فيروز... «سفيرة» لبنان للعالم ورمز وحدته

الرئيس الفرنسي يلتقيها اليوم خلال زيارته لبيروت

الفنانة اللبنانية فيروز خلال حفل نادر في بيروت عام 2010 (أرشيفية - أ.ف.ب)
الفنانة اللبنانية فيروز خلال حفل نادر في بيروت عام 2010 (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

فيروز... «سفيرة» لبنان للعالم ورمز وحدته

الفنانة اللبنانية فيروز خلال حفل نادر في بيروت عام 2010 (أرشيفية - أ.ف.ب)
الفنانة اللبنانية فيروز خلال حفل نادر في بيروت عام 2010 (أرشيفية - أ.ف.ب)

فيروز التي يبدأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون زيارته إلى بيروت بلقاء معها اليوم (الاثنين)، هي سفيرة الفن اللبناني إلى العالم، التي يلتقي اللبنانيون من كل الطوائف والانتماءات السياسية حول صوتها وأغانيها.
ورغم ابتعادها كلياً عن الأضواء منذ سنوات، وتوقفها عن إحياء حفلات، فلا يزال صوت فيروز الاستثنائي، باعتراف خبراء عالميين، يرافق ملايين الأشخاص عبر العالم، هي التي غنت للحب والوطن والحرية والقيم.
تجاوزت شهرة المرأة النحيلة فيروز، واسمها الحقيقي نهاد حداد، حدود البلد الصغير، وجذبت معجبين من كل أنحاء العالم. وتعد من آخر جيل الكبار في العصر الذهبي للموسيقى العربية في القرن العشرين، حسبما أفادت وكالة الصحافة الفرنسية.
في لبنان، رفضت فيروز أن تُجر إلى خصومات سياسية أو دينية، لا سيما خلال سنوات الحرب الأهلية (1975 - 1990)، وتصدرت أغنياتها الإذاعات المتناحرة على جانبي خطوط القتال.
في مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز» في مايو (أيار) 1999، قالت بعد حفلة أحيتها في مدينة لاس فيغاس الأميركية، رداً على سؤال حول جديتها المفرطة على المسرح: «إذا نظرتم إلى وجهي عندما أغني، فسترون وكأنني غير موجودة». وتابعت: «أرى الفن على أنه صلاة. لست موجودة في كنيسة؛ لكنني أشعر كما لو أنني فيها، وفي هذه الأجواء لا يمكنني الضحك».
وكانت باستمرار شبه جامدة على المسرح، بينما حركة واحدة أو ابتسامة خجولة منها كفيلة بإشعال حماسة جمهورها.

ولدت فيروز في قرية الدبية في منطقة الشوف الجبلية في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) 1934، لوالد يعمل في مطبعة، ووالدة اهتمت برعاية الأسرة المكونة من أربعة أولاد. وانتقلت العائلة في وقت لاحق للإقامة في حي زقاق البلاط في بيروت.
في نهاية الأربعينات، اكتشف المؤلف الموسيقي محمد فليفل الذي كان يبحث عن أصوات جميلة للانضمام إلى كورس الإذاعة اللبنانية، موهبة فيروز. وضمها إلى «الكونسرفاتوار» لتتعلم أصول الموسيقى والغناء. وأُعجب المدير الموسيقي للإذاعة آنذاك حليم الرومي بجمال صوتها، واقترح عليها اسمها الفني فيروز.
في كواليس الإذاعة، تعرفت فيروز على عاصي ومنصور الرحباني، المؤلفين الموسيقيين اللذين عرفا في وقت لاحق؛ خصوصاً معها، شهرة واسعة، وارتبط فنهما بشكل جذري بلبنان، فبات جزءاً لا يتجزأ من تراثه.
وتعاونت فيروز مع الأخوين رحباني اعتباراً من مطلع الخمسينات. وأثمر ذلك مجموعة واسعة من الأعمال الغنائية والمسرحية والأفلام السينمائية التي جمعت بين الألحان الشرقية والفولكلور اللبناني والأنغام الغربية. ويحافظ عدد كبير منها على نضارته رغم مرور الزمن.
وغنت فيروز لشعراء كبار، من الأخطل الصغير إلى سعيد عقل الذي لقبها بـ«سفيرة لبنان إلى النجوم»، مروراً بجبران خليل جبران وإلياس أبو شبكة. كما لحن لها عبد الوهاب وفيلمون وهبة وزكي ناصيف.
وشكلت مع الأخوين الرحباني علامة فارقة في مهرجانات بعلبك الشهيرة، ولُقبت بـ«عمود بعلبك السابع».
في منتصف الخمسينات، تزوجت فيروز من عاصي الرحباني، وأنجبا أربعة أولاد، هم زياد، وليال، التي توفيت عام 1987 بعد سنة من وفاة والدها، وهلي، وريما.
يقول مقربون منها إنها مرت بمآسٍ كثيرة على الصعيد الشخصي، من وفاة ابنتها إلى إعاقة نجلها هلي؛ لكنها حافظت على خفة ظلها في مجالسها الخاصة والعائلية.
وتقول الصحافية ضحى شمس التي عملت معها لفترة طويلة: «في الحقيقة هي بعيدة كل البعد عن الصورة (الباردة) التي تعكسها على المسرح. هي مضحكة جداً متى أرادت».

