كتاب وأدباء مغاربة: ستنجح في تضميد جراحاتها (3 ـ 3) حزن وتضامن مع بيروت

عدنان ياسين - نجيب العوفي - أحمد الويزي - إدريس لكريني
عدنان ياسين - نجيب العوفي - أحمد الويزي - إدريس لكريني
TT

كتاب وأدباء مغاربة: ستنجح في تضميد جراحاتها (3 ـ 3) حزن وتضامن مع بيروت

عدنان ياسين - نجيب العوفي - أحمد الويزي - إدريس لكريني
عدنان ياسين - نجيب العوفي - أحمد الويزي - إدريس لكريني

إثر الانفجار المروّع الذي هز بيروت يوم الثلاثاء 4 أغسطس (آب) الحالي، سارع عدد كبير من كتاب وأدباء المغرب إلى التعبير عن حزنهم وألمهم لما وقع، وتبلور هذا في بيان تضامني لـ«بيت الشعر في المغرب»، مستحضرين "بتقدير بالغ"، في هذه "اللحظات العصيبة" التي تمر بها العاصمة اللبنانية، الدور الكبير الذي قامت به هذه المدينة في الحداثة الشعريّة العربيّة.
 
كما وقع مبدعون ومثقفون مغاربة، ضمن لائحة أولية ضمت عشرات المبدعين والمثقفين من جنسيّات مختلفة، على بيان "الحياة للبنان"،الذي  جاء بمبادرة من الكاتب المغربي عبد اللطيف اللعبي والكاتب اللبناني عيسى مخلوف، أشادوا فيه بالدور الكبير الذي قامت به هذه المدينة في الحداثة الشعرية العربيّة، ووقّع عليه عشرات المبدعين والمثقفين المغاربة، الذين أعربوا عن إيمانهم بأن «بيروت ستنجح في تضميد جراحاتها واستعادة دورها الثقافي والحضاري»، ودعوا إلى «التضامن مع الشعب اللبناني في محنته الرهيبة، وإنقاذ لبنان من الانهيار»، معربين عن دعمهم الكامل لحراك المجتمع المدني الذي «سيواصل نضاله من أجل لبنان جديد تتحقق فيه دولة القانون المحرَّرة من القيود الطائفية، والضامنة للجميع حقوق وحريات المُواطَنة الكاملة».
 
هنا شهادات لعدد من الكتاب والمثقفين المغاربة، تضاف لرسائل وشهادات أخرى في السياق نفسه نشرتها «الشرق الأوسط» على مدار اليومين الماضيين لكتاب وشعراء ونقاد من مصر والسعودية.

الشاعر والإعلامي ياسين عدنان:
أسطورة حقيقية
«هناك مدنٌ لا نعرف كيف نرثيها ولا كيف نبكيها ولا كيف نعزّيها. لأنها رغم الموت ووطأته، تظل مدن حياة... مدناً منذورة أبداً للحياة. لذا وأنا أعزّي المدينة في شهدائها، ثم وأنا أتابع بهلع صور هذا الدمار الرهيب، وجدتُني أعودُ تلقائياً إلى نصوص قديمة كتبتها عن بيروت في زياراتي السابقة لها. فأعدتُ قراءتها بحرقة. لكنني استعدتُ المدينة كما أحب أن أراها؛ لأنني لا أعرف كيف أفكّر فيها إلا هكذا... بوصفها مدينة فرح وبهجة وحياة.
بيروت الآن شهيدة وجريحة وأهلها قتلى وجرحى ومشردون، فهل نزايد على المدينة بأسطورتها؟ ألا نظلم بيروت حين نراها تحترق وبدل أن نقف دقيقة صمت ترحماً على أرواح من احترق من أهلها وما احترق ودُمِّر من أجزاء المدينة، نتطلع إليها باحثين وسط الأنقاض عن طائر العنقاء الذي نتوقع أن ينبعث في أي لحظة من رمادها؟.
بيروت أسطورة حقيقية. هكذا تلقيناها من المحيط إلى الخليج. وهكذا فكرنا فيها دائماً، لكن أسطورة المدينة صارت اليوم عبئاً عليها. بيروت عروس عربية، في زمن كثر فيه المتربصون المغتصبون. بيروت مدينة نعشقها وأخشى أننا نؤلمها اليوم بعشقنا العاجز المستحيل. في الختام، هل هذا يعني أن بيروت صارت مجرد حكاية تروى؟ أبداً؛ فبيروت حقاً لا تموت. قد تسقط لكنها لا تنهزم. هكذا عودتنا عبر تاريخها تماماً كالمدن الكبيرة. تماماً مثل روما وبغداد. بيروت التي وصفها درويش مرة بأنها نجمتنا الأخيرة وخيمتنا الأخيرة، هل يمكنها أن تكون امتحاننا الأخير أيضاً؟ فهل من سبيل للانطلاق من هذا السقوط المريع المدوِّي لتحويله إلى فرصة؟».

