الاقتصاد العالمي بعد «كوفيد – 19»... عولمة يجرّ عربتها حصانان

حاويات في مرفأ تشاندونغ الصيني تنتظر التصدير (رويترز)
حاويات في مرفأ تشاندونغ الصيني تنتظر التصدير (رويترز)
TT

الاقتصاد العالمي بعد «كوفيد – 19»... عولمة يجرّ عربتها حصانان

حاويات في مرفأ تشاندونغ الصيني تنتظر التصدير (رويترز)
حاويات في مرفأ تشاندونغ الصيني تنتظر التصدير (رويترز)

في أقل من ستة أشهر، غيّر فيروس كورونا المسبب لمرض «كوفيد – 19» وجه العالم. ومن الواضح أن الجائحة باقية معنا وقتاً طويلاً، وتضرب ذات اليمين وذات اليسار مسببة أضراراً كبيرة على أكثر من صعيد، أخطرها على الإطلاق الصعيد الاقتصادي. ولعلّ أولى المسلّمات في ظل التراجع والانكماش، هي أن العالم كله يجب أن يعيد ترتيب أولوياته في انتظار عبور النفق والخروج إلى النور.
رأينا الحكومات في أنحاء العالم تستجيب للأزمة الصحية والاقتصادية بسرعة نسبية، إنما بطرق غير منسقة إلى حد كبير، وهو أمر ليس بمفاجئ لأن النظرة إلى المشكلة تختلف باختلاف الثقافات والأنظمة السياسية. وتفصيلاً، كانت هناك مقاربتان للتعامل مع الوباء، قضت الأولى بجعل الأولوية تقليل الضرر الاقتصادي من خلال السماح للفيروس بالانتشار دون رادع حقيقي، على الرغم من الضغط الذي سببه ذلك على النظام الصحي. أما الثانية فأوجبت اعتماد إبطاء متعمَّد للنشاط الاقتصادي بهدف احتواء الأخطار الصحية، وشمل هذا النهج إغلاق الحدود والتباعد الاجتماعي والحجر...
ويجدر بنا الالتفات إلى أن ضعف المناعة الاقتصادية ناجم في جزء منه عن كون الاقتصاد العالمي تلقّى ضربة قاسية قبل 12 عاماً وعرف أزمة كانت الأكبر منذ ثلاثينات القرن العشرين. ولم يكد العالم يتخلّص من آخر تداعيات هذه الأزمة حتى جاء وباء كورونا ليُطلق عاصفة غير مسبوقة. يضاف إلى ذلك، أن الركود المستجدّ حصل في ظل حرب تجارية شرسة بين الولايات المتحدة والصين أثّرت على العالم من أقصاه إلى أقصاه.
لهذا كله، وأياً تكن المقاربة المعتمدة في مواجهة الوباء، نرى أننا نتخبّط في خضم أعمق ركود على مدى السنوات الـ150 الماضية، مع استثناء سنوات الحروب من هذه الفترة. وتُظهر كل التوقعات الاقتصادية الموثوقة، من مؤشرات البنك الدولي إلى أرقام منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وما بينهما من مؤسسات ومعاهد، أن تأثير كورونا مدمّر في كل زوايا الكرة الأرضية، وإن ببعض التفاوت بين دولة وأخرى.
نرى أيضاً أن الأوبئة ليست أمراً من كتب التاريخ بل يمكن أن تحدث في الحاضر والمستقبل. ونرى ونلمس أن حشد استجابة عالمية متضافرة وفعالة في وجه تهديد شامل وضارٍ أمر مستحيل في عالم مليء بالمصالح المادية المتناقضة المزيّنة بكلام شعبوي وديماغوجي.
وإذا كنا نعلم أن الضرر لن يوفّر أحداً، فإن ما لا نعلمه هو مدى الانكماش في النشاط الاقتصادي وحدّة فقدان الوظائف والأعمال على المديين القصير والمتوسط، ومتى وكيف سينتعش الاقتصاد.
وبما أن هناك دلائل على أن موجة ثانية من الوباء بدأت في مناطق معينة، فيما تتسارع وتيرة الموجة الأولى في مناطق أخرى، وفي غياب أفق واضح لإيجاد لقاح أو اجتراح دواء للتخلص من المرض، فإن أي توقع لانتعاش اقتصادي في النصف الثاني من السنة أو في السنة المقبلة يبقى مجرّد تكهّن إن لم نقل أضغاث أحلام.

