شاشة الناقد: Rust Creek

هرموين كورفيلد في «رَست كريك»
هرموين كورفيلد في «رَست كريك»
TT

شاشة الناقد: Rust Creek

هرموين كورفيلد في «رَست كريك»
هرموين كورفيلد في «رَست كريك»

Rust Creek
(ممتاز)
إخراج: ‪جنيفر ماكغووان‬
الولايات المتحدة| النوع: تشويق (2019)
جنيفر ماكغووان (أو جن ماكغووان، كما توقع اسمها) إضافة نوعية لأفلام التشويق والمعالجات الشخصية تُضاف إلى قائمة أفضل صانعي النوع.
سابقاً ما عملت مساعد مخرج ثم التفتت للأفلام القصيرة وحققت فيلمها الروائي الطويل الأول (Touch) سنة 2010 وبعده أنجزت فيلماً درامياً آخر هو Kelly ‪&‬ Cal سنة 2014. كلاهما وجد نجاحاً نقدياً. كلاهما كان مختلفاً عن هذا الفيلم كموضوع وأقل منه إجادة كاحتراف.
«رست كريك» اسم لمنطقة نائية من الريف يمر بها نهر جارف يحد من قدرة بطلة الفيلم التواصل خارج العالم النائي الذي وجدت نفسها حبيسة فيه.
سويَر (هرموين كورفيلد) كانت في طريقها للمدينة، في ولاية كنتاكي، تلبية لموعد مقابلة عمل عندما أخطأت الاتجاه ودخلت، بسيارتها الصغيرة، في غابة نائية. يتصدّى لها شقيقان، كاشفين عن نيتهما بالأذى، لكنها تدافع عن نفسها وتهرب. يجدها ابن عمّهما لووَل (جاي بولسون) الذي يعيش في «تريلر» طابخاً لنوع من الأسيد الصالح لتحويله إلى هيروين، وذلك لحساب قريبيه اللذين لم يتوقفا عن البحث عنها لبضعة أيام قبل أن يقتنعا بأنها ماتت جوعاً أو برداً لكن شريف البلدة القريبة (شون أوبرايان) يحثهما على مواصلة البحث عنها لا لإنقاذها أو تسليمها لبر الأمان، بل لأنه شريك في تجارة المخدّرات ويريد قتلها لإبقاء وجودها سرّاً خصوصاً أن البوليس الفيدرالي وصل للمشاركة في البحث عنها.
لووَل، الذي يعيش وحيداً في البيت - السيارة (تريلر) ضد قريبيه ويسهل لها الهرب لكن الشريف يقبض عليها ويقودها إلى النهر للتخلص منها.
هناك منعطفات كثيرة في هذا الفيلم ذي المعالجة الجيدة والسرد الجاد تنقذه من فخ المفارقات المعتادة في أفلام تعمد إلى حبكات قريبة من حبكته. كاتبة السيناريو جولي ليبسون رسمت شخصية فتاة شابة قوية تتجاوز دوماً الأوضاع الخطرة التي تجد نفسها فيها. وإلى ذلك، لا يتصرف أحد في الفيلم حسب المتوقع أو المعتاد في أفلام أخرى. قوّة الفيلم في انسجامه الكامل مع حكايته بحيث ينتقل من حدث لحدث من دون هنّات. في ذلك، وبينما تعتمد المخرجة على أداء رائع من بطلتها، توفر إيقاعاً مشدوداً وتصويراً كامل الانتماء إلى المنطقة الريفية الوعرة في وقتها الخريفي. تبدو المنطقة، والسيناريو معها، آيلين إلى فيلم رعب، لكن المخرجة تتحاشى هذا المطب وتنجز فيلمها برحيق من التميّز والتشويق الفعال.
الفيلم أيضاً لقاء مواهب نسائية، عدا أن الفيلم يتحدث عن قوّة امرأة حتى في ضعفها، وعدا عن إنه من كتابة امرأة وإخراج أخرى، هو من تصوير امرأة (ميشيل لولر) أيضاً.