الناقد نجيب العوفي: خيمة وارفة
«أذكر هذا البيت من شعرنا العربي:
ولو كان سهماً واحداً لاتّقيته
ولكنه سهم وثان وثالث
لأتساءل عن حكاية هذا الخطْب الجلَل الذي زلزل بيروت وزلزل معه أفئدة العرب. لعل هذا هو لسان حال بيروت، وهي تنتقل من الرّمضاء إلى النار، في هذا الصيف الكوروني القائظ، المليء بالمتاعب والمصائب، والمحفوف بالأشراك والفخاخ الملغومة - المنصوبة من كل فج عربي – وعجمي. والشجرة المثمرة، معرّضة دوماً للقصْف والعصْف؛ فما بالنا إذا كانت الشجرة من عيار شجرة الأرز اللبنانية الشاهقة؟
على مدى عقود حوافل كانت بيروت ملاذاً ومعاذاً للمعذبين في الأرض العربية، وخيمة وارفة لمن تقطّعت بهم السبل العربية، ومنتجعاً أثيراً للمترفين العرب. كانت نجمة فكر وإشعاع وثقافة مضيئة في السماء العربية. كانت بيروت رئة يتنفس من خلالها العالم العربي. كانت بيروت، حمّالة الحطَب العربي. لهذا ولغيره، كانت بيروت باستمرار في مهبّ العواصف والنيران، ومرمى للأعداء وللإخوة الأعداء. كانت بيروت باستمرار قنبلة ملغومة وموقوتة. وتتهاطل على الذاكرة أحداث بيروت الدامية يأخذ بعضها برقاب بعض. فهي مُوجز بليغ للوجع العربي. وإزاء هذا المنسوب المتعاظم - المتفاقم من الوجع العربي، واليأس العربي، والحزن العربي. يتلجْلج الصدر ويضيق اللسان. ويغور الوجع جمرة حارقة في الوجدان».