*أين يقف العالم؟
يبدو السؤال عن الوضع الاقتصادي في عالم ما بعد الوباء ملحاً، بل يمكن السؤال: أي عالم سيكون بعد الوباء؟
لا جواب عند أحد الآن بما أننا لا نزال في مرحلة إحصاء الاضرار ومحاولة وقفها. ومع ذلك، يمكن إطلاق بعض الاستنتاجات المؤكدة التي لا مفر منها:
- تغيّر وجه العولمة من النموذج الذي ساد في العقدين الأخيرين نحو شمولية أقل، وهذا ما كان يحصل في أي حال بسبب الحرب التجارية على «الجبهة» الأميركية – الصينية، والجبهة الأميركية – الأوروبية وسواهما...
- اعتماد تقنيات جديدة غاياتها صحية في المرحلة الأولى، أي مراقبة الناس ضبطاً لتفشّي وباء كورونا. إلا أن هذه الممارسة قد تتحول إلى وسيلة لضبط المجتمعات لغايات أخرى، كما بدأ يحصل في الصين. واستطراداً، لن تترك الحكومات عمالقة التكنولوجيا الذين يسيطرون على الإنترنت يسرحون ويمرحون ويتحكمون في العالم كما يشاؤون، بل ستمارس عليهم رقابة سياسية صارمة.
- صعود القوميات في ظل غياب التعاون الفعّال بين الدول في مكافحة كورونا، وبالتالي تعاظم التيّارات المتطرفة والأحزاب ذات الأجندات الشعبوية التي تستقطب «الجماهير» أيام المحن والأزمات.
- الاستنتاج الرابع هو أن العلاقات الدولية ستكون شائكة جداً في ظل مناخ عدم الثقة والتنافس على أي منفذ اقتصادي في زمن الضائقة. من هنا نرى تشققات في حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، واتهامات وتحديات بين بكين وواشنطن لها مسارح عدة في العالم، وعودة سباق التسلح النووي بين الأميركيين والروس، وكذلك اهتزاز الجهاز الأول الذي يعتمد عليه العالم في مواجهة أي وباء، أي منظمة الصحة العالمية التي وجهت إليها الولايات المتحدة ضربة كبيرة بانسحابها منها.

