دياب يؤكد استعداد واشنطن لمساعدة لبنان «في مختلف المجالات»

نفى أنباء استقالة الحكومة أو بعض وزرائها

المفتي دريان مستقبلاً أمس رئيس الحكومة حسان دياب (دالاتي ونهرا)
المفتي دريان مستقبلاً أمس رئيس الحكومة حسان دياب (دالاتي ونهرا)
TT

دياب يؤكد استعداد واشنطن لمساعدة لبنان «في مختلف المجالات»

المفتي دريان مستقبلاً أمس رئيس الحكومة حسان دياب (دالاتي ونهرا)
المفتي دريان مستقبلاً أمس رئيس الحكومة حسان دياب (دالاتي ونهرا)

عكس لقاء رئيس الحكومة اللبنانية حسان دياب مع السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا «إيجابية» في العلاقة بين الطرفين اللبناني والأميركي تفضي إلى مساعدة لبنان على أكثر من صعيد، وأبرزها ملف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي الذي وصل إلى الحديث «عن الإصلاحات الأساسية المطلوبة والبرنامج الذي يجب أن يتم التوافق عليه بين صندوق النقد ولبنان»، وهو رهان الحكومة على أن يلعب ذلك دورا أساسيا في استعادة الثقة.
وعبّر دياب أمس عن هذه «الإيجابية» بالقول إن السفيرة شيا «أبدت كل استعداد لمساعدة لبنان في مجالات مختلفة»، فيما قالت مصادر دبلوماسية لـ«الشرق الأوسط» إن اللقاء الذي عُقد أول من أمس تخللته «مباحثات إيجابية»، مشددة على أن الولايات المتحدة «طالما وفرت مساعدة للبنان والشعب اللبناني، وهي مستمرة في ذلك»، من غير الخوض في التفاصيل.
وأكدت مصادر السراي الحكومي في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن العلاقة بين الولايات المتحدة مستمرة ولم تنقطع قط، و«لا إشكال في التعاطي في الطرفين»، مشيرة في رد على التصريحات حول التوجه شرقاً، إلى أن لبنان «لم يدر ظهره في أي لحظة للغرب، وهو يقدر أي دولة صديقة تمدّ يد العون للبنان».
وإذ نفت المصادر أن يكون اللقاء مع شيا تناول ملف ترسيم الحدود الجنوبية، أوضحت أن طلب لبنان الدعم من الولايات المتحدة يندرج في أكثر من إطار، وهو دعم عام بمختلف المجالات، لافتة إلى أنه «من الطبيعي أن يكون تناول موضوع الأزمة الاقتصادية والمالية، ويتم التطرق إلى موضوع المفاوضات مع صندوق النقد»، لافتة إلى أنه «طُلِب دعم في هذا الإطار»، علما بأن اللقاء بين دياب وشيا كان يعقد بالتزامن مع انعقاد الجلسة الـ17 للمفاوضات بين الفريق اللبناني المفاوض وممثلي صندوق النقد الدولي. وأشارت مصادر السراي إلى أن التباين بين الحكومة ومجلس النواب والمصارف لم يكن على الأرقام، بل كان على مقاربة تلك الأرقام، مشددة على أن المفاوضات مستمرة.
وأكد رئيس الحكومة حسّان دياب أمس بعد زيارته دار الفتوى حيث التقى مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، أنه «بحث والسفيرة شيا أول من أمس « مواضيع عدة وأبدت سعادة السفيرة كل استعداد لمساعدة لبنان بملفات مختلفة»، مؤكداً أن «الأنباء عن استقالة الحكومة أو استقالة بعض الوزراء تندرج ضمن الأخبار المفبركة التي تصدر كل يوم وهي غير صحيحة».
وأكد دياب أن الحكومة «تعمل بزخم حتى تخفف الأعباء على المواطنين، كما تدعم العائلات الأكثر حاجة، وقد بلغ عدد المستفيدين من المساعدات 140 ألف عائلة حتى اليوم»، آملاً في «أن نصل إلى 200 ألف عائلة، بما يوازي أكثر من مليون ونصف لبناني»، لافتاً إلى أنه «من ضمن مبلغ الـ1200 مليار ليرة هناك مساعدة للقطاعين الصناعي والزراعي والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة».
ولفت إلى أن حكومته «قدمت مشروع قانون إلى مجلس النواب يتعلق بـ500 مليار ليرة لمساعدة المدارس على تجاوز الوضع الاقتصادي الصعب للعام الدراسي المقبل ومشاريع أخرى تعنى بدعم الوضع الاجتماعي، لا سيما دعم سلة السلع الغذائية الأساسية المكونة من نحو 300 سلعة، وتمثل أكثر من 80 إلى 90 في المائة من الحاجات اليومية للمواطن اللبناني، وبذلك نكون قد فصلنا كلفة هذه السلع عن سعر صرف الدولار. نحن دائما تحت مظلة دار الفتوى ونشكر سماحة المفتي على كل اقتراحاته وتوجيهاته».
وقال دياب إن «هناك عوامل عدة تلعب دورا في أزمة ارتفاع سعر صرف الدولار والأزمتين الاقتصادية والمعيشية، من ضمنها المفاوضات التي تجري مع صندوق النقد الدولي»، مضيفاً: «قلبنا الصفحة على المناقشات التي حصلت خلال الأسابيع الستة الماضية ومن هذا المنطلق بدأنا نتحدث عن الإصلاحات الأساسية المطلوبة والبرنامج الذي يجب أن يتم التوافق عليه بين صندوق النقد ولبنان، وسيلعب ذلك دورا أساسيا في استعادة الثقة ويفتح أبوابا عدة لمشاريع كثيرة من ضمنها سيدر وصناديق أخرى».



