اقتراح سرت مقراً لسلطة ليبية جديدة إلى حين إجراء انتخابات نيابية

عقيلة صالح: دخل النفط لن يذهب إلى المصرف المركزي إلا بعد وجود إدارة مختلفة

ميليشيات موالية لحكومة {الوفاق} وسط العاصمة طرابلس (أ.ف.ب)
ميليشيات موالية لحكومة {الوفاق} وسط العاصمة طرابلس (أ.ف.ب)
TT

اقتراح سرت مقراً لسلطة ليبية جديدة إلى حين إجراء انتخابات نيابية

ميليشيات موالية لحكومة {الوفاق} وسط العاصمة طرابلس (أ.ف.ب)
ميليشيات موالية لحكومة {الوفاق} وسط العاصمة طرابلس (أ.ف.ب)

تبلورت ملامح «صفقة سياسية» كانت «الشرق الأوسط» قد انفردت بنشر معلومات عنها مؤخراً، لتفادي حرب جديدة في ليبيا، بعدما كشف رئيس مجلس النواب الليبي المستشار عقيلة صالح، والسفير الأميركي لدى ليبيا، عقب اجتماعهما مساء أول من أمس في القاهرة، عن اتجاه لتحويل مدينة سرت الاستراتيجية من بؤرة للصراع العسكري إلى مقر للسلطة الجديدة التي يفترض أن تتشكل لاحقاً لإدارة شؤون البلاد، باتفاق الأطراف المحلية والإقليمية والدولية كافة، تزامناً مع إنهاء الوجود العسكري لتركيا و«المرتزقة الموالين لها»، بالإضافة إلى الميليشيات الموالية لحكومة «الوفاق»، برئاسة فائز السراج.
وقال صالح الذي بات محور اهتمام دولي، على حساب تراجع دور المشير حفتر، القائد العام لـ«الجيش الوطني»، في بيان أصدره مساء أول من أمس، إنه اقترح لدى اجتماعه مع السفير الأميركي لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند، أن تكون مدينة سرت مقراً للسلطة الجديدة الموحدة، وأن يتم تأمينها من قبل أجهزة نظامية ليبية، موضحاً أن الاجتماع ناقش أيضاً تطورات الأوضاع في ليبيا والمنطقة، ومبادرته التي انبثق عنها إعلان القاهرة، وسُبل تنفيذها للوصول للحل في ليبيا، وفقاً لإعلان القاهرة ومخرجات مؤتمر برلين الدولي، بالإضافة إلى المحافظة على وقف إطلاق النار، والعودة إلى طاولة الحوار لإنهاء الأزمة الليبية.
وأوضح صالح، في تصريحات تلفزيونية، أن المقترح يقضي بتحويل سرت إلى مقر للسلطة، إلى حين إجراء انتخابات نيابية مقبلة، فيما تقوم قوات «الجيش الوطني» بمهامها خارج المدينة. كما رفض صالح أن تذهب إيرادات النفط إلى الميليشيات المسلحة و«المرتزقة» لدفع رواتبهم، مشيراً إلى أن دخل النفط «سيجمد، ولن يذهب إلى المصرف المركزي إلا بعد وجود سلطة جديدة»، مطالباً في المقابل بإنشاء حساب مصرفي خاص بإيرادات النفط، والتحقيق في الأموال التي خرجت من المصرف المركزي الليبي.
وفي غضون ذلك، شدد صالح على أن حكومة «الوفاق» المعترف بها دولياً في طرابلس ليست طرفاً في أي حوار، وأكد عدم اعتراف البرلمان بها، مشدداً على «ضرورة تشكيل سلطة جديدة تملك الشرعية الجديدة، وإيجاد حل سياسي جديد وسلطة جديدة، من دون أي وجود تركي».
ودعا رئيس مجلس النواب السراج إلى التخلي عن السلطة، وإفساح المجال لوجوه جديدة، معتبراً أن تركيا «تعرف أن حربها خاسرة، ولن تستطيع دخول سرت... وأميركا ستخبر أنقرة بعدم فائدة الحرب في ليبيا».
وفي سياق ذلك، نفى صالح وجود خلافات مع حفتر، بقوله: «هدفنا تطهير ليبيا من المرتزقة والميليشيات المسلحة، ونحن لا نستغني عن الجيش الليبي في المهام الرئيسة أبداً، ولا بد من دعمه للحفاظ على سيادة الدولة الليبية».
بدورها، قالت السفارة الأميركية، في بيان، إن السفير الأميركي لدى ليبيا «رحب، مع شركائنا المصريين، بالزخم الناتج عن إعلان القاهرة»، فيما شدد نورلاند على «دعم الولايات المتحدة لجميع القادة الليبيين الذين يتحلون بروح المسؤولية، الساعين إلى حل سلمي للصراع من شأنه أن يعيد إلى ليبيا سيادتها، ويعزز الإصلاحات الاقتصادية، ويمنع مزيداً من التصعيد الخارجي».
وأوضح بيان السفارة الأميركية أن نورلاند التقى برئيس مجلس النواب الليبي «للتعرف على جهود مجلسه لحل منزوع السلاح في سرت والجفرة، وتمكين مؤسسة النفط الموالية لحكومة (الوفاق) من استئناف عملها الحيوي، مع ضمان إدارة عائدات النفط والغاز بشفافية، وتحسين الحوكمة بما يؤدي إلى انتخابات موثوقة سلمية».
وفي هذا السياق، عبر نورلاند عن دعمه لتطلعات رئيس مجلس النواب إلى حل ليبي ينهي الصراع، ويضمن مستقبلاً مستقراً مزدهراً للشعب الليبي، لافتاً إلى أن زيارته إلى القاهرة جاءت عقب المناقشات الأخيرة حول ليبيا بين الرئيس ترمب والرئيس عبد الفتاح السيسي، وكذلك بين وزير الخارجية مايك بومبيو ووزير الخارجية سامح شكري، للتشاور مع كبار المسؤولين المصريين حول خطوات تحقيق وقف دائم لإطلاق النار، وانسحاب كامل للقوات الأجنبية والمرتزقة، ودعم الحوار السياسي الذي تيسره الأمم المتحدة.
ولاحقاً، أكد السفير الأميركي أن إعلان القاهرة «سيوفر فرصة لبداية سلمية تتعامل مع المواجهة حول خط سرت - الجفرة، وللمساعدة في استئناف إنتاج النفط في ليبيا الذي يحتاج إلى استقرار أمني»، معبراً عن أمله في التوصل إلى اتفاق يوفر الاستقرار في ليبيا، وخروج القوات الأجنبية كافة منها، موضحاً أن «إحدى الأفكار التي نقترحها وجود منطقة منزوعة السلاح في سرت، لكننا لسنا الوحيدين الذين اقترحوا ذلك، ونأمل أن نتمكن من فعل ذلك. والهدف من هذا المقترح دفع القوات كافة للانسحاب، وبالتالي تحييد المدينة، بدلاً من أن تصبح نقطة اشتعال أوسع للصراع».
إلى ذلك، أعلن «الجيش الوطني» على لسان الناطق باسمه، اللواء أحمد المسماري، مساء أول من أمس، أنه دمر، ليلة الأحد الماضي، قارباً «انتهك المنطقة العسكرية المحظورة» بالقرب من مدينة رأس لانوف، وكان على متنه «نحو 20 عنصراً (إرهابيين) تابعين لمن وصفها بميليشيات حكومة السراج من مختلف الجنسيات».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.