غارة أميركية تقتل قياديا من «القاعدة» و3 آخرين في باكستان

واشنطن تسلم 3 معتقلين من بينهم قيادي كبير في حركة طالبان إلى إسلام آباد

صورة أرشيفية لقائد حركة «طالبان»  الباكستانية لطيف محسود عام 2009 (أ.ب)
صورة أرشيفية لقائد حركة «طالبان» الباكستانية لطيف محسود عام 2009 (أ.ب)
TT

غارة أميركية تقتل قياديا من «القاعدة» و3 آخرين في باكستان

صورة أرشيفية لقائد حركة «طالبان»  الباكستانية لطيف محسود عام 2009 (أ.ب)
صورة أرشيفية لقائد حركة «طالبان» الباكستانية لطيف محسود عام 2009 (أ.ب)

قتل أمس عضو بارز في تنظيم القاعدة و3 أشخاص يشتبه بأنهم متشددون في باكستان عندما هاجمت طائرة أميركية من دون طيار منزلا كانوا فيه. وجاءت الغارة بعد يومين من قتل القوات الباكستانية لعدنان الشكري جمعة القيادي الكبير بـ«القاعدة». وكان مكتب التحقيقات الاتحادي الأميركي عرض مكافأة 5 ملايين دولار مقابل إلقاء القبض على جمعة لصلته بمخطط لتفجير مترو أنفاق نيويورك.
وقال 4 مسؤولين عسكريين باكستانيين لوكالة رويترز بأن «قياديا في (القاعدة) من بين القتلى في غارة أمس»، وأضافوا أنه كان ينشط في أفغانستان وباكستان واسمه عمر فاروق. وذكر 3 مقاتلين في طالبان أن فاروق من مدينة كراتشي الباكستانية وكان معلم دين قبل أن ينضم إلى «القاعدة» بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) في نيويورك عام 2001.
وقالت حركة الطالبان لوكالة «رويترز» بأن «عمر كان مقربا من أسامة بن لادن الزعيم السابق لـ(القاعدة) وأيمن الظواهري زعيم التنظيم الحالي كما كان شخصية مهمة في إدارة عمليات التنظيم وأمواله في باكستان وأفغانستان حيث ساعد في توجيه الهجمات على قوات حلف شمال الأطلسي».
وتنظيم القاعدة حليف مقرب من طالبان ويعملان عن كثب في كثير من الأحيان. وقال مسؤول باكستاني بأن فاروق الذي يدعى أيضا الأستاذ فاروق «كان مسؤولا عن القسم الإعلامي الإقليمي في (القاعدة)».
وقال مسؤول عسكري لوكالة رويترز بأنه «أول باكستاني يعين في منصب رفيع المستوى في (القاعدة)، قام بدور مهم في دفع (القاعدة) إلى التركيز على جنوب آسيا وساعد في تطوير سياسة (القاعدة) بجنوب آسيا وخاصة أنشطتها ضد الهند».
ونفذت الغارة الجوية بقرية خار تانجي في منطقة داتا خيل بوزيرستان الشمالية وهي منطقة جبلية على الحدود مع أفغانستان. وتقع خار تانجي على بعد نحو 45 كيلومترا إلى الغرب من ميران شاه عاصمة وزيرستان الشمالية.
وتحتج الحكومة الباكستانية كثيرا على هذه الغارات وتصفها بأنها انتهاك للسيادة الوطنية.
وسلمت الولايات المتحدة قبل أمس 3 سجناء بينهم عضو كبير في حركة طالبان كان محتجزا في أفغانستان إلى باكستان فيما تسعى واشنطن لإخلاء سجنها في أفغانستان قبل أن تفقد حقها القانوني في احتجاز أشخاص هناك في نهاية العام الجاري.
وكانت القوات الأميركية أسرت لطيف محسود الذي كان الرجل الثاني في حركة طالبان الباكستانية سابقا وذلك في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2013 في عملية أغضبت الرئيس الأفغاني حينها حميد كرزاي.
وقال مسؤولان أمنيان باكستانيان كبيران لـ«رويترز» بأن «محسود الباكستاني الجنسية نقل مع اثنين من حراسه جوا وفي سرية إلى باكستان». وأكد الجيش الأميركي أنه سلم السجناء الـ3 لباكستان قبل أمس لكنه لم يكشف عن هوياتهم. ويتزامن نقل السجناء مع زيارة يقوم بها وزير الدفاع الأميركي المستقيل تشاك هيغل لأفغانستان.
وقد تم نقله إلى إسلام آباد قبل أمس إضافة إلى مسلحين باكستانيين آخرين قبض عليهما في أفغانستان أحدهما من مدينة سوات الباكستانية والآخر من منطقة جنوب وزيرستان القبلية قرب الحدود الأفغانية.
وتراهن باكستان أكبر مستورد للتجهيزات العسكرية، على نموذج جديد من طائراتها القتالية «جي إف - 17» لتصبح مصدرا كبيرا للأسلحة وتدعم اقتصادها الهش.
والجيش الباكستاني الكبير الذي يعتبر المؤسسة الأكثر نفوذا في البلاد، استورد لوقت طويل القسم الأكبر من عتاده العسكري من الخارج، مقتربا في السنوات الأخيرة من الصين بعد أن تعامل طيلة عقود مع الولايات المتحدة.
ويأمل الجيش الآن في قلب هذا الاتجاه مع دباباته وطائراته الاستطلاعية من دون طيار، وكذلك مع نموذجه الجديد لطائرة «جي إف - 17» التي تم تصميمها وتطويرها بمساعدة بكين.
والطائرة الجديدة التي صنعت في المجمع الوطني لصناعة الطيران في محيط العاصمة إسلام آباد، كانت خلال هذا الأسبوع أحد نجوم المعرض الدولي للتجهيزات العسكرية في كراتشي العاصمة المالية للبلد المسلم الوحيد الذي يملك السلاح الذري.
وسيتم تسليمها في بادئ الأمر لسلاح الجو الباكستاني الذي يقصف بكثافة منذ أشهر عدة مواقع لحركة طالبان وغيرها من المجموعات المتمردة الإسلامية المسلحة في المناطق القبلية شمال غربي البلاد، الحدودية مع أفغانستان.
وأعلن رئيس المجمع الوطني لصناعة الطيران الماريشال جواد أحمد لوكالة الصحف الفرنسية: «سنسلم القوات المسلحة 16 طائرة جي إف - 17 (النموذج الجديد) سنويا».
وأوضح أن الطائرات الـ5 الأولى ستخرج هذا الشهر من المصانع التي تتمتع بطاقة إنتاج 25 طائرة في السنة.
وفي هذه السنة تحطمت طائرتا تدريب من طراز «مشاق» صنعتهما باكستان وباعتهما لدول في الخليج، أثناء عمليات تحليق روتينية. وقتل طياران في الحادث الأول وجرح اثنان آخران في الحادث الثاني.



الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
TT

الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)

قاد الملا عثمان جوهري واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية في أفغانستان، وهي معركة «ونت» التي باتت رمزاً للحرب ذاتها.

كان جوهري، قيادي «طالبان» السابق يرتدي نظارات شمسية ومعطفاً من الصوف الثقيل، كما لو أنه قد يترك المكان في أي لحظة. على طاولة مغطاة بالبلاستيك تفصل بيننا تحت ضوء الفلورسنت، كان هناك تل من اللحم والأرز الذي لم يُمس. كانت هذه هي المرة الأولى التي نلتقي فيها، تحديداً في شتاء عام 2022، وقد اختار للقاء مكاناً يقع في نُزل وسط شارع مزدحم.

كانت أصوات التجار وهدير حركة المرور تتسلل عبر نافذة مفتوحة فيما كنت أشرح له لماذا تعقبتُ أثره. منذ أكثر من عقد من الزمان، حاصر 150 مقاتلاً من «طالبان» قاعدة أميركية في سفوح جبال «هندوكوش»، وقُتل تسعة جنود وأُصيب أكثر من عشرين فيما باتت تُعرف بمعركة «ونت»، التي تعد واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية خلال الحرب بأكملها.

وايغال هي قرية كبيرة في عمق وادٍ باسمها لم تتمكن القوات الأمريكية من الوصول إليها مطلقاً خلال حملتها بنورستان (نيويورك تايمز)

هذا الرجل، الملا عثمان جوهري، كان قائد ذلك الهجوم، وهي معجزة أنه لا يزال على قيد الحياة. فخلال الحرب، كان القادة المتوسطون في «طالبان» يلقون حتفهم بانتظام. لكن ها هو حيٌّ يُرزَق. على مدار أكثر من عشرين عاماً، كانت الصحافة الأميركية تغطي نصف الحرب فقط. وأنا، بصفتي صحافياً سابقاً في أفغانستان ورئيس مكتب كابل، كنت جزءاً من ذلك أيضاً. كانت أجزاء كبيرة من البلاد محظورة، وكان تصوُّر «طالبان» غالباً ما يقتصر على دعاية الحركة، وكانت القصة الحقيقية غير معروفة. قرأتُ بصفتي صحافياً كل التقارير المتعلقة بمعركة «ونت»، وكل درس مستفاد. لكن الآن وقد انتهت المعارك، أصبحت أتساءل عما فاتنا. قد أتمكن من الحصول على بعض الرؤى حول كيفية انتهاء الحرب بشكل سيئ بالنسبة إلى الولايات المتحدة (وكذلك بالنسبة إلى كثير من الأفغان، لا سيما النساء).