*آفاق التعافي الاقتصادي
تلتقي سيناريوهات ومقاربات مختلفة على أن التعافي الاقتصادي الذي سيكون أساس أي تقارب سياسي و«شفاء» اجتماعي، لن يحصل فعلياً قبل نهاية الربع الثاني من العام 2021، وذلك مع عودة الناتج الإجمالي العالمي إلى المستوى الذي كان عليه في نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2019، أي نحو 142 تريليون دولار حسب موقع «ستاتيستا» الألماني للإحصاءات، طبعاً إذا افترضنا أن الوباء سلك طريق الانحسار.
في الوقت الراهن، نرى دولا عدة، المقتدرة منها بالطبع، تطلق خططاً لإنعاش الاقتصاد، وآخرها بريطانيا التي أعلنت خطة تحفيز قيمتها 30 مليار جنيه استرليني (37.6 مليار دولار)، قال وزير المال ريشي سوناك إنها موجهة خصوصاً لمكافحة البطالة بين الشباب.
غبر أن إطلاق الخطط وإنفاق المال في اللحظة الراهنة قد لا يكونان دواء ناجعاً قبل أن ينقشع غبار جائحة «كوفيد – 19»، لأن أي انتكاسة جديدة قد تطيح الجهود المبذولة لإنعاش الاقتصاد وتذهب بالأموال التي أُنفقت أدراج الرياح...
يقول الخبير الاقتصادي والأكاديمي الأميركي جوزف ستيغليتز، الفائز بنوبل الاقتصاد 2001، إن العالم لم يأخذ العبر اللازمة من أزمة 2008 – 2009، خصوصاً ضرورة تمتع الاقتصاد العالمي والنظام المالي بالمرونة اللازمة للحؤول دون سقوطه مثل حجار الدومينو عند أول اهتزاز. ويرى أن النظام الاقتصادي الذي سينشأ بعد الوباء يجب أن يستوعب واقع أن العولمة الاقتصادية تجاوزت العولمة السياسية بكثير. وبالتالي على البلدان أن تسعى لتحقيق توازن أفضل بين الاستفادة من العولمة وامتلاك مقدار من الاعتماد على الذات.
من جهته، يرى الأكاديمي البريطاني آدم توز خطراً في اعتماد الأفراد والمجتمعات والحكومات سياسة التقشف في مواجهة الديون الناجمة عن الأزمة الاقتصادية، ويدعو بالتالي إلى الإنفاق بقوة لإطلاق عجلة النشاط والعمل وزيادة الاستهلاك لزيادة الإنتاج. إلا أنه يحذّر هنا من أن تقع قيادة هذه العملية في اليد السياسية السيئة التي لن تحسن قيادة السفينة إلى شاطئ الأمان، بل ستعتمد سياسة حمائية منغلقة تعطّل سلاسل الإمداد وتعقّد العلاقات بين الدول.
الدبلوماسي والأكاديمي كيشور مهبوباني من سنغافورة لا يرى في الأفق سوى عولمة جديدة هي بمثابة عربة يجرّها حصانان: الولايات المتحدة والصين. والمهم في رأيه أن يشدّ الحصانان في الاتجاه نفسه. وعلى القوتين بالتالي التخلي عن المواقف المسبقة والنيّات المبيّتة والطموحات الجيوسياسية للتمكن من إخراج الاقتصاد العالمي من عنق الزجاجة قبل أن ينفد الهواء...


مقالات ذات صلة

«إيرباص» تدفع ثمن الاعتماد المفرط على نموذج طائرة واحد

تحليل إخباري شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)

«إيرباص» تدفع ثمن الاعتماد المفرط على نموذج طائرة واحد

تلقت شركة «إيرباص» الأسبوع الماضي تذكيراً قاسياً بأن طائرتها الأكثر مبيعاً في العالم، وهي سلسلة «إيه 320»، ليست محصنة ضد الصدمات.

«الشرق الأوسط» (باريس)
الاقتصاد جانب من جلسة للبرلمان الأوروبي في ستراسبورغ (أ.ف.ب)

قلق خليجي من تبعات تشريعين أوروبيين لاستدامة الشركات

أعربت دول الخليج عن بالغ قلقها تجاه التشريعين الأوروبيين المعروفين بتوجيه العناية الواجبة لاستدامة الشركات، وتوجيه الإبلاغ عن استدامتها.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد الرئيس دونالد ترمب محاطاً بعدد من كبار تنفيذيي صناعة السيارات الأميركية في المكتب البيضاوي يوم 3 ديسمبر الحالي (أ.ف.ب)

ترمب ينقلب على معايير «الكفاءة الخضراء»

في خطوة تُعدّ انقلاباً مباشراً على إرث إدارة جو بايدن، أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، عن خطة شاملة لخفض معايير الكفاءة في استهلاك الوقود للسيارات والشاحنات.

