فتيان من دون أرجل يعملون في مهن شاقة بانتظار «أطراف صناعية»

مراكز طبية شمال سوريا تصنع قطعاً محلية بأسعار معقولة

فتى فقد ساقه جراء القصف على شمال سوريا (الشرق الأوسط)
فتى فقد ساقه جراء القصف على شمال سوريا (الشرق الأوسط)
TT
20

فتيان من دون أرجل يعملون في مهن شاقة بانتظار «أطراف صناعية»

فتى فقد ساقه جراء القصف على شمال سوريا (الشرق الأوسط)
فتى فقد ساقه جراء القصف على شمال سوريا (الشرق الأوسط)

مع امتداد رقعة الحرب في سوريا وما خلفته من آلاف الضحايا والمصابين والمبتورين خصوصاً في شمال غربي البلاد، كان الأطفال والفتيان الفئة الأكثر تضرراً من الحرب التي سلبتهم طفولتهم، وذلك بعد تعرضهم لإصابات وما نتج عنها من حالات بتر حرمتهم من أدنى حقوقهم في الحركة والتنقل.
ويقول الفتى خالد الحسين (12 عاماً) لـ«الشرق الأوسط»: «أصبت نتيجة غارة للطيران الحربي أثناء ذهابي مع والدي إلى سوق المدينة، ما أدى لمقتل والدي وإصابتي إصابة جسيمة فقدت قدمي على أثرها». ويضيف: «لم أستطع رؤية شيء حينها، الدخان والغبار هو أكثر ما رأيته في تلك اللحظة، وجدت نفسي بعدها على سرير المشفى وقدمي مبتورة، حاولت أنا أحركها كثيراً ولكن لم أستطع، كل ما استطعت فعله هو البكاء فقط».
يصمت قليلاً، ثم يتابع: «أعاني من ألم شديد في أدنى حركاتي لعدم إمكانية تركيب طرف صناعي بسبب سعره المكلف وهو ما لا طاقة لأهلي به، خصوصاً بعد وفاة والدي؛ إذ لم يعد لنا من ينفق علينا ويؤمن مستلزماتنا المعيشية».

عمل شاق
يعمل خالد في بيع المثلجات على أرصفة الطرقات لتأمين لقمة العيش التي بات الوصول إليها صعب المنال، وهو عمل لا يخلوا من المشقة ولا يتلاءم مع إصابته لأنه يحتاج إلى التنقل المستمر، ويأمل في أن يستطيع تأمين طرف صناعي عن طريق إحدى المنظمات الإنسانية؛ ما يمكنه أن «يغنيني عن العكاز الذي رافقته طيلة إصابتي».
يعاني الأطفال السوريون في الشمال الذين تعرضوا لبتر أحد أطرافهم من نقصٍ في المستلزمات العلاجية ومراكز تركيب الأطراف الصناعية في هذه المناطق؛ إذ يعدّ الحصول على طرف صناعي بمثابة حلم قد يعيد لهم جزءاً من الحياة التي سلبت منهم. وتعرب راما (36 عاماً)، والدة خالد، عن حزنها وألمها للوضع المزري الذي وصل إليه طفلها، وتقول: «النظرة الدونية التي ينظرها أصدقاؤه له تؤلم خالد أكثر من ألم إصابته بأضعاف، حيث بات يفضل الانسحاب من أي نشاط مع أصدقائه، مختاراً العزلة والانطواء، وملتفتاً إلى عمله فقط دون الرغبة في الاختلاط مع الآخرين»، مشيرة إلى الحالة النفسية السيئة التي وصل إليها لشعوره بالعجز والضعف.
من جهتها، تقول المرشدة النفسية والاجتماعية علا المنصور: «يعاني المجتمع في الداخل السوري من قلة الوعي تجاه هذه المسألة الحساسة، فثقافة التقبل والاعتراف بالشخص وحقوقه لا تزال غائبة عنهم، مما يجعل الأطفال من فاقدي الأطراف يعانون من التنمر المحيط بهم، الأمر الذي يجبرهم على العزلة المجتمعية ويؤخر من عملية علاجهم بسبب الصدمة النفسية والألم الكبير الذي يعيشونه».
وصل عدد الضحايا الأطفال على يد الأطراف الرئيسية الفاعلة في سوريا منذ مارس (آذار) 2011 وحتى مارس 2020 إلى 29 ألفاً و257 طفلاً قضوا، بحسب إحصائية نشرتها «الشبكة السورية لحقوق الإنسان»، بينما وثقت منظمة الصحة العالمية ومنظمة «هانديكاب إنترناسيونال» إصابة نحو 3 ملايين في الحرب؛ ضمنهم مليون طفل؛ تعرض 86 ألفاً منهم لبتر أحد الأطراف.

