خبيرة أميركية تفشل في اجتياز تجربة «التركيز» داخل مدرسة إعدادية

حاولت كشف أسباب ضعف التركيز والتحصيل في الفصول

طلاب يستمعون لدرس في مدرسة ج. جيمس غولسون المتوسطة بولاية برنس جورج الأميركية (واشنطن بوست)
طلاب يستمعون لدرس في مدرسة ج. جيمس غولسون المتوسطة بولاية برنس جورج الأميركية (واشنطن بوست)
TT

خبيرة أميركية تفشل في اجتياز تجربة «التركيز» داخل مدرسة إعدادية

طلاب يستمعون لدرس في مدرسة ج. جيمس غولسون المتوسطة بولاية برنس جورج الأميركية (واشنطن بوست)
طلاب يستمعون لدرس في مدرسة ج. جيمس غولسون المتوسطة بولاية برنس جورج الأميركية (واشنطن بوست)

في ظل الشعبية الواسعة التي باتت موجودة حول المشكلات التي يواجهها الأطفال عندما يضطرون للجلوس بهدوء في المدرسة لساعات حتى نهاية اليوم الدراسي دون الحصول على وقت للفسحة، كتبت أخصائية العلاج الوظيفي للأطفال أنجيلا هانسكوم، مشاركة هامة بعنوان «لماذا لا يجلس عدد كبير من الأطفال بهدوء في المدرسة اليوم؟»، وناقشت كيف يؤثر الخمول على قدرة الطلاب على الحفاظ على التركيز والتعلم، بل وتشخص بشكل خاطئ أحيانا بأنها نتيجة الإصابة باضطراب قصور الانتباه وفرط الحركة. كما كانت هناك مشاركة ثانية تحت عنوان: «الطرق الصحيحة - الخاطئة بشكل يدعو للدهشة لدفع الأطفال للجلوس بهدوء في الصف».
وكتبت هانسكوم الآن مشاركة ثالثة في الموضوع نفسه، وتتناول هذه المشاركة على وجه التحديد طلاب المرحلة الإعدادية. أخبرتني هانسكوم بأنها كانت شغوفة بمعرفة الآثار الناجمة عن تقييد حركة الطلاب في المرحلة الإعدادية، ولذلك فإنها توجهت إلى إحدى المدارس الإعدادية الأميركية المحلية لتراقب عن كثب ما يجري داخل الفصول الدراسية، ولكي تتحدث مع المعلمين وأولياء الأمور. وتوضح المشاركة التالية التجربة التي مرت بها هانسكوم والنتائج التي توصلت إليها في المدارس الإعدادية التي قامت بزيارتها. وهانسكوم هي مؤسسة برنامج «تيمبرنوك»، وهو برنامج تنمية قائم على الطبيعة يهدف إلى تعزيز الإبداع واللعب المنفصل خارج المنزل في نيو إنغلاند.
وتقول هانسكوم: «فيما عدا فترات قصيرة فاصلة بين الصفوف الدراسية، ظللت جالسة طوال فترة الـ90 دقيقة المتعبة السابقة أنظر إلى ساقي وألاحظ أنها تهتز ولسان حالي يقول: عظيم، الآن أشعر بالتململ! أقوم بعمل أي شيء في استطاعتي من أجل التركيز؛ لدرجة أنني أقوم بثني جسدي في أوضاع محرجة لأبتعد عن الدخول في أحلام يقظة. هذا أمر غير مجدٍ، قمت بمراجعة ما تم خلال 45 دقيقة الماضية. لم أعد أسجل أي شيء يقوله المعلم. أتلفت حولي في الحجرة لأرى حال الأطفال الذين يصغرونني ببضعة