«بنت دجلة»... النهاية التراجيدية المركبة

«بنت دجلة»... النهاية التراجيدية المركبة
TT

«بنت دجلة»... النهاية التراجيدية المركبة

«بنت دجلة»... النهاية التراجيدية المركبة

اعتاد كُتاب التراجيديا في شتى العصور على توظيف تقنية الـ(hamartia الهامارتيا أو tragic flaw) أو بما نسميه عربياً بالـ(نقيصة/عيبة) عيب مأساوي، في تركيبة شخصية البطل، وهو فعل ترتكبه الشخصية الرئيسية التي تكون رمزاً مرموقاً وقائداً بشكل ما في بيئتها، بحيث يقودها هذا الفعل في نهاية الأمر إلى حتفها، وغالباً ما يكمن هذا العيب في الجزء المعتم أو الشرير داخل النفس البشرية، ويظهر على شكل طمع، غريزة، بحث عن السلطة، حب المال... وغيرها.
وقد اعتدنا على أن الكتاب يبتكرون خطيئة واحدة أو تصرفاً خاطئاً واحدا يقود الإنسان/البطل إلى حتفه ويشيرون بكثافة إلى ذلك التصرف من خلال التركيز الدرامي بكل المدلولات التي من شأنها جذب انتباه القارئ، عبر استخدام التقنيات المسرحية كجوقة منشدين أو المناجاة الفردية أو حوار الشخصية مع الجمهور، دون علم الشخصيات الأخرى، أو حتى الإشارة من قبل الشخصيات الثانوية إلى تلك الخطيئة. بحيث يدرك المتلقي مبكراً بأن ذلك سيكون بمثابة بداية النهاية للبطل، الأمر الذي قد يضعف عنصر التشويق. ففي مسرحية (الدكتور فاوستس) كانت العيبة هي الطموح المفرط لعالم كانت له الهيبة والشهرة في زمنه. دفعه ذلك الطموح الجامح إلى استخدام الفن الأسود أو السحر للهيمنة على العالم، مما قاده إلى أن يلقى حتفه، وكذا الحال مع (ماكبث) الذي تزعم الجيوش وحقق الانتصارات، قادته غريزة حب السلطة إلى ارتكاب تلك العيبة، وهي قتل الملك، فانتهى مشنوقاً.
في رواية (بنت دجلة) للكاتب العراقي محسن الرملي، استطاع المؤلف بحذاقة أن يضع ثلاثة من تلك التصرفات في شخصية واحدة، مما يجعلها، في رأيي، واحدة من الشخصيات الأكثر تراجيدية في الرواية الحديثة، فتركيبة شخصية (قِسمة) المثيرة، المعقدة، الصعبة، امتلكت بشكل مقنع الكثير من السمات والدوافع المتضادة، والانفعالات النبيلة الدنيئة، الشريرة الخيرة، المنتقمة المثيرة للشفقة، الظالمة المظلومة... كان لديها حب المال والجاه والطموح المفرط والسعي إلى السلطة بطرق ملتوية، وفي لحظات معينة، توحي لنا بأنها تزهد أو تمقت كل ذلك.
استطاع الكاتب أن يسيطر على مشاعرنا ويتحكم بها عن بعد بواسطة أداة تحكم اسمها (قسمة)، شخصية تعد عينة مكثفة للطبيعة البشرية بانفعالاتها المتناقضة... تارة تبكي وتارة تنتقم… ووضع فيها شراسة الأسد وجمال الغزالة وشراهة الضبع. فهي البنت الفخورة بأبيها والناقمة عليه، وهي الأم المدافعة عن ابنها ومتهربة منه في الوقت نفسه، الساعية لضمانة تأمينه أكثر من نفسها بغرض التحرر منه، بين يتيمة خذلها واضطهدها الناس، وبين متسلطة وقحة جدا... كل تلك الانفعالات، كانت تسير بها (وبنا معها) نحو حتفها دون الشعور بذلك. وبذلك، تستدرجنا رواية (بنت دجلة)، نحن والشخصية معاً، دون أن ندرك، إلى نهاية تراجيدية مُركبة. كان مثلث الحدث الدرامي (triangle of dramatic events)، قائم الزاوية في هذه الرواية، ولم يكن لرتابة المثلث متوازي الأضلاع من وجود، إذ أن العمل قد جاء كله ذروة، فنحن نسير مع «قسمة» في صعود، ثم هبوط بعد اختطافها، ثم ذبحها وهي تتأمل النهر والبساتين… فنشعر بفداحة خسارتها، وكأننا مسؤولون عنها، عن حمايتها... كأنها تعنينا شخصياً. في لحظة ما، ضغط محسن الرملي على زر جهاز التحكم بمشاعرنا عن بعد، ليقلبها من التحامل والغضب ضد قسمة إلى الشعور بالتعاطف الكبير معها وإدراك فداحة خسارتها.