إيلي يوسف (واشنطن)
الاقتصاد متداولون يعملون أمام شاشات المراقبة ببنك هانا في سيول (إ.ب.أ)

الأسهم الآسيوية تتباين وسط توقعات خفض الفائدة الأميركية

افتتحت الأسهم الآسيوية تداولات يوم الخميس بأداء متباين، بعد أن دعمت البيانات الاقتصادية الأضعف من المتوقع توقعات خفض «الاحتياطي الفيدرالي» أسعار الفائدة.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)
تحليل إخباري ولدان يجلسان على خط الأنابيب العراقي - التركي في قضاء زاخو بمحافظة دهوك بإقليم كردستان العراق (روترز)

تحليل إخباري صراع خطوط الأنابيب... ازدياد النفوذ الأميركي في العراق وتراجع الهيمنة الإيرانية

شهدت الأشهر القليلة الماضية تصعيداً خفياً وفعالاً للضغط الدبلوماسي الأميركي على الحكومة العراقية، نتج عنه إعادة فتح خط أنابيب كركوك-جيهان.

«الشرق الأوسط» (بغداد، واشنطن)

النمو المستدام للاقتصاد اللبناني مشروط بتقدم الإصلاحات الهيكلية

عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)
عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)
TT

النمو المستدام للاقتصاد اللبناني مشروط بتقدم الإصلاحات الهيكلية

عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)
عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)

خفّضت وكالة التصنيف الدولية «موديز»، في تقرير محدث، سقف ترقبات النمو الحقيقي للاقتصاد اللبناني هذا العام، من 5 في المائة المرتقبة محلياً، إلى 2.5 في المائة، مع إدراجها ضمن مسار إيجابي يرتفع إلى نسبة 3.5 في المائة خلال العامين المقبلين، ومع التنويه بأنّ هذه الأرقام «قابلة للتحسّن في حال تنفيذ الإصلاحات بشكلٍ سريع».

وتتلاقى مبرّرات الوكالة ضمنياً، مع تقديرات صندوق النقد الدولي التي تلاحظ أن التقدم المسجّل في ملف إبرام اتفاق مشترك مع لبنان، لا يزال «بطيئاً للغاية»، ويتعرض لانتكاسات تشريعية وقانونية، ما يؤكد مجدداً أن الأزمة لا تزال تتطلب توافقاً سياسياً جدياً لسن القوانين الإصلاحية الضرورية التي تمنح الصندوق الثقة الكافية للموافقة المكتملة على اتفاق يتضمن برنامج تمويل بمبالغ تتراوح بين 3 و4 مليارات دولار، وقابلة للزيادة أيضاً.

الرئيس اللبناني جوزيف عون خلال اجتماعه مع وفد من صندوق النقد الدولي (أرشيفية - الرئاسة اللبنانية)

ورغم التباين في تقديرات النمو المتوقعة لهذا العام، فإن التبدلات الطارئة على المناخات السياسية وانضمام مسؤول مدني إلى اللجنة العسكرية المعنية بوقف الأعمال العسكرية بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي، قلّصت نسبياً من مخاوف توسّع الأعمال الحربية، وأنعشت بالتالي، بحسب مسؤول مالي معني تواصلت معه «الشرق الأوسط»، التطلعات الحكومية لتصحيح الأرقام، وربما فوق مستوى 5 في المائة، ربطاً بكثافة النشاط التجاري والسياحي المعتاد في فترة الأعياد والعطلات بنهاية العام.

وتعدّ عودة الاقتصاد المحلي إلى مسار النمو الإيجابي، وبمعزل عن التفاوت في النسب المحققة أو المرتقبة، تحولاً نوعياً لتأثير عودة الانتظام إلى عمل المؤسّسات الدستورية، بعد 5 سنوات متتالية من الأزمات الحادة والتخبط في حال «عدم اليقين» سياسياً واقتصادياً. ثم تُوّجت باندلاع حرب تدميرية طاحنة، أودت إلى اتساع فجوة الخسائر الإعمارية والقطاعية بما يزيد على 7 مليارات دولار.

