض عقوبات على عبد القادر المرتضى واللجنة الحوثية لشؤون السجناء

تعهَّدت واشنطن بمواصلة تعزيز جهود مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، بمَن فيهم «مسؤولو الحوثيين».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي من عرض عسكري ألزم الحوثيون طلبة جامعيين على المشاركة فيه (إعلام حوثي)

حملة حوثية لتطييف التعليم في الجامعات الخاصة

بدأت الجماعة الحوثية فرض نفوذها العقائدي على التعليم الجامعي الخاص بإلزامه بمقررات طائفية، وإجبار أكاديمييه على المشاركة في فعاليات مذهبية، وتجنيد طلابه للتجسس.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني (سبأ)

​وزير الإعلام اليمني: الأيام المقبلة مليئة بالمفاجآت

عقب التطورات السورية يرى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة تحمل الأمل والحرية

عبد الهادي حبتور (الرياض)

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».