بشير الديك كتب للسينما البديلة والسائدة معاً

أحمد زكي وآثار الحكيم في «طائر على الطريق»
أحمد زكي وآثار الحكيم في «طائر على الطريق»
TT

بشير الديك كتب للسينما البديلة والسائدة معاً

أحمد زكي وآثار الحكيم في «طائر على الطريق»
أحمد زكي وآثار الحكيم في «طائر على الطريق»

بشير الديك، كاتب القصّة والسيناريو لعدد كبير من الأفلام المصرية طوال العقود الأربعين الماضية، الذي توفي في اليوم الأخير من العام الراحل، 2024، كان أحد السينمائيين الخارجين عن قوانين السينما التقليدية في النصف الأول من سنوات مهنته. لكن على الرغم من أنه في النصف الثاني وقّع على أعمال كثيرة من التي يمكن وصفها بالتقليدية، ومن بينها 6 أفلام من بطولة نادية الجندي، فإنه واظب على معالجة نصوصه باحتراف يجمع بين حكايات تحمل مضامين تنتمي إلى نزعة جادة وتنشد ميزانيات كبيرة.

لعل حقيقة أن نادية الجندي كانت تصبو دوماً إلى أدوار تخلّدها وأفلام تحافظ عبرها على مكانتها لعب بشير الديك دوراً في تلبية هذه الرغبات عبر حكايات تشويقية في المقام الأول، وشخصية رئيسية مضخّمة وذلك في أفضل نصوص ممكنة ضمن التوليفة التجارية.

بدأ هذا التعاون على نحوٍ ثلاثي: بشير الديك يكتب، ونادر جلال يُخرِج ونادية الجندي تلعب دور البطولة. هذه الأفلام هي «الإرهاب» (1989)، و«شبكة الموت» (1990)، و«عصر القوّة» (1991)، ومن ثَمّ «مهمّة في تل أبيب» (1992)، و«الشطّار» (1993)، ولاحقاً «امرأة هزّت عرش مصر» (1995).

كمال الشناوي ونادية الجندي في «مهمّة في تل أبيب»

‫اتجاهان‬

بعد بدايات متفاوتة الأهمية من بينها «مع سبق الإصرار» لأشرف فهمي (1979)، و«دعوني أنتقم» لتيسير عبّود (1979)، و«الأبالسة» لعلي عبد الخالق (1980) التحق الديك ببدايات المخرج الراحل محمد خان عبر 6 أفلام هي «الرغبة» (1980)، و«موعد على العشاء» (1981)، و«طائر على الطريق» (1981)، و«نص أرنب» (1983)، و«يوسف وزينب» (1984) و«الحرّيف» (1984) وكلها من أفضل ما حققه خان.

تعامُل الديك مع الموضوعات الجادة التي عرفتها تلك الأفلام سمح له بكتابة واحد من أفضل أعماله وهو «سواق الأتوبيس»، الذي حققه الراحل عاطف الطيب سنة 1982، وكلاهما لاحقاً تعاونا على تحقيق فيلم مهم (أكثر مما كان جيداً) آخر هو «ناجي العلي» (1992). لجانبهما فيلم ثالث هو «ضد الحكومة» (1992) من بطولة أحمد زكي ولبلبة.

في تقييم كتابات بشير الديك تتداخل بعض العناصر التي يمكن إيجاز هذا التقييم عبرها.

من ناحية، حاول دوماً التطرّق صوب قضايا مهمّة تطرح قصصاً ذات جانبٍ وطني مثل «مهمّة في تل أبيب»، الذي دار حول جاسوسة مصرية تعمل لصالح إسرائيل، ومن ثَمّ تندم فتطلب منها الاستخبارات المصرية (ممثلة بكمال الشناوي)، العمل لحساب مصر وتنجح. «ناجي العلي» ينضم إلى هذا النحو من الأعمال.

السيناريست المصري بشير الديك (وزارة الثقافة)

في ناحية أخرى، لم يتأخر عن كتابة ما كان سائداً في الثمانينات والتسعينات من اتجاه صوب الحديث عن مراكز قوى في الشارع المصري والصراع بين الأخيار والأشرار. هذه الموجة لم تعرف بداية ونهاية محدودتين فتاريخها عريق يعود لعقود سابقة، لكنها عرفت في تلك الفترة تدافعاً بين المخرجين للحديث عن تلك المراكز في حارات القاهرة (في مقابل الكثير من صراع الخير والشر على ساحلَي بور سعيد والإسكندرية في أفلام الخمسينات والستينات) في أجواء ليست بعيدة عن الخط الذي وضعه نجيب محفوظ وشخصياته.

مخرجون عديدون حقّقوا هذه الأفلام التي شُكّلت حكاياتها من صراع القوى في الشارع المصري مثل أشرف فهمي («الأقوياء»، 1982)، وأحمد السبعاوي («السلخانة» 1982 و«برج المدابغ» 1983) وكمال صلاح الدين («جدعان باب الشعرية» 1983). لكن من مزايا ما كتبه بشير الديك في هذه الأعمال التي لاقت رواجاً جماهيرياً إنه كتب ما هو أعمق في دلالاته من قصص المعلّم الشرير ضد سكان منطقته وأزلامه الذين يتصدّون للأبرياء إلى أن يخرج من رحم تلك الحارة من يواجههم جميعاً.

بداية من «نصف أرنب» توّجه الديك إلى حكاية تشويقية ذات طابع بوليسي، وفي «سوّاق الأتوبيس» وقف مع ابن المدينة في موضوع حول تفتت المجتمع مادياً. أما في «الحرّيف» فنقل اهتمامه إلى الوسط المهمّش من سكان القاهرة وأحلامهم ومتاعبهم الشخصية.

‫هموم المجتمع‬

ما يجمع بين هذه الأعمال هموم تسلّلت إلى عدد كبير من كتابات بشير الديك السينمائية.

في مقابلة تمّت بين المخرج عاطف الطيب وبيني بعد مشاهدة فيلمه النيّر «سواق الأوتوبيس»، سألت المخرج عن كيف بدأ التفكير في تحقيق «سوّاق الأتوبيس». أجاب: «بدأت الفكرة في جلسة صداقة مع بشير الديك ومحمد خان. وكنا نتحدث بشأن همومنا وطموحنا الخاص لصنع سينما أخرى مختلفة، وكانت الظروف الحياتية نفسها تجمعنا كلنا تقريباً. فقد كنت أشعر في ذلك الوقت بالذنب إزاء فيلمي الأول (يقصد «الغيرة القاتلة»، 1982)، الذي اضطُرِرت فيه إلى الاعتماد على سيناريو مأخوذ عن أصل أدبي (أجنبي) رغم إيماني الدائم بضرورة الكتابة المباشرة للسينما. اقترح محمد خان وبشير الديك فكرة وُضع لها عنوان: (حطمت قيودي)، تدور حول عائلة مهدّدة بالضياع نتيجة فقدان الأب للورشة التي أسسها وبحْثُ الابن، سائق الأتوبيس، عن مخرج من الأزمة بلا جدوى وأعجبتني الفكرة، خصوصاً أنني أميل كثيراً إلى الدراما التي تدور في نطاق عائلة. وبدأنا بالفعل في تطوير الفكرة خلال الكتابة وتبادل الآراء. وكنا كلما نتعمق في الموضوع تتضح لنا أهمية الفكرة التي نريد التعبير عنها. في الكتابة الثانية للسيناريو، وصل الفيلم إلى ما أصبح عليه».

كتب بشير الديك نحو 60 فيلماً ومسلسلاً تلفزيونياً، معظمها جمع هذه الصفات المجتمعية على نحو سائد أو مخفف. هذا ما جعله أحد أبرز كتاب السيناريو في مصر في حقبة كان للسينما البديلة والمستقلة عن السائد دور فاعل في نهضة الفيلم المصري عموماً.

مع الطيّب وخان ورضوان الكاشف ورؤوف توفيق وخيري بشارة ورأفت الميهي وسواهم، ساهم بشير الديك في منح تلك الفترة مكانتها الساطعة التي لا تغيب.