وتكفلت تضافر هذه الوقائع السلبية المتتالية بانكماش حاد للناتج المحلي من أعلى المستويات البالغة نحو 53 مليار دولار عشية انفجار الأزمة إلى نحو 20 مليار دولار في ذروة الانهيارات المالية والنقدية، والمعزّزة بإشهار الحكومة الأسبق بتعليق دفع مستحقات الديون العامة، قبل أن يستعيد الاقتصاد حيوية هشّة دفعت أرقامه إلى حدود 31.6 مليار دولار بنهاية عام 2023، وفق رصد إدارة الإحصاء المركزي، ليصل بعدها إلى نحو 43 مليار دولار، وفق تقرير مصرفي محلي، بدفع من مؤشرات متنوعة تشمل السياحة وزيادة الاستيراد واستمرار التضخم واستدامة التحويلات الخارجية، ولا سيما من المغتربين والعاملين في الخارج.

رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام يُشير بيده أثناء حديثه خلال اجتماع مع وفد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (أ.ف.ب)

إعادة هيكلة القطاع المالي

لكن بلوغ مرحلة النمو المستدام للاقتصاد، والاستفادة من التزام الدول المانحة بدعم لبنان، يظل مشروطاً بتطبيق برنامج الإصلاح المعدّ من قبل صندوق النقد الدولي، حيث تتمحور المطالب الرئيسية حول إعادة هيكلة القطاع المالي، واعتماد استراتيجية متوسطة الأجل لتعبئة الإيرادات وترشيد النفقات، وخفض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي واستعادة الاستدامة المالية، فضلاً عن أولويات معالجة ضعف الحوكمة وتعزيز إطار مكافحة الفساد، وإجراء عمليات تدقيق موثوقة لمجمل المؤسسات والحسابات العامة.

وليس خافياً في هذا السياق، ملاحظة إدارة الصندوق أن موازنة الحكومة للعام المقبل، لم ترتقِ إلى مستوى التطلعات الإصلاحية المطلوبة، والاستجابة لضرورة الشروع بإعادة هيكلة الديون الخارجية للبلاد، والتي تشمل سندات «اليوروبوندز» المقدرة بأكثر من 41 مليار دولار، كجزء لا يتجزأ من استعادة القدرة على تحمل الديون. في حين تنبّه إلى أن الحكومة تستمر في الاعتماد على سياسة التقشف القاسي بغية فائض تشغيلي جزئي في الخزينة، بدلاً من التركيز على الإصلاح الهيكلي، والنظر في إصلاح السياسة الضريبية لإتاحة الحيز المالي اللازم للإنفاق على الأولويات مثل إعادة الإعمار والحماية الاجتماعية.

كما تبرز التباينات التي تقارب التناقضات في نقاط محددة بشأن منهجية معالجة الفجوة المالية ستظل عائقاً محورياً على مسار المفاوضات المستمرة بين الحكومة وصندوق النقد، خصوصاً في مقاربة مسألة الودائع التي تناهز 80 مليار دولار، حيث تعلو التحذيرات والانتقادات الحادة لمنحى «الاقتراحات المسرّبة» من اللجنة الحكومية التي تعكف على إعداد مشروع القانون الرامي إلى تغطية عجز القطاع المالي، والمتضمنة صراحة أو مواربة شطب ما يصل إلى 30 مليار دولار من إجمالي المدخرات لدى المصارف، وحصر الضمانة للسداد بمبلغ 100 الف دولار، وإصدار سندات «صفرية» الفوائد لمدة تتعدى 20 عاماً للمبالغ الأكبر.