الروائي والمترجم أحمد الويزي:
اللغة والوجع
«ماذا بوسع اللغة أن تفيد، حين يتعلّق الأمر بوصف وجع غائر، يشقّ نياط القلب، ويستقرّ وخزه مقيماً في الوجدان، ينضاف إلى طبقات أحزان وأشجان أخرى قديمة؟! ماذا بمقدور الكلام الإنشائي أن يجدي، حين يتجاوز الخطب الملمّ دائرة الدّوال المتداولة كلّها، ويغدو مدلولاً مائعاً يستعصي في رخاوته الشقيّة على كلّ توصيف؟! ليتني كنت أعمى، حتى لا أرى ما رأيته، وأنا بهذا العجز الكاسح لا أقوى على توصيف ما تلجلج في الوجدان بفعل هول ما رأيت! ليتني كنت إلى جانب العمى، شيخاً أصمّ وأبكم، حتى لا تظلّ أنّات الجرحى والثكالى وصرخات المفجوعين والأرامل، تطاردني مثل لعنة الربّ الأبدية ليل نهار، وأنا بكل هذا الضّعف والخمول فاشل، لا أستطيع أن أترجم فداحة الفاجعة التي ابتليت بها بفعل ما حصل لخيمتنا بيروت! ليتني كنت شجرة ظليلة تحنو على المفجوعين، الذين استفاقوا فجأة على دوي الكارثة، فلم يجدوا لهم مأوى! ليتني كنت غيمة تستطيع أن تظلل الحيارى، الذين يبحثون تحت الأنقاض عن بقايا حياة، وسط أشعة أغسطس الحارقة! ليتني قطرة ماء تروي غلّة العطشى، أو رغيف خبز يشبع سغب الجوعى، أو عكازة يستند إليها كل جريح، أو صدراً عملاقاً يضمّ إليه بحنان كل المفجوعين والأيتام، ويشعرهم بالأمل في الإنسان! ليتني كنت ذلك الإنسان! لكني للأسف لست هذا ولا ذاك، وحتى لغتي جوفاء مطاطية، لا تجدي في رسم وجعي العارم، حيال ما ألمّ بنجمة سمائنا الشرقية بيروت».

الكاتب إدريس لكريني: تجاوز الأزمة
«الانفجار الأليم الذي تعرضت له بيروت يدعو للتضامن العاجل، لأنه بكل المقاييس ستكون له تداعيات كبيرة وخطيرة على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية داخل البلد. ومن جهتي أتوقع أن يجتاز لبنان هذه الظرفية الصعبة التي تأتي في سياق مليء بالتحديات، فلبنان عودنا دائماً، وخصوصاً الشعب اللبناني، على أنه قادر على تجاوز مثل هذه المحطات الصعبة، وحتى المحطات الأكثر قساوة تمكن الشعب اللبناني من تجاوزها ومن تحويلها إلى فرص. وأعتقد أن ما يجري اليوم من تفاعل إيجابي من مختلف البلدان وعلى امتداد مناطق مختلفة من العالم، من حيث التضامن مع الشعب اللبناني والدعم الذي بدأ يتقاطر على البلد، وأيضاً النقاش الجاري داخل لبنان والذي يعكس الرغبة في تحميل الفاعل السياسي مسؤولياته، وتجاوز خلافاته وانتماءاته الضيقة وتحويلها إلى انتماء أوسع لخدمة الوطن، أعتقد أنها معطيات ستسمح بتحويل الأزمة إلى فرصة حقيقية، سيتعافى معها لبنان ويتجاوز الظروف الصعبة الحالية».



«البحر الأحمر السينمائي» يحتفي بأم كلثوم في الذكرى الـ50 لرحيلها

أم كلثوم في مشهد من فيلم «عايدة» (مهرجان البحر الأحمر)
أم كلثوم في مشهد من فيلم «عايدة» (مهرجان البحر الأحمر)
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يحتفي بأم كلثوم في الذكرى الـ50 لرحيلها

أم كلثوم في مشهد من فيلم «عايدة» (مهرجان البحر الأحمر)
أم كلثوم في مشهد من فيلم «عايدة» (مهرجان البحر الأحمر)

يواصل مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» في دورته الـ5 ترميم أفلام مصرية قديمة وإعادتها إلى الحياة بنسخ جديدة صالحة للعرض وفق أحدث التقنيات. وفي إطار الاحتفال بمرور 50 عاماً على رحيل سيدة الغناء العربي، أم كلثوم، اختار المهرجان ترميم فيلمَين من بطولتها، هما «نشيد الأمل» (1937) و«عايدة» (1942)، وكلاهما من إخراج أحمد بدرخان.

