لبنان: أزمة الكهرباء تهدد الاتصالات وتخنق النظام الصحي

المولدات الخاصة تقنن... وانقطاع الهاتف... و«مستشفى الحريري» يطفئ التكييف

TT

لبنان: أزمة الكهرباء تهدد الاتصالات وتخنق النظام الصحي

للأسبوع الثالث على التوالي؛ تستمر في لبنان أزمة الكهرباء المترافقة مع أزمة تقنين في اشتراكات المولدات الخاصة بسبب شحّ مادة المازوت، مما ينعكس سلباً على المواطنين وعلى قطاعات حيوية تدخل خدماتها في صلب حياتهم اليومية مثل الاتصالات والمستشفيات.
يأتي ذلك على وقع تطمينات وزير الطاقة والمياه ريمون غجر الذي كان قد أعلن أن تحسناً في التغذية الكهربائية سيبدأ من اليوم الثلاثاء؛ «لكن المواطنين لن يلمسوا ذلك إلا في الأسبوع المقبل»، موضحاً أن هناك باخرتين (للتغذية الكهربائية) ستصلان هذا الأسبوع وباخرة ثالثة في الأسبوع الذي يليه.
وعلى خطّ تقنين المولدات، أكّد رئيس «تجمع المولدات في لبنان» عبدو سعادة أن الوضع «سيزداد سوءاً» إذا لم تقم الدولة بتوفير المازوت. وقال سعادة لـ«الشرق الأوسط» إنّ أصحاب المولدات «باتوا يشترون المازوت من السوق السوداء بسعر مرتفع جداً (27 ألفاً للتنكة بدل 14 ألفاً) واليوم لم يعودوا قادرين على توفيره حتى من هذه السوق». وتابع: «في حال استمرار الوضع على حاله، فستبدأ المولدات بالتقنين لساعات أكثر وصولاً لتوقفها كلياً بشكل تدريجي بحكم الأمر الواقع؛ أي نفاد مادة المازوت».
وأعلنت شركة «أوجيرو»، أمس، أن خدماتها في بعض المناطق قد «تشهد اضطراباً أو انقطاعاً في حال توقف أصحاب المولدات الخاصة عن تزويد بعض محولات وغرف الاتصالات بالطاقة، وذلك بسبب زيادة ساعات التقنين ونفاد مادة المازوت».
ومع ازدياد ساعات تقنين الكهرباء الذي لم يستثن المستشفيات، أعلن «مستشفى رفيق الحريري» أنه اضطر إلى وضع جدول بإجراءات وتدابير تساهم في ترشيد استهلاك الكهرباء داخله بنسبة 25 في المائة، وذلك عبر إطفاء المكيفات في غرف الأطباء والإداريين وفي الممرات، وعدم إنارة ما يمكن من الغرف، حسبما أكّد مصدر من المستشفى لـ«الشرق الأوسط»، عادّاً أنّ «هذه التدابير تخدم على المدى القريب، أمّا في حال استمرار الأزمة، فسيواجه المستشفى مشكلة حقيقية».
وفي هذا الإطار، طمأن المصدر المواطنين بأنّ «التبريد لم يتوقف في الأقسام الطبية، كالعمليات والعناية الفائقة والطوارئ وغسل الكلى... وغيرها من الأقسام، خصوصاً أن المستشفى يشغل اليوم 85 في المائة من طاقته الاستيعابية للمرضى»، موضحاً أنّه بالإضافة إلى ما ذكر «فلا يمكن إيقاف التبريد عن بعض الأجهزة، كأجهزة الأشعة، ولا قطع الكهرباء عن أماكن حفظ الدواء، أو عن (السيرفر) الذي يسيّر نظام الملفات في المستشفى، مما يجعل موضوع البحث عن حلول للكهرباء ملحاً جداً».
وفيما خصّ الحديث عن تأجيل عمليات جراحية بسبب تقنين الكهرباء، أوضح المصدر أنّ المستشفى «خفّض عدد غرف العمليات من 10 إلى 4، ولكن هذا لا يعني أبداً تأجيل عمليات طارئة، أو لنزلاء في المستشفى»، مؤكداً أنّ «العمليات الجراحية التي قد يتم تأجيلها تدخل في إطار العمليات غير المستعجلة والتي لا يحمل تأجيلها أي خطر على حياة المريض».
وفي حين أشار المصدر إلى أنّ ساعات تقنين الكهرباء في المشفى «وصلت إلى 16 ساعة يومي الخميس والجمعة الماضيين، مما دفع إلى أخذ تدابير استثنائية»، أوضح أنّ «الإدارة اتصلت بالمعنيين في وزارتي الصحة والطاقة لاستثناء المستشفيات من جدول التقنين المعتمد حالياً، وتمّ الاتفاق على عدم تجاوز التقنين مدة الـ7 ساعات»، مما قد يساهم في تخفيف الإجراءات وفق التسهيلات المقدمة بتغذية الطاقة الكهربائية ومدى توافر مادة الفيول.



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».