أردت رؤية الحرب من الجانب الآخر لتقديم منظور قد لا يراه القارئ مطلقاً، ودروس مستفادة من الجماعة الوحيدة التي لم يُطلب منها ذلك، جماعة «طالبان». فبعد حرب فيتنام، التي تتشابه إلى حد كبير مع الحرب في أفغانستان لدرجة أنها أصبحت أشبه بالإكليشيه، مرّت عقود قبل أن تتعامل الولايات المتحدة مع عدوها السابق.

وبحلول ذلك الوقت، كان كثير من قادتها العسكريين قد ماتوا، وضاعت فصول من التاريخ ربما إلى الأبد، حسب المؤرخين.

الملا عثمان جوهري بمنزله في وايغال بولاية نورستان بأفغانستان (نيويورك تايمز)

قدمتُ هذا العرض للملا عثمان جوهري مرتين من قبل: الأولى كانت عبر حارسه الشخصي، الذي كان يرتدي زياً يشبه زي قوات العمليات الخاصة؛ والأخرى كانت عبر مساعده، الذي كان بمثابة قنبلة موقوتة في الانتظار، ولم يعد مطلوباً. أخيراً، جلستُ أمام الملا عثمان نفسه، وعندما انتهيت من حديثي، لم يقل شيئاً، ولم يحرّك حتى رأسه. نظرنا إلى الطعام الذي بدأ يبرد أمامنا حتى أشار إلى حارسه ليتهيأ، فقد كنا متجهين إلى موقع «ونت» بسفوح جبال «هندوكوش».

اليوم في «ونت»، ما زالت بقايا القاعدة الأميركية السابقة قائمة، مهدمة وممزقة كذكرى باهتة، أطرافها التي كانت قائمة في السابق ذابت في الأرض مثل لوحة لسلفادور دالي. أراني الملا عثمان خطوط إمداد «طالبان» ومواقع إطلاق النار، وأعاد تمثيل الحصار. لكن بينما كنا نتحدث على مدار الأيام التالية، ثم الأشهر والسنة التالية، أقنعني الملا عثمان بأن معركة «ونت» بدأت فعلاً قبل سنوات -لكنّ الأميركيين لم يكونوا يدركون ذلك. قال لنا إنه لكم يكن عضواً في «طالبان» عندما بدأت الحرب. وبعد انضمامه، أصبح موضع سخرية في قريته. كان السكان المحليون في الوادي يؤمنون بمستقبل وَعَدَتْهم به الولايات المتحدة. لكن بعد ذلك، بدأت الغارات الجوية الأميركية، التي استهدفت مسلحين مشتبه بهم، في قتل الأبرياء. هذه القصة مألوفة بشكل محبط، ولكن كان ما هو أغرب، فالأمريكيون قتلوا وجرحوا أولئك الذين دعموا وجودهم أكثر من غيرهم.

بدأت عمليات تجنيد «طالبان» في الازدياد، حسب الملا عثمان، مع تحول الأميركيين من حلفاء إلى أعداء.

يقول : «لم يكن هناك أي عنصر لـ(طالبان) هنا عندما بدأت الحرب»، عبارة قالها لي الملا عثمان جوهري في تلك الرحلة الأولى إلى قريته الأصلية في ويغال، التي تقع في عمق الوادي تحت الجبال الشاهقة المغطاة بالثلوج. «لكن بعد أن دخل الأميركيون وبنوا قواعدهم وقتلوا الأبرياء، نهض الناس وقرروا القتال».

دروس مستفادة

نورستان، منطقة جبلية في شمال أفغانستان، لم تكن تهدف مطلقاً لتكون نقطة محورية في الحرب على الإرهاب. لم تكن معقلاً طبيعياً لـ«القاعدة» أو «طالبان». في الواقع، خلال فترة حكمهم الأولى في التسعينات، كانت «طالبان» قد دخلت المنطقة بالكاد. ومع ذلك، اعتقد الأميركيون أنها طريق لتهريب الأسلحة والمقاتلين وملاذ آمن لتنظيم «القاعدة»، لذا بنوا قواعد وبدأوا في تنفيذ دوريات عدوانية في أماكن كانت معتادة على الاستقلال.

في رحلاتي عبر الوادي، قابلت حلفاء للولايات المتحدة تعرضوا للتشويه جراء الغارات الجوية، والذين فقدوا عائلاتهم أيضاً. هؤلاء الأشخاص كانوا بمثابة تذكير بقلة إدراك الولايات المتحدة للحرب التي كانت تخوضها. اتضح أن الأميركيين كانوا مخطئين بشأن كون نورستان معقلاً للإرهابيين. لكن قواعدهم أصبحت بمثابة مغناطيس يجذب المسلحين، مثل «حقل الأحلام» للمتمردين: الأميركيون بنوها، ثم جاءت «طالبان». وبحلول الوقت الذي قاد فيه الملا عثمان فريقه عبر الجبال لشن الهجوم على القاعدة الأميركية في «ونت»، كان الوادي قد تحوَّل ضد الأميركيين، وكانت النتيجة مأساوية.

*خدمة «نيويورك تايمز»