وعرض المهرجان، الجمعة، فيلم «نشيد الأمل» في «متحف طارق عبد الحكيم» بالحديقة الثقافية في منطقة جدة التاريخية، في حين قُدّم فيلم «عايدة» في مدينة الثقافة، بعد ترميمهما ضمن اتفاقية بين المهرجان ومدينة الإنتاج الإعلامي في مصر، وبمشاركة قناة «إيه آر تي» المالكة لحقوق الفيلمَين.

وقدّمت مريم عبد الله، عضو لجنة اختيار الأفلام العربية في المهرجان، فيلم «عايدة»، مشيرة إلى أن «مهرجان البحر الأحمر دأب في كل دورة على ترميم أفلام مصرية عدّة لتُعرَض للمرة الأولى بنسخ مُرمَّمة بتقنية (4 k) عالية الجودة عبر الشاشة الكبيرة، وتزامناً مع الذكرى الـ50 لوفاة أم كلثوم التي شاركت في بطولة 6 أفلام، فإن اللجنة الفنية اختارت هذين الفيلمين تحديداً لهذه المناسبة».

من جهتها، رحّبت أسماء السراج، المديرة التجارية لقنوات «إيه آر تي»، بالحضور، موجّهة شكرها للمهرجان على اهتمامه بترميم الأفلام المصرية. في حين قالت المهندسة ندى حسام الدين، مسؤولة الترميم بمدينة الإنتاج الإعلامي، إن فيلم «عايدة» شكَّل «حالة خاصة»، موضحة أن عملية ترميمه كانت «ملحمة حقيقية»، إذ «لم يُرمَّم الفيلم فحسب، بل كان علينا أيضاً إنقاذ (النيغاتيف) من التحلل. هناك أجزاء ستبدو مختلفةً لأنها استُنقذت قبل أن تتحلَّل تماماً، كما بُذل جهد كبير في ترميم الصوت، كونه فيلماً غنائياً، وخضع لعملية ترميم رقمية دقيقة للحفاظ على قيمته التاريخية». وأشادت بدور المهرجان في حماية التراث السينمائي.

ملصق عرض الفيلمين المُرمَّمين لأم كلثوم بالمهرجان (مهرجان البحر الأحمر)

وجاء عرض «عايدة» العام الحالي متزامناً أيضاً مع مرور 83 عاماً على عرضه الأول في 28 ديسمبر (كانون الأول) عام 1942 في سينما «استوديو مصر» بالقاهرة، وهو من إنتاج الاستوديو نفسه. ويشارك في بطولته، إلى جانب أم كلثوم، كل من المطرب إبراهيم حمودة، وسليمان نجيب، وعباس فارس، وماري منيب، وعبد الوارث عسر الذي كتب السيناريو بمشاركة فتحي نشاطي وعباس يونس.

يقدّم الفيلم مزيجاً آسراً من الرومانسية والقضايا الاجتماعية والتألق الموسيقي، وتتمحور قصته حول «عايدة» الطالبة في مرحلة «البكالوريا» (أم كلثوم) التي تتمتع بموهبة غنائية منذ طفولتها. وبعد وفاة والدها المزارع البسيط، تدعوها أسرة الباشا الذي كان والدها يعمل لديه للإقامة في القصر كي لا تبقى وحيدة. تلتحق عايدة بمعهد الموسيقى الداخلي للبنات، فيتعلق بها سامي نجل الباشا الذي يهوى الموسيقى أيضاً رغم رفض والده، كما يرفض زواجه منها؛ بسبب الفوارق الطبقية. لكن موقفه يتغيَّر بعد حضوره عرضاً موسيقياً تقدمه عايدة، لينتصر الحب في النهاية على تلك الفوارق.

وكعادة الأفلام التي تعكس روح زمنها، يُظهِر الفيلم شوارع القاهرة الهادئة في أربعينات القرن الماضي، وموديلات السيارات، والتقاليد الاجتماعية، والأزياء الكلاسيكية، إضافة إلى أغنيات الحب التي جمعت أم كلثوم بإبراهيم حمودة، مع إبراز تطور شخصية أم كلثوم وأدائها الغنائي.

