لبنان يعلن «الطوارئ» أسبوعين... وبيروت في عهدة الجيش

فرض الإقامة الجبرية على مسؤولي المرفأ... ومطالب بمشاركة دولية في التحقيقات

لبناني يمر بجانب بناية تعرضت للدمار بسبب الانفجار في مرفأ بيروت (أ.ف.ب)
لبناني يمر بجانب بناية تعرضت للدمار بسبب الانفجار في مرفأ بيروت (أ.ف.ب)
TT

لبنان يعلن «الطوارئ» أسبوعين... وبيروت في عهدة الجيش

لبناني يمر بجانب بناية تعرضت للدمار بسبب الانفجار في مرفأ بيروت (أ.ف.ب)
لبناني يمر بجانب بناية تعرضت للدمار بسبب الانفجار في مرفأ بيروت (أ.ف.ب)

أعلنت السلطات اللبنانية أمس حالة طوارئ في بيروت لمدة أسبوعين قابلة للتجديد، وفوضت الجيش اللبناني بتولي صلاحية المحافظة على الأمن، كما أعلنت العاصمة مدينة منكوبة، بينما لا تزال التحقيقات قائمة لمعرفة ملابسات الحادث، وسط دعوات لمشاركة دولية في التحقيقات، في مقابل إعلان الحكومة عن فرض إقامة جبرية على «كل من أدار عملية التخزين وحراسة وتمحيص ملف العنبر 12» الذي وقع فيه التفجير.
وتداول اللبنانيون صورة تظهر عمالاً يقومون بأعمال تلحيم الحديد في العنبر رقم 12 الذي وقع فيه التفجير، واستندوا إليها للتدليل على أن التفجير ناتج عن تلك الأعمال التي تنتج عنها شرارات حريق؛ لكن مصادر لبنانية واسعة الاطلاع، قالت لـ«الشرق الأوسط» إن أعمال تلحيم المعادن لم تجرِ في يوم الانفجار؛ بل كانت في وقت سابق، لافتة إلى أن العمال الذي قاموا بعمليات التلحيم الكهربائي للمعادن «تم توقيفهم لدى قوى الأمن الداخلي؛ حيث يخضعون للتحقيق».
وإثر شيوع فرضية تعرض المرفأ لقصف صاروخي من طائرات إسرائيلية، قالت المصادر إن الرادارات في لبنان «لم ترصد خلال الانفجار وقبله وبعده حركة لطائرات إسرائيلية في الأجواء اللبنانية، على الرغم من أن لدى إسرائيل طائرات تستطيع أن تتخفى عن الرادارات»، إذ لا تلتقط الرادارات اللبنانية الموجودة إشارات وجودها في الأجواء.
وفي ظل المعلومات المتضاربة وهول المشهد الذي خلَّفه التفجير، دعا تيار «المستقبل» إلى مشاركة دولية في التحقيقات، قائلاً إنه «كي يصل اللبنانيون إلى تحقيق شفاف على هذا المستوى، فلا بد من طلب مشاركة دولية وخبراء دوليين ولجان متخصصة، قادرة على كشف الحقيقة وتحقيق العدالة لبيروت وأهلها».
غير أن الحكومة اللبنانية سارعت إلى اتخاذ إجراء أعلنت عنه وزيرة المهجَّرين غادة شريم، بعد جلسة مجلس الوزراء، قائلة: «هناك مسؤولون سيمكثون في منازلهم خلال الأيام المقبلة ريثما ينتهي التحقيق وتصدر النتائج. والإقامة الجبرية ستشمل كل من أدار عملية التخزين وحراسة وتمحيص ملف العنبر 12، من أي جهة كانت، من عام 2014 وحتى اليوم».
وكلَّف مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بالإنابة، القاضي فادي عقيقي، مديرية المخابرات في الجيش اللبناني، والمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، وأمن الدولة، وإدارة الجمارك، والشرطة العسكرية، بإجراء كل الاستقصاءات والتحريات، وكشف ملابسات التفجير الذي وقع في مرفأ بيروت، وطلب إيداعه التقارير المتوفرة حول تخزين كميات من «نيترات الأمونيوم» وغيرها من المواد في مرفأ بيروت، تمهيداً لتحديد المسؤوليات، واتخاذ الإجراءات القضائية المناسبة.
وعقد مجلس الوزراء اجتماعاً برئاسة الرئيس ميشال عون، وحضور رئيس مجلس الوزراء حسان دياب، والوزراء الذين غابت منهم وزيرة العدل. وبعد كلمتين لعون ودياب، درس مجلس الوزراء سلسلة إجراءات لمواجهة تداعيات الانفجار. وبعد النقاش، اتخذ مجلس الوزراء قرارات عدة أبرزها تبني ما صدر في بيان المجلس الأعلى للدفاع الذي انعقد أول من أمس، لجهة «إعلان بيروت مدينة منكوبة»، كما قرر «إعلان حالة الطوارئ في مدينة بيروت لمدة أسبوعين قابلة للتجديد».
وبموجب قرار إعلان الطوارئ، تتولى السلطة العسكرية العليا صلاحية المحافظة على الأمن، وتوضع تحت تصرفها جميع القوى المسلحة، بما فيها قوى الأمن الداخلي، والأمن العام، وأمن الدولة، والجمارك، ورجال القوى المسلحة في الموانئ والمطار، وفي وحدات الحراسة المسلحة ومفارزها، بما فيها رجال الإطفاء.
ودعت قيادة الجيش المواطنين إلى إخلاء المنطقة أمام عمليات الإنقاذ ورفع الأضرار الناجمة عن الانفجار. وطلبت من أصحاب المنازل والممتلكات الواقعة في المنطقة المحيطة بالانفجار التقيد بالإجراءات المتخذة، والتعاون مع القوى الأمنية المنتشرة في المكان.
وتلت وزيرة الإعلام منال عبد الصمد مقررات الجلسة التي انعقدت في قصر بعبدا، وقالت إن الحكومة تبنت «تخصيص اعتمادات للمستشفيات لتغطية النفقات الاستشفائية للجرحى»، و«دفع التعويضات اللازمة لعائلات الشهداء على أن تحدد قيمتها لاحقاً»، و«تحقيق كميات من القمح بعد أن تلفت تلك المخزنة في الأهراءات»، و«الطلب من وزارة الأشغال العامة والنقل اتخاذ ما يلزم في سبيل تأمين عمليات الاستيراد والتصدير عبر المرافئ الأخرى غير مرفأ بيروت؛ لا سيما طرابلس وصيدا».
كما قررت الحكومة «تشكيل خلية أزمة لمتابعة تداعيات الكارثة»، و«التواصل مع جميع الدول وسفاراتها لتأمين المساعدات والهبات اللازمة، وإنشاء صندوق خاص لهذه الغاية»، و«تكليف الهيئة العليا للإغاثة تأمين إيواء العائلات التي لم تعد منازلها صالحة للسكن، والتواصل مع وزارة التربية لفتح المدارس لاستقبال هذه العائلات، ومع وزير السياحة لاستعمال الفنادق لهذه الغاية أو لأي غاية مرتبطة بعمليات الإغاثة»، و«وضع آلية لاستيراد الزجاج، وضبط أسعار المواد التي تستعمل في ترميم الأضرار».
والتزم مجلس الوزراء باتخاذ جميع ما يلزم من إجراءات وتدابير في سبيل إعادة إعمار بيروت كما كانت، كما طلب من الأجهزة الأمنية الحرص على عدم العبث بمسرح الجريمة، منعاً لضياع معالمها.
وقررت الحكومة تشكيل لجنة تحقيق إدارية برئاسة رئيسها حسان دياب، تكون مهمتها إدارة التحقيق في الأسباب التي أدت إلى وقوع الكارثة، ورفع تقرير بالنتيجة إلى مجلس الوزراء خلال مهلة أقصاها خمسة أيام، وإحالة هذا التقرير إلى الجهات القضائية المختصة لاتخاذ أقصى درجات العقوبات بحق من تثبت مسؤوليته، على ألا يحول ذلك دون أن يتخذ مجلس الوزراء بحقهم ما يراه مناسباً من تدابير أو إجراءات.
وفي ضوء حالة الطوارئ المعلنة، وقانون الدفاع الوطني، وغيره من القوانين، طلبت من السلطة العسكرية العليا «فرض الإقامة الجبرية على كل من أدار شؤون تخزين نيترات الأمونيوم (2750 طناً) وحراستها، ومحص ملفها أياً كان، منذ يونيو (حزيران) 2014 حتى تاريخ الانفجار».



