انتقادات روسية لحديث المعلم حول «قانون قيصر» الأميركي

TT

انتقادات روسية لحديث المعلم حول «قانون قيصر» الأميركي

تجاهلت موسكو أمس، الغارات الإسرائيلية الجديدة على مواقع في سوريا ليل الثلاثاء – الأربعاء، ولم يصدر تعليق على المستوى العسكري أو الدبلوماسي، في حين ركزت وزارة الدفاع الروسية على صد هجوم على قاعدة «حميميم» استُخدمت فيه طائرتان موجهتان. تزامن ذلك، مع بروز ردات فعل في موسكو انتقدت مضمون حديث وزير الخارجية السوري وليد المعلم قبل يومين.
وبالتوازي مع الصمت الرسمي الروسي على الغارات الإسرائيلية، أعلن المركز الروسي للمصالحة في سوريا، عن إسقاط طائرتين مسيرتين بالقرب من قاعدة «حميميم» الجوية الروسية قبل يومين. وقال رئيس المركز الفريق البحري ألكسندر شيربيتسكي في بيان، إن وسائل الدفاع الجوي الروسي رصدت طائرات مسيرة اقتربت من القاعدة وحامت قرب مدينة جبلة بريف اللاذقية.
وأضاف، أن المضادات الجوية الروسية والسورية أسقطت الطائرتين قبل وصولهما إلى أهدافهما. وأكد المركز الروسي عدم وقوع أي خسائر أو أضرار، مشيراً إلى أن «القاعدة الروسية تعمل بنظام اعتيادي».
سياسياً، برزت ردات فعل حملت استياء من تصريحات المعلم، وقال لـ«الشرق الأوسط» خبير في مركز دراسات متخصص بشؤون الشرق الأوسط، أن «الوقائع تظهر أن النظام بات عاجزاً عن تغيير سلوكه» ومواجهة المشكلات الجدية التي تتعرض لها سوريا حالياً. ورأى أن «المشكلة الرئيسية تكمن في تزايد القناعة لدى النخب الروسية بعدم القدرة على فصل النظام عن إيران، مع ما ينعكس من ذلك على آليات التعامل مع الملفات المختلفة المطروحة حالياً».
في الوقت ذاته، قال رامي الشاعر، الدبلوماسي السابق المقرب من الخارجية، إن تصريحات المعلم «تبعث على الدهشة»؛ لأن «تلك الصورة التي نقرأها في كلماته عن الوضع في سوريا تظهره وكأنه طبيعي للغاية. لا يوجد أي دمار أو مهجّرين في الداخل والخارج، والدولة تقوم بواجبها على أكمل وجه، وملتزمة بدفع الرواتب لجميع الموظفين والعاملين في مؤسساتها، ولا يعاني الشعب السوري من غلاء المعيشة وانخفاض القيمة الشرائية للرواتب». وزاد الدبلوماسي، أن «كل الضجة المثارة حول (قيصر) لا يراها المعلم سوى (فرصة للنهوض بالاقتصاد الوطني، وتحقيق الاكتفاء الذاتي)»، باعتبار أن سوريا معتادة على «التعامل مع العقوبات الأحادية التي فرضت (عليها) منذ 1978 تحت مسميات عدة وصولاً إلى ما يسمى قانون قيصر».
وانتقد خبراء روس تجاهل الحكومة السورية تردي الأوضاع المعيشية حتى قبل دخول «قانون قيصر» حيز التنفيذ، في محاولة لتحميل القانون كل تبعات الأخطاء السياسية والاقتصادية في البلاد. ولفت بعضهم إلى أن «المعلم لم يتحدث عن أن راتب المعلم أو الطبيب وصلت قيمته إلى ما يعادل 15 دولاراً أميركياً، بينما أصبح راتب العقيد في الجيش العربي السوري لا يتجاوز 40 دولاراً شهرياً. وتعامل الوزير مع الوضع السوري الراهن وكأن حاجة الشعب تقتصر على ربطة الخبز، متجاهلاً غياب الحد الأدنى من البنى التحتية من ماء وتدفئة وسكن ورعاية صحية، بعد أن دمرت 70 في المائة من هذه الخدمات».
ولفت أحد الخبراء إلى «انفصال المسؤولين السوريين عن الواقع» من خلال تجاهل ما يجري على الأرض والمعاناة المتواصلة للسوريين، والتركيز بشكل مفتعل على «المؤامرات الخارجية المحاكة ضد سوريا»، مشيراً إلى أن «الغالبية العظمى من الشعب السوري أصبحت على قناعة تامة بأن المخرج الوحيد لإنقاذ سوريا وشعبها هو الانتقال إلى سوريا جديدة بنظام آخر يشارك فيه الجميع على قدم المساواة لبناء اقتصاد وطني جديد، يحسن من أوضاع الشعب السوري، ويقيله من عثرته الراهنة».
اللافت، أن أحد الدبلوماسيين كتب عبارات لافتة في تعليق تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه؛ إذ أشار إلى أن «النظام الذي استمر نحو 50 عاماً، وصل إلى مرحلة التكلس، وآن أوان التغيير الحقيقي لنظام الحكم في سوريا. لأن هذا النظام لم يعد مقبولاً من غالبية الشعب السوري، وكل محاولات عرقلة النظام لتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254، أو الالتفاف حوله، أو إيقاف عجلة التاريخ عند لحظات بعينها، لن تطيل من عمر النظام أكثر من بضعة أشهر». وأشار التعليق إلى أن ما يمكن استنتاجه من حديث المعلم في المؤتمر الصحافي «هو أن النظام في دمشق لا ينوي القيام بأي خطوات جدّية للمشاركة في الانتقال إلى مرحلة جديدة في سوريا كما نص عليها قرار مجلس الأمن رقم 2254، وأن الوضع الحالي مريح ومناسب بالنسبة لهذا النظام».
ولفت الأنظار إلى أن بعض التعليقات دعت الحكومة السورية إلى «عدم توقع أن تقوم روسيا بدفع المليارات لدعم النظام في دمشق أمام مواجهات التحديات الأميركية، الممثلة في القيود الاقتصادية الجديدة التي ينص عليها (قانون قيصر)».
وتزامن هذا مع إشارة إلى أنه «كذلك هناك من يراهن من السوريين على أن مناطق شمال وشرق سوريا ستنتعش اقتصادياً بسبب ضخ الولايات المتحدة وتركيا أموالاً ضخمة لدعم سيطرتهم عليها، بينما ترزح بقية الأراضي السورية تحت وطأة البؤس والفقر والمشاكل التي ستنفجر جنوب البلاد، وبدأت بوادرها تطفو على السطح فيما نراه من مظاهرات يومية في السويداء، واعتقال 8 نشطاء سياسيين، بالإضافة إلى بعض التوترات في مناطق حوران ومدينة درعا». وحذر الخبير من أن «سوريا لن ترى بريقاً لأي أمل بتحسين وضعها وإنهاء معاناة شعبها دون شروع فوري في عملية الانتقال السياسي؛ ما يسمح للمجتمع الدولي بالبدء في المشاركة الجماعية الدولية في ضخ المليارات لإعادة إعمار سوريا، وعودة الأمور إلى طبيعتها. وكل ما هو دون ذلك ليس سوى انتحار للنظام الحالي في دمشق وإطالة أمد معاناة الشعب السوري».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».