وشهد الفيلم حضوراً لافتاً من جمهور المهرجان والجمهور السعودي، رغم ازدحام جدول العروض بأفلام عالمية وعربية حديثة الإنتاج. ويُفسر أنطوان خليفة، مدير البرامج العربية وكلاسيكيات الأفلام في المهرجان، هذا الإقبال بقوله: «هذه أفلام لم تُعرَض سابقاً في صالات كبيرة، ولم يشاهدها أغلب الجمهور السعودي من قبل، كما أنها تُقدَّم بتقنيات حديثة». وأضاف في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن عرض الفيلمين «لن يقتصر على المهرجان، بل سيستمر خلال احتفاليات عدّة تقام على مدار العام في مدن سعودية مختلفة»، موضحاً أن «المهرجان لا يشتري حقوق عرض هذه الأفلام، بل يحصل من الجهات المالكة على موافقتها لعرضها في المهرجان والاحتفاليات».

ويؤكد خليفة أن المهرجان، منذ دورته الأولى، يولي اهتماماً خاصاً بترميم الأفلام المصرية، حيث بلغ عدد ما رُمِّم حتى اليوم 22 فيلماً على مدى 5 سنوات.

ملصق فيلم «نشيد الأمل» (مهرجان البحر الأحمر)

ويشير إلى أن اختيار الأفلام المُرمَّمة يرتبط غالباً بمناسبات محددة، موضحاً: «أفلام يوسف شاهين رُمِّمت جميعها في فرنسا، لكننا اكتشفنا أن فيلم (الاختيار) لم يُرمَّم، فقمنا بذلك. كما ارتبط الترميم بتكريم شخصيات مصرية مثل الفنانة منى زكي في الدورة الماضية، حيث طلبت عرض فيلم (شفيقة ومتولي)، فرمَّمناه، وكذلك فيلم (اضحك الصورة تطلع حلوة) في إطار تكريمها. أما فيلم (خلي بالك من زوزو)، فجرى ترميمه بمناسبة مرور 50 عاماً على إنتاجه. واخترنا العام الحالي فيلمَي (نشيد الأمل) و(عايدة) في ذكرى مرور نصف قرن على رحيل أم كلثوم».

ويقدم برنامج «كنوز البحر الأحمر» في دورته الـ5 عروضاً مميزة لعدد من كلاسيكيات السينما العالمية، بينها 3 أفلام قصيرة صامتة: «المهاجر» لشارلي شابلن، و«ليبرتي» للوريل وهاردي، و«أسبوع واحد» لباستر كيتون، مع عزف موسيقي حي يقدمه المؤلف البريطاني نيل براند المتخصص في الموسيقى التصويرية. كما يتضمَّن البرنامج عرض فيلم الإثارة «مسحور» لألفريد هيتشكوك، وفيلم «الأزرق الكبير» الملحمي للمخرج لوك بيسون.


3 مخرجات في لحظة سينمائية نادرة... «البحر الأحمر» يجمع بينوش وأمين ودعيبس

جولييت بينوش تتوسَّط شهد أمين وشيرين دعيبس (المهرجان)
جولييت بينوش تتوسَّط شهد أمين وشيرين دعيبس (المهرجان)
TT

3 مخرجات في لحظة سينمائية نادرة... «البحر الأحمر» يجمع بينوش وأمين ودعيبس

جولييت بينوش تتوسَّط شهد أمين وشيرين دعيبس (المهرجان)
جولييت بينوش تتوسَّط شهد أمين وشيرين دعيبس (المهرجان)

في لحظة نادرة، تجمع بين التجربة العالمية ونهضة السينما العربية، التقت في مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» 3 سينمائيات، لكل منهن علاقة مباشرة مع «الأوسكار»، وهن: الممثلة الفرنسية الحائزة «الأوسكار» جولييت بينوش، التي تُعدّ من أبرز الوجوه في السينما الأوروبية، والمخرجة السعودية شهد أمين التي يُمثّل فيلمها «هجرة» السعودية في سباق «الأوسكار»، والمخرجة الفلسطينية - الأميركية شيرين دعيبس التي يُنافس فيلمها «اللي باقي منك» باسم الأردن في «الأوسكار».

جاء ذلك ضمن الجلسة الحوارية لبرنامج «نساء في الحركة»، الذي وُلد من مهرجان «كان» عام 2015 بكونه نافذة تطلّ منها النساء على النقاش العالمي حول الصورة، وصولاً إلى مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، إذ يحضر البرنامج للمرّة الأولى، ويحتفي بمرور عقد عليه، في جلسة حوارية جمعت النجمات الثلاث اللواتي ينتمين إلى خلفيات وثقافات وتجارب متباينة، لكن جمعتهن الأسئلة: كيف تُكتب الذاكرة؟ وكيف تتشكّل هوية المرأة في السينما؟ وكيف تستعيد السينما صوتها الإنساني وسط عالم يتغيَّر بسرعة؟

من التمثيل إلى الإخراج

وشكَّل انتقال الممثلة الفرنسية جولييت بينوش من التمثيل إلى الإخراج محوراً أساسياً في حديثها، خصوصاً عن الصعوبة الكامنة في «إخراج نفسها» داخل الفيلم.

تقول جولييت بينوش: «الممثل لا يستطيع أن يفصل نفسه عن الإخراج. العالمان متداخلان بشكل طبيعي»، مضيفة أنّ أداءها لم يكن خاضعاً لعملية توجيه ذاتي بقدر ما كان «محاولة لترك الحقيقة تمر عبر الجسد».

وتوقَّفت عند سؤال «الحقيقة في الصورة»، مشيرةً إلى أنّ لحظة نسيان المُتفرّج بأنّ ما يشاهده مجرّد صورة هي قلب التجربة السينمائية، وتتابع: «الحقيقة تنتمي إلى الإنسان. عندما تدخل الصورة في داخلك وتنسى أنها مصنوعة، عندها فقط تبدأ السينما».

المخرجة السعودية شهد أمين خلال الجلسة (المهرجان)

شهد أمين... الغرابة السينمائية

من ناحيتها، تناولت المخرجة السعودية شهد أمين فيلمها «هجرة» بإسهاب، وهو فيلم ينسج علاقته بين 3 أجيال نسائية. وقدَّمت مداخلة صريحة وحيوية، بدأت بسرد علاقتها بـ«غرابة أعمالها». قائلةً: «كل مرة أكتب فيلماً أقول إنّ الجميع سيحبه، ثم أصنعه، ويخرج غريباً جداً!».

وأضافت بابتسامة لا تخفي صدقها: «أقول لنفسي: (أرجوكِ اصنعي فيلماً طبيعياً)، لكن النهاية تكون دائماً لفيلم لا يُشبه أي فيلم آخر». وترى أمين أنّ هذا الاختلاف ليس هدفاً، بل نتيجة طبيعية لخياراتها الشخصية.

وبسؤالها عن دورها في إخراج المرأة السعودية من القوالب النمطية، تُجيب: «أنا لا أصنع أفلاماً لإثبات شيء عن المرأة السعودية أو لتغيير صورة ما، هذا ليس هدفي. أكبر خطأ يمكن أن أرتكبه هو أن أفرض أفكاري على الفيلم».

وعند سؤالها عن حضور الأجيال الثلاثة في فيلم «هجرة»، أجابت بتأمّل عميق: «كلّ ما نحن عليه اليوم صنعته أمّهاتنا وجداتنا. لا يمكن فَهْم الحاضر من دون العودة إلى الخلف».

