اتفاق أوروبي تاريخي للإنقاذ من «كوفيد ـ 19»

أثبت أن السيناريو تكتبه باريس وبرلين... وكونتي يفوز بالجائزة الكبرى

ميركل وماكرون في ختام القمة الأوروبية ببروكسل أمس (أ.ف.ب)
ميركل وماكرون في ختام القمة الأوروبية ببروكسل أمس (أ.ف.ب)
TT

اتفاق أوروبي تاريخي للإنقاذ من «كوفيد ـ 19»

ميركل وماكرون في ختام القمة الأوروبية ببروكسل أمس (أ.ف.ب)
ميركل وماكرون في ختام القمة الأوروبية ببروكسل أمس (أ.ف.ب)

عند الخامسة فجر الثلاثاء، اليوم الخامس قبيل بزوغ الشمس في سماء العاصمة البلجيكية، وبعد 90 ساعة من المفاوضات وعشرات الخلوات واللقاءات الجانبية، غرّد رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال على حسابه في «تويتر»: Deal!! (اتفاق).
تلك كانت علامة الوصول إلى الهدف الوحيد المنشود من أطول قمّة في تاريخ الاتحاد الأوروبي مخصصة لمواجهات التداعيات الاقتصادية الكارثية التي خلّفتها، والتي يُنتظر أن تخلّفها، جائحة «كوفيد 19» التي وضعت أوروبا أمام أخطر أزمة اقتصادية منذ نهاية الحرب العالمية.
وما هي سوى لحظات حتى كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يبتهج واصفاً الاتفاق الذي تمّ التوصّل إليه بإجماع الدول الأعضاء بـ«التاريخي»، وهو الذي لعب دوراً أساسياً في حياكة تفاصيله وإيصاله إلى برّ الأمان في معيّة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي كانت، مرة أخرى، الصوت الوازن والموقف المرجّح في اتحاد أوروبي كان يقف أمام امتحان مصيري.

رئيس المجلس الأوروبي الذي كان محور الاتصالات والمساومات التي امتدّت أربع ليالٍ حتى ساعات الفجر الأولى، قال: «لم يعد هناك من شك في أن سحر المشروع الأوروبي حقيقة ملموسة أقوى من كل الصعاب، لأننا كلّما وقفنا على عتبة المستحيل ننهض بفضل تعاون الجميع وإرادتهم التي تنبع من عمق الإيمان بهذا المشروع».
ومن جهتها وصفت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فان در لاين الاتفاق بأنه «خطوة جبارة إلى الأمام استحقّت كل الجهود التي بُذلت من أجل تحقيقها»، فيما رأى رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز أن الاتفاق هو «خطة مارشال حقيقية يلجأ فيها الاتحاد الأوروبي، للمرة الأولى في تاريخه، للاستدانة من أجل تمويل ومساعدة الدول الأعضاء».
لكن الرابح الأكبر في هذا الماراتون التفاوضي الذي حبس أنفاس العواصم الأوروبية خمسة أيام متتالية، كان رئيس الوزراء الإيطالي جيوزيبي كونتي الذي عاد إلى روما وفي جعبته، ليس فقط حزمة المساعدات والقروض التي جاء إلى بروكسل للدفاع عنها والمقدّرة في اقتراح المفوضية بما يزيد على 170 مليار يورو، بل حزمة إضافية قدرها 40 مليار يورو على شكل قروض ميسّرة تسدّد على مدى 30 عاماً، وكان كونتي قد وصل المفاوضات يوم الجمعة الماضي وشعبيته في إيطاليا عند أعلى مستوى عرفه رئيس للوزراء منذ 20 عاماً، وفتح معركة صداميّة ضد نظيره الهولندي مارك روتيه الذي كان يقود تحالف دول الشمال (النمسا والسويد والدنمارك وفنلندا) المعترضة على مبدأ المساعدات والمصرّة على ربط القروض بشروط شبه تعجيزية، ما أدى إلى عزلها في مواجهة الدول الأخرى وانتهى بتراجعها أمام الضغوط التي مورست عليها من كل جانب.
ورغم الضغوط التي مارستها كتلة «صقور الشمال» منذ بداية المفاوضات لخفض الحجم الإجمالي لصندوق الإنقاذ، حافظ الاتفاق على مبلغ 750 مليار يورو الوارد في اقتراح المفوضية، لكنه عدّل في توزيعه بين القروض والمساعدات مخفّضاً هذه الأخيرة من 500 إلى 390 مليار يورو. كما فشلت محاولات رئيس الوزراء الهولندي في إعطاء حق الفيتو للدول الأعضاء لمنع تقديم المساعدات في حال عدم استيفاء شروط الإصلاح المطلوبة أو عدم إنفاق الأموال على القطاعات المخصصة لها.
ويقدّر خبراء المفوضية أن هذه الخطوة التاريخية لمواجهة تداعيات الجائحة من خلال إنشاء صندوق الإنقاذ، إضافة إلى إطار موازنة الاتحاد للسنوات السبع المقبلة بمقدار 1097 مليار يورو وشبكات الأمان الثلاثية للقروض التي ستُمنح بهدف التعويض عن البطالة وتعزيز النظم الصحية، سوف تؤدي إلى تحشيد إجمالي للموارد المالية يعادل 17 في المائة من إجمالي الناتج المحلي الأوروبي مقابل 15.9 في المائة في حالة الولايات المتحدة و4.2 في المائة في الصين.
لكن الأهمية الأساسية لهذا الاتفاق لا تكمن في حجم الحزمة المالية التي لا سابق لها في التاريخ الأوروبي، بل في كونه المرة الأولى التي يلجأ فيها الاتحاد إلى الاقتراض بكثافة من أسواق المال لتمويل برامج من أجل مساعدة الدول الأعضاء لمواجهة أزمة اقتصادية طاحنة كالتي تسببت بها جائحة «كوفيد 19»، ولأنه سيشكّل سابقة ومرجعيّة يقتدى بها في أزمات مقبلة كهذه الأزمة التي أدت إلى أكبر تراجع في إجمالي الناتج القومي الأوروبي منذ أكثر من مائة عام.
ولا شك في أن الفضل الأكبر في التوصل إلى هذا الاتفاق التاريخي، يعود إلى التحوّل الكبير الذي طرأ في الأشهر الأخيرة على الموقف الألماني المعروف بصرامته إزاء القواعد والضوابط المالية في الاتحاد، عندما قررت المستشارة أنجيلا ميركيل أن هذه الأزمة، لضراوتها والمخاطر المصيرية التي تشكلها بالنسبة للاتحاد، تقتضي رؤية جديدة وانعطافاً جذريّاً في القواعد المالية لإنقاذ المشروع الأوروبي الذي تتوالى عليه الانتكاسات منذ سنوات. وكان لهذا التحوّل الذي أدهش الحلفاء التقليديين لألمانيا، وفي طليعتهم هولندا والنمسا، دور أساسي في إعادة الحياة إلى المحور الفرنسي الألماني الذي كان حاسما للتوصّل إلى هذا الاتفاق التاريخي حول صندوق الإنقاذ.
وليست أهمية الرسائل السياسية التي يحملها هذا الاتفاق دون أهميته الاقتصادية، وهي تأكيد آخر على أن سيناريو المشروع الأوروبي ما زال يُكتب في برلين وباريس، خاصة الآن بعد خروج المملكة المتحدة من النادي. فالجائزة التي عاد بها رئيس الوزراء الإيطالي إلى روما هي حاجز كبير على طريق اليمين المتطرف نحو السلطة، كما أن في ربط المساعدات والقروض باحترام سيادة القانون رسالة واضحة إلى المجر وبولندا أن إنقاذ المشروع الأوروبي لا يكون على حساب التفريط بالمثل والمبادئ العليا التي قام عليها.


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

اتهام لرجل عرض علم «حزب الله» خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين

عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
TT

اتهام لرجل عرض علم «حزب الله» خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين

عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)

وجهت الشرطة الفيدرالية الأسترالية اتهاماً لرجل يبلغ من العمر 36 عاماً بعرض رمز منظمة مصنفة «إرهابية» علناً، وذلك خلال مظاهرة في منطقة الأعمال المركزية بمدينة ملبورن في سبتمبر (أيلول) الماضي.

الرجل، المقيم في منطقة فيرنتري غولي، سيمثل أمام محكمة ملبورن الابتدائية في 6 مارس (آذار) المقبل؛ حيث يواجه عقوبة قد تصل إلى 12 شهراً من السجن إذا ثبتت إدانته، وفقاً لصحيفة «الغارديان».

جاءت المظاهرة ضمن فعاليات يوم وطني للعمل من أجل قطاع غزة، الذي نظمته شبكة الدعوة الفلسطينية الأسترالية في 29 سبتمبر الماضي، وشهد تنظيم مسيرات مماثلة في مختلف أنحاء البلاد احتجاجاً على التصعيد المتزايد للعنف في الشرق الأوسط.

وأطلقت الشرطة الفيدرالية الأسترالية بولاية فيكتوريا عملية تحقيق تحت اسم «أردفارنا»، عقب احتجاج ملبورن؛ حيث تلقت 9 شكاوى تتعلق بعرض رموز محظورة خلال المظاهرة.

ووفقاً للشرطة، تم التحقيق مع 13 شخصاً آخرين، مع توقع توجيه اتهامات إضافية قريباً. وصرح نيك ريد، قائد مكافحة الإرهاب، بأن أكثر من 1100 ساعة قُضيت في التحقيق، شملت مراجعة أدلة من كاميرات المراقبة وكاميرات الشرطة المحمولة، إضافة إلى مصادرة هواتف محمولة وقطعة ملابس تحتوي على رمز المنظمة المحظورة.

تأتي هذه الإجراءات بعد قرار الحكومة الفيدرالية الأسترالية في ديسمبر (كانون الأول) 2021 بتصنيف «حزب الله» منظمة إرهابية، ومع التشريعات الفيدرالية الجديدة التي دخلت حيز التنفيذ في يناير (كانون الثاني) 2024، التي تحظر عرض رموز النازيين وبعض المنظمات.

وقالت نائبة مفوض الأمن القومي، كريسي باريت، إن الادعاء يحتاج إلى إثبات أن الرمز المعروض مرتبط بمنظمة إرهابية وأنه قد يحرض على العنف أو الترهيب.

المظاهرة، التي استمرت في معظمها سلمية، جاءت بعد إعلان مقتل قائد «حزب الله» حسن نصر الله في غارة جوية إسرائيلية، وهو ما اعتبره العديد تصعيداً كبيراً في الصراع المستمر في الشرق الأوسط.

وفي وقت لاحق، نُظمت مظاهرات أخرى في سيدني وملبورن وبريزبين، وسط تحذيرات للمتظاهرين بعدم عرض رموز محظورة.