مصر تُكرّم فنانيها الراحلين بالعام الماضي عبر «يوم الثقافة»

مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية
مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية
TT

مصر تُكرّم فنانيها الراحلين بالعام الماضي عبر «يوم الثقافة»

مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية
مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية

في سابقة جديدة، تسعى من خلالها وزارة الثقافة المصرية إلى تكريس «تقدير رموز مصر الإبداعية» ستُطلق النسخة الأولى من «يوم الثقافة»، التي من المقرر أن تشهد احتفاءً خاصاً بالفنانين المصريين الذي رحلوا عن عالمنا خلال العام الماضي.

ووفق وزارة الثقافة المصرية، فإن الاحتفالية ستُقام، مساء الأربعاء المقبل، على المسرح الكبير في دار الأوبرا، من إخراج الفنان خالد جلال، وتتضمّن تكريم أسماء عددٍ من الرموز الفنية والثقافية الراحلة خلال 2024، التي أثرت الساحة المصرية بأعمالها الخالدة، من بينهم الفنان حسن يوسف، والفنان مصطفى فهمي، والكاتب والمخرج بشير الديك، والفنان أحمد عدوية، والفنان نبيل الحلفاوي، والشاعر محمد إبراهيم أبو سنة، والفنان صلاح السعدني، والفنان التشكيلي حلمي التوني.

أحمد عدوية (حساب نجله محمد في فيسبوك)

وقال الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة المصري في تصريحات الأحد، إن الاحتفال بيوم الثقافة جاء ليكون مناسبة وطنية تكرم صُنّاع الهوية الثقافية المصرية، مشيراً إلى أن «هذا اليوم سيُعبِّر عن الثقافة بمعناها الأوسع والأشمل».

وأوضح الوزير أن «اختيار النقابات الفنية ولجان المجلس الأعلى للثقافة للمكرمين تم بناءً على مسيرتهم المميزة وإسهاماتهم في ترسيخ الهوية الفكرية والإبداعية لمصر». كما أشار إلى أن الدولة المصرية تهدف إلى أن يُصبح يوم الثقافة تقليداً سنوياً يُبرز إنجازات المتميزين من أبناء الوطن، ويحتفي بالرموز الفكرية والإبداعية التي تركت أثراً عظيماً في تاريخ الثقافة المصرية.

وفي شهر أبريل (نيسان) من العام الماضي، رحل الفنان المصري الكبير صلاح السعدني، الذي اشتهر بلقب «عمدة الدراما المصرية»، عن عمر ناهز 81 عاماً، وقدم الفنان الراحل المولود في محافظة المنوفية (دلتا مصر) عام 1943 أكثر من 200 عمل فني.

صلاح السعدني (أرشيفية)

كما ودّعت مصر في شهر سبتمبر (أيلول) من عام 2024 كذلك الفنان التشكيلي الكبير حلمي التوني عن عمر ناهز 90 عاماً، بعد رحلة طويلة مفعمة بالبهجة والحب، مُخلفاً حالة من الحزن في الوسط التشكيلي والثقافي المصري، فقد تميَّز التوني الحاصل على جوائز عربية وعالمية عدّة، بـ«اشتباكه» مع التراث المصري ومفرداته وقيمه ورموزه، واشتهر برسم عالم المرأة، الذي عدّه «عالماً لا ينفصل عن عالم الحب».

وفي وقت لاحق من العام نفسه، غيّب الموت الفنان المصري حسن يوسف الذي كان أحد أبرز الوجوه السينمائية في حقبتي الستينات والسبعينات عن عمر ناهز 90 عاماً. وبدأ يوسف المُلقب بـ«الولد الشقي» والمولود في القاهرة عام 1934، مشواره الفني من «المسرح القومي» ومنه إلى السينما التي قدم خلالها عدداً كبيراً من الأعمال من بينها «الخطايا»، و«الباب المفتوح»، و«للرجال فقط»، و«الشياطين الثلاثة»، و«مطلوب أرملة»، و«شاطئ المرح»، و«السيرك»، و«الزواج على الطريقة الحديثة»، و«فتاة الاستعراض»، و«7 أيام في الجنة»، و«كفاني يا قلب».

الفنان حسن يوسف وزوجته شمس البارودي (صفحة شمس على فيسبوك)

وعقب وفاة حسن يوسف بساعات رحل الفنان مصطفى فهمي، المشهور بلقب «برنس الشاشة»، عن عمر ناهز 82 عاماً بعد صراع مع المرض.

وجدّدت وفاة الفنان نبيل الحلفاوي في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، الحزن في الوسط الفني، فقد رحل بعد مسيرة فنية حافلة، قدّم خلالها كثيراً من الأدوار المميزة في الدراما التلفزيونية والسينما.

السيناريست المصري بشير الديك (وزارة الثقافة)

وطوى عام 2024 صفحته الأخيرة برحيل الكاتب والمخرج بشير الديك، إثر صراع مع المرض شهدته أيامه الأخيرة، بالإضافة إلى رحيل «أيقونة» الأغنية الشعبية المصرية أحمد عدوية، قبيل نهاية العام.