عقود. لقد انغمست في أجواء صف دراسي بالمرحلة الإعدادية، وسرعان ما أدركت أنني لست الشخص الوحيد الذي يجد صعوبة في التركيز؛ فنحو 50 في المائة من الأطفال يتململون، وأغلب الباقين من الأطفال إما يجلسون بتراخٍ في أكثر الأوضاع غرابة أو نائمون على مكاتبهم. وتجد طفلا ينهض فجأة لشحذ قلمه الرصاص؛ وبعد بضع دقائق، يرفع طفل آخر يده ويطلب الذهاب إلى الحمام. في الواقع، لقد طلب 3 أطفال على الأقل الذهاب إلى الحمام خلال الـ20 دقيقة الماضية. أشعر بالإنهاك الذهني، رغم أن اليوم قد بدأ للتو. وكنت أنوي القيام بالملاحظة طوال اليوم. ولكنني لم أتمكن من ذلك. فقررت المغادرة بعد الغداء مباشرة.
لا يمكنني تحمل الجلوس لمدة 6 ساعات حتى ولو ليوم واحد فقط، ناهيك بالقيام بذلك كل يوم؛ يوما بعد يوم؛ فكيف يتحمل هؤلاء الأطفال الجلوس كل هذا الوقت؟ حسنا، الإجابة باختصار هي أنهم لا يتحملون ذلك. فأجسادهم لا تتحمل الجلوس لفترات طويلة من الوقت. في الواقع لم تخلق أجسادنا كلنا بشكل يسمح بالجلوس بهدوء لفترات طويلة من الوقت؛ لذا قلة الحركة واعتياد الجلوس باستمرار يدمر أجسادهم وعقولهم. تبدأ الأجساد بالاستسلام لهذه الأوضاع غير الطبيعية ونمط الحياة الهادئ من خلال الإصابة بضمور في العضلات، وضيق في الأربطة (رغم أنه لا ينبغي أن يكون هناك ضيق)، وتخلف في الأجهزة الحسية، مما يؤدي إلى أجساد ضعيفة ووضع سيئ وعدم كفاءة في المعالجة الحسية للعالم الموجود من حولهم.
إذا كان أغلب طلاب الصف الدراسي يتململون ويكافحون من أجل أن يجعلوا أجسادهم مستقيمة، في محاولة يائسة للبقاء في حالة تواصل، فهذا يعد مؤشرا جيدا بالفعل على أنهم بحاجة لمزيد من الحركة. في الواقع، لا يهم مدى كفاءتك كمعلم. إذا كان ينبغي على الأطفال أن يتعلموا من خلال البقاء في مقاعدهم أغلب أوقات اليوم، فإن أذهانهم ستتشتت بطبيعة الحال بعد فترة، وهو ما يتسبب في هدر وقت الجميع.
هل يجهل هؤلاء المعلمون فوائد الحركة؟ لا. فمعظم المعلمين يعرفون أن الحركة من الأمور المهمة. وقد يتحدث الكثير منهم عن أنهم محبطون للغاية لأنهم لا يستطيعون السماح للأطفال بالحركة لفترات أكثر على مدار اليوم».
ويقول أحد معلمي المرحلة الإعدادية: «من المتوقع منا أن نحشو أدمغتهم بمزيد ومزيد من المعلومات». وقال مدرس آخر: «إنه ضرب من الجنون! لم يعد بإمكاننا أن نقوم بالتعليم وفقا لما نرى أنه مناسب تنمويا. بسبب الاختبارات الصعبة، لم تعد حتى فرص التعلم القائم على عمل المشروعات مجدية. هناك الكثير من اللوائح، ولا يوجد ما يكفي من الوقت».