أصدقائي يلعبون
«كل رفقاتي بيقدروا يلعبوا؛ إلا أنا ما بقدر»، بهذه الكلمات تلخص الطفلة خلود الحمدان ذات السنوات التسع معاناتها مع بتر قدميها، لتكون إحدى الضحايا اللاتي دمرتهن غارات النظام وروسيا، بعد سقوط صاروخ متفجر على منزلها أدى لإصابتها إصابة بليغة. تقول خلود: «أتمنى أن ألعب برفقة إخوتي وصديقاتي، لكنني لا أستطيع؛ بسبب إصابة قدمي. حلمي أن أركب قدمين جديدتين لكي أستطيع التحرك كما أشاء».
تتراوح تكلفة الطرف الصناعي بين 1000 و2500 دولار؛ حسب جودته وتلاؤمه مع الإصابة، وهو سعر خيالي بالنسبة لأهالي إدلب وريفها نتيجة الواقع الاقتصادي المتردي والمنهك الذي يعيشونه بسبب الغلاء والفقر والبطالة، مما دفع ببعض العاملين في هذا المجال لصناعة أطراف محلية الصنع نظراً لتكلفتها القليلة نسبياً مقارنة بالأطراف المستوردة؛ إذ لاقت هذه الأطراف إقبالاً كبيراً من الأشخاص ميسوري الحال، فمعظم هذه الأطراف يتلاءم مع كثير من الإصابات؛ مما يخفف من معاناة المصابين.

أطراف محلية
يقول الطبيب محمد الكلي، أحد الأطباء المختصين بصناعة الأطراف: «نعمل على تصنيع القطع الأولية في مركز التصنيع الخاص بنا، بينما يتم شراء القطع الجاهزة والتي لا يمكن تصنيعها من الخارج، نبدأ بعدها بمعاينة الطفل المصاب، وأخذ حجم إصابته، بالإضافة للقياسات اللازمة، لتبدأ عملية تصنيع الطرف، وتدريب المصاب عليه؛ حيث تختلف فترة التدريب من شخص لآخر حسب نوع الإصابة. نستقبل جميع الأشخاص المبتورين والمحولين بوصفة طبية من كل المناطق المحررة، ويبلغ سعر الطرف نحو 700 دولار أميركي، وهو مبلغ مقبول بالنسبة لأسعار الأطراف المستوردة والأطراف الذكية».
ودعمت بعض المراكز والفرق التطوعية شريحة الأطفال المبتورين الذين ازداد عددهم بشكل ملحوظ في الشمال السوري بعد سنوات الحرب؛ إذ تعمل هذه المراكز على دمج هذه الفئة المهمشة بالمجتمع عن طريق النشاطات التعليمية والثقافية والنفسية.
مدير «مركز عقول مبدعة» عمار هلال، وهو من فئة ذوي الاحتياجات الخاصة وذلك بعد إصابة حربية تسببت في بتر قدمه اليمنى، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «نظراً لازدياد الأطفال المبتورين في الشمال السوري وحاجتهم الماسة للوقوف إلى جانبهم، عملنا على افتتاح هذا المركز .



الحوثيون يعترفون بمقتل وإصابة 36 شخصاً إثر ضربات أميركية

الضربات الأميركية غرب صنعاء نجم عنها حرائق ضخمة أضاءت الأفق (إ.ب.أ)
الضربات الأميركية غرب صنعاء نجم عنها حرائق ضخمة أضاءت الأفق (إ.ب.أ)
TT
20

الحوثيون يعترفون بمقتل وإصابة 36 شخصاً إثر ضربات أميركية

الضربات الأميركية غرب صنعاء نجم عنها حرائق ضخمة أضاءت الأفق (إ.ب.أ)
الضربات الأميركية غرب صنعاء نجم عنها حرائق ضخمة أضاءت الأفق (إ.ب.أ)

بينما تتواصل الحملة الأميركية على الحوثيين في اليمن، للأسبوع الخامس على التوالي، تحدثت الجماعة، الاثنين، عن ارتفاع عدد القتلى والجرحى جرَّاء غارات أميركية ضربت غرب صنعاء إلى 36 شخصاً، كما أقرَّت بتلقي ضربات في محافظتي صعدة والجوف.

وفي سياق التصعيد المستمر، تبنت الجماعة المدعومة من إيران، مساء الأحد، مهاجمة إسرائيل بصاروخين باليستيين وطائرة مُسيَّرة، وزعمت إسقاط مُسيَّرة أميركية في أجواء محافظة حجة في الشمال الغربي من اليمن.

وكان ترمب قد أمر الجيش في 15 مارس (آذار) الماضي، ببدء الحملة الجديدة ضد الحوثيين، متوعداً بـ«القضاء التام» عليهم، في مسعى لوقف تهديدهم المتصاعد للملاحة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن، ولوقف استهدافهم لإسرائيل بالصواريخ والطائرات المُسيَّرة.

ووسط تكتم الجماعة على خسائرها على مستوى العناصر والعتاد، لا تلوح في الأفق أي تهدئة قريبة للحملة الأميركية، في ظل إصرار الجماعة على ربط تهديدها للملاحة وهجماتها باتجاه إسرائيل بمزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة.