اليمن بين إمكانية التعافي واستمرار اقتصاد الحرب

استئناف تصدير النفط سيسمح بمعالجة الكثير من الأزمات الاقتصادية في اليمن (رويترز)
استئناف تصدير النفط سيسمح بمعالجة الكثير من الأزمات الاقتصادية في اليمن (رويترز)
TT

اليمن بين إمكانية التعافي واستمرار اقتصاد الحرب

استئناف تصدير النفط سيسمح بمعالجة الكثير من الأزمات الاقتصادية في اليمن (رويترز)
استئناف تصدير النفط سيسمح بمعالجة الكثير من الأزمات الاقتصادية في اليمن (رويترز)

تتوالى التأثيرات السلبية على الاقتصاد اليمني، إذ يرجح غالبية المراقبين أن استمرار الصراع سيظل عائقاً أمام إمكانية السماح بالتعافي واستعادة نمو الأنشطة الاقتصادية واستقرار الأسعار وثبات سعر صرف العملة المحلية وتحسين مستوى معيشة السكان.

وتشهد العملة المحلية (الريال اليمني) انهياراً غير مسبوق بعد أن وصل سعر الدولار الواحد خلال الأيام الأخيرة إلى 1890 ريالاً في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، في حين لا تزال أسعار العملات الأجنبية ثابتة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية بقرار انقلابي، كما يقول خبراء الاقتصاد الذين يصفون تلك الأسعار بالوهمية.

الانقسام المصرفي في اليمن يفاقم الأعباء الاقتصادية على المجتمع (رويترز)

وتتواصل معاناة اليمنيين في مختلف المناطق من أزمات معيشية متتالية؛ حيث ترتفع أسعار المواد الأساسية، وتهدد التطورات العسكرية والسياسية، وآخرها الضربات الإسرائيلية لميناء الحديدة، بالمزيد من تفاقم الأوضاع، في حين يتم التعويل على أن يؤدي خفض التصعيد الاقتصادي، الذي جرى الاتفاق حوله أخيراً، إلى التخفيف من تلك المعاناة وتحسين المعيشة.

ويعدّد يوسف المقطري، الأكاديمي والباحث في اقتصاد الحرب، أربعة أسباب أدت إلى اندلاع الحرب في اليمن من منظور اقتصادي، وهي ضعف مستوى دخل الفرد، وضعف هيكل نمو دخل الفرد، وهشاشة الدولة وعدم احتكارها العنف، وعندما تفقد الدولة القدرة على الردع، تبدأ الأطراف المسلحة بالصعود للحصول على الموارد الاقتصادية.

ويوضح المقطري لـ«الشرق الأوسط» أنه عندما لا يتم تداول السلطة من جميع القوى الاجتماعية والسياسية في البلد، تنشأ جهات انقلابية ومتمردة للحصول على السلطة والثروة والحماية، وإذا غابت الدولة المؤسساتية الواضحة، ينشأ الصراع على السلطة والثروة، والحرب تنشأ عادة في الدول الفقيرة.

طلاب يمنيون يتلقون التعليم في مدرسة دمرتها الحرب (البنك الدولي)

ويضيف أن اقتصاد الحرب يتمثل باستمرار الاقتصاد بوسائل بديلة لوسائل الدولة، وهو اقتصاد يتم باستخدام العنف في تسيير الاقتصاد وتعبئة الموارد وتخصيصها لصالح المجهود الحربي الذي يعني غياب التوزيع الذي تستمر الدولة في الحفاظ على استمراريته، بينما يعتاش المتمردون على إيقافه.

إمكانات بلا استقرار

أجمع باحثون اقتصاديون يمنيون في ندوة انعقدت أخيراً على أن استمرار الصراع وعدم التوصل إلى اتفاق سلام أو تحييد المؤسسات والأنشطة الاقتصادية سيجر الاقتصاد إلى مآلات خطيرة على معيشة السكان واستقرار البلاد.

وفي الندوة التي عقدها المركز اليمني المستقل للدراسات الاستراتيجية، عدّت الباحثة الاقتصادية رائدة الذبحاني اليمن بلداً يتمتع بالكثير من الإمكانات والمقدرات الاقتصادية التي تتمثل بالثروات النفطية والغاز والمعادن الثمينة والأحياء البحرية والزراعة وموقعها الاستراتيجي على ممرات طرق الملاحة الدولية، غير أن إمكانية حدوث الاستقرار مرهون بعوامل عدة، على رأسها الاستقرار السياسي والاجتماعي والأمني.