ويواصلون الحديث عن فترة الفسحة التي تمت إضاعتها بسبب عدم وجود مكان ووقت، وكذلك بسبب الخوف من تعرض الأطفال لإصابات. ويقول أحد المدرسين: «كان الكثير من الأطفال يتعرضون لإصابات. وكان أولياء الأمور يتصلون ويشتكون من وجود سحجات وإصابات في الركب والمرافق. لقد أصبح وقت الراحة شيئا من الماضي». حتى فترة الاستراحة الوجيزة من الدروس وتناول وجبة خفيفة لم تعد موجودة. وجرى الآن استبدال هذه الدقائق القليلة بـ«وجبة خفيفة أثناء العمل» من أجل حشو درس مفردات موجز. ويكون درس التربية الرياضية كل 6 أيام، وهو ما يعني من الناحية الفنية أنه ليس أسبوعيا.
يتراص الأطفال في فترة الغداء. وناداني أحد المدرسين بصوت مرتفع: «تعالي وشاهدي هذا». يتراص الأطفال في صف مزدوج. كل اثنين بجوار اثنين، ويُطلب منهم التزام الهدوء. وبمجرد التزامهم للهدوء، يقوم معلمان (أحدهما أمام الصف والآخر خلفه) بمرافقة الأطفال حتى يصلوا إلى مقصف الطعام. خطر ببالي على الفور مشهد نزلاء السجون، وأنا أراقب الأطفال يدخلون في صمت، جنبا إلى جنب في أروقة المدرسة. قيل لي إن التلاميذ يلتزمون الهدوء ويظلون جالسين طوال فترة الغداء. يقول أحد المدرسين: «أشعر بالأسى عليهم؛ في الوقت الذي يستعدون فيه لقضاء وقت الفسحة أثناء الغداء، يُضطرون إلى الجلوس والتزام الصمت».
أصبح كثير من أولياء الأمور مرتاحين بشكل متزايد لمسألة عدم وجود فترة راحة وقلة حركة أطفالهم في المدرسة الإعدادية. تقول إحدى الأمهات: «خرج أطفال المرحلة الإعدادية على وجه الخصوص للتو من أجواء المرحلة الابتدائية، التي تتكون من فترات فسحة متعددة طوال اليوم. وما زال هؤلاء الأطفال صغارا، حسب المنطقة التعليمية، فقد يبلغ عمرهم 10 سنوات فقط عند الالتحاق بالمدارس المتوسطة. وهم يواجهون تغييرا كبيرا بالفعل في عملية الانتقال وحدها. فترة الفسحة أثناء اليوم هي ما يحتاجون إليه من أجل إعادة التجمع».
قامت تلك الأم بالاتصال بأعضاء مجلس إدارة المدرسة بالمنطقة التعليمية، الذين يتخذون الكثير من القرارات بشأن سياسات المدرسة. كما التقت مدير ورئيس المدرسة ونشرت التماسا على شبكة الإنترنت يجمع عددا من أولياء الأمور يدعو إلى السماح بالمزيد من الحركة في المدرسة. وماذا كانت النتائج؟ فترة مشي قصيرة خارج المباني مدتها 5 إلى 10 دقائق بعد تناول وجبة الغداء، ويصفها المدرسون بأنها نصف جولة حول المبنى تعقبها العودة إلى الداخل. وتقول تلك الأم: «قد لا تكون فترة راحة، ولكنها بداية جيدة. ومع ذلك، ما زلت أرى أنه من الضروري أن يكون من سياسة المدرسة أن يحصل جميع الأطفال على فترة راحة أطول».