وقد حافظت «موديز» على تصنيف لبنان السيادي عند الدرجة «سي»، وعلى النظرة المستقبليّة «المستقرّة» في تحديثها للتقييم الائتماني السيادي للحكومة اللبنانيّة، مؤكدة أن هذا التصنيف يعكس احتماليّة كبيرة بأن تتخطّى خسائر حاملي سندات الدين الدولية (اليوروبوندز) نسبة 65 في المائة. في حين يتم تداول هذه السندات حالياً في الأسواق الدولية بأسعار تقارب 25 في المائة من قيمتها الدفترية، بعدما انحدرت خلال الحرب الأخيرة إلى 6 في المائة فقط.

ولم يفت الوكالة الإشارة إلى أنّ تصنيف لبنان سيبقى على حاله، إلا إذا تمّ تطبيق إصلاحات جوهريّة على مدى سنوات عدّة من جهة، وتحسين القدرة على تحصيل الإيرادات وحصول تقدّم ملحوظ في ديناميكيّة الدين، كالنموّ الاقتصادي ومستويات الفوائد وإيرادات الخصخصة والقدرة على تسجيل فوائض أولية كبيرة من جهة موازية، وذلك لضمان استدامة الدين في المستقبل.


«إيرباص» تدفع ثمن الاعتماد المفرط على نموذج طائرة واحد

شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)
شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)
TT

«إيرباص» تدفع ثمن الاعتماد المفرط على نموذج طائرة واحد

شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)
شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)

تلقت شركة «إيرباص» الأسبوع الماضي تذكيراً قاسياً بأن طائرتها الأكثر مبيعاً في العالم، وهي سلسلة «إيه 320»، ليست محصنة ضد الصدمات، سواء كانت من مصدر فلكي، أو من خلل في الصناعة الأساسية. بعد أيام فقط من اضطرار العملاق الأوروبي لسحب 6 آلاف طائرة من طراز «إيه 320» بسبب خلل برمجي مرتبط بالإشعاع الكوني، اضطرت الشركة إلى خفض أهدافها لتسليم الطائرات لهذا العام بسبب اكتشاف عيوب في بعض ألواح جسم الطائرات (الفيوزلاج).

تؤكد هاتان النكستان المترابطتان -إحداهما متجذرة في الفيزياء الفلكية، والأخرى في مشكلات معدنية بسيطة- مدى هشاشة النجاح لشركة طيران تهيمن على أهم جزء في قطاع الطيران، وتتجه لتفوق «بوينغ» للعام السابع على التوالي في عدد التسليمات.

وقد علق الرئيس التنفيذي لـ«إيرباص»، غيوم فوري، لـ«رويترز» قائلاً: «بمجرد أن نتجاوز مشكلة، تظهر لنا مشكلة أخرى»، وذلك في معرض حديثه عن عدد الطائرات المحتمل تأثرها بمشكلات سمك الألواح.

جاءت هذه النكسات بعد أسابيع من تجاوز سلسلة «إيه 320»، بما في ذلك الطراز الأكثر مبيعاً «إيه 321»، لطائرة «بوينغ 737 ماكس» المضطربة بوصفها أكثر طائرة ركاب تم تسليمها في التاريخ.

خطأ برمجي مرتبط بالرياح الشمسية

بدأت أزمة الأسبوع الماضي عندما أصدرت «إيرباص» تعليمات مفاجئة لشركات الطيران بالعودة إلى إصدار سابق من البرنامج في جهاز كمبيوتر يوجه زاوية مقدمة الطائرة في بعض الطائرات، وذلك بعد أسابيع من حادثة ميلان طائرة «جيت بلو» من طراز «إيه 320» نحو الأسفل، ما أدى لإصابة نحو 12 شخصاً على متنها. أرجعت «إيرباص» المشكلة إلى ضعف في البرنامج تجاه الوهج الشمسي، والذي يمكن نظرياً أن يتسبب في انحدار الطائرة، في إشارة إلى الأسطورة اليونانية، حيث أطلق خبراء على الخلل اسم «علة إيكاروس». ورغم أن التراجع عن تحديث البرنامج تم بسرعة، فإن «إيرباص» واجهت بعد أيام قليلة مشكلة «أكثر رتابة» هددت بتقليص عمليات التسليم في نهاية العام: اكتشاف عيوب في ألواح الفيوزلاج.

