مع وجود ملايين الأرواح المهددة بسبب جائحة مرض «كوفيد-19»، يعمل الباحثون بوتيرة غير مسبوقة لتطوير لقاح ضد الفيروس المسبب للمرض. لكن هذه السرعة، وبعض الإنجازات التي يتم الترويج لها على نطاق واسع، تثير نوعاً من التفاؤل الحذر لأنه لا يزال لدى الباحثين حتى الآن فهم غير كامل للفيروس التاجي، كما أن كثيراً من الفرق البحثية تستخدم تكنولوجيات لم يسبق استخدامها من قبل.
وأحد الأشياء التي لم يفهمها الباحثون حتى الآن هي المدة التي يمكن أن يمنحها اللقاح، حيث تشير بعض الدراسات على الناجين من المرض أن الأجسام المضادة «بروتينات نظام المناعة الرئيسية التي تحارب العدوى» تبدأ في الاختفاء في غضون أشهر، وأدى ذلك إلى قلق العلماء من أن الحماية التي توفرها اللقاحات يمكن أن تتلاشى بسرعة أيضاً. ووفقاً لذلك، فإن الأمل في إنهاء اللقاحات للجائحة لم يتحقق لأنه إذا كانت اللقاحات تنتج حماية محدودة ضد العدوى، فسوف يحتاج الناس إلى الاستمرار في ارتداء الأقنعة والابتعاد الاجتماعي حتى بعد طرح اللقاحات.
لكن في مقابلة مع خدمة «كايزر نيوز» الصحية الإخبارية، وهي خدمة تابعة لمؤسسة هنري جاي كايزر العائلية، قال د. أنتوني فاوتشي، كبير خبراء الأمراض المعدية في أميركا، إن لديه «تفاؤل بحذر» بأن الباحثين سيتغلبون على هذه العقبات.
وقال فاوتشي، خلال المقابلة أول من أمس: «على الأقل، فإن الجسم يمكنه أن يتخذ استجابة كافية ضد هذا الفيروس بعد اختبار طلقتين لقاح، فلا يوجد سبب للاعتقاد بأننا لن نتمكن من تطوير لقاح». وأضاف أنه نظراً لأن التجارب في المراحل المبكرة بدأت قبل بضعة أشهر فقط، فإن الأطباء لا يعرفون إلى متى ستستمر الأجسام المضادة في الأشخاص المُلقحين.
وسيحصل العلماء على إجابات عن بعض أسئلتهم من أول تجربة لقاح على نطاق واسع في أميركا، وهي التي أطلقتها الأسبوع الماضي المعاهد الوطنية للصحة، وشركة «مودرينا» الأميركية، في 89 موقعاً في جميع أنحاء أميركا.
وقال فاوتشي: «بمجرد أن نحصل على رد وقائي، سنرى كم سيستمر، وإذا لم نحصل على رد طويل كما نريد، يمكننا دائماً إعطاء دفعة معززة». ورغم إعطاء اللقاحات لنتائج إيجابية حتى الآن، فإن ويليام شافنر، الأستاذ بكلية الطب بجامعة فاندربيلت، قال لموقع «ميدسكيب» الطبي، أول من أمس: «بينما نصنع اللقاحات، فإننا نبحر في مياه مجهولة، حيث يعتمد المرشحون الرئيسيون للقاحات على تقنيات جديدة لم تسفر أبداً حتى الآن عن لقاح مرخص». وإذا تمت الموافقة على لقاح جامعة أكسفورد الذي تنتجه شركة «استرازينكا»، فإنه سيكون أول لقاح مرخص يستخدم فيروساً يسبب نزلات البرد في الشمبانزي، ولكنه لا يصيب الناس.
ويستخدم العلماء فيروس البرد لتوصيل العناصر الرئيسية للقاح إلى جسم المريض. وتظهر الدراسات المبكرة أن هذا اللقاح يحفز جهاز المناعة على النحو المنشود. وإذا نجح اللقاح، فسوف تتعرف الأجسام المضادة والخلايا المناعية الأخرى التي تتشكل بفعل اللقاح على بروتين الأشواك الخاصة بالفيروس، وتحيده إذا واجهته مرة أخرى، مما يحمي الناس من المرض.