سألت المعلمين: ما الذي يفعله الأطفال عند عودتهم من المدرسة إلى المنزل. قال أحد المعلمين مشتكيا: «لدى نحو 60 في المائة منهم جدول مشحون، أما الـ40 في المائة الآخرون فليس لديهم منزل واحد، ولذلك فهم يفعلون ما يريدون، وما يريدونه غالبا يتعلق بممارسة ألعاب الفيديو. يمكن أن أقول إنه لا يوجد لدينا سوى عدد قليل من الأطفال الذين يعودون إلى منازلهم ويجدون وقتا للعب». وأضاف قائلا: «يحاول المعلمون أن تظل الفروض المدرسية ذات مغزى وألا يتجاوز الوقت اللازم للقيام بها الساعة، لأنهم يعلمون أن الأطفال في حاجة لوقت للراحة بعد قضاء يوم دراسي طويل في المدرسة».
حتى الأطفال في المدارس الإعدادية يحتاجون للحصول على فرصة للعب. في الصيف الماضي، أحضر أحد المدرسين في أحد معسكرات برنامجنا «تيمبرنوك» ابنته البالغة من العمر 12 عاما، واسمها سارة لتكون «مستشارا مشاركا». وكانت سارة تشعر بالسعادة للعبها دور مستشارة وطالبة جامعية لمجموعة صغيرة مكونة من 5 أطفال. وكانت في الماضي مجرد مشاركة في معسكر. ومع ذلك، بمجرد دخول المجموعة إلى أعماق الغابة، وتفرقت وبدأت العب، سرعان ما تحولت الأدوار. نسيت على الفور وضعها الجديد وقفزت بكل إخلاص في عالم التظاهر، مع الأطفال الأصغر سنا. ما حدث بعد ذلك، كان لافتا للانتباه للغاية.
صعدت سارة على جذع شجرة ساقطة ترتفع قرب أعلى قمة الخيمة المخروطية الشكل التي صمموها حديثا، وهي مرتدية سرخس طازج لتغطية «الأحياء» ريفية الطابع. كانت ترتدي قناع من الريش الملون الزاهي أعلى جبهتها. وقالت لمجموعة الأطفال الذين تجمعوا حولها: «اسمعوا، ينبغي علينا أن نكون على استعداد لهجوم الفريق المنافس». وظلت تحدق في عيني كل طفل من الأطفال لفترة من الزمن. وقالت لواحدة من أكبر الأطفال في المجموعة: «أنتِ! تم تعيينك الآن قائدا أعلى». ونادت على فتاة أخرى تشتهر بكونها من أسرع العدائين في المجموعة: «جولي! ستكونين أهم جاسوس لنا». وواصلت توزيع الأدوار التي ستلعبها كل طفلة.
جعلها عمرها وقوتها وذكاؤها القائد المختار بحكم الطبيعة واحترم الأطفال قراراتها. لعبت بالحماس نفسه الذي لعب به الأطفال الآخرون؛ ونسيت دورها الجديد كمستشار مشارك خلال باقي أيام الأسبوع، إلا عندما كان تقود في بعض الأحيان أداء أغنية أو أنشودة جماعية خلال اجتماع صباحي. فاقت متعة أن تكون مشاركا في معسكر وأن تلعب بحرية كل المسؤوليات، فهي طفلة ولم تكن على استعداد للتخلي عن حقها في اللعب بحرية. ومن يلومها على ذلك؟
لماذا نفترض أن الأطفال لا يحتاجون إلى وقت للحركة أو اللعب بمجرد وصولهم للصف السادس، أو حتى الصف الخامس؟ إنهم مجرد أطفال. وأزعم في الواقع أننا جميعا يمكننا الاستفادة من فرص اللعب، حتى ولو وصلنا إلى مرحلة البلوغ. فكل شخص يحتاج لفترة راحة؛ وقت لتحريك الجسد؛ وقت لنصبح فيه مبدعين ونهرب من قسوة الواقع.