«مقترح مصري» يحرّك «هدنة غزة»

رد فعل امرأة فلسطينية في موقع غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي النازحين بغزة (رويترز)
رد فعل امرأة فلسطينية في موقع غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي النازحين بغزة (رويترز)
TT

«مقترح مصري» يحرّك «هدنة غزة»

رد فعل امرأة فلسطينية في موقع غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي النازحين بغزة (رويترز)
رد فعل امرأة فلسطينية في موقع غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي النازحين بغزة (رويترز)

حديث إسرائيلي عن «مقترح مصري» تحت النقاش لإبرام اتفاق هدنة في قطاع غزة، يأتي بعد تأكيد القاهرة وجود «أفكار مصرية» في هذا الصدد، واشتراط إسرائيل «رداً إيجابياً من (حماس)» لدراسته، الخميس، في اجتماع يترأسه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

تلك الأفكار، التي لم تكشف القاهرة عن تفاصيلها، تأتي في «ظل ظروف مناسبة لإبرام اتفاق وشيك»، وفق ما يراه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، مع ضغوط من الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب لإطلاق سراح الرهائن قبل وصوله للبيت الأبيض، كاشفين عن أن «حماس» تطالب منذ طرح هذه الأفكار قبل أسابيع أن يكون هناك ضامن من واشنطن والأمم المتحدة حتى لا تتراجع حكومة نتنياهو بعد تسلم الأسرى وتواصل حربها مجدداً.

وكشفت هيئة البث الإسرائيلية، الأربعاء، عن أن «إسرائيل تنتظر رد حركة حماس على المقترح المصري لوقف الحرب على غزة»، لافتة إلى أن «(الكابينت) سيجتمع الخميس في حال كان رد (حماس) إيجابياً، وذلك لإقرار إرسال وفد المفاوضات الإسرائيلي إلى القاهرة».

فلسطيني نازح يحمل كيس طحين تسلمه من «الأونروا» في خان يونس بجنوب غزة الثلاثاء (رويترز)

ووفق الهيئة فإن «المقترح المصري يتضمن وقفاً تدريجياً للحرب في غزة وانسحاباً تدريجياً وفتح معبر رفح البري (المعطل منذ سيطرة إسرائيل على جانبه الفلسطيني في مايو/أيار الماضي) وأيضاً عودة النازحين إلى شمال قطاع غزة».

وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الأربعاء، خلال حديث إلى جنود في قاعدة جوية بوسط إسرائيل إنه «بسبب الضغوط العسكرية المتزايدة على (حماس)، هناك فرصة حقيقية هذه المرة لأن نتمكن من التوصل إلى اتفاق بشأن الرهائن».

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي أكد، الأربعاء، استمرار جهود بلاده من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة. وقال عبد العاطي، في مقابلة مع قناة «القاهرة الإخبارية»: «نعمل بشكل جاد ومستمر لسرعة التوصل لوقف فوري لإطلاق النار في غزة»، مضيفاً: «نأمل تحكيم العقل ونؤكد أن غطرسة القوة لن تحقق الأمن لإسرائيل».

وأشار إلى أن بلاده تعمل مع قطر وأميركا للتوصل إلى اتفاق سريعاً.

يأتي الكلام الإسرائيلي غداة مشاورات في القاهرة جمعت حركتي «فتح» و«حماس» بشأن التوصل لاتفاق تشكيل لجنة لإدارة غزة دون نتائج رسمية بعد.

وكان عبد العاطي قد قال، الاثنين، إن «مصر ستستمر في العمل بلا هوادة من أجل تحقيق وقف دائم لإطلاق النار، وإطلاق سراح جميع الرهائن والمحتجزين»، مؤكداً أنه «بخلاف استضافة حركتي (فتح) و(حماس) لبحث التوصل لتفاهمات بشأن إدارة غزة، فالجهد المصري لم يتوقف للحظة في الاتصالات للتوصل إلى صفقة، وهناك رؤى مطروحة بشأن الرهائن والأسرى».

عبد العاطي أشار إلى أن «هناك أفكاراً مصرية تتحدث القاهرة بشأنها مع الأشقاء العرب حول وقف إطلاق النار، وما يُسمى (اليوم التالي)»، مشدداً على «العمل من أجل فتح معبر رفح من الجانب الفلسطيني» الذي احتلته إسرائيل في مايو الماضي، وكثيراً ما عبّر نتنياهو عن رفضه الانسحاب منه مع محور فيلادلفيا أيضاً طيلة الأشهر الماضية.

وكان ترمب قد حذر، الاثنين، وعبر منصته «تروث سوشيال»، بأنه «سيتم دفع ثمن باهظ في الشرق الأوسط» إذا لم يتم إطلاق سراح الرهائن المحتجزين في غزة قبل أن يقسم اليمين رئيساً في 20 يناير (كانون الثاني) 2025.

دخان يتصاعد بعد ضربة إسرائيلية على ضاحية صبرا في مدينة غزة الثلاثاء (أ.ف.ب)

وأفاد موقع «أكسيوس» الأميركي بأن مايك والتز، مستشار الأمن القومي الذي اختاره ترمب، سيقابل وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمير، الأربعاء، لمناقشة صفقة بشأن قطاع غزة.

ويرى المحلل السياسي الفلسطيني الدكتور عبد المهدي مطاوع أن «المقترح المصري، حسبما نُشر في وسائل الإعلام، يبدأ بهدنة قصيرة تجمع خلالها (حماس) معلومات كاملة عن الأسرى الأحياء والموتى ثم تبدأ بعدها هدنة بين 42 و60 يوماً، لتبادل الأسرى الأحياء وكبار السن، ثم يليها حديث عن تفاصيل إنهاء الحرب وترتيبات اليوم التالي الذي لن تكون (حماس) جزءاً من الحكم فيه»، مضيفاً: «وهذا يفسر جهود مصر بالتوازي لإنهاء تشكيل لجنة إدارة القطاع».

وبرأي مطاوع، فإن ذلك المقترح المصري المستوحى من هدنة لبنان التي تمت الأسبوع الماضي مع إسرائيل أخذ «دفعة إيجابية بعد تصريح ترمب الذي يبدو أنه يريد الوصول للسلطة والهدنة موجودة على الأقل».

هذه التطورات يراها الخبير في الشؤون العسكرية والاستراتيجية اللواء سمير فرج تحفز على إبرام هدنة وشيكة، لكن ليس بالضرورة حدوثها قبل وصول ترمب، كاشفاً عن «وجود مقترح مصري عُرض من فترة قريبة، و(حماس) طلبت تعهداً من أميركا والأمم المتحدة بعدم عودة إسرائيل للحرب بعد تسلم الرهائن، والأخيرة رفضت»، معقباً: « لكن هذا لا ينفي أن مصر ستواصل تحركاتها بلا توقف حتى التوصل إلى صفقة لإطلاق سراح الرهائن في أقرب وقت ممكن».

ويؤكد الأكاديمي المصري المتخصص في الشؤون الإسرائيلية الدكتور أحمد فؤاد أنور أن «هناك مقترحاً مصرياً ويسير بإيجابية، لكن يحتاج إلى وقت لإنضاجه»، معتقداً أن «تصريح ترمب غرضه الضغط والتأكيد على أنه موجود بالمشهد مستغلاً التقدم الموجود في المفاوضات التي تدور في الكواليس لينسب له الفضل ويحقق مكاسب قبل دخوله البيت الأبيض».

ويرى أن إلحاح وسائل الإعلام الإسرائيلية على التسريبات باستمرار عن الهدنة «يعد محاولة لدغدغة مشاعر الإسرائيليين والإيحاء بأن حكومة نتنياهو متجاوبة لتخفيف الضغط عليه»، مرجحاً أن «حديث تلك الوسائل عن انتظار إسرائيل رد (حماس) محاولة لرمي الكرة في ملعبها استغلالاً لجهود القاهرة التي تبحث تشكيل لجنة لإدارة غزة».

ويرى أنور أن الهدنة وإن بدت تدار في الكواليس فلن تستطيع حسم صفقة في 48 ساعة، ولكن تحتاج إلى وقت، معتقداً أن نتنياهو ليس من مصلحته هذه المرة تعطيل المفاوضات، خاصة أن حليفه ترمب يريد إنجازها قبل وصوله للسلطة، مستدركاً: «لكن قد يماطل من أجل نيل مكاسب أكثر».