أما عن المشهد السينمائي في السعودية اليوم، فرأت أنه يشهد واحدة من أسرع المراحل تطوراً على مستوى العالم، مضيفةً: «السعودية مكان ممتع لصناعة الأفلام. كلّ شيء جديد، وكلّ شيء يبدأ من الصفر. هناك مساحة لكلّ صوت».

كما حذّرت المخرجين الجدد من محاولة تقليد النموذج الأميركي: «لا حاجة لتكرار أحد... كن نفسك... كن غريباً إن أردت... ربما يجد أحدهم نفسه في هذا الغريب».

المخرجة شيرين دعيبس وتقاطعات الذاكرة والهوية (المهرجان)

شيرين دعيبس... صناعة الذاكرة

المحطة الثالثة حملت صوت المخرجة الفلسطينية - الأميركية شيرين دعيبس، التي تُشارك في المهرجان بفيلم «اللي باقي منك»، الذي يتناول أحداث فلسطين ما بعد النكبة. وهي المخرجة المعروفة باشتغالها على هوية المرأة العربية في سياقات الشتات. تطرَّقت دعيبس لفيلمها، بالقول: «وجدنا أنفسنا نصنع فيلماً عن النكبة بينما نشاهد نكبة أخرى تتكشَّف أمام عيوننا... نكبة بلا حدود».

ورأت أن البحث عن «فلسطين خارج فلسطين» كان عملية قاسية، لكنها ضرورة لصنع الفيلم، مضيفةً: «كان علينا أن نُعيد تشكيل الذاكرة بصرياً، ونبحث عن جذورنا في أماكن لا تمتلك الأرض نفسها».

وعن جذورها الشخصية، قالت بوضوح: «نشأت في عائلة فلسطينية - أردنية. أحمل الفرح والألم معاً. مشاركة هذا الإرث ليست خياراً، إنها واجب».

وفي تحليلها لتطوّر الدعم العالمي للسينما العربية، قالت شيرين دعيبس إنّ أوروبا والعالم العربي كانا أكثر دعماً من الولايات المتحدة، مضيفةً: «بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول) أدركنا أن صورتنا تُروى من دوننا. وكان علينا أن نستعيد قصصنا». وأثنت على التحوّل السينمائي في السعودية، قائلة: «ما يحدث هنا استثنائي. الدعم الذي نراه في المنطقة خلال السنوات الأخيرة غير مسبوق».

ورغم اختلاف اللغات والخلفيات، تقاطعت مداخلات المخرجات الثلاث عند 3 محاور عميقة: الذاكرة بكونها منظوراً سردياً، والغرابة بوصفها توقيعاً، ورؤية الإنسان من الداخل. ويمكن القول إنّ جلسة «نساء في الحركة» في «البحر الأحمر» لم تكن مجرّد لقاء حول حضور المرأة في السينما، بل كانت مساحة لقراءة العالم من خلال العين النسائية؛ عين تتأمل الحقيقة، وتستعيد الذاكرة، وتتجاوز الخطاب التقليدي.


شوارع بريطانيا تحمل أسماء الطيور... وسماؤها تفتقدها

الأسماء تتكاثر لكنّ الطيور تختفي من الحقول والسماء (شاترستوك)
الأسماء تتكاثر لكنّ الطيور تختفي من الحقول والسماء (شاترستوك)
TT

شوارع بريطانيا تحمل أسماء الطيور... وسماؤها تفتقدها

الأسماء تتكاثر لكنّ الطيور تختفي من الحقول والسماء (شاترستوك)
الأسماء تتكاثر لكنّ الطيور تختفي من الحقول والسماء (شاترستوك)

تزداد في بريطانيا تسمية الشوارع بأسماء طيور مثل القُبرات والزقزاق والزرازير، في وقت تشهد فيه أعداد هذه الأنواع تراجعاً مقلقاً.