تقليص الأهداف المالية

أدى اكتشاف الخلل في ألواح جسم الطائرة إلى انخفاض حاد في أسهم الشركة، حيث تراجعت أسهم «إيرباص» بنحو 3 في المائة خلال الأسبوع بعد أن انخفضت بنسبة 11 في المائة في يوم واحد. وفي غضون 48 ساعة، اضطرت «إيرباص» إلى خفض هدفها السنوي للتسليم بنسبة 4 في المائة.

تخضع «إيرباص» حالياً لضغوط من المحققين لتقديم المزيد من البيانات حول تعليق البرامج، بالإضافة إلى تردد بعض شركات الطيران في تسلم الطائرات المتأثرة دون ضمانات جديدة. كما تواجه الشركة أسئلة مستمرة حول سلاسل التوريد.

ويؤكد هذا الخلل، الذي اكتُشف لدى مورد إسباني، على التحديات التي تواجهها شركات الهياكل الجوية، ويبرز المخاوف المستمرة بشأن سلاسل التوريد التي اضطربت بسبب جائحة كوفيد-19. وأشار خبراء إلى أن حادثة الإشعاع الكوني هي تذكير بمدى تعرض الطيران للإشعاعات القادمة من الفضاء، أو الشمس، وهي مسألة أصبحت أكثر أهمية مع اعتماد الطائرات الحديثة على المزيد من الرقائق الإلكترونية. ودعا خبير الإشعاع الكوني جورج دانوس إلى ضرورة عمل المجتمع الدولي على فهم هذه الظاهرة بشكل أعمق.


وزير الطاقة القطري: الذكاء الاصطناعي يضمن الطلب المستقبلي على الغاز المسال

الكعبي يتحدث في جلسة خلال «منتدى الدوحة 2025» (إكس)
الكعبي يتحدث في جلسة خلال «منتدى الدوحة 2025» (إكس)
TT

وزير الطاقة القطري: الذكاء الاصطناعي يضمن الطلب المستقبلي على الغاز المسال

الكعبي يتحدث في جلسة خلال «منتدى الدوحة 2025» (إكس)
الكعبي يتحدث في جلسة خلال «منتدى الدوحة 2025» (إكس)

شكلت تصريحات وزير الدولة لشؤون الطاقة القطري، سعد الكعبي، خلال «منتدى الدوحة 2025»، نقطة محورية في مناقشات المنتدى الذي افتتحه أمير البلاد، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في نسخته الثالثة والعشرين تحت شعار: «ترسيخ العدالة: من الوعود إلى واقع ملموس». وأكد الكعبي على رؤية متفائلة للغاية لمستقبل الغاز، مشدداً على أنه «لا قلق لديه على الإطلاق» بشأن الطلب المستقبلي بفضل الحاجة المتزايدة لتشغيل مراكز الذكاء الاصطناعي.

وأكد الكعبي أن الطلب العالمي على الغاز الطبيعي سيظل قوياً بفضل تزايد احتياجات الطاقة لتشغيل مراكز الذكاء الاصطناعي، متوقعاً أن يصل الطلب على الغاز الطبيعي المسال إلى ما بين 600 و700 مليون طن سنوياً بحلول عام 2035. وأبدى في الوقت نفسه، قلقه من أن يؤثر نقص الاستثمار على الإمدادات المستقبلية للغاز الطبيعي المسال والغاز.