كما تم تطوير لقاحات من شركة «مودرينا» الأميركية، وآخر من شركة «فيزر» وشركة «بيونتك» الألمانية، بطرق جديدة يستخدمون فيها المواد الوراثية من الفيروس التاجي المسمى حمض نووي ريبوزي المرسال (messenger RNA) أو (mRNA).
وعكس اللقاحات التقليدية التي تعرض الجسم لبروتين فيروسي لتحفيز الجهاز المناعي، تخبر هذه اللقاحات الجسم بكيفية تكوين البروتينات نفسها، ثم يستجيب جهاز المناعة للبروتين الفيروسي عن طريق صنع الأجسام المضادة.
وقال مسؤولو «مودرينا» إنهم تمكنوا من إنتاج اللقاح بسرعة كبيرة لأنهم طوروا لقاحات تجريبية ضد فيروسين تاجيين قاتلين آخرين -أحدهما الذي يسبب السارس، والآخر الذي يسبب متلازمة الشرق الأوسط التنفسية (ميرس)- وهما يرتبطان ارتباطاً وثيقاً بالفيروس المسبب لمرض «كوفيد-19».
ويقول أميش أدالجا، الباحث الكبير في مركز «جونز هوبكنز» للأمن الصحي بأميركا: «رغم أن هذه الأساليب أظهرت نتائج إيجابية حتى الآن، فإن هناك خطراً محتملاً في الاعتماد بشكل كبير على هذه التقنيات الجديدة غير المثبتة من قبل، حيث يمكن أن تسبب التكنولوجيا الجديدة في بعض الأحيان مشكلات غير متوقعة أو آثاراً جانبية».
وأضاف أدالجا: «معظم اللقاحات قيد التطوير تستهدف بروتين (الأشواك)، ومن المحتمل أن تكون هذه استراتيجية ناجحة، بالنظر إلى لقاحات الفيروسات التاجية البيطرية الناجحة التي تستهدف أيضاً هذا البروتين، لكن بعض العلماء يقولون إن هذا النهج الموحد يمكن أن يجعلنا أيضاً عرضة للخطر». وأوضح: «من الناحية المثالية، ينبغي للعلماء تنويع مجموعة اللقاحات، بحيث إنه في حالة عدم نجاح استهداف بروتين الأشواك، كما يأمل الباحثون، قد يساعد تطوير لقاح يستهدف البروتينات الرئيسية الأخرى العلماء على التحوط في رهاناتهم».
ويرد الدكتور أحمد سالمان، عضو الفريق البحثي بفريق جامعة أكسفورد لإنتاج اللقاح، على هذه التخوفات قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «فيما يتعلق بمدة الحماية التي يمنحها اللقاح، فمن الطبيعي ألا يكون لدينا الآن تصور عن فترة الحماية التي يمنحها اللقاح»، وأضاف: «الذين حصلوا على اللقاح في التجارب السريرية التي بدأت في أبريل (نيسان) الماضي لا تزال لديهم أجسام مضادة إلى الآن. وحتى نستطيع معرفة مدة فاعلية اللقاح، علينا الانتظار، وإجراء تحليل كل فترة لمعرفة إلى أي مدى يمكن أن يستمر».
أما فيما يتعلق باعتماد أغلب اللقاحات على بروتين الأشواك الخاص بالفيروس، وضرورة وجود تنويع في البروتينات، فقال سالمان: «الفيروس من دون هذا البروتين لا يمكنه اختراق الخلايا البشرية، ومن ثم فإنه من الطبيعي أن يتم استهداف هذا البروتين»، وأضاف: «إذا تحور الفيروس، وحدث تغيير في هذا البروتين، يكون قد أراح واستراح لأنه من دونه لا يستطيع إحداث الضرر بالبشر».
تفاؤل حذر بشأن لقاحات «كوفيد ـ 19»
مخاوف من عدم توفيرها مناعة دائمة
تفاؤل حذر بشأن لقاحات «كوفيد ـ 19»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة