عبد الرزاق الشيخ علي الذي خرج ولم يعد

كان من روّاد الأدب الواقعي العراقي... وجايَلَ عبد الملك نوري وفؤاد التكرلي في الخمسينات

عبد الرزاق الشيخ علي
عبد الرزاق الشيخ علي
TT

عبد الرزاق الشيخ علي الذي خرج ولم يعد

عبد الرزاق الشيخ علي
عبد الرزاق الشيخ علي

كان ذلك في صيف عام 1957، وفي شارع أبي نواس تحديداً، عندما مر بجانبي مسرعاً شخص غريب الأطوار، بملابس رثة ولحية طويلة غير مشذبة، ويبدو مثل درويش صوفي تائه. فصرخت بصورة لا إرادية بصديقي الشاعر عبد المنعم المخزومي الذي كان زميلي في كلية الآداب آنذاك، وكان يسير إلى جانبي: «إنه القاص عبد الرزاق الشيخ علي»، فأجاب متردداً: «ربما». حاولنا اللحاق به، وكنا نعلم بمأساته، ولكنه سرعان ما هرول هارباً، وغاب بين الجموع. لم يكن من اليسير الجزم بأن ملتحياً ما، بملابس رثة ولحية سوداء، يمكن أن يكون هو القاص الذي تعرض إلى نكبة مزدوجة: زجه بالسجن لأفكاره السياسية، وإطلاق سراحه يوم 14 يوليو (تموز) 1957، أي قبل الثورة بعام واحد؛ وخروجه فاقداً للعقل. فهام على وجهه دون أن يعرف أحد من أسرته أو أصدقائه مصيره. وبعد ثورة الرابع عشر من يوليو (تموز)، بذلت مجهودات كبيرة من قبل ذويه وأصدقائه من الأدباء والمثقفين، لمعرفة تفاصيل سجنه واختفائه، لكنها لم تحقق أي نتيجة، وظلت رهن التكهنات والتخمينات.
فما الذي يقوله صندوق الأسرار عن هذا المبدع الذي أضاعته أنظمة الاستبداد، وأشبعته سجناً وترويعاً وجنوناً؟
عبد الرزاق الشيخ علي قاص عراقي خمسيني تقدمي، بدأ بكتابة القصة القصيرة بالتزامن مع القاصين غائب طعمة فرمان ومهدي عيسى الصقر، كما جايل القاصين عبد الملك نوري وفؤاد التكرلي. وكانت قصصه تتسم بنزعة واقعية نقدية، مثل كثير من اتجاهات السرد القصصي آنذاك. وكان مفهوم «الالتزام» ببعده الماركسي، وليس السارتري، هو المهيمن على قناعات معظم كتاب ذلك الجيل، والذي كان يرتب التزامات فكرية وآيديولوجية معينة على الكتاب، من خلال التأكيد المسرف على الوظيفة الاجتماعية للأدب، وقدرته على الإسهام في عملية التغيير الاجتماعي. وقد بدأ القاص النشر لأول مرة في عدد من الصحف والمجلات العراقية والعربية، مثل: «الأديب» اللبنانية، ومجلة «الثقافة الجديدة» العراقية، ومجلة «الرابطة» العراقية، و«الأوقات البغدادية»، وصحيفة «الأهالي» العراقية. وتؤرخ بعض قصصه بالعام 1946، وبعضها الآخر بالعام 1949، وبعضها بالعام 1951. ثم نشر مجموعتين قصصيتين، هما: «حصاد الشوك» من منشورات مطبعة «الرابطة» في بغداد في منتصف الخمسينيات، كما أصدرت له مجلة «الثقافة الجديدة» ضمن منشوراتها مجموعة قصصية أخرى، هي «عباس أفندي» عام 1959، فضلاً عن كتابه الصحافي «أجراس السلام» عام 1951، الذي دون فيه مشاهداته عن مهرجان السلام العالمي في برلين آنذاك، وعدت من أعماله الضائعة مجموعة «آلهة الأرض» ومجموعة «الدنيا بخير».
وربما تشكل حياة القاص عبد الرزاق الشيخ علي مأثرة وسفراً في الكفاح والوطنية والمعاناة. فمن خلال بعض مذكراته التي تركها، ومن رسالة ابنته (سامرة)، وكذلك المناشدة التي نشرها صديقه الشاعر كاظم السماوي للبحث عنه ومعرفة مصيره، والتي نشرها عام 1959 (صحيفة المدى، 13-11-2006)، نكتشف أنه كان عام 1942موظفاً صغيراً بدائرة إجراء بغداد، ونقل إلى وظائف أخرى، منها إلى محكمة تمييز العراق، ثم صدر أمر تعيينه في مديرية الدعاية العامة ببغداد عام 1947. وكان عبد الرزاق يواظب على إغناء تجربته الثقافية والسياسية وعشقه للغات الأجنبية، ويشاهد بعض العروض المسرحية التي كان يقدمها طلبة معهد الفنون الجميلة آنذاك، ومنها مسرحية «تاجر البندقية» لشكسبير، كما التحق بدورة لتعلم اللغة الفرنسية في معهد الآباء الكرمليين، حيث راح يخطط للسفر إلى فرنسا لإكمال دراسته هناك، وفعلاً سافر إلى فرنسا عن طريق بيروت، والتحق بمدرسة «الآليانس فرانسيه»، كما أمضي عامين بجامعة السوربون، لكنه بسبب نفقات الدراسة العالية لم يكن بمقدوره الاستمرار في تحقيق هذا الحلم، فعاد إلى بغداد بعد أن أمضى 3 سنوات في باريس. وعندما تلقى دعوة لحضور مؤتمر أنصار السلام في برلين عام 1951، الذي كان يرأسه البروفسور جوليو كوري، كان مسروراً بتلبيتها، حيث شارك ضمن الوفد العراقي بنشاط، وكتب عن هذه التجربة كتابه المعروف «أجراس السلام». وعند عودته إلى العراق، اعتقل وعذب، وأودع في عدد من السجون، منها سجن بغداد المركزي وسجن بعقوبة وسجن نقرة السلمان. وقد بقي في السجون آنذاك عاماً ونصف، ثم أطلق سراحه. وكان سلوكه داخل السجن مثالاً للمناضل الشجاع الأبي. ويذكر أنه رفض مصافحة مدير سجن بعقوبة بمناسبة حلول عيد الفطر المبارك، وقال له بصوتٍ عالٍ: «أرفض بقوة مصافحة يدٍ ملطخة بعار تعذيب وقتل المناضلين الشرفاء من أبناء شعبي العظيم». وقد أدى موقفه هذا إلى إيداعه زنزانة السجن الانفرادي، وتعريضه إلى التعذيب الوحشي.
وكان اعتقاله الأخير في عام 1957، من قبل وزير الداخلية آنذاك بهجة العطية، والتحقيقات الجنائية، حيث تعرض إلى أبشع أنواع التعذيب، مما تسبب في فقدانه لعقله، ويبدو أنه نفي بعد ذلك إلى مدينة بدرة الحدودية من لواء الموت على الحدود الإيرانية، وأطلق سراحه يوم 14 يوليو (تموز) 1957، لكنه لم يعد إلى بيته، وتتهم عائلته جهاز الأمن في العراق بالمسؤولية عن تغييبه واختفائه.
ويشير الشاعر العراقي الراحل كاظم السماوي إلى أنه التقى صديقه القاص عبد الرزاق الشيخ علي بعد عودته من باريس عام 1949 حاملاً كثيراً من الأحلام والتفاؤل:
«كان عائداً من باريس بشعره المسترسل وراء عنقه، وكلماته النارية المدوية، وعينيه العميقتين الكبيرتين. تحدث عن تنقله بين أحياء باريس ومتاحفها وميادينها، وإيمانه بالرسالة الاجتماعية التنويرية التي يتعين على الأدب أن يحملها: الأدب يعني الإنسان الشامخ سيد الأرض صانع الحياة. فإذا لم يكن هذا محوره، فإنه ثرثرة حانقة، وصناعة بائرة.
فالأدب دم ودموع، وجراح ونار وأشواق، وهو بعد هذا كله يهندس للغد العملاق».
لقد كان يرى أن الأدب مسؤولية كبيرة، وأن أهل القلم هم بناة الغد المشرق، وهو يفسر إلى حد كبير طبيعة المحتوى الاجتماعي والنضالي الهادف لكثير من تجاربه القصصية التي وثق فيها لحظات مهمة من حياته داخل السجون والمعتقلات، أو سجل فيها معاناة المضطهدين والفقراء في بلاده، لكنه لم يكترث بما فيه الكفاية للارتقاء بمستوى البناء السردي لقصصه، مع أنه يمتلك تجربة دراسية وتعليمية جيدة في فرنسا، وكان يتابع النتاج الأدبي العراقي والعربي والعالمي بصورة مستمرة. ويمكن القول إن عواطفه السياسية، ونظرته الآيديولوجية والإنسانية، ضغطت على الشروط الفنية للسرد القصصي، وحولته إلى رسالة اجتماعية تهدف إلى تحقيق تغيير جذري في المجتمع وفي أفكار الناس. وظلت كثير من المناشدات الحارة للكشف عن مصيره بلا إجابات شافية، ومنها المناشدة التي نشرها الشاعر كاظم السماوي عام 1959، أي بعد الثورة التي حلم بها:
«عام 1959… شارع الرشيد، أتصفح الوجوه، أسال عنه المارة، أقتحم الأبواب، أطرق الصمت على كل شفة، أتوسل الحيرة في كل عين، ووجدتني أجلس في مكتب جريدة لأكتب بتساؤل جريح: أين عبد الرزاق؟ وتحمل الجريدة ذلك التساؤل إلى عشرات من الناس البسطاء الذين أحبهم عبد الرزاق».
ولا يمكن أن ننسى ذلك النداء الحار الذي وجهته ابنة القاص الراحل، السيدة سامرة عبد الرزاق الشيخ علي، عام 1974، من على صفحات إحدى الصحف الوطنية:
«أين أبي؟ أين نصير السلم عبد الرزاق الشيخ علي؟ ومن يعرف عن مخطوطاته الأدبية شيئاً؟ إنني اليوم أرفع صوتي بنداء لكل الناس الشرفاء الطيبين، لكل من يهمه الأمر، أن يعثر على آثار مؤلف (حصاد الشوك) و(أجراس السلام) و(عباس أفندي)؛ ذلك الإنسان الذي ذهب ولَم يعد».
- ناقد عراقي



اتفاقية تعاون تجمع «الثقافة السعودية» و«مدرسة الملك تشارلز للفنون» في عام الحرف اليدوية 2025

وزارة الثقافة حريصة على التبادل الثقافي الدولي بوصفه أحد أهداف الاستراتيجية الوطنية للثقافة (واس)
وزارة الثقافة حريصة على التبادل الثقافي الدولي بوصفه أحد أهداف الاستراتيجية الوطنية للثقافة (واس)
TT

اتفاقية تعاون تجمع «الثقافة السعودية» و«مدرسة الملك تشارلز للفنون» في عام الحرف اليدوية 2025

وزارة الثقافة حريصة على التبادل الثقافي الدولي بوصفه أحد أهداف الاستراتيجية الوطنية للثقافة (واس)
وزارة الثقافة حريصة على التبادل الثقافي الدولي بوصفه أحد أهداف الاستراتيجية الوطنية للثقافة (واس)

شهد الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان، وزير الثقافة السعودي رئيس مجلس إدارة هيئة التراث، الأربعاء، توقيع اتفاقية تعاون بين الوزارة ومدرسة الملك تشارلز للفنون التراثية التابعة لمؤسسة «The King's Foundation» للمشاركة في مبادرة عام الحرف اليدوية 2025.

وجرت مراسم التوقيع على هامش معرض الأسبوع السعودي الدولي للحرف اليدوية (بنان) المقام حاليّاً في «واجهة روشن» بالعاصمة الرياض، حيث وقع الاتفاقية، حامد فايز نائب وزير الثقافة السعودي، والدكتور خالد عزام مدير مدرسة الملك تشارلز للفنون التقليدية.

حامد فايز نائب وزير الثقافة السعودي والدكتور خالد عزام مدير مدرسة الملك تشارلز للفنون التقليدية خلال توقيع الاتفاقية (واس)

وتتضمن الاتفاقية إطلاق برنامج «إحياء الحِرف السعودية» مطلع يناير (كانون الثاني) 2025، الذي تقوم من خلاله مدرسة الفنون التقليدية بإعداد برنامج مخصص، وتنفيذ مبادرات تدريبية في مجالي التصميم والحرف، مع التركيز على إحياء وتجديد تقاليد الحِرف السعودية في مختلف مناطق السعودية.

