ارتفاع حصيلة قتلى عمليات القصف الباكستاني على حدود أفغانستان

كابل: الإفراج عن 500 سجين من «طالبان» خلال هدنة عيد الأضحى

جندي أفغاني في حالة تأهب أمام مسجد في جلال آباد قبل صلاة عيد الأضحى شرقي أفغانستان أمس (رويترز)
جندي أفغاني في حالة تأهب أمام مسجد في جلال آباد قبل صلاة عيد الأضحى شرقي أفغانستان أمس (رويترز)
TT

ارتفاع حصيلة قتلى عمليات القصف الباكستاني على حدود أفغانستان

جندي أفغاني في حالة تأهب أمام مسجد في جلال آباد قبل صلاة عيد الأضحى شرقي أفغانستان أمس (رويترز)
جندي أفغاني في حالة تأهب أمام مسجد في جلال آباد قبل صلاة عيد الأضحى شرقي أفغانستان أمس (رويترز)

في أعقاب ما يزعم من قصف صاروخي من قبل قوات باكستانية على أراض أفغانية، أمرت أفغانستان قواتها المسلحة بالبقاء في حالة تأهب. وقالت وزارة الدفاع الأفغانية، أمس (الجمعة)، إن رئيس أركان الجيش في البلاد أمر القوات المسلحة بالرد بالقوة الكاملة، إذا استمرت هجمات المدفعية من قبل الجيش الباكستاني على طول حدود متنازع عليها بين الدولتين الجارتين. وجاء في بيان من وزارة الدفاع، إن تسعة مدنيين قتلوا من بينهم طفل وأصيب 50 آخرون، بعد أن أطلق الجيش الباكستاني صواريخ على أراض أفغانية. وأضاف البيان «تم وضع سلاح الجو والقوات الخاصة في حالة تأهب قصوى وإذا استمرت الهجمات الصاروخية للجيش الباكستاني للأراضي الأفغانية، سيواجهون برد انتقامي من قبل الجيش الأفغاني».
من جهة أخرى، بدأ وقف لإطلاق النار لمدة ثلاثة أيام بين الحكومة الأفغانية و«طالبان» أمس (الجمعة) في أفغانستان، التي أمر رئيسها بالإفراج عن 500 من أعضاء الحركة، في فترة راحة نادرة يأمل كثر أن تؤدي إلى محادثات سلام تاريخية بين الجهتين. وهذه الهدنة التي ستستمر ثلاثة أيام لمناسبة عيد الأضحى، هي الثالثة خلال قرابة 19 سنة من الحرب. وأعلن الرئيس الأفغاني أشرف غني، أنه أمر بالإفراج عن 500 من سجناء «طالبان» في إطار وقف إطلاق النار الجديد. وقال إن المسلحين سيطلق سراحهم خلال عطلة عيد الأضحى الذي بدأ الجمعة، وأدى إلى وقف وطني لإطلاق النار لمدة ثلاثة أيام.
وأوضح غني في خطاب بمناسبة العيد «لإظهار حسن النية وتسريع محادثات السلام سنفرج عن 500 من سجناء (طالبان) رداً على إعلان وقف إطلاق النار لثلاثة أيام» الذي صدر عن الحركة، موضحاً أن إطلاق سراح هؤلاء يشكل استكمالاً لتعهد الحكومة الإفراج عن خمسة آلاف من مقاتلي «طالبان» بموجب اتفاق وقعته الحركة مع واشنطن. وهؤلاء السجناء الـ500 ليسوا مدرجين على اللائحة الأصلية التي تضم خمسة آلاف سجين طلبت «طالبان» إطلاق سراحهم. وقد أفرجت سلطات كابل عن 4600 منهم، لكنها تتردد في إطلاق سراح الـ400 الأخيرين الذين تعتبرهم بالغي الخطورة. وقال غني «لا أملك حق اتخاذ قرار بشأن الإفراج عن هؤلاء السجناء الـ400 المتهمين بارتكاب جرائم خطيرة»، مضيفاً أن مجموعة من الوجهاء الأفغان ستقرر مصيرهم. ولم يصدر أي تعليق عن «طالبان» التي تصر على الإفراج عن هؤلاء فوراً.
وأعلن المتمردون مساء أول من أمس من جهتهم، أنهم أطلقوا سراح 1005 سجناء. وكان من المقرر أن تبدأ هذه المفاوضات في 10 مارس (آذار)، لكن تم تجاوز هذا الموعد بسبب البطء في عملية تبادل السجناء التي تشترط «طالبان» استكمالها قبل ذلك. ولمح الرئيس الأفغاني و«طالبان» إلى أن محادثات السلام قد تبدأ بعد عيد الأضحى. وقال زيماراي صدّيقي، وهو مدرس يبلغ من العمر 26 عاماً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، «إنها فرصة تاريخية للسلام، ويجب ألا يضيعها أحد. نشأت في هذا الصراع، هذا يكفي. حان الوقت لسلام دائم». ويرى الكثير من الأفغان الذين سئموا من العنف المستمر، أن الهدنة التي تستمر ثلاثة أيام ليست كافية.
وقال أحمد جاويد، وهو متخرج جامعي، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، «نريد وقفاً دائماً لإطلاق النار؛ حتى لا نشاهد مقتل المزيد من الأفغان في هذه الحرب». وبعد الهدنتين السابقتين في 2018 ومايو (أيار) 2020، عادت حركة «طالبان» على الفور إلى ساحة المعركة. وكتب فرهاد حبيبي على «فيسبوك» و«تويتر»، «إذا كانوا يريدون السلام، فعليهم إلقاء أسلحتهم والبدء فوراً في المحادثات مع الحكومة الأفغانية». في الوقت نفسه، كشف تقرير رسمي أميركي نشر الجمعة، عن أن العنف في أفغانستان يبقى مرتفعاً بشكل غير معتاد رغم مفاوضات السلام مع «طالبان»، لافتاً إلى ارتفاع كبير في عدد الضحايا المدنيين في الفصل الثاني من العام الحالي. وأفاد مكتب المفتش العام الخاص لإعادة إعمار أفغانستان (سيغار) التابع للكونغرس، بأن «الهجمات التي أطلقها العدو تبقى أعلى بكثير من المعدل التاريخي» الذي سجل من الأول من أبريل (نيسان) إلى 30 يونيو (حزيران)».
ولم تشن حركة «طالبان» أي هجوم على قوات التحالف الدولي، لكنها هاجمت الجيش الأفغاني في مناطق عدة، كما أوضح مكتب المفتش العام الذي لا يملك حق نشر عدد هجمات «طالبان» منذ أن وقّعت الولايات المتحدة اتفاقاً مع المتمردين الأفغان في 29 فبراير (شباط) في الدوحة».
ونقلاً عن معلومات من الحكومة الأفغانية، أوضح التقرير أن الأسبوع الممتد من 14 إلى 21 يونيو «كان الأكثر دموية منذ 19 عاماً» مع 422 هجوماً ضد الجيش الأفغاني في 32 ولاية؛ ما أدى إلى سقوط 291 قتيلاً و550 جريحاً.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