رغم شهرتها الواسعة، حرصت فيروز دائماً على حماية خصوصيتها العائلية. إلا أن ذلك لم يمنع الإعلام من تناول أخبار العائلة، وبينها خلافها مع زوجها عاصي في مرحلة معينة قبل مرضه، وبعد وفاته، وخلافها مع عائلة منصور الرحباني حول حقوق الملكية الفنية، والخلافات حول توجهها الفني بين ولديها زياد وريما.
وكانت فيروز قد تعاونت مع زياد منذ الثمانينات. في عام 1991 غنت له «كيفك انت؟» ضمن أسطوانة أثارت جدلاً بين من يحبون زياد الرحباني والتجديد في مسيرة فيروز، والرافضين لذلك. وحقق الإصدار نجاحاً كبيراً.
على مدى عقود، شكلت أغاني فيروز صلة وصل بين اللبنانيين. خلال الحرب الأهلية، رفضت الغناء في لبنان لتجنب أن تُحسب على منطقة دون أخرى، بينما بلدها ساحة صراع بين قوى طائفية مدعومة من قوى خارجية.
لكنها أقامت حفلات في الخارج مثيرة الحنين والتأثر في نفوس اللبنانيين الفارين إلى عواصم العالم، مع أغانٍ مثل «بحبك يا لبنان»، و«ردني إلى بلادي»، و«لبيروت» التي ترافق منذ الرابع من أغسطس (آب)، تاريخ وقوع الانفجار المروع في العاصمة، مقاطع فيديو عن الكارثة تبثها محطات التلفزة المحلية.
وغنت فيروز أجمل ما قيل عن القدس، فكانت «زهرة المدائن»، و«سنرجع يوماً». ونقل إليها نائبان عربيان مفتاح المدينة عام 1968. كما غنت لدمشق ومكة وسواها، وللأوطان والثورات والشعوب.
قلدها ملك الأردن الراحل حسين ثلاثة أوسمة. وتبث الإذاعات في سوريا والأردن وسواها من الدول العربية أغانيها بكثافة حتى اليوم.
ورغم تحفظها الشديد، أثارت جدلاً في 2008 عندما غنت في دمشق بعد ثلاث سنوات من انسحاب القوات السورية من لبنان، تحت ضغط الشارع الذي وجه أصابع الاتهام آنذاك إلى سوريا في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري.
كان آخر ظهور لها في أبريل (نيسان) مع تفشي فيروس «كورونا» المستجد، في مقطع مصور قرأت فيه مقاطع من سفر المزامير في الكتاب المقدس، استهلته بـ«يا رب، لماذا تقف بعيداً؟ لماذا تختفي في أزمنة الضيق؟».



موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
TT

موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)

تأتي موسوعة الفنان سعيد العدوي (1938-1973) لترصد مسيرة مؤسس جماعة التجريبيين المصريين وأحد أبرز فناني الحفر والجرافيك في النصف الثاني من القرن العشرين.

وتتضمن الموسوعة، حسب قول المشرف عليها والباحث في شؤون الحركة الفنية المصرية الدكتور حسام رشوان، المئات من أعمال العدوي ويومياته ومذكراته واسكتشاته، مدعومة بعدد كبير من الدراسات التي تم إعداد بعضها خصوصاً من أجل هذه الموسوعة، ومعها دراسات أخرى نشرها أصحابها في صحف ومجلات ومطبوعات خاصة بالفن في مصر والوطن العربي.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن مقدمة الدكتورة أمل نصر تتناول جميع المقالات، والزاوية التي نظر منها الناقد لأعمال العدوي موضع الدراسة، كما تقوم بقراءتها وتحليلها وبسط عناصرها أمام الباحثين ومحبي فنه».

موسوعة العدوي تضمنت اسكتشاته ورسوماته (الشرق الأوسط)

وتأتي موسوعة العدوي التي نشرتها مؤسسة «إيه آر جروب» التي يديرها الفنان أشرف رضا، في صورة مونوغراف جامع لكل أعماله، التي تعبق برائحة الماضي، وعالم الموشحات، وحلقات الذكر والمشعوذين، وعربات الكارو والحنطور، وتجمعات الموالد والأسواق والأضرحة، فضلاً عن لوحة «الجنازة» بعد رحيل عبد الناصر. وجمعت الموسوعة كل كراساته واسكتشاته بالكامل، ومذكراته الخاصة التي كتبها وتعتبر دراسات نفسية قام بكتابتها، وقد ساعدت هذه المذكرات النقاد والباحثين في فن العدوي على تناول أعماله بصورة مختلفة عن سابقيهم الذين تصدوا لفنه قبل ظهورها، وفق رشوان.

ولأعمال العدوي طابع خاص من الحروفيات والزخارف والرموز ابتكرها في إبداعاته وهي تخصه وحده، وتخرّج العدوي ضمن الدفعة الأولى في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية عام 1962، وأسس مع زميليه محمود عبد الله ومصطفى عبد المعطي جماعة التجريبيين. وتأتي الموسوعة باللغة العربية في قطع كبير بالألوان، تزيد على 600 صفحة، من تصميم وتجهيز وإنتاج طباعي «إيه آر جروب» للتصميم والطباعة والنشر.

الموسوعة ضمت العديد من الأعمال الفنية ودراسات عنها (الشرق الأوسط)

وتتضمن الموسوعة، وفق رشوان، دراستين جديدتين للدكتور مصطفى عيسى، ودراسة لكل من الدكتورة ريم حسن، وريم الرفاعي، والدكتورة أمل نصر، ودراسة للدكتورة ماري تيريز عبد المسيح باللغة الإنجليزية، وجميعها تم إعدادها خصوصاً للموسوعة، وهناك دراسات كانت موجودة بالفعل للدكتور أحمد مصطفى، وكان قد جهّزها للموسوعة لكن عندما أصدرت مجلة فنون عدداً خاصاً عن فن العدوي قام بنشرها ضمن الملف، وإلى جانب ذلك هناك بحث عن أعمال العدوي للراحلين الدكتور شاكر عبد الحميد والفنان عز الدين نجيب وأحمد فؤاد سليم ومعهم عدد كبير من النقاد والفنانين الذي اهتموا برائد التجريبيين المصري وأعماله.

والتحق سعيد العدوي بمدرسة الفنون بالإسكندرية سنة 1957، وقبلها بعام كان في كلية الفنون بالزمالك، وقضى خمس سنوات لدراسة الفن في عروس البحر المتوسط، أما الأعمال التي تتضمنها الموسوعة وتوثق لها فتغطي حتى عام 1973؛ تاريخ وفاته. وهناك عدد من رسوم الكاريكاتير كان قد رسمها وقت عمله بالصحافة، وهذه الأعمال اهتمت بها الموسوعة ولم تتجاهلها لأنها تكشف عن قدرات كبيرة للعدوي وسعيه للدخول في مجالات عديدة من الفنون التشكيلية، وفق كلام رشوان.

من أعمال العدوي (الشرق الأوسط)

ولفت إلى أن «تراث العدوي بكامله بات متاحاً من خلال الموسوعة للباحثين في فنه والمهتمين بأعماله وتاريخ الفن التشكيلي المصري، وقد توفر لدى كتّاب الموسوعة عدد مهول بالمئات من اللوحات الكراسات والاسكتشات، فأي ورقة كان يرسم عليها اعتبرناها وثيقة وعملاً فنياً تساعد في الكشف عن رؤية العدوي التشكيلية وعالمه الخَلَّاق».

ولا تعتمد الموسوعة فكرة التسلسل الزمني، لكنها توثق عبر المقالات كل الأعمال التي تناولتها، من هنا بنى رشوان رؤيته وهو يرسم الخطوط الرئيسية لفن العدوي على الدراسات البانورامية التي تشتغل بحرية كاملة على الأعمال دون التقيد بتاريخها.

وسبق أن أصدر الدكتور حسام رشوان، بالاشتراك مع الباحثة والناقدة الفرنسية فاليري هيس، موسوعة فنية عن رائد التصوير المصري محمود سعيد عن دار «سكيرا» الإيطالية عام 2017 بمناسبة مرور 120 عاماً على ميلاد محمود سعيد، وتضمنت الموسوعة في جزئها الأول أكثر من 500 لوحة و11 مقالاً ودراسة نقدية.