ما الذي يمكننا أن نفعله لأبنائنا طلاب المدارس الإعدادية؟ طرحت هذا السؤال على جيسيكا لاهي، وهي مدرسة بالمرحلة الإعدادية، وكاتبة مساهمة في «ذا أتلانتيك» ومؤلفة كتاب سيصدر قريبا، عنوانه «هدية الفشل: كيف يتعلم أفضل أولياء الأمور تخفيف قبضتهم حتى يتمكن هؤلاء الأطفال من النجاح» لتعطي رأيها في هذه المسألة.. «يخشى المعلمون غالبا من أنهم إذا سمحوا للأطفال بالحركة، فسيكون من الصعب عليهم أن يجعلوهم يعودون للاستقرار في أماكنهم مرة أخرى. ولا ينبغي أن يمنعنا هذا من السماح لهم بالحركة اللازمة التي يحتاجونها ليتعلموا. يمكن لأطفال المرحلة الإعدادية الاستفادة دائما من فترة الراحة. بالإضافة إلى ذلك، عندما كنت أقوم بالتدريس في مدرسة (كروس رودز أكاديمي) كان يوجد بعض الآثار الطبيعة العظيمة وراء مدرستنا في الغابات. وكنت غالبا ما أقوم باصطحاب صف اللغة الإنجليزية للتنزه. وكنت أعطيهم موضوعا ليتدبروا فيه ثم كنا نمشي لمدة 10 دقائق للتفكير في المسألة. وكنا نجتمع ونناقش الموضوع. ثم أطرح سؤالا آخر ثم نبدأ في المشي من جديد».
وأوضحت جيسيكا أن هذا أمر صحيح بالنسبة للمدارس الموجودة في المناطق الحضرية أيضا. يمكن للأطفال الذهاب إلى المتاحف والحدائق المحلية بغرض الاستكشاف والتعلم. ويمكنهم أن يحضروا معهم دفاتر مذكراتهم اليومية وتقييم العالم والثقافة من حولهم. ليس من الضروري أن يتم التعلم وأنت جالس على كرسي. واصلت جيسيكا حديثها وقالت لي إنها قامت ذات مرة بتعليم الأطفال في المرحلة الإعدادية كيفية ممارسة الخطابة العامة عن طريق التناوب في الوقوف على جسر صغير فوق نهر صغير صوت خرير المياه فيه مرتفع. فكانوا مضطرين لرفع أصواتهم وسط ثرثرة المياه ليسمعهم باقي الفصل. وتقول جيسيكا: «لقد كان درسا عمليا جيدا، فهناك شيء في الطبيعة يؤسس الطفل، ويقضي على القلق الذي عادة ما يلازم الخطابة».
ينبغي على كل الأشخاص الذين يتبوأون مناصب تسمح باتخاذ قرارات خاصة بسياسات المدارس الجلوس في يوم دراسي واحد على الأقل والمرور بتجربة مباشرة ليعرفوا ما هو مطلوب من الأطفال اليوم. سيكون لديهم حينئذ فكرة أفضل عما هو مناسب وما هو غير مناسب. وسيبدأون حينها في التفكير فيما تعنيه قراراتهم بالنسبة لأطفال حقيقيين في مدارس حقيقية. فقد يبدأون حينئذ في تقدير حاجة الأطفال للحركة، وحاجتهم للعب، وحاجتهم للاحترام كبشر.
الأطفال في سن المدرسة الإعدادية بحاجة إلى الحركة.. تماما مثل أي إنسان آخر.
* خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ{الشرق الأوسط}



كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات
TT

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

التحدث عن كلية الطب في «الجامعة الأميركية» وما حققته من إنجازات وتطورات منذ تأسيسها عام 1867 لا يمكن تلخيصه بمقال؛ فهذه الكلية التي تحتل اليوم المركز الأول في عالم الطب والأبحاث في العالم العربي والمرتبة 250 بين دول العالم بالاعتماد على QS Ranking، استطاعت أن تسبق زمنها من خلال رؤيا مستقبلية وضعها القيمون عليها، وفي مقدمتهم الدكتور محمد صايغ نائب الرئيس التنفيذي لشؤون الطب والاستراتيجية الدولية وعميد كلية الطب في الجامعة الأميركية، الذي أطلق في عام 2010 «رؤيا (2020)»، وهي بمثابة خطة طموحة أسهمت في نقل الكلية والمركز الطبي إلى المقدمة ووضعهما في المركز الأول على مستوى المنطقة.

رؤية 2025

اليوم ومع مرور 150 عاماً على تأسيسها (احتفلت به أخيراً) ما زالت كلية الطب في «الجامعة الأميركية» تسابق عصرها من خلال إنجازات قيمة تعمل على تحقيقها بين اليوم والغد خوّلتها منافسة جامعات عالمية كـ«هارفرد» و«هوبكينز» وغيرهما. وقد وضعت الجامعة رؤيا جديدة لها منذ يوليو (تموز) في عام 2017 حملت عنوان «رؤية 2025»، وهي لا تقتصر فقط على تحسين مجالات التعليم والطبابة والتمريض بل تطال أيضاً الناحية الإنسانية.
«هي خطة بدأنا في تحقيقها أخيراً بحيث نستبق العلاج قبل وقوع المريض في براثن المرض، وبذلك نستطيع أن نؤمن صحة مجتمع بأكمله». يقول الدكتور محمد صايغ. ويضيف خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «لا نريد أن ننتظر وصول وفود المرضى إلى مركزنا الطبي كي نهتم بهم، بل إننا نعنى بتوعية المريض قبل إصابته بالمرض وحمايته منه من خلال حملات توعوية تطال جميع شرائح المجتمع. كما أننا نطمح إلى إيصال هذه الخطة إلى خارج لبنان لنغطي أكبر مساحات ممكنة من مجتمعنا العربي».
تأسَّسَت كلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت عام 1867، وتعمل وفقاً لميثاق صادر من ولاية نيويورك بالولايات المتحدة الأميركية، ويقوم على إدارتها مجلس أمناء خاص ومستقل.
وتسعى الكلية لإيجاد الفرص التي تمكن طلبتها من تنمية روح المبادرة، وتطوير قدراتهم الإبداعية واكتساب مهارات القيادة المهنية، وذلك من خلال المشاركة في الندوات العلمية والتطبيقات الكلينيكية العملية مما يُسهِم في تعليم وتدريب وتخريج أطباء اختصاصيين.
وملحَق بكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت مركز طبي يضم أقساماً للأمراض الباطنية والجراحة والأطفال وأمراض النساء والتوليد ‏والطب النفسي. كما يقدم المركز الطبي خدمات الرعاية الصحية المتكاملة في كثير من مجالات الاختصاص، وبرامج للتدريب على التمريض وغيرها ‏من المهن المرتبطة بالطب.

اعتمادات دولية

منذ عام 1902، دأب المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت على توفير أعلى معايير الرعاية للمرضى في مختلف أنحاء لبنان والمنطقة. وهو أيضاً المركز الطبي التعليمي التابع لكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت التي درّبت أجيالاً من طلاب الطب وخريجيها المنتشرين في المؤسسات الرائدة في كل أنحاء العالم. المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت هو المؤسسة الطبية الوحيدة في الشرق الأوسط التي حازت على خمس شهادات اعتماد دولية وهي JCI)، وMagnet، وCAP، وACGME - I و(JACIE مما يشكّل دليلاً على اعتماد المركز أعلى معايير الرعاية الصحية المتمحورة حول المريض والتمريض وعلم الأمراض والخدمات المخبرية والتعليم الطبي والدراسات العليا. وقد خرَّجَت كلية الطب أكثر من أربعة آلاف طالب وطبيب. وتقدم مدرسة رفيق الحريري للتمريض تعليماً متميزاً للعاملين في مجال التمريض، ويلبي المركز الطبي احتياجات الرعاية الصحية لأكثر من 360 ألف مريض سنوياً.
ويتألف المركز من عدد من مراكز الامتياز كمركز سرطان الأطفال التابع لمستشفى «سانت جود» البحثي في ولايتي ممفيس وتينيسي. كما تتضمن برنامج باسيل لأورام البالغين وفيه وحدة لزرع نخاع العظام، إضافة إلى مراكز طب الأعصاب المختلفة وأمراض القلب والأوعية الدموية ومركز للرعاية الصحية للنساء.
«هناك استثمارات تلامس نحو 400 مليون دولار رصدت من أجل بناء البنية التحتية اللازمة للمركز الطبي مع مشروع افتتاح عدة مبانٍ وأقسام جديدة خاصة بأمراض السرطان وأخرى تتعلق بالأطفال، إضافة إلى نقلة نوعية من خلال زيادة عدد الأسرة لتلبية الحاجات الصحية المختلفة لمرضانا»، كما أوضح د. صايغ في سياق حديثه.