وتهدف الاتفاقية إلى إحياء وتشجيع الحِرف اليدوية في السعودية على مدار عام 2025، وذلك من خلال التعاون في إعداد وتنفيذ مجموعة من البرامج التدريبية في مجال الحِرف في مناطق سعودية عدة.

الاتفاقية تهدف إلى إحياء وتشجيع الحِرف اليدوية في السعودية على مدار عام 2025 (واس)

وتأتي الاتفاقية في إطار حِرص وزارة الثقافة على التبادل الثقافي الدولي بوصفه أحد أهداف الاستراتيجية الوطنية للثقافة، تحت مظلة «رؤية المملكة 2030».

إلى ذلك، وجه الأمير بدر بن عبد الله بتمديد معرض الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية «بنان» حتى يوم الـ30 من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، نتيجة للإقبال المتزايد من زوار المعرض، في «واجهة روشن» بمدينة الرياض.

وكان الأمير بدر بن عبد الله قد زار المعرض، الأربعاء، وتجول في أقسامه، مُطَّلِعاً على أجنحته، التي تضم فنون الحرف، وجناح العروض الحرفية الحية، والمعرض الحرفي، وجناح ورش العمل الحرفية، ومنطقة التجارب التفاعلية، ومنصة رواد الأعمال والمؤسسات الحرفية، وجناح الطفل.

الأمير بدر بن عبد الله خلال الجولة (واس)

ويشارك في «بنان» أكثر من 500 حرفي وحرفية من المملكة، كما يشهد المعرض مشاركة 25 دولة حول العالم، ما يجعله منصة فريدة تحتفي بالحرف اليدوية التقليدية، وتسهم في دعم الحرفيين اقتصادياً وتمكنهم من تسويق منتجاتهم، لتجعل هيئة التراث من ذلك هدفاً في تعزيز الوعي بأهمية الحرف اليدوية بصفتها جزءاً من التراث الثقافي غير المادي، وتضمن استمراريتها ونقلها للأجيال القادمة.

وعلى صعيد آخر، زار وزير الثقافة السعودي، في وقت سابق، مركز الدرعية لفنون المستقبل، أول مركز متخصص لفنون الوسائط الجديدة في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا الهادف إلى دمج التكنولوجيا بالابتكار لدعم تطور الفنون محلياً وعالمياً وتجول في المعرض الافتتاحي للمركز بعنوان «ينبغي للفن أن يكون اصطناعياً: آفاق الذكاء الاصطناعي في الفنون البصرية»، الذي يستمر حتى 15 فبراير (شباط) 2025.

الأمير بدر بن عبد الله خلال الجولة (واس)

ويوفّر مركز الدرعية لفنون المستقبل أنشطة ومعارض فريدة ومبادرات تفاعلية مع الجمهور، مع التركيز على تمكين الفنانين والباحثين ومتخصصي التكنولوجيا من داخل المنطقة وخارجها، في بيئة إبداعية مجهزة بأحدث المختبرات والاستوديوهات الرقمية ومساحات العرض المبتكرة، مما ينسجم مع الجهود المبذولة في توفير بيئة محفزة للابتكار والإبداع.

من جهة أخرى، تشارك السعودية في معرض «أرتيجانو إن فييرا» بمدينة ميلان الإيطالية خلال الفترة من 30 نوفمبر إلى 8 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، بوصفها ضيف شرف لمنطقة الشرق الأوسط، وتتمثل المشاركة في جناح وطني تقيمه وزارة الثقافة، ويضم عدداً من الهيئات الثقافية والكيانات الوطنية، ويتضمن محتوى إثرائياً يُغطي الثقافة السعودية بمختلف جوانبها.

الأمير بدر بن عبد الله خلال الجولة (واس)

ويشارك في الجناح السعودي هيئة التراث، وهيئة فنون الطهي، وهيئة المسرح والفنون الأدائية، وهيئة فنون العمارة والتصميم، والمعهد الملكي للفنون التقليدية «ورث»، والهيئة الملكية لمحافظة العُلا، والهيئة السعودية للسياحة، وهيئة تنمية الصادرات السعودية، وشركة حِرف السعودية، إضافة إلى مبادرة «عام الإبل 2024»، التي ستُقدم تعريفاً للإرث الثقافي السعودي العريق، ولمنتجاته الثقافية المتعددة.