فقد كشف تقرير لجمعية حماية الطيور الملكية، نقلته «الغارديان»، عن أنّ أسماء شوارع من قبيل «ممر القُبرة» و«جادة السمامة» باتت أكثر شيوعاً خلال العقدين الماضيين. وبالاستناد إلى بيانات «أو إس أوبن نيمز» بين عامَي 2004 و2024، تبيَّن أن الشوارع التي تحمل أسماء طائر القُبرة ارتفعت بنسبة 350 في المائة، وتلك التي تحمل اسم الزرزور بنسبة 156 في المائة، فيما ارتفعت أسماء الشوارع المرتبطة بطيور الزقزاق بنسبة 104 في المائة، رغم الانخفاض الكبير في أعداد هذه الطيور في البرّية.

ويشير التقرير إلى أنّ بريطانيا فقدت بين عامَي 1970 و2022 نحو 53 في المائة من القُبرات المتكاثرة، و62 في المائة من الزقزاق، و89 في المائة من العندليب.

وقالت المديرة التنفيذية للجمعية، بيكي سبيت، إنّ التحليل «يكشف عن أن البلديات والمطوّرين العقاريين لا يجدون غضاضة في تسمية الشوارع بأسماء الطبيعة التي نحبّها، بينما تبقى الجهود الرامية إلى منع اختفاء هذه الطيور من سمائنا بعيدة تماماً عن المستوى المطلوب».

ووصف تقرير «حالة الطبيعة 2023» المملكة المتحدة بأنها «واحدة من أكثر الدول استنزافاً للطبيعة على وجه الأرض»، مشيراً إلى الانهيار الحاد في أعداد الطيور البرية منذ سبعينات القرن الماضي.

كما أظهر تحليل الجمعية أنّ استخدام كلمة «مرج» في أسماء الشوارع زاد بنسبة 34 في المائة، في حين اختفت 97 في المائة من المروج البرّية منذ الثلاثينات. ودعت الجمعية الحكومة إلى تعزيز جهود حماية الطبيعة، مع دخول مشروع قانون التخطيط والبنية التحتية في إنجلترا مراحله النهائية.

كانت الحكومة قد تراجعت في أكتوبر (تشرين الأول) عن دعم تعديل يُلزم بتركيب «طوب السمامات» في كلّ منزل جديد، رغم أنّ أسماء الشوارع المرتبطة بالسمامات ارتفعت بنسبة 58 في المائة.

وأكدت الجمعية أنه من «الممكن والضروري» تبنّي نظام تخطيط عمراني يُسهم في استعادة البيئة الطبيعية، مستشهدةً ببحث صادر عن مؤسّسة «مور إن كومون» يفيد بأنّ 20 في المائة فقط من البريطانيين يرون أنه ينبغي خفض المعايير البيئية لتشييد مزيد من المنازل.

من جانبه، قال مؤلّف كتاب «ليا الوقواق» عن تاريخ الطيور في أسماء الأماكن البريطانية، مايكل وارن، إنّ البريطانيين «يعشقون أسماء الطبيعة، ويعرف المطوّرون ذلك جيداً». لكنه أوضح أنّ رواج أسماء الطيور في المشروعات السكنية الجديدة «يخفي انفصالاً عميقاً يعانيه كثيرون عن الطبيعة، ويعطي انطباعاً مضلّلاً بأنّ كلّ شيء على ما يرام».

وأشار وارن إلى أنّ أسماء الأماكن كانت سابقاً تعكس الواقع البيئي، أما الأسماء الحديثة فهي «في أفضل الأحوال جميلة المظهر، لكنها في الحقيقة وسيلة خادعة ورخيصة وسهلة لخلق إيحاء بمعالجة تدهور الطبيعة من دون القيام بأيّ تحرّك فعلي».

وختمت سبيت: «يستحق الناس أن يستمتعوا بصوت العندليب في ذروة غنائه، أو بصيحات السمامات وهي تحلّق فوق رؤوسهم، بدلاً من العيش في شوارع صامتة تحمل أسماء ساخرة».