وقال الكعبي: «لا أشعر بأي قلق على الإطلاق بشأن الطلب على الغاز في المستقبل»، مُضيفاً أن الطاقة اللازمة للذكاء الاصطناعي ستكون مُحرّكاً رئيسياً للطلب. عند بلوغه كامل طاقته الإنتاجية، من المتوقع أن يُنتج مشروع توسعة حقل الشمال 126 مليون طن متري من الغاز الطبيعي المسال سنوياً بحلول عام 2027، مما سيعزز إنتاج قطر للطاقة بنحو 85 في المائة من 77 مليون طن متري سنوياً حالياً.

وأضاف أن أول قطار من مشروع «غولدن باس» للغاز الطبيعي المسال، وهو مشروع مشترك مع «إكسون موبيل» في تكساس، سيبدأ العمل بحلول الربع الأول من عام 2026.

وأكد الكعبي أن أسعار النفط التي تتراوح بين 70 و80 دولاراً للبرميل ستوفر إيرادات كافية للشركات للاستثمار في احتياجات الطاقة المستقبلية، مضيفاً أن الأسعار التي تتجاوز 90 دولاراً ستكون مرتفعة للغاية.

كما حذّر من كثرة العقارات التي تُبنى في الخليج، ومن احتمال «تشكُّل فقاعة عقارية».

الاتحاد الأوروبي

كما أبدى الكعبي أمله أن يحل الاتحاد الأوروبي مخاوف الشركات بشأن قوانين الاستدامة بحلول نهاية ديسمبر (كانون الأول).

وكانت دول مجلس التعاون الخليجي، أعربت يوم الجمعة، عن بالغ قلقها تجاه التشريعين المعروفين بتوجيه العناية الواجبة لاستدامة الشركات، وتوجيه الإبلاغ عن استدامتها، اللذين تتعلق بهما مجموعة تعديلات رفعها البرلمان الأوروبي، مؤخراً، إلى المفاوضات الثلاثية. وأكّدت دول المجلس أن قلقها نابع من أن هذه التشريعات ستفضي إلى إلزام الشركات الكبرى، الأوروبية والدولية، اتباع مفهوم الاتحاد الأوروبي للاستدامة، وبتشريعات تتعلق بحقوق الإنسان والبيئة، وبتقديم خطط للتغير المناخي خارج إطار الاتفاقيات المناخية الدولية، كذلك الالتزام بتقديم تقارير عن الاستدامة حول آثار تلك الشركات، والإبلاغ عن ذلك، وفرض غرامات على التي لا تمتثل لهذا التشريع.

كما أعربت قطر عن استيائها من توجيه العناية الواجبة في مجال استدامة الشركات الصادر عن الاتحاد الأوروبي، وهدّدت بوقف إمدادات الغاز. ويتمحور الخلاف حول إمكانية فرض توجيه العناية الواجبة في مجال استدامة الشركات غرامات على المخالفين تصل إلى 5 في المائة من إجمالي الإيرادات العالمية. وقد صرّح الوزير مراراً بأن قطر لن تحقق أهدافها المتعلقة بالانبعاثات الصفرية.

من جهة أخرى، أطلق الكعبي تحذيراً بشأن النشاط العمراني في المنطقة، مشيراً إلى أن هناك «بناءً مفرطاً للعقارات في منطقة الخليج»، ما قد يؤدي إلى «تشكُّل فقاعة عقارية».

استراتيجية مالية منضبطة

من جهته، أكد وزير المالية القطري، علي أحمد الكواري، خلال المنتدى، قوة ومتانة المركز المالي للدولة. وأوضح أن التوسع المخطط له في إنتاج الغاز الطبيعي المسال سيعمل كعامل تخفيف رئيسي يقلل من تأثير أي انخفاض محتمل في أسعار النفط مستقبلاً. وأضاف أن السياسة المالية «المنضبطة» التي تتبعها قطر تمنحها مرونة كبيرة، مما يعني أنها لن تضطر إلى «اللجوء إلى أسواق الدين» لتلبية احتياجاتها من الإنفاق في أي مرحلة.