تبرعات للمحتاجين

يعمل المركز الطبي على تأمين العلاج المجاني لأمراض مستعصية من خلال تأسيس صناديق تبرُّع للمحتاجين، هدفها تأمين العلاج لذوي الدخل المحدود. وهي تخصص سنوياً مبلغ 10 ملايين دولار لمساعدة هذه الشريحة من الناس التي تفتقر إلى الإمكانيات المادية اللازمة للعلاج.
وينظم المركز الطبي مؤتمراً سنوياً ودورات وورش عمل (MEMA) تتناول مواضيع مختلفة كطب الصراعات ومواضيع أخرى كصحة المرأة، والصحة العقلية، وعبء السرطان وغسل الكلى أثناء الصراع وتدريب وتثقيف المهنيين الصحيين للتعامل مع تحديات العناية بأفراد المجتمع.
تُعدّ كلية الطب في الجامعة الأميركية السباقة إلى تأمين برنامج تعليمي أكاديمي مباشر لطلابها، بحيث يطبقون ما يدرسونه مباشرة على الأرض في أروقة المركز الطبي التابع لها.
ويرى الدكتور محمد صايغ أن عودة نحو 180 طبيباً لبنانياً عالمياً من خريجيها إلى أحضانها بعد مسيرة غنية لهم في جامعات ومراكز علاج ومستشفيات عالمية هو إنجاز بحد ذاته. «ليس هناك من مؤسسة في لبنان استطاعت أن تقوم بهذا الإنجاز من قبل بحيث أعدنا هذا العدد من الأطباء إلى حرم الكلية وأنا من بينهم، إذ عملت نحو 25 عاماً في جامعة (هارفرد)، ولم أتردد في العودة إلى وطني للمشاركة في نهضته في عالم الطب». يوضح دكتور محمد صايغ لـ«الشرق الأوسط».

رائدة في المنطقة

أبهرت كلية الطب في الجامعة الأميركية العالم بإنجازاتها على الصعيدين التعليمي والعلاجي، ففي عام 1925. تخرجت فيها أول امرأة في علم الصيدلة (سارة ليفي) في العالم العربي، وبعد سنوات قليلة (1931) كان موعدها مع تخريج أول امرأة في عالم الطب (ادما أبو شديد). وبين عامي 1975 و1991 لعبت دوراً أساسياً في معالجة ضحايا الحرب اللبنانية فعالج قسم الطوارئ لديها في ظرف عام واحد (1976 - 1977) أكثر من 8000 جريح. وفي عام 2014 تلقت إحدى أضخم التبرعات المالية (32 مليون دولار) لدعم المركز الطبي فيها وتوسيعه.
كما لمع اسمها في إنجازات طبية كثيرة، لا سيما في أمراض القلب، فكان أحد أطبائها (دكتور إبراهيم داغر) أول من قام بعملية القلب المفتوح في العالم العربي، في عام 1958. وفي عام 2009، أجرت أولى عمليات زرع قلب اصطناعي في لبنان، وفي عام 2017 أحرز فريقها الطبي أول إنجاز من نوعه عربياً في أمراض القلب للأطفال، عندما نجح في زرع قلب طبيعي لطفل.
كما تصدرت المركز الأول عربياً في عالم الطب لثلاث سنوات متتالية (2014 - 2017) وحازت على جوائز كثيرة بينها «الجائزة الدولية في طب الطوارئ» و«جائزة عبد الحميد شومان» عن الأبحاث العربية، و«جائزة حمدان لأفضل كلية طبية في العالم العربي» لدورها في التعليم الطبي لعامي 2001 – 2002.