وأفاد إعلام الحوثيين بتلقي 3 غارات ليلية، قال إنها ضربت مصنعاً للسيراميك في منطقة متنة التابعة لمديرية بني مطر في ريف صنعاء الغربي، وزعم أن الضربات أدت إلى مقتل 7 أشخاص وإصابة 29 آخرين، بينهم 5 أطفال وامرأة.

إلى ذلك، أقر إعلام الجماعة بتلقي غارتين في منطقة اليتمة؛ حيث مديرية خب والشعف، التابعة لمحافظة الجوف في الشمال الشرقي من صنعاء، وذلك بعد ساعات من تلقي سلسلة ضربات على مأرب وصنعاء والحديدة وصعدة.

123 قتيلاً

وحسب قطاع الصحة الخاضع للحوثيين، فقد بلغ عدد ضحايا الضربات من منتصف مارس الماضي حتى الآن 123 قتيلاً و247 جريحاً، وهي أرقام لم يتم التحقق منها من مصادر مستقلة؛ إذ عادة ما تحاول الجماعة تهويل الإصابات بين المدنيين، في مقابل التكتم على عناصرها وقادتها الذين تم استهدافهم.

وتكون الجماعة الحوثية مع هذه الضربات قد تلقت منذ منتصف مارس الماضي نحو 430 ضربة جوية وبحرية، تركزت بدرجة أساسية على المخابئ المحصنة؛ خصوصاً في صعدة وصنعاء وعمران والحديدة، وكذا على قدرات الجماعة عند خطوط التماس، ولا سيما في مأرب والجوف.

مسلحون حوثيون خلال حشد في صنعاء دعا إليه زعيمهم عبد الملك الحوثي (رويترز)
مسلحون حوثيون خلال حشد في صنعاء دعا إليه زعيمهم عبد الملك الحوثي (رويترز)

وطالت الضربات -بدرجة أقل- مواقع وتحصينات ومستودعات وقدرات عسكرية متنوعة في محافظات حجة، والبيضاء، وذمار، وإب، وسط تكتم من الجماعة المدعومة من إيران على حجم خسائرها، مكتفية بذكر أرقام لضحايا تزعم أنهم من المدنيين.

يشار إلى أن ضربات ترمب تضاف إلى نحو ألف غارة وضربة بحرية كانت الجماعة قد تلقتها خلال عام كامل من إدارة بايدن، ابتداءً من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، وحتى توقيع هدنة غزة بين «حماس» وإسرائيل في 19 يناير الماضي.

العودة للصواريخ

ومنذ أكثر من أسبوعين، توقفت الجماعة الحوثية عن إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل، واكتفت بتبني إطلاق عدد من المُسيَّرات، قبل أن تعود الجماعة مساء الأحد لتبني إطلاق صاروخين باليستيين، في حين لم يؤكد الجيش الإسرائيلي سوى صاروخ واحد تمكَّن من اعتراضه.

ومع هذين الصاروخين تكون الجماعة الحوثية قد تبنت إطلاق 12 صاروخاً باليستياً منذ 17 مارس الماضي، وجميعها تم اعتراضها دون أي تأثير عسكري.

وزعم المتحدث العسكري باسم الجماعة، يحيى سريع، أن الجماعة استهدفت بالصاروخين قاعدة «سودت ميخا» ومطار بن غوريون، كما استهدفت هدفاً حيوياً في عسقلان بطائرة مُسيَّرة.

أطفال فلسطينيون يتجمعون بجوار شظية صاروخ حوثي اعترضته إسرائيل (رويترز)
أطفال فلسطينيون يتجمعون بجوار شظية صاروخ حوثي اعترضته إسرائيل (رويترز)

إلى ذلك، زعم المتحدث الحوثي في بيان متلفز آخر، أن دفاعات جماعته أسقطت طائرة أميركية من نوع «إم كيو 9» في أثناء قيامها بتنفيذ مهام عدائية في أجواء محافظة حجة، كما زعم أن هذه هي الطائرة الرابعة التي تسقطها الجماعة خلال أسبوعين، والتاسعة عشرة منذ بدء تصعيد الجماعة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023.

ونفى المتحدث الحوثي تأثر قدرات جماعته العسكرية جرَّاء الضربات الأميركية، وتوعَّد باستمرار التصعيد، وعدم توقف الهجمات إلا بتوقف الحرب الإسرائيلية على غزة.

ويزعم الحوثيون بشكل شبه يومي أنهم يواصلون مهاجمة حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» والقطع الحربية المرافقة لها بالصواريخ والمُسيَّرات؛ لكنهم لا يقدمون أي دليل يثبت مزاعمهم، بينما يؤكد الجيش الأميركي من خلال التصريحات ومقاطع الفيديو، أن الحاملة تواصل مهامها في ضرب قدرات الجماعة دون توقف.

ويجزم مراقبون يمنيون بأن الحملة الجوية الأميركية لن تكون كافية لإنهاء تهديد الحوثيين، وأنه لا بد من عمل بري على الأرض تقوم به القوات الحكومية لاستعادة الحديدة وصنعاء، وبقية المناطق اليمنية المختطفة من قبل الجماعة.