اختبارات جديدة شرق سوريا لـ«التعايش» الأميركي ـ الروسي

دورية أميركية شمال شرق سوريا (أ.ف.ب)
دورية أميركية شمال شرق سوريا (أ.ف.ب)
TT

اختبارات جديدة شرق سوريا لـ«التعايش» الأميركي ـ الروسي

دورية أميركية شمال شرق سوريا (أ.ف.ب)
دورية أميركية شمال شرق سوريا (أ.ف.ب)

يُخضِع الجيش الروسي اتفاق «منع الصدام»، مع الجانب الأميركي في شرق الفرات، للاختبار بين الفينة والأخرى، بحيث إنه أخذ منحى تصاعدياً مع اقتراب موعد الانتخابات الأميركية، للتأكد من عزم الرئيس دونالد ترمب على البقاء في شمال شرقي سوريا. وتأخذ هذه الاختبارات أشكالاً مختلفة، تشمل تمدد الانتشار البري والجوي أو الاقتراب من حدود العراق، إضافة إلى إقامة قاعدة عسكرية في القامشلي، وتوسيع دائرة عمل مروحياتها، وتشجيع «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية - العربية للابتعاد عن حليفتها واشنطن.
في منتصف 2017، توصل الجيشيان الأميركي والروسي إلى مذكرة تفاهم تتعلق بـ«منع الصدام»، عبر تبادل المعلومات لتحركات طائرات الجانبين ورسم خط تماس نظري هو نهر الفرات، بحيث يكون طرفه الشرقي إلى أميركا وحلفائها، وطرفه الغربي إلى روسيا وحلفائها. وكانت هناك استثناءات لهذه القاعدة، حيث أبقت أميركا على قاعدة التنف في الزاوية السورية - العراقية - الأردنية جنوب الفرات، وفي منبج غربه، بينما حافظت الحكومة السورية على وجودها في «مربعين أمنيين»، في القامشلي والحسكة شرق الفرات.
وبقيت الصورة/ الخطوط مستقرة نسبياً إلى أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عندما سحب الرئيس ترمب قواته من مناطق قرب حدود تركيا، ما شجع الرئيس رجب طيب إردوغان على التوغل عسكرياً مع فصائل سورية موالية بين تل أبيض ورأس العين. كما لجأت «قوات سوريا الديمقراطية» إلى دمشق ووقَّعت مذكرة قضت بالتعاون مع الجيشين السوري والروسي لنشر نحو عشرة آلاف عنصر في مناطق أخلَتْها أميركا، إضافة إلى تسيير دوريات روسية - تركية على الطريق الرئيسية بين حلب والقامشلي تحت حماية مروحيات روسية.
عاد الرئيس ترمب ووافق على الإبقاء على 500 جندي شرق الفرات ومائة جندي في التنف، فتحول شرق الفرات إلى مناطق نفوذ بين أطراف مختلفة، ما أدى إلى إرباك الصورة، الأمر الذي استدعى مفاوضات عسكرية روسية - أميركية للتأكد من عمل اتفاق «منع الصدام» بين الجيشين.
وحسب قول دبلوماسيين غربيين، فإن «قوات سوريا الديمقراطية لجأت إلى روسيا والنظام السوري طلباً للحماية في مواجهة تركيا والمعارضة المدعومة منها». وأشارت إلى الوجود السوري في مطار القامشلي وفي الحسكة، وتسير دوريات في محافظتي الحسكة والرقة وعلى الطريق إلى حدود العراق، وتكثيف الجهود لتجنيد عناصر من السكان المحليين من أجل زيادة أعداد قواتها هناك. كما أن الجيش الروسي زاد وجوده، وحاول أكثر من مرة اعتراض دوريات أميركية؛ إذ أعلن الجنرال مكنزي، في يونيو (حزيران)، أن قوات التحالف رصدت حشداً لمعدات عسكرية روسية في المنطقة، علماً بأن روسيا اقامت قاعدة في القامشلي. وأشار الجانب الأميركي إلى أن وجود روسيا يمنحها فرصة لـ«تعطيلنا وزيادة صعوبة عملنا».
وفي نهاية يونيو، بدأت القوات الروسية في الدخول إلى مناطق توجد بها قوات التحالف، وذلك في إطار حملة متعمدة لـ«طردها» من المنطقة.
في ضوء الواقع الجديد، أقرّت قوات التحالف وروسيا عدداً من مناطق «منع الصدام». وبمرور الوقت، أصبح كل طرف معتاداً على تصرفات الطرف الآخر وسلوكه، في ظل بروتوكولات عسكرية مفتوحة. وظلّت التوترات في معظمها عند مستوى منخفض. وكان مسؤول في التحالف قال: «كل يوم، تجري محادثات بين القيادات في التحالف وقيادات روسية في سوريا، حيث نتشارك ونتبادل المعلومات حول الأماكن التي ستتوجه إليها الدوريات»، في حين قال آخر إن مراجعة لبروتوكولات «منع الصدام» حصلت، وتبين أن «القوات الروسية البرية والجوية لم تعق مهمة التحالف الرامية لإنزال الهزيمة بـ(داعش)».
هذا الوضع المستقر نسبياً مع الدعم السياسي وتوقيع الاتفاق النفطي مع شركة أميركية، شجع «قوات سوريا الديمقراطية» على مقاومة ضغوط وإغراءات موسكو ودمشق لفصلها بعيداً عن واشنطن، وهي لا تزال «تعتبر أميركا حليفاً رئيسياً»، الأمر الذي أزعج مسؤولين سوريين، ودفعهم للدفع بوسائل جديدة لاختبار متانة عود «قوات سوريا الديمقراطية»... قد تكون العشائر مسرحها الجديد.



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.