وترى الذبحاني ضرورة تكثيف الاستثمارات الاقتصادية وتشجيع القطاع الخاص بالدعم والتسهيلات لتشجيعه على الاستثمار في مشاريع صديقة للبيئة، مشددة على مشاركة المرأة في السياسات الاقتصادية لتحقيق التنمية الاقتصادية، وعدم إهدار طاقاتها الفاعلة في صنع القرار وإيجاد الحلول المبتكرة، وزيادة أعداد القوى العاملة، إذ يمكن أن تضيف المرأة ما نسبته 26 في المائة من الإنتاج المحلي.

سوق شعبية قديمة وبوابة أثرية في مدينة تعز اليمنية المحاصرة من الحوثيين طوال سنوات الحرب (رويترز)

وفي جانب الإصلاح المصرفي يشترط الباحث رشيد الآنسي إعادة هيكلة البنك المركزي ودعم إدارة السياسة النقدية، وتطوير أنظمة المدفوعات وأنظمة البنك المركزي والربط الشبكي بين البنوك باستثمارات بنكية وتحديث القوانين واللوائح والتعليمات المصرفية، وفقاً لمتطلبات المرحلة، وتقليص أعداد منشآت وشركات الصرافة وتشجيع تحويلها إلى بنوك عبر دمجها.

وركز الآنسي، في ورقته حول إعادة ھندسة البیئة المصرفیة الیمنیة بوصفها ركيزة حیویة لبناء اقتصاد حديث، على ضرورة إلزام شركات الصرافة بإيداع كامل أموال المودعين لديها والحوالات غير المطالب بها كوسيلة للتحكم بالعرض النقدي، ورفع الحد الأدنى من رأسمال البنوك إلى مستويات عالية بما لا يقل عن 100 مليون دولار، وعلى فترات قصيرة لتشجيع وإجبار البنوك على الدمج.

كما دعا إلى إلزام البنوك بتخصيص جزء من أسهمها للاكتتاب العام وإنشاء سوق أوراق مالية خاصة لبيع وشراء أسهم البنوك والحوكمة الحقيقية لها.

انكماش شامل

توقّع البنك الدولي، أواخر الشهر الماضي، انكماش إجمالي الناتج المحلي في اليمن بنسبة واحد في المائة خلال العام الحالي 2024، بعد أن شهد انكماشاً بنسبة 2 في المائة في العام الماضي، ونمواً متواضعاً بواقع 1.5 في المائة في العام الذي يسبقه.

يمنيون ينقلون المياه على ظهور الحمير إذ أدى الصراع إلى تدهور سبل المعيشة (أ.ف.ب)

وبيّن البنك أنه في الفترة ما بين عامي 2015 و2023، شهد اليمن انخفاضاً بنسبة 54 في المائة في نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي الحقيقي، ما يترك أغلب اليمنيين في دائرة الفقر، بينما يؤثر انعدام الأمن الغذائي على نصف السكان.

ويذهب الباحث الاقتصادي عبد الحميد المساجدي إلى أن السياسة والفعل السياسي لم يخدما الاقتصاد اليمني أو يعملا على تحييده لتجنيب السكان الكوارث الإنسانية، بل بالعكس من ذلك، سعى الحوثيون إلى ترسيخ نظام اقتصادي قائم على الاختلال في توزيع الثروة وتركزها بيد قلة من قياداتهم، مقابل تجويع القاعدة العريضة من المجتمع.

وأشار المساجدي، في مداخلته خلال الندوة، إلى أن هناك ملفات أخرى تؤكد استغلال الحوثيين الملف الاقتصادي لتحقيق مكاسب عسكرية وسياسية، كإنشاء منافذ جمركية مستحدثة، ووقف استيراد الغاز من المناطق المحررة، وإجبار التجار على استيراد بضائعهم عبر ميناء الحديدة، وغير ذلك الكثير.

منشأة نفطية يمنية حيث يعد إنتاج وتصدير النفط أحد أهم موارد الاقتصاد الهش (أرشيفية - غيتي)

وتحدث الباحث الاقتصادي فارس النجار حول القطاع الخدمي الذي يعاني بسبب الحرب وآثارها، مشيراً إلى تضرر شبكة الطرق والنقل، وتراجع إجمالي المسافة التي تنبسط عليها من أكثر من 70 ألف كيلومتر قبل الانقلاب، إلى أقل من 40 ألف كيلومتر حالياً، بعد تعرض الكثير منها للإغلاق والتخريب، وتحولها إلى مواقع عسكرية.

وتعرض النجار إلى ما أصاب قطاع النقل من أضرار كبيرة بفعل الحرب، تضاعفت أخيراً بسبب الهجمات الحوثية في البحر الأحمر، وهو ما ألحق أضراراً بالغة بمعيشة السكان، في حين وضعت الجماعة الحوثية يدها، عبر ما يعرف بالحارس القضائي، على شركات الاتصالات، لتتسبب في تراجع أعداد مستخدمي الهواتف المحمولة من 14 مليوناً إلى 8 ملايين، بحسب